الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ويل وادٍ في جهنم؛ فإنه لم يرد أن ويلًا في اللغة هو موضع لهذا، وإنما أراد: من قال الله تعالى ذلك فيه؛ فقد استحق مقرًا من النار، وثبت ذلك له.
وقوله: "وأجريت الشر على يديه" أي: أظهرته على يديه.
وقوله: "رواه ق" القاف إشارة إلى البيهقي، وقد تقدمت ترجمته قريباً. والله أعلم.
شرح حديث: أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك
…
56-
"أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك، ومليك الملوك، قلوب الملوك في يدي، وإن العباد إذا أطاعوني؛ حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة، والرحمة، وإن العباد إذا عصوني؛ حوَّلت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة، فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلو أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر، والتقرب؛ أكفكم ملوككم"1. رواه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء.
ش- قوله: "مالك الملك" وفي نسخة المدني: "ملك الملك" وهو تحريف، قال العلامة شهاب الدين الآلوسي2 في تفسير قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] الملك: بالضم-على ما ذكره بعض أئمة التحقيق نسبة بين من قام به ومن تعلق، وإن شئت قلت: صفة قائمة بذاته، متعلقة بالغير تعلق التصرف التام المقتضي استغناء المتصرف، وافتقار المتصرف فيه، ولهذا لم يصح على الإطلاق إلا الله تعالى جدُّه، وهو أخص من المِلك-بالكسر؛ لأنه تعلق باستيلاءٍ مع ضبط وتمكن من التصرف في الموضوع اللغوي وبزيادة كونه حقاً في الشرع من غير نظر إلى استغناء، وافتقار، فمالك الملك: هو الملك الحقيقي المتصرف بما شاء، كيف شاء، إيجادًا، وإعدامًا، إحياء وإماتة، وتعذيبًا، وإثابة من غير مشارك، ولا ممانع، ولهذا لا ُيقال: مالك الملك إلا على ضرب من التجوز. وحمل الملك على هذا المعنى أوفق بمقام
1 رواه الطبراني في الأوسط رقم "8962" وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "5/ 249"وقال: رواه الطبراني في الأوسط. وفيه. وهب بن راشد. وهو متروك. نقول: وفي إسناده أيضاً المقدام بن داود. قال النسائي: متروك.
2 الآلوسي هو محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي. شهاب الدين أبو الثناء، مفسر محدث: من المجددين توفي رحمه الله سنة "1270"هـ.
المدح. انتهى. والملك -بفتح الميم وكسر اللام وتخفف-: من تولى السلطة. وجمعه: ملوك.
وقوله "حولت" بالحاء المهملة؛ أي: غيرت، وحركت، والسخط - بفتح السين وضمها-: الغضب الشديد المقتضي للعقوبة. والنقمة -بكسر النون-: العقوبة.
والسوم: أصله الذهاب لطلب، ويستعمل الذاب وحده تارة، ومنه السائمة، وللطلب أخرى، ومنه: السوم في البيع، ويقال: سامه: كلفه العمل الشاق، والسوء: مصدر ساء، يسوء يراد به السيء، ويستعمل في كل ما يقبح، كأعوذ بالله تعالى من سوء الخلق، وسوء العذاب: أفظعه، وأشده بالنسبة إلى سائره.
والمعنى: أن الله تباركت أسماؤه، وتنزهت صفاته يخبرنا أنه مالك الملك، ومالك الملوك، ليس لأحد تصرف في الحقيقة، وإنما المتصرف في الملك والملكوت هو الله وحده، فإذا سكنت الرعية إلى ما جاءت به الأنبياء، وعملوا بقوانين الشريعة، وتمسكوا بمبادئها، وأظهروا العدل والمساواة، فرحم الكبير الصغير، ووفر الصغير الكبير، ووصلوا الأرحام، وأعانوا المظلومين على خصومهم، وضربوا على أيدي الظالمين بسياط من حديد حتى يفيؤوا إلى الحق، ويتوبوا، وينوبوا إلى الله جل ذكره، فإذا فعلوا ذلك؛ حركت قلوب ملوكهم عليهم، وهديتها، ووفقتها للعطف على الرعية، والرحمة بعبادي الصالحين المطيعين، فلا يرى الملك، أو السلطان له لذة إلا السهر على رعيته، والنظر في مصالحهم، ومنافعهم، والأمن على أرواحهم وأموالهم، ويراقب العدو، ويستعد له، ولا يغفل عنه، فهمه راحة الرعية، واطمئنانها، وإن العباد إذا عصوا الله تعالى، وخالفوا سنن رسله وأنبيائه، وعبثوا بالأحكام، وأظهروا الفسوق، والفواحش، وتعاملوا بالربا، وفشا الزنى، وحقر صغيرهم كبيرهم، وترك علماؤهم الوعظ، والتذكير، وصار أكبر همهم جمع الأموال التي هي حطام الدنيا، وغفلوا عن مصيرهمم، ومآلهم، حَّرك الله عليهم قلوب ملوكهم بالغضب عليهم، والتنكيل بهم، فلا يلذ لملكهم إلا ما يؤذيهم، ويضر بمصالحهم ومنافعهم، كما أخبر الله تعالى في القرآن الحكيم بقوله:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} "البقرة: 49" وإذا علموا عبادي ذلك - أي: أن كل شيء من حركة، وسكون بيدي، وكل ما يقع في ملكي فأنا المتصرف فيه، المنفرد بخلقه، وإيجاده، لا يشاركني أحد فيه، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على
الملوك إذا فعلوا ذلك بكم من سيئات الأعمال، وقبائح الأقوال، والتنكيل بكم، وهضم حقوقكم، واستيلاء قويكم على ضعيفكم، والاستبداد بكم، وحبس حريتكم، وغصب أموالكم؛ لأنه لا ينفعكم الدعاء، ولا ينصركم ربُّ الأرض والسماء؛ لأنه لا فعل لملككم، وسلطانكم أو لا قدرة له على ذلك حقيقة، بل أنا الله الذي أقدرته على ذلك، وسلطته عليكم بحسب أعمالكم السيئة، ومخالفتكم لأحكامي وخروجكم على أمنائي، وعدم امتثالكم قوانين شرعي، وأخذكم بسنن أنبيائي.
والذي ينفعكم، ويدفع عنكم ما أنتم فيه؛ هو الإنابة إلي، والتوبة ممااقترفتموه من الذنوب والمعاصي، وإخلاص نياتكم في أعمالكم، ورد المظالم إلى أهلها، وإطاعه أنبيائكم، وامتثال أوامر علمائكم أهل التقوى والصلاح، وتشييد دعائم شريعتكم بإظهارها، والعمل بأحكامها، وعدم شغل أنفسكم بما لا يعنيكم، بل اشغلوا أنفسكم بالذكر الكثير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، الثابت بالأحاديث الصحيحة، دون أوراد المشايخ أرباب الطرق القاطعة. يعني: وتقربوا إلي بالأعمال الصالحات؛ أكفكم ملوككم السوء، وأعصمكم من العدو، وأغدق عليكم الخيرات والأرزاق، وأوفقكم للمبرات، وأبارك لكم في الأولاد والأموال.
وإذا عرفت هذا تعلم أن ما حصل للمسلمين من التقهقر، والانحطاط في جميع الحالات إنما هو بسبب ما وقع منهم من المخالفات، وتقليد الأوربيين في مساويهم من الشرور، والفسوق، والخلاعة، وحروجهم عن أحكام شريعتهم الغرَّاء، وعدم تأسيهم بسيد الأنبياء والأولياء، وإظهار محاسن دينهم القويم، وكله حسن لا سيء فيه على الإطلاق كما هو ظاهر في القرآن الحكيم وسنن من بالمؤمنين رؤوف رحيم، اللهم اهد أمراءنا، وعلماءنا، ووفقهم لما يرضيك يا رب العالمين!
وقوله: "رواه الطبراني" هو الإمام الحافظ، الحجة، المتقن، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير الشامي، اللَّخمي، الطبراني، المتوفى سنة"360"هـ.
وقوله: "في الأوسط" هو اسم كتاب له في الحديث يسمى المعجم الأوسط، وله المعجم الكبير، والصغير، والأخير طبع في الهند سنة "1311"هـ، وانظر الكلام على المعاجم في كتاب النموذج صفحة 505