الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيوته، والمستغفرين وقت السَّحر فيحمله على العفو، فيصرف عذابه عنهم إكرامًا للمطيعين تفضلًا منه، وإحسانًا.
شرح حديث إني لأستحي من عبدي وأمتي
…
50-
" إني لأستحي من عبدي وأَمَتِي يشيبان في الإسلام، فتشيب لحية عبدي، ورأس أمتي في الإسلام، أعذبهما في النار بعد ذلك"1. رواه أبو يعلى عنه.
ش- الشيب: ابيضاض في الشعر المسود. والمراد به هنا -والله أعلم-: بلوغ سن الكبر؛ لأن الإنسان قد يشيب وهو حدث السن، وليس مرادًا هنا. والأمة: المرأة.
والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يستحي أن يعذب عبده، وأمته إذا شابا في الإسلام، فكيف لا يستحي العبد والأمة أن يعصيا الله وهما على هذه الحالة؟! ففيه توبيخ، واستنكار فعل من هذا حاله. وذكر المدني في كتابه حديثًا آخر، ولفظه:"وعزتي وجلالي، وجودي، وفاقه خلقي، وارتفاعي، وعز مكاني لأستحيي من عبدي، وأمتي يشيبان في الإسلام" ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: "أبكي ممن يستحي الله منه، ولا يستحي من الله" أخرجه ابن حبان في الضعفاء، والبيهقي في الزهد. والرافعي عن أنس، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. والله أعلم.
1 رواه أبو يعلى رقم "2764"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد"5/ 159 "وقال: رواه أبو يعلى، وفيه: نوح بن ذكوان، وغيره من الضعفاء. نقول: وفي إسناده أيضًا سويد بن سعيد ضعيف، وعنعنه الحسن البصري، فالحديث ضعيف.
شرح حديث: إني لست على كل كلام الحكيم أقبل
…
51-
"إني لست على كل كلم الحكيم أقبل، ولكن أقبل على همه، وهواه فيما يحب الله ويرضى، جعلت حكمته حمدًا لله ووقارًا وإن لم يتكلم"1. رواه ابن النجار عن المهاجر بن حبيب.
ش- الحكيم: قال صاحب النهاية: فعيل بمعنى فاعل، أو هو الذي يحكم الأشياء، ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل. وقيل: الحكيم: ذو الحكمة، والحكمة: عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات،
1ذكره المتقي الهندي ج/3/ ورقم "7241"وقال: رواه ابن النجار عن المهاجر بن حبيب، وإسناده ضعيف، وهو مرسل.
ويتقنها: حكيم. انتهى. وقيل: الحكمة عبارة تفيد أدبًا أو عظةً، أو تجري مجرى المثل. والهوى: مصدر هواه: أحبه، وشرعًا: ميل النفس إلى مشتهيات الطبع دون مقتضيات الشرع. والوقار -بفتح الواو-: الحلم، والرزانة، والعظمة. والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل على كل كلام الحكيم؛ لأن فيه ما يكون تبعًا لهواه وحظه، وما يكون تبعًا لمرضاة الله جل ذكره وأمره فالله يقبل على كلامه؛ إذا كان همه وهواه فيما يحبه الله، ويرضاه. وزيادة على ذلك: فإن الله تباركت أسماؤه يجعل حكمته حمد الله، ويزينه بالوقار، والعظمة، والهيبة. وإن لم يتكلم بالحكمة، وهذا دليل على أن الإنسان مهما اتصف بالكمال، والعقل، والأدب، والحكمة، وغير ذلك من الصفات الحميدة لا تحليه، وتزينه، وتورثه عظمة، وحلمًا، وعظة إلا إذا كان يميل إلى ما يحبه الله جل اسمه؛ بأن يفعل المأمورات، ويجتنب المنهيات، ويتبع الرسل في كل ما جاء من الأحكام، والآداب، والأخلاق، ولذلك ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"1. ولا شك أن المؤمن كامل الإيمان لا يكون هواه إلا تبعًا لما جاء به الدين الحنيف. ولذلك كانت الصحابة رضوان الله عليهم أفضل الخلق لما خصوا بالمزايا والصفات الكاملة، أعلاها: الميل إلى ما جاءت به الشريعة السمحة؛ التي ليلها كنهارها في الإضاءة، والوضوح، كان أحدهم يقاتل أباه، وابنه وهو في صف المؤمنين، وهما في حيز الكافرين المشركين، بذلوا رضي الله عنهم في طريقه مهجهم، وأنفقوا أموالهم، فطوبى لهم! فمن كان الهوى -وهو الباطل- المطاع المحبوب الاتباع تابعًا لطرق الهدى من الملة البيضاء، والسنة الزهراء حتى تصير همومه المختلفة، وخواطره المتفرقة؛ التي تنبعث من هوى النفس، وميل الطبع هما واحدًا، يتعلق بأمر ربه، واتباع شرعه؛ تعظيمًا لحقه، وشفقة على خلقه، كما قيل:
كانت لقلبي أهواءٌ مفرقةٌ
…
فاستجمعت إذ رأتك العينُ أهوائي
وصار يحسُدني من كنت أحسدُهم
…
وصرتُ مولى الورى إذ صرت مولائي
تركت للخلقِ دنياهم ودينَهم
…
شغلًا بحبك يا ديني ودنيائي
1 رواه ابن أبي عاصم في السنة"15". والبغوي في شرح السنة"104"من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وإسناده ضعيف، ورجاله ثقات غير نعيم بن حماد ضعيف لكثرة خطئه، وقد اتهمه بعضهم، وذكر ابن رجب الحنبلي عللًا أخرى في شرح الأربعين النووي، فراجعه.