الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاكم، وابن حبان عن أبي الدرداء1. والقضاعي، والحاكم، وابن حبان عن أنس وغيره وأحمد، وابن ماجه، والحاكم، وابن حبان عن أبي هريرة2.
ش- قوله: "أنا مع عبدي" المعيِّة الله أعلم بحقيقتها، نسلم لفظها، ونكل المعنى إلى الله جلَّ، وعلا، وهذا مذهب سلف الأمة. وقد تقدم الكلام على مثل ذلك، فارجع إليه، وقوله:"إذ": ظرف زمان. وشفتاه: تثنية شفة بفتح أوله، وأصلها شفة، وهي معلومة. والمعنى -والله أعلم-: أن الله سبحانه وتعالى مع عبده وقت ذكره خالقه وبارئه وتحرَّكت شفتا العبد بذكره، وهو يدل على أن الذكر الجهري أرجح من الذكر الخفي، وقد تقدم الكلام على ذلك قريبًا.
وقوله: "والقضاعي" هو المحدث شهاب الدين أبوعبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي نسبة إلى قضاعه شعب من معد بن عدنان. ويُقال: هو من حمير، وهو الأكثر، والأصح. كان قاضي مصرومحدثها، توفي سنة أربع وخمسين وأربعمئة. وباقي التراجم تقدَّم شرحها.
1 رواه الحكام في المستدرك"1/ 496"، وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وهو كما قالا.
2 رواه أحمد في المسند "2/ 540"، والبخاري معلقًا بصيغة الجزم باب "43"في التوحيد، وابن ماجه رقم "3792"في الأدب. والبغوي في شرح السنة "1242". والحاكم 1"/ 496"وصححه، وافقه الذهبي. وابن حبان رقم "815"من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
75-
"
أنتقم ممن أبْغُضُ بمن أبغض
، ثم أُصيِّر كلاًّ إلى النار" 1. رواه الطبراني في الأوسط عن جابر.
ش- الانتقام: افتعال، والمنتقم هو المبالغ في العقوبة لمن يشاء، وهو مفتعل، من: نقم، ينقم: إذا بلغت به الكراهة حد السخط. ومن أسمائه الحسنى جل جلاله: المنتقم، قال في "لوامع البينات"، المنتقم: مشتق من الانتقام، ولا يُسمى التعذيب بالانتقام إلا بشرائط ثلاثة: الأول: أن تبلغ الكراهة إلى حد السخط. الثاني: أن تحصل
1رواه الطبراني في الأوسط رقم "3358"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد" 7/ 289 "،وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أحمد بن بكر البالسي ضعيف. من حديث جابر رضي الله عنه نقول: وإسناده ضعيف.
تلك العقوبة بعد مدَّة. الثالث: أن يقضي ذلك التعذيب نوعًا من التشفي، وهذا القيد لا يحصل إلا في حق الخالق، أما في حق الخلق. فهو محال.
واعلم أنَّ الانتقام أشد من المعالجة بالعقوبة، فإن المذنب إذ عوجل بالعقوبة لم يتمكن في المعصية، فلم يستوجب غاية النكال في العقوبة، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] وأيضًا قد سمى الله تعالى تكرار إيجاب الكفارة في تكرار المحرم أخذ الصيد انتقامًا قال: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة:95] وهو قريب من قوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} [النساء:160] الآية، أما حظ العبد منه: فقال الغزالي: انتقام العبد إنما يكون محمودًا إذا انتقم من الأعداء، وأعدى عدوه نفسه التي بين جنبيه، فلا جرم يجب عليه أن ينتقم منها.
والبغضُ: تقدَّم الكلام عليه، فأغنى عن إعادته، وقوله:"أنتقم ممن أبغض" يعني: أن الله سبحانه وتعالى يُعاقب من يبغضه بارتكاب المعاصي، وسوء الأعمال بمن يبغض من خلقه كذلك؛ أي: أن الله تبارك اسمه يولي الظالمين بعضهم بعضًا، وهكذا نطقت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية بذلك، والشاهد يؤيدالواقع، فإن غالب الأمم الإسلامية في عصرنا الحاضر يتولاها الظالمون، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. نسأل الله السلامة من الحرب الحاضرة التي وقعت في شهر رجب سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها ألف صلاة وتحية، بين الألمان، وبولندة، ودخلت معها الروس بزعم أنها تحامي عن الأقلية الروسية الموجودة فيها، ولربما تشترك فيها باقي الأمم الغربية والشرقية، ولا ينفع المسلمين في هذه الظروف إلا تحابيهم، وتوادهم، ومعاونة بعضهم بعضًا، وعلى الأغنياء أن يواسوا الفقراء؛ والأقوياء يساعدوا الضعفاء. ورجوعهم إلى الله عز وجل بالتوبة، والإنابة، والإخلاص في الأعمال، والإقلاع عن المعاصي، والمفاسد، والتباعد عن الشقاق، والفتن، والتحفز للأخذ بيد المظلوم من الظالم الغاشم المستبد، فلعل ذلك بكفل لنا النجاح إن شاء الله تعالى، ويسلمنا.
76-
"انطلقوا يا ملائكتي إلى عبدي، فصبواعليه البلاء صبًا! فيصبون عليه البلاء، فيحمد الله، فيرجعون، فيقولون: يا ربنا صببنا عليه البلاء كما أمرتنا! فيقول: ارجعوا فإني أحب أن أسمع صوته"1.
1 رواه الطبراني في الكبير رقم"7697" وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2"/290"وقال: رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده عفير بن معدان ضعيف. من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، نقول: وإسناده ضعيف.
رواه الطبراني في الكبيرعن أبي أمامة.
ش- الصبُّ: السكب، وصب الماء: إراقته من أعلى، والبلاء، والابتلاء، تقدم تفسيرهما، فارجع إليه. والمراد بالصب هنا: العرض، والإلقاء؛ أي: اعرضوا، وألقوا ياملائكتي على عبدي فلان البلاء ليُختبر، ويُمتحن؛ ليظهر خيره، أو شره لغيره، وقد سمي الله تعالى التكاليف الشرعية بلاءً؛ لأن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء، ولأنها اختبارات، قال الله عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد:31] والقرآن والسنة مملوءان بذلك، واختبار الله تعالى للعباد تارةً يكون بالمسارِّ ليشكروا، وتارة بالمضارِّ ليصبروا، فصارت المحنة والمنحة -جميعا- بلاءً، فالمنحة مقتضية للشكر، والمحنة مقتضية للصبر، قال عمر بن الخطاب: بُلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسَّراء فلم نصبر. قال الراغب الأصفهاني: إذا قيل: ابتلي فلان كذا، وأبلاه، فذلك يتضمن أمرين، أحدهما: تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره، والثاني: ظهور جودته ورداءته، وربما قصد به الأمران، وربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في الله تعالى: بلى كذا. أو أبلاه؛ فليس المراد منه إلا ظهور جودته، ورداءته دون التعرف لحاله، والوقوف على ما يجهل من أمره؛ إذ كان الله علام الغيوب، وعلى هذا قوله عز وجل:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124] ولا شك أن إضافة العبد إليه عز وجل هنا لتعظيمه وتشريفه؛ إذ بيَّن أن العبد المصبوب عليه البلاء حمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، فكان قابلاً للبلاء، متعرضًا له بدون أن يظهر إساءته، أو كراهيته له، بل يتسع صدره له، وهو حامد شاكر، مظهرالثناء على الله، والرضا به، ومعافاة غيره عن الابتلاء بمثل ذلك ممن ليس كذلك، فعلى المؤمن العاقل أن يتلقى البلاء، والمصائب بكل حواسه بصدررحب، وقلب مطمئن بالإيمان، ومفعمٍ بالرضا، والصبر، والاحتساب، فيزول ذلك عنه قريبًا بدون أن يمسَّه أذى. فنسأل الله أن يوفقنا للصبر عند الصدمة الأولى، ويختم لنا بالسعادة الأبدية! وقد جاء في الصبر على الابتلاء آيات كثيرة، وإنَّ لمن صبر ثوابًا عظيمًا لا يقدر قدره، وكذلك الأحاديث الصحيحة جاءت في الحث على الصبر إذا ابتلي، وأن له ثوابًا عظيمًا. والله أعلم.