الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يميل إلا بأمر الشَّرع، ولا يهوى إلا حكم الطبع، فهو المؤمن الكامل الوحيد الذي يقبل منه التوحيد. ومن أعرض عنه متبعًا لهواه، مبتغيًا لرضاه؛ فهو الكافر الخاسر في دنياه، وعقباه، ومن اتبع أصول الشريعة دون فروعها؛ فهو الفاسق، ومن عكس؛ فهو المنافق، والله أسال هداية الأمم أجمع إلى اتباع الدين الإسلامي، والأخذ بمبادئه والتحلي بمحاسنه!
قال الحافظ زين الدين بن رجب: فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه، فقال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] وكذلك البدع: إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمى أهلها: أهل الأهواء، وكذلك المعاصي: إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه، كذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب على المؤمن محبة الله، ومحبة من يحبه الله من الملائكة، والرسل، والأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين عمومًا، ولهذا كان من علامات وجود حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وتحريم موالاة أعداء الله وما يكره الله عمومًا. والله أعلم.
شرح حديث: إني والجن والإنس في نبأ عظيم
…
52-
" إني والجن والإنس في نبأٍ عظيمٍ، أخلق، ويُعبد غيري، وأرزق، ويشكر غيري"1. رواه البيهقي، والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء.
ش-أصل الجن- بفتح الأول-: ستر الشيء عن الحاسة. يقال: جنة الليل، وأجنة، وجن عليه، فجنه، وأجنه: جعل له ما يجنه، كقولك: قبرته، وأقبرته، وسقيته، وأسقيته، وجن عليه كذا: ستر عليه. قال الراغب: والجن -بكسر أوله- يقال على وجهين؛ أحدهما: للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة، والشياطين، فكل ملائكة جن، وليس كل جن ملائكة، وعلى هذا قال أبو صالح: الملائكة كلها جن. وقيل: بل الجن بعض الروحانيين، وذلك أن
1 رواه البيهقي في الشعب رقم "4563"والديلمي رقم"4506"من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وإسناده منقطع؛ لأن عبد الرحمن بن جبير وشريح من عبيد لم يدركا أبا الدرداء.
الروحانيين ثلاثة: أخيار: وهم الملائكة، وأشرار: وهم الشياطين، وأوساط: فيهم أخيار، وأشرار وهم الجن، ويدل على ذلك قوله تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1] إلى قوله عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: 14] . والإنس: البشر، أو خلاف الجن والملك، وسمي الإنسان بذلك؛ لأنه خلق خلقه لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض، ولهذا قيل: الإنسان مدني بالطبع حيث إنه لا قوام لبعضهم إلا ببعض ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه. وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأنه عهد إليه فنسى.
والنبأ: خبر ذو فائدة عظيمة، يحصل به علم، أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب، كالتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولتضمن النبأ معنى الخبر يقال: أنبأته بكذا، كقوله: أخبرته بكذا، ولتضمنه معنى العلم قيل: أنبأته كذا، كقولك: أعلمته كذا، قال الله تعالى في كتابه الحكيم:{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} [ص: 67-68] وقال: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] والله أعلم. أفاده الراغب.
ولامعنى: أن الله جل جلاله مع خلقه من إنس وجن في نبأ وخير عظيم، وعجب عجبًا، فالله يخلق الخلق من عباد، وجماد، وشجر، وحيوان ويقدر لهم الآجال والأرزاق، ويعبدون غيره من صنم، ووثن، وحجر، ونار، وشمس، وقمر، وهوى، وشيطان، يسدي نعمه على خلقه، ويشكرون غيره، ولا ينظرون إلى نعمائه. إن هذا العمل لفعل مستبعد عند العقلاء، ومنكر فظيع عند أهل الذكاء، فهل يليق بعاقل أن يمرح في نعماء مولاه ولا يعبده، وهل يستحسن ممن عرف يمينه من شماله، وميز بينهما أن يرتفع في رزق الله جل ثناؤه ولا يشكره، بل يشكر غيره، إن هذا لبهتان عظيم.
وقوله: "رواه البيهقي.. إلخ" البيهقي: هو الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، الذي قيل في وصفه: ما من شافعي إلا وللشافعي فضل عليه غير البيهقي؛ فإن له المنة والفضل على الشافعي لكثرة تصانيفه في نصرة مذهبه، وبسط موجزه، وتأييد آرائه، توفي رحمه الله تعالى سة 458هـ.
والحاكم: هو الإمام الحافظ المحيط بالسنة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حمدوية بن الضبي الطهماني النيسابوري الشهير بالحكم، ويعرف بابن البيّع، وهو من المؤلفين العظام، له المستدرك، وتاريخ نيسابور، والإكليل، والأمالي، وغير ذلك من نفائس الكتب، أخذ العلم عن ألفي شيخ توفي سنة 405هـ.
والديلمي: نسبة إلى ديلم، وهي بلاد معروفة، وهو الإمام الحافظ شهردار بن