الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففيه الترغيب في التوبة، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ولاسيما الخائفين من الله تعالى الذين أذنبوا، وخافوا من الوقوف بين يدي الله جل ذكره يوم الموقف الأكبر، اليوم الذي تظهر فيه عورات الناس، ويشرف المطيع، ويذل فيه العاصي غير التائب من الذنب. روى الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أخرجوا من النار من ذكرني يومًا أوخافني في مقام"1.
وقوله: "رواه الرافعي" هو العالم الفقيه عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرفاعي، القزويني، الشافعي، كان من أئمة الشافعية أصحاب التآليف القيمة منها: المحرر في فقه الشافعية، والتدوين في أخبار قزوين، ولعله روى الحديث فيه، وفتح العزيز-وشرعنا بطبعه، وتم منه مع المجموعة شرح المهذب 12 جزءًا ونسأل الله الإتمام- كان له مجلس بقزوين في التفسير، والحديث، وتوفي فيها سنة ثلاث وعشرين وستمئة والله أعلم.
1 رواه الترمذي رقم "2597"في صفة جهنم. والبيهقي في الشعب رقم "740"من حديث أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.
135-
"
ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه
، فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإنْ استنصرني نصرته، وأحب ما تعبدني عبدي به النصح لي"2. رواه الطبراني في الكبيرعن أبي أمامة.
ش- تقدم شرح الحديث غير مرة بألفاظ متقاربة من هذا مع زيادة، ونقص فيها، فلا حاجة للإعادة، وهنا زيادة فيه لفظ:"النصح لي" فلا بأس من الكلام عليه بما يناسبه، فنقول:
النصح في اللغة: الخلوص. يقال: نصحته، ونصحت له، والنصح: تحري فعل،
1 رواه الترمذي رقم "2597"في صفة جهنم. والبيهقي في الشعب رقم "740"من حديث أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.
2 رواه الطبراني في الكبير "7833 و7880"وفي الأولى عبيد لله بن زحر. ضعيف. وفي الثانية عثمان بن أبي العاتكة. ضعيف، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد"
2/ 248"وقال: رواه الطبراني، وفي الفريقين علي بن زيد ضعيف. من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. نقول إسناده ضعيف. ولبعض فقرائه شواهد.
أو قول فيه صلاح صاحبه، وهو من قولهم: نصحت لهم الود؛ أي: أخلصته. وناصح العسل: خالصه. أو من قولهم: نصحت الجلد: خطته. والناصح: الخياط. والنصاح: الخيط. والنصيحة: كلمة يُعبَّر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبرهذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها.
وقد جاء القرآن يحكي نصح الأنبياء لقومهم، قال حكاية عن صالح عليه الصلاة والسلام:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] وقال تعالى حكاية عن نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف:93] وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:91] يعني: أن من تخلف عن الجهاد لعذر؛ فلا حرج عليه بشرط أن يكون ناصحاً لله ورسوله في تخلفه، فإن المنافقين كانوا يظهرون الأعذار كاذبين، غير ناصحين لله ورسوله، وقال تعالى حكاية عن نبي الله نوح عليه السلام:{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:62] وقال تعالى حكاية عن نبي الله هود عليه السلام: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} "الأعراف:68" وقال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} [يوسف:11] .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة -ثلاثًا- قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله عز وجل، ولكتابه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" 1 وروى الإمام أحمد من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "أحب ما تعبدني به عبدي النصح لي" 2 وهو قطعة من حديث الكتاب، وقد ورد في أحاديث كثيرة النصح للمسلمين عموماً، وفي بعضها النصح لولاة الأمور، وفي بعضها نصح ولاة الأمور لرعايهم، وفي بعضها النصح لله وحده جلَّ عزه، كما في حديث الكتاب، وفي الصحيحين عن
1 رواه أحمد في المسند "4/ 102"، ومسلم رقم "55" في الإيمان، وأبو داود رقم "4944" والنسائي "7/ 156و157"من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
2 تقدم تخريجه.
جرير بن عبد الله قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم1. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يرضى لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولَاّه الله أمركم" 2 وقد تقدم ذكر الآيات الدالة على نصيحة الأنبياء لأممهم.
والنصح لله هو: أن يقوم العبد بأداء واجباته على أكمل وجوهها- وهو: أن يعبد الله كأنه يراه- فلا يكمل النصح لله بدون ذلك، ومن النصيحة صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، ووصفه بصفات الكمال والجلال، واعتقاد ما جاء به القرآن والسنة الصحيحة من الصفات بدون تأويل، ولا تشبيه، وتنزيهه عما يضادها، ويخالفها، وتجنب معاصيه، والقيام بطاعته ومحابه بوصف الإخلاص، والحب فيه، والبغض فيه، وجهاد من كفر به تعالى، وكراهية أهل البدع والأهواء وما ضاهى ذلك، والحث عليه.
ولما ذكر النصح والنصيحة هنا، وبينا النصح لله جل وعز، فلا بأس من إيراد جملة تتعلق بنصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام، ونصيحة خلقه إتماماً للفائدة فأقول:
النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان به، وبما جاء به، وتوقيره، وتبجيله، والتمسك بطاعته، وإحياء سننه، وانتشار علومه، ونشرها، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه ووالاها، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة آله وأصحابه، ونحو ذلك.
والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك.
والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم
1 رواه أحمد في المسند "4/ 365"،والبخاري رقم"57"في الإيمان و"524" في مواقيت الصلاة ومسلم رقم "56"، والترمذي رقم "1925"من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
2 رواه أحمد في المسند "2/ 327 و360"، ومسلم رقم "1715"،والبخاري في الأدب المفرد رقم" 442"، وابن حبان رقم"3388"من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.