الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعقيلي هو: الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي، هو صاحب كتاب "الضعفاء الكبير" المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة.
شرح حديث: أنا أهل أن أتقي فلا يجعل معي إله
…
62-
"أنا أهلُ أن أُتَّقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها؛ فأنا أهل أن أغفر له"1. رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبزار، وأبو يعلى، والحاكم عن أنس.
قوله: "أن أتقى" والتقوى في اللغة كما قال السيد الشريف: بمعنى الاتِّقاء، وهو اتخاذ الوقاية. وعند أهل الحقيقة: هو الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به من فعل أو ترك. والتقوى في الطاعة يراد بها الإخلاص، وفي المعصية يراد بها الترك والحذر. وقيل: أن ينفي العبد ما سوى الله تعالى. وقيل: المحافظة على آداب الشريعة، وقيل: في مجانية كل ما يبعدك عن الله تعالى. وقيل: ترك حظوظ النفس، ومباينة النهي، وقيل: ألا ترى في نفسك شيئًا سوى الله. وقيل: ألا ترى نفسك خيرًا من أحد. وقيل: ترك ما دون الله. والمتبع عندهم هو الذي ألقى متابعة الهوى، وقيل: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته، واجتناب معاصيه. وأفضل صفة يتَّصف بها الإنسان التقوى؛ لأن بها نجاحه، ودخوله في كنف الرحمن، لا يحتجب منهم، ولا يستتر، وقد جاء تفسيرها وصفة أهلها عن السلف الصالح رضي الله عنهم، فنورد لك جملة صالحة لعلي أكون أنا وأنت ممن يتقي الله في جهره وسرِّه، فأقول، وبالله التوفيق:
قال حَبْر الأمة "ابن عباس" رضي الله عنهما: المتَّقون الذي يحذرون من الله عقوبته في
1 رواه أحمد في المسند "3/ 243"، والدارمي "2/ 302"، وابن ماجه رقم "4299"، والحاكم في المستدرك "2/ 508"،وصححه، ووافقه الذهبي، والترمذي رقم "3328"، وابن أبي عاصم في السنن رقم "969"من حديث أنس رضي الله عنه. وفي إسناده سهيل بن أبي حزم القطعي ضعيف. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن دينار. قال سمعت أبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم يقولون فذكروه مرفوعًا نحوه، أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور "6/ 278"فهو به حسن.
ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال الحسن البصري التابعي الجليل: المتقون اتقوا ما حرَّم الله عليهم، وأدوا ما افترض الله عليهم، وقال طلق بن حبيب1: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.
وقال عمر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك خيرًا، فهو خير إلى خير. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوى أن يتَّقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا ما يكون حجابًا بينه وبني الحراك، فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه، فقال:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] فلا تحقرنَّ شيئًا من الخير أن تفعله، ولا شيئًا من الشر أن تنقيه، وقال موسى بن أعين:2 المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين، وقال الثوري3 رحمه الله: إنما سُموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى، فهو سبحانه أهل أن يُتقى، ويُخشى، ويُهاب، ويُجل، ويُعظم في صدور عباده حتى يعبدوه، ويطيعوه لما يستحقه من الإجلال، والإكرام، وصفات الكبرياء، والعظمة، وقوة البطش، وشدذَّة البأس. اللهم إني أسألك أن توفقنا للتقوى، وتحيل بيننا وبين معاصيك، يا أرحم الراحمين!
1 طلق بن حبيب: المصري زاهد كبير. من العلماء العاملين، حدَّث عن ابن عباس وابن الزبير، وجندب بن سفيان. روى عن منصور، والأعمش، وجماعة. كان طيب الصوت بالقرآن، برًا بوالديه، قال أبو زرعة: طلق سمع من ابن عباس رضي الله عنهما. وهو ثقة مرجئ. مات قبل المئة.
2 موسى بن أعين: هو الإمام الحجة أبو سعيد الحراني. روي عن عطاء بن السائب. وليث وعبد الكريم الجزري: ومعمر، وخلق، وعن يحيى بن يحيى، وثقه أبو حاتم وغيره، توفي سنة "177"هـ.
3 سفيان الثوري- هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة. هو شيخ الإسلام، الإمام الحافظ. سيد العلماء العاملين في زمانه، مصنف كتاب "الجامع" قال ابن معين وابن عيينة، ويحيى بن معين: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث. وقد ساد الناس بالعلم والورع توفي رحمه الله في شعبان سنة "161"هـ.
وقد وصىَّ الله جل جلاله عباده بالتقوى في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم وحثهم، وأمرهم بها، منها قوله:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة:96] وقال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} "آل عمران: 131" وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] وقال عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة:48] فأُضيفت تارةً إلى الله سبحانه وتعالى، وتارةً أضيفت إلى عقاب الله، وإلى مكانه، كالنار، أو زمانه، كيوم القيامة.
وكذلك جاء في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الوصية لأمته، منها: ما رواه الإمام أحمد بن حنبل من حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أوصيك بتقوى الله في سرأمرك وعلانيته.."1.،الحديث: وخرَّج الإمام حافظ المغرب يوسف أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد بإسنادٍ فيه نظر، عن أنس قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم مُعاذاً إلى اليمن فقال: "يا معاذُ، اتقِ الله، وخالق الناس بخلق حسن.... الحديث" وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراًَ، ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم النحر وصى الناس بتقوى الله، وبالسمع، والطاعة لأئمتهم، ولما وعظ الناس قالوا له: كأنها موعظة مودع، فأوصِنا. قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة" 2. وفي حديث أبي ذر الطويل الذي خرجه ابن حبان، وغيره: قلت: يا رسول الله أوصني! قال: "أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس الأمر كله" 3. وخرَّج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد
1 رواه أحمد في المسند "5/ 181"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "3/ 93"وقال: رواه أحمد، ورجاله ثِقات من حديث أبي ذر رضي الله عنه. أقول: وفي إسناده ابن لهيعة لين الحديث، ودراج عن أبي الهيثم ضعيف. والحديث بهذا السند ضعيف.
2 رواه أحمد في المسند"4/ 126و 127"وأبو داود رقم "4607"، وابن أبي عاصم في السنة رقم" 32و 57" والترمذي رقم "2676"، وابن ماجه رقم "44"، وابن حبان رقم "5"من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وإسناده صحيح.
3 رواه ابن حبان رقم"361" وأبو نعيم في الحلية "1/ 166و 167"وإسناده ضعيف. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله" شاهد أخرجه الطبراني في الكبير رقم "1651"والقضاعي في مسند الشهاب رقم" 740". فهو به حسن.
الخدري: قال: قال: يا رسول الله أوصني! قال: "أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء
…
" 1 الحديث، وروي الترمذي عن يزيد بن سلمة: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! إني سمعت منك حديثاً كثيراً، فأخاف أن ينسي أوله آخره، فحدثني بكلمة تكون جماعاً" قال "اتق الله فيما تعلم"2.
وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كان يوصي بعضهم بالتقوى، ومن جاء بعدهم من التابعين، فمن ذلك ما نقل عن الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول في خطبته: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة في الرهبة، وتجمعوا الإلحاف في المسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [النساء:90] ، ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر؛ دعاه، فوصاه بوصيته، وأول ما قال له: اتقِ الله يا عمر! وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله: أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه؛ وقاه ومن أقرضه؛ جزاه، ومن شكره؛ زاده، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك.
واستعمل علي بن أبي طالب رجلاًعلى سرِّية، فقال له: أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لايقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها؛ فإنَّ الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين. ولما ولِّي؛ خطب، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال
1 رواه أحمد في المسند "3/ 82". وأبو يعلى رقم "1000"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "4/ 215"وقال: رواه أحمد. ورجاله ثقات، وفي إسناد أبي يعلى ليث بن أبي سليم مدلس: أقول: والحديث حسن بطرقه وشواهده.
2 رواه الترمذي رقم "2684"في العلم. باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال الترمذي: هذا حديث إسناده ليس بمتصل، وهو عندي مرسل، ولم يدرك عندي ابن أشوع يزيد بن سلمة، ابن أشوع اسمه: سعيد بن أشوع. والحديث ضعيف.
أوصيكم بتقوى الله عز وجل، فإن تقوى الله عز وجل خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف.
وقال رجل ليونس بن عبيد: أوصني، فقال: أوصيك بتقوى الله والإحسان فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وقال له رجل -يريد الحج-: أوصني. فقال له: اتق الله، فمن اتَّقى الله؛ فلا وحشة عليه.
وقيل لرجل من التابعين عند موته: أوصنا. فقال: أوصيكم بخاتمة سورة النحل {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] وكتب رجل من السلف إلى أخٍ له: أوصيك بتقوى الله، فإنها من أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت، أعاننا الله وإياك عليها، وأوجب لنا ولك ثوابها. وكتب رجل منهم إلى أخ له: أوصيك وأنفسنا بالتقوى، فإنها خير زاد الآخرة والأولى، واجعلها إلى كل خير سبيلك، ومن كل شر مر بك، فقد تكفل الله عز وجل لأهلها بالنجاة مما يحذرون، والرزق من حيث لا يحتسبون. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمن، أنه كان يقول في دعائه:"اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغني "1، أفاد ذلك كله الحافظ ابن رجب في كتابه:"جامع العلوم والحكم".
والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى حقيق أن يتقيه العباد، فلا يجعلون له شريكًا؛ لأنه لا إله غيره، ولو أشرك العبد أحدًا مع الله لفعل محالًا، وحقيق أن يطيعوه، ويعبدوه؛ لأنه أهل أن يغفرَ لهم ذنوبهم، ويقبل توبة من أناب إليه. روى الإمام أحمد في مسنده بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} وقال: " قال ربكم: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتَّقى أن يجعل معي إلهًا؛ كان أهلًا أن أغفر له" 2 رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب، والنسائي من حديث المعافى بن عمران كلاهما عن سهيل بن عبد الله القطيعي به، وقال الترمذي: حسن غريب، وسهيل ليس بالقوي.
ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن هدبة بن خالد، عن سهيل به؛ وهكذا رواه أبو
1 رواه أحمد في المسند"6/ 411و416و437"، مسلم رقم "2721"في الذكر والدعاء، والترمذي رقم"3489"، وابن ماجه رقم "3832 "وابن حبان رقم "900"من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2 رواه أحمد في مسند "3/ 342" والترمذي "3335" وابن ماجه رقم "4299"من حديث أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.