الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومتجنبًا صفات النقصان، أحب إليه وأشد حبًا له من بعض ملائكته. وهذا يدل على أن بعض الآدميين أفضل من بعض الملائكة، وهو القول الراجح. وقد تقدم الكلام على أفضلية الملائكة مطلقًا، وأقوال العلماء في ذلك في شرح الحديث رقم "70 "فارجع إليه والله أعلم.
114-
"
على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات:
ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بمطعمه ومشربه"1. رواه ابن حبان عن أبي ذر.
ش- العاقل: من اتَّصف بالعقل، وهو غريزة يتهيأ بها الإنسان إلى فهم الخطاب، وهو مناط التكليف، وبه يدرك الإنسان ما ينفعه، ويضره، ويميز به بين الغث والثمين، ويعقل صاحبه عن التورط في المهالك؛ أي: يحبسه، ويمنعه في الوقوع فيما لاخير فيه، وبه يتميز الإنسان عن سائرالحيوان، وكلما كمل عقل الإنسان ازداد الإنسان كمالًا، ورفعة، ووجاهة بين الناس:
إذا تم عقل المرء تمت أموره
…
وتمت أمانيه، وتم بناؤه
والمادِّيون يعدون العقل نتيجة الشعور الموجود في الإنسان، والروح نتيجةالتركيب الإنساني على مثال روح الحيوان، ولكن أرقى من روح الحيوان؛ لقبول الإنسان الرقي دون الحيوان، ولما اكتشف علم التنويم المغناطيسي، وفن استحضار الأرواح أثبتا أن للإنسان روحًا متمتعة بخصائص عالية، يحجبها هذا الجسد عن الظهور.
واختلف الناس في محل العقل هل هو في القلب، أو في الدماغ؟ قال إمام الحرمين: فذهب أصحابنا من المتكلمين: أنه في القلب، وبه قال جمهور المتكلمين، وهو قول الفلاسفة. وقالت الأطباء: هو في الدماغ، وهو محكي عن أبي حنيفة. احتجَّ أصحابنا بقول الله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج:46] وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:37] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 2 فجعل صلى الله عليه وسلم صلاح الجسد وفساده تابعًا للقلب مع أن الدماغ من جملة
1 رواه ابن حبان رقم "361"، وأبو نعيم في الحلية "1/ 166و168"في حديث طويل، وإسناده ضعيف.
2 رواه البخاري رقم"52". ومسلم رقم "1599". وابن حبان رقم "721"من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
الجسد. واحتجَّ القائلون بالدماغ بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل. والجواب: أن الله تعالى أجرى العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ، مع أن العقل ليس فيه، ولاامتناع في هذا.
وهو قسمان: غريزي ومكتسب. فالغريزي-أي: الجبلي، والطبيعي- هو: العقل الحقيقي، وله حد يتعلق به التكليف، لا يجاوزه إلى زيادة، ولا يقصرعنه إلى نقصان. والمكتسب هو نتيجة العقل الغريزي، وهونهاية المعرفة، وصحة السياسة، وإصابة الفكرة، وليس لهذا حد ومنتهى يقف عنده؛ لأنه ينمي، ويزيد إن استعمل، وينقص إن أهمل، وهولا ينفك عن العقل الغريزي؛ لأنه نتيجة منه، وقد ينفك العقل الغريزي عن العقل المكتسب لعدم استعماله، أو لاتباعه الهوى، فيكون صابحه مسلوب الفضائل، موفور الرذائل، كالأحمق الذي لا تجد له فضيلة، والأحمق الذي قلما يخلو من رذيلة.
والساعات: جمع ساعة، وهوالوقت من ليل، أو نهار. والعرب تطلقها وتريديها الحين والوقت وإن قلَّ. والمناجاة: المساررة. يقال: نجوته نجوًا؛ أي: ساررته، وكذا ناجيته. وانتجى القوم، وتناجوا: تسارُّوا؛ وانتجاه: خصَّه بمناجاته، والاسم: النجوى.
وقوله: "رواه ابن حبان" تقدمت ترجمته.
والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا: أن على العاقل المتَّصف بالصفات المميزة له عن الحيوان أن يجعل له في يومه وليلته ثلاث ساعات، وأوقات، ساعة منها يجعلها للمناجاة؛ بأن يناجي ربه، ويتكلم بكلام خفي وسرعن الناس؛ لأن هذه الحالة أقرب إلى قبول المطالب، والدعوات، وأبعد عن الرياء، والسمعة؛ بأن يسأل الله جل ذكره التوفيق للطاعات، وتسهيل الطرق الصعبة، وإبعاده عن المعاصي والرذائل، وحفظه من المصائب، والبلايا، وأن يختم له بسعادة الدارين، وأن يصلح حاله، وحال إخوانه المؤمنين، وأن يرفع البأس، والظلم، والاستبداد، والمطامع من أعدائه المستبدين بالضعيف، والغاصبين حقه، وأن يغلَّ أيدي وألسنة المذبذبين الذي يظهرون الإسلام والإيمان وحب أهلهما؛ وهم في الحقيقة جواسيس للأجانب بأجر تافه، يستبدلون عرض هذه الدنيا بالنعيم الأبدي، والخير السرمدي، والأجر العظيم الذي لا ينقطع، فهم أسوأ الناس في الدنيا الزائلة، ولهم يوم القيامة الخزي، والعار، وأشد العذاب.