المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شتمني ابن آدم - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ومعه النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [التحقيق]

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌[مقدمة الشارح]

- ‌تنبيه

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌شرح حديث: ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اذكرني بعد الفجر

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار

- ‌شرح حديث: ابن آدم! عندك ما يكفيك

- ‌شرح حديث: أحب ما تعبدني به عبدي النصح

- ‌شرح حديث: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي المؤمن

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي بحيبيتيه

- ‌شرح حديث إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً

- ‌شرح حديث: إذا تقرب إلي العبد شبرا

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني

- ‌شرح حديث: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي

- ‌شرح حديث: إذا ذكرني عبدي خالياً

- ‌شرح حديث: إذا بلغ عبدي أربعين سنة

- ‌شرح حديث: إذا أحب عبدي لقائي

- ‌شرح حديث: إذا قبضْتُ كريمة عبدي

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بحسة، ولم يعملها

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا اشتكى عبدي فأظهر المرض

- ‌شرح حديث: أربع خصال: واحدة فيما بيني وبينك

- ‌شرح حديث: اذكروني بطاعتي أذكركم

- ‌شرح حديث: اشتد غضبي على من ظلم

- ‌شرح حديث: اطلبوا الخير عند الرحماءمن أمتي

- ‌شرح الحديث: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت

- ‌شرح حديث: افترضت على أمتك خمس صلوات

- ‌شرح حديث: أعددت لعبادي الذين آمنوا

- ‌شرح حديث: إن السموات والأرض ضعفت عن أن تسعني

- ‌شرح حديث: إن الذي قال: مطرنا بنوء كذا وكذا

- ‌شرح حديث: إن أحب عبادي إلي أعجلم فطراً

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إن بيوتي في الأرض المساجد

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له بدنه

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له جسمه

- ‌شرح حديث: إن عبدي المؤمن بمنزلة كل خير

- ‌شرح حديث: إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني

- ‌شرح حديث: إن لعبدي علي عهداً إن أقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنك إن ذهبت تدعو على آخر

- ‌شرح حديث: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع

- ‌شرح حديث: إني أنا الله لا إله إلا أنا

- ‌شرح حديث: إني إذا أخذت كريمتى عبد

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إني حرمت الظلم على نفسي

- ‌شرح حديث: إني لأهم بأهل الأرض عذابا

- ‌شرح حديث إني لأستحي من عبدي وأمتي

- ‌شرح حديث: إني لست على كل كلام الحكيم أقبل

- ‌شرح حديث: إني والجن والإنس في نبأ عظيم

- ‌شرح حديث: أنا الرحمن خلقت الرحم

- ‌شرح حديث: أنا الله خلقت العباد بعلمي

- ‌شرح حديث: أن الله، لا إلا أنا

- ‌شرح حديث: أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك

- ‌شرح حديث: أنا العزيز، من أراد عز الدارين

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا

- ‌شرح حديث: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه

- ‌شرح حديث: أنا أكرم، وأعظم عفوا من أن أستر

- ‌شرح حديث: أنا أهل أن أتقي فلا يجعل معي إله

- ‌شرح حديث: أنا خلقت الخير والشر

- ‌شرح حديث: أنا خير قسيم لمن أشرك بي

- ‌أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكًا

- ‌أنا ربكم، أنا أهل أن أُتَّقى

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرُني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا؛ فخيرٌ

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله

- ‌أنا مع عبدي إذ هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه

- ‌أنتقم ممن أبْغُضُ بمن أبغض

- ‌أَنْفِق؛ أُنْفِق عليك

- ‌حديث شريف: أيما عبد من عبادي يخرج مجاهدا في سبيلي

- ‌أيُّما مؤمن عطس ثلاث عطسات متواليات

- ‌إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي

- ‌الرَّحِم شُجنة مني، فمن وصلها؛ وصلته

- ‌الحسنة بعشر أمثالها، أو أزيد

- ‌الحسنة عشر وأزيد والسئية واحدة

- ‌الحسنة بعشر، والسيئة بواحدة، أو أغفرها

- ‌الصوم جُنَّة من النار، ولي الصوم

- ‌الصوم جنة يَسْتجنُّ بها عبدي من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام لي، وأنا أجزي به

- ‌العِزُّ إزاري، والكبرياء ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري

- ‌المُتحابُّون في جلالي لهم منابر من نور

- ‌المتحابون لجلالي في ظِلِّ عرشي

- ‌النظرة سهم من سهام إبليس

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم إن من استسلم لقضائي

- ‌توسَّعت على عبادي بثلاث خصال:

- ‌ثلاث من حافظ عليهن؛ كان وليي حقًا

- ‌ثلاثة أنا خصْمهم يوم القيامة:

- ‌ثنتان لم يكن لك واحدة منهما:

- ‌ حقَّت محبتي للمتحابين في

- ‌حقَّت محبتي للمتحابين في، أظلهم في ظل العرش يوم القيامة

- ‌حقَّت محبتي للذين يتصادقون من أجلي

- ‌حسنة ابن آدم عشر

- ‌خلفت الخير والشر

- ‌خلقت بضع عشرة وثلاثمئة خُلُق

- ‌سبقت رحمتي غضبي

- ‌شتمني ابن آدم

- ‌صِلُوا أرحامكم؛ فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا

- ‌عبدي! إذا ذكرتني خاليًا؛ ذكرتك خاليًا

- ‌عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي

- ‌على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات:

- ‌قسَّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين

- ‌عبادٌ لي يلبسون للناس مُسُوك الضأن

- ‌علامة معرفتي في قلوب عبادي

- ‌عبدي! أنا عند ظنك بي

- ‌قال الله للنفس: اخرجي

- ‌كذَّبني ابن آدم

- ‌كذبني عبدي، ولم يكن له أن يكذبني

- ‌كل عمل ابن آدم له إلا الصيام

- ‌كل عمل ابن آدم هو له إلا الصوم هو لي

- ‌لأنتقمنَّ من الظالم في عاجله وآجله

- ‌لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر عبدي في حقي

- ‌لقد خلقتُ خلقًا ألسنتهم أحلى من العسل

- ‌لو أن عبدي استقبلني بقراب الأرض ذُنُوبًا

- ‌لو أن عبادي أطاعوني؛ لأسقيتهم المطر بالليل

- ‌لم يلتحف العباد بلحافٍ أبلغ عندي من قلة الطُّعم

- ‌ليس كل مصلٍ يصلي

- ‌لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن

- ‌ما تقرب إلي العبد بمثل أداء فرائضي

- ‌ما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا

- ‌ما غضبت على أحد غضبي على عبدٍ أتى معصية

- ‌ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌مُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر

- ‌من آذى لي ولياً؛ فقد استحل محاربتي

- ‌ من أهان لي ولياً فقد بارزته بالمحاربة

- ‌من ترك الخمر وهو يقدر عليه

- ‌من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب

- ‌من عادى لي ولياً فقد ناصبني بالمحاربة

- ‌من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب

الفصل: ‌شتمني ابن آدم

قال أبو عبد الله: فالأخلاق موضوعة في الطبع ومعقلها في الصدر، والأخلاق منها ما هو جبلِّي تفضل الله بها على عبيده على قدرمنازلهم عنده، فمنح أنبياءه منها، فمنهم من أعطاه منها خمسًا، ومنهم من أعطاه منها عشرًا، أوعشرين، وأكثر من ذلك، وأقل، فمن زاده منها؛ ظهر حسن معاملته ربه، وحسن معاملته خَلْقه على قدر تلك الأخلاق، ومن نقصه منها، ظهرعليه ذلك؛ ولهذا ورد في الحديث الذي رواه مالك في الموطأ:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فأخبرنا بقوله هذا: أن الرسل قد مضت، ولم تتمم هذه الأخلاق، كأنه بقيت عليهم من هذا العدد بقية، فأمرأن يتممها، فأعلمنا في قوله هذا: أن تلك الأخلاق التي كانت في الرسل فيه، ثم هو مبعوث لإتمام ما بقى منها ليقدم على الله جل ذكره بجميع أخلاقه التي ذكرها، فلا يجوز لنا أن نتوهم عليه أنه بعث لأمر، فقدم على ربه وهو غيرمتمم له. ومنها ما يكون بطرق الكسب والتعود، وتكلف النفس، وبعثها على ذلك حتى تعتاد نفسه ذلك، ومن كان هذا حاله كان تخلفه طهارة لصدره وقلبه من دنس الخلق السيئ الذي هو ضد هذا الخلق، فإذا تطهر من سيء الأخلاق لتخلقه بمحاسن الأخلاق بجهد، وكدٍّ شكر الله له ذلك، وأدخله الجنة برحمته وعفوه.

ص: 132

109-

"‌

‌شتمني ابن آدم

، وما ينبغي له أن يشتُمَني! وكذبني، وما ينبغي له أن يكذبني! أما شتمه إياي: فقوله: إن لي ولداً، وأنا الله الواحد الصمد، لم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد. وأما تكذيبه إياي: فقوله: ليس يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته "1. رواه أحمد، والنسائي، والبخاري عن أبي هريرة.

ش- الشتم: السبُّ، وهو الوصف بما يقتضي النقص، والاسم: الشتيمة. والتشاتم: التسابُّ. والمشاتمة: المسابة. والصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمر. وقيل: الصمد؛ الذي ليس بأجوف، وما ليس بأجوف شيئان؛ أحدهما: لكونه أدون من الإنسان كالجمادات، والثاني: أعلى منه، وهو الباري، والملائكة، وإذا أردت تفسيرًا واسعًا في ذلك فعليك بتفسير سورة الإخلاص للإمام ابن تيمية، فإنك تجد ما يسرك. والإعادة: بدء الشيء، وإرجاعه ثانيًا. والمعيد: الذي يعيد الخلق بعد

1 رواه أحمد في المسند "2/ 317"ورقم"8220". والبخاري رقم "4975".وابن حبان رقم "848". من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 132

الحياة إلى الممات في الدنيا، وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة. وأهون: أسهل، يقال: هان الأمر على فلان: سهل.

والمعنى -والله أعلم-: أن الله عز وجل أخبرنا: أن ابن آدم يشتمه، وينتقصه، بقول لا يليق به، وما ينبغي له أن يشتمه ويتنقصه؛ لأنه خالقه، وباريه، وموجده من العدم بقوله:"كن"، وتولى خلقه في الرحم من مَني إلى نطفه، إلى علقة، إلى مضغة، ثم ينفخ فيه الروح إلى أن يخرج من بطن أمه، ثم يضع في قلب والديه الرأفة، والرحمة، والحنان، فيقبلان على تربيته، والمحافظة عليه إلى أن يفطم، وبعد ذلك ينتقل من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، وكل ذلك يراعيه، ويكلؤه، ويقدر له رزقاً، وسعادة، ويسهل له الطرق، ويضمن له العيش، ويكلفه بأمور سهلة يطيقها كل إنسان، حتى إذا ما واظب عليها، وأتى بها تامة مرضية كان له ثوابها، وأجزي على عملها، ورفعت منزلته في الدنيا، ويوم القيامة يدخله الجنة، وينعم عليه بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومع هذا فإن ابن آدم ينسى هذا كله، ويقابل مولاه بالشتم، والسب، والتكذيب بقوله: لله ولد، وبقوله: ليس يعيدني كما بدأني أول مرة، والمراد بابن آدم: بعض بني آدم، وهم من أنكر البعث من العرب وغيرهم من عباد الأوثان، والدهرية، ومن أدعى أن لله ولداً من العرب أيضًا، ومن اليهود، والنصارى. قال قتادة: إن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزيز ابن الله وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله سبحانه، وبين أنه منزه عن ذلك، وأنه الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وأنه جل ذكره يعيده كما خلقه وبدأه أول مرة، وليس الخلق ابتداء بأهون عليه من الإعادة، بل بالنظر للعادة الجارية المعلومة للعباد أن الإعادة أسهل وأهون من البداءة، وإيجاد الشيء ابتداءً، وعليه: فلا يحق ولا يصح أن يستبعد بعض بني آدم ذلك، بل يستقر به، ويستملحه، ويقربه بدون دليل؛ لأن البداءة هي البعيدة عن العقل، والمستغربة، وهذا بالنسبة للمخلوق؛ وأما بالنسبة للخالق: فليست إحدى الحالتين بأسهل وأهون عليه من الأخرى، بل يقول للشيء: كن، فيكون، فسورة الإخلاص أعظم سورة تنزه الله جل وعلا، وتثبت عقائد التوحيد، وتهدم عقائد الشرك بجميع أنواعه، لذلك أفردها بعض الأئمة بتأليف خاص بها، كشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وطبعناه، والحمد لله. فيخبرنا الله تعالى أنه الواحد؛ أي: وحدة حقيقية غير قابلة للتعدد والكثرة في ذاته، ولا في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في ملكه، فهو غير مركب من أصلين، كما زعمت الثانوية، ولا من ثلاثة أصول، أو أقانيم، كما يزعم المثلثون من قدماء وثنيي

ص: 133

الهند وغيرهم، وتبعهم على ذلك النَّصارى على خلاف أصل دين موسى، وعيسى، ومن قبلهما من النبيين عليهم الصلاة والتسليم، وأنه الصمد القادر على قضاء كل ما يحتاج إليه عباده من الحاجات. وكفايتهم جميع ما يعجزون عنه من المهمات بما يسخره لهم من الأسباب، وما يهديهم من سننه فيها.

قال صديقنا المرحوم الأستاذ السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار: فلو كان مبتدعة عبادة القبور وأسرى الخرافات يفقهون معنى هذه الكلمة، ويؤمنون بها إيمانًا إذعانياً صحيحاً يملك قلوبهم لما صمد أحد منهم إلى قبر أحد من الصالحين، ولا إلى رجل حيٍّ من المعتقدين، ولا إلى دجال يدعي استخدام الجان، وتسخير الشياطين؛ليقضي له ما عجز عنه من منافعه ومصالحه، أو من دفع الأذى عن نفسه، وأهله، وولده؛ فإن هؤلاء الأحياء الدجالين كالموتى من الصالحين عاجزون كلهم عما يظنه الجاهلون فيهم من التصرف في عالم الغيب والشهادة، وقيد يغترون ببعض ما يجهلون حقيقته من شعوذة، وحِيل، أو مصادفات يوجد أمثالها عند أمثالهم من جميع أهل الملل، ولكن هذا الغرور لا سلطان له على الموحدين المؤمنين بوحدانية الله تعالى.

وقوله: "لم ألد ولم أولد" أي: لم يصدر عنه ولد، ولم يصدرهو جل وعلا من شيء؛ لاستحالة نسبة العدم إليه سابقًا ولاحقًا. والوالدية والمولودية متلازمان؛ إذ المعهود أن ما يلد يولد، ومالا، فلا. والاعتراف بهذا هو الاعتراف بذاك؛ لأنه ليس بمخلوق له مزاج وجنس نشأ عن غيره، ونشأت غيره عنه، فتكون الربوبية، والألوهية أسرة، وعشيرة كسائر الأحياء الحادثة التي يتوقف وجود بعضها على بعض، بل هو أحد لا شيء قبله ولده، ولا شيء مثله ولد منه، فيحل محله، بل هو أزلي، سرمدي، منزه عن مشابهة كل ما في العالم من الأجناس المتسلسة من الأفراد البسيطة والمركبة. والله غني عن الوالدية والمولودية، وهما نقص في حقه، يستلزمان الحاجة، وينافيان الربوبية، والألوهية.

فإن قيل: لِمَ قدَّم ذكر نفي الولد مع أن الوالد مقدم؟ وجوابه: أن قُدِم للاهتمام لأجل ما كان يقوله الكفار من المشركين: إن الملائكة بنات الله. واليهود: عزيز ابن الله. والنصارى: المسيح ابن الله، ولم يدع أحد: أن له والدًا، فلهذا السبب بدأ بالأهم، فقال: لم ألد ولم أولد. وقوله: "ولم يكن له كفوًا أحد" أي: لم يكافئني أحد، ولم يماثلني، ويشاكلني من صاحبة وغيرها، والكفء: النظير المكافئ. والله أعلم.

ص: 134