الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ش- الشَّركةُ فيها أربع لغات: فتح الشين، وكسر الراء، وكسر الشين، وسكون الراء، وقد تحذف الهاء مع ذلك، وهي لغةً: الاختلاط، وشرعًا: ثبوت الحق في شيء لاثنتين فأكثر على جهة الشيوع. وقد تحدث الشركة قهرًا كالإرث، أو باختيار كالشركاء، والخيانة معلومة.
قوله: "أنا ثالث الشريكين" أي: معهما بالحفظ والبركة، أحفظ أموالهما، وأدر عليهما الرزق والخير في معاملتهما.
قال العلامة الطيبي1 رحمه الله: الشركة عبارة عن اختلاط أموالهم بعضهم ببعض، بحيث لا يتميز، وشركة الله تعالى إياهما على الاستعارة، كأنه تعالى جعل البركة، والفضل، والربح بمنزلة المال المخلوط، وجعله ثالثًا لهما. قوله:"خرجت من بينهما" ترشيح للاستعارة انتهى.
والحديث سكت عنه أبو داود. انظر حكم ما سكت عنه أبو داود في كتاب نموذج من الأعمال الخيرية ص 615، قال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: هذا الحديث صححه الحاكم، وأعلَّه ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد أبي حيان؛ فإنه لا يعرف له حال، ولا يعرف راوٍ عنه غير ابنه، وقال الحافظ ابن حجر: ذكره ابن حبَّان في الثقات، وذكر: أنه روى عنه أيضًا الحارث بن يزيد.
1 الطيبي: هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي. من علماء الحديث والتفسير والبيان، تُوفي سة 743هـ.
شرح حديث: أنا أكرم، وأعظم عفوا من أن أستر
…
61-
"أنا أكرم، وأعظم عفوًا من أن أستر على مسلم في الدنيا، وأفضحه بعد أن سترته، ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني "1. رواه الحكيم عن الحسن مرسلًا، والعقيلي عن أنس.
1رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص"138"عن الحسن مرسلًا، وابن عساكر "10/ 214"عن أنس رضي الله عنه، وفي إسناده سويد بن عبد العزيز قال أحمد: متروك الحديث. فالحديث ضعيف.
ش- قوله"أكرم وأعظم " هما على صيغة أفعل التفضيل، وليس على بابها، والعفو: المحو، والإزالة. يُقال: عفت الدِّيار: إذا درست، وذهبت آثارها، وفي العرف: ترك المكافأة عند المقدرة قولًا وفعلًا، وقيل: هو السكون عند الأحوال المحركة للانتقام، فعلى هذا: العفو في حق الله تعالى عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين، ولا يطالبه بها يوم القيامة، وينسيها من قلوبهم لئلا يخجلوا عند تذكيرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة، والعفو أبلغ من المغفرة؛ لأن الغفران يشعر بالستر، والعفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر، والعفو من أخلاق الأنبياء، والعلماء، والأصفياء، وقد جاء في العفو آيات منها: قال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22] وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63] وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] وفي الباب أحاديث كثيرة، وهو يجمع أشرف وأكرم الخصال، وأفضل شمائل الجلال، وأعلى مراتب الكمال، وركن متين، وحصن حصين، من استند إليه، واعتمد عليه استنارت له الظلم، وأمن من عثرات القدم، وعُصِم من مواقع الندم.
ومما يُحكَى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: أنه دعا غلامًا له؛ فلم يجبه، ودعاه ثانيًا، فلم يجبه، وهكذا ثالثًا، فقام إليه، فرآه مضطجعًا، فقال: يا غلام! أما سمعت الصوت؟ فقال: بلى سمعت! قال: فما منعك من الإجابة؟ فقال ثقتي بحلمك، واتكالي على عفوك، فقال عليُّ رضي الله عنه: أنت حر لوجه الله تعالى.
وقوله: "رواه الحكيم عن الحسن" والحكيم: هو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد ابن الحسن بن بشر الزاهد المؤذن المشهور بالحكيم الترمذي، صاحب كتاب:"نوادر الأصول" المتوفى مقتولًا ببلخ في حدود العشرين والثلاثمائة، وعاش نحوًا من تسعين سة، وقال صاحب "كشف الظنون": المتوفى شهيدًا سنة خمس وخمسين ومئتين، وهو وهم منه؛ لأن الحافظ شمس الدين الذهبي صرح في كتابه" تذكرة الحفاظ": أنه قدم نيسابور سة خمس وثمانين ومئتين، وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "لسان الميزان" أنه عاش إلى حدود العشرين والثلاثمئة؛ لأن ابن الأنباري ذكر أنه سمع منه سنة ثماني عشرة وثلاثمئة، وقيل: إنه قتل خمس وتسعين ومئتين. والحسن هو: الإمام شيخ الإسلام، ورئيس الزهاد، ورأس التابعين أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، المتوفى سنة عشر ومئة، وقد ذكرت له ترجمة واسعة في كتابي "نموذج من الأعمال الخيرية في إدارة الطباعة المنيرية" فطالعها تجد فيها ما يبهرك.