الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكظمك؛ لأُطَهرك، وأزكيك. وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك" 1. رواه عبد بن حميد عن ابن عمر.
ش - الكظم -بالتحريك- هو مخرج النفس من الخلق وانقطاعه، والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى منح عباده خصلتين ليس لأحد خلقه تأثير فيهما. إحداهما: جعل الله للعبد نصيبًا من ماله حين تخرج روحه، وينقطع نفسه لتطهير العبد به، وانتفاعه بعد موته، وتزكيته نفسه، والثانية: جعل صلاة العباد على الميت بعد انقضاء أجله زكاة له، وطهرًا أيضًا ينتفع بها يوم الحساب والجزاء. فانظر ما أكرم المولى وأرافه بعباده! وما أسوأ العبد المرتكب الذنوب! وما أهمله لأوامر ربه وخالقه! أليس الأجدر به أن يكون ملتزمًا لأحكام شرعه، وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يأتي إلا ما شُرع، وأُبيح له، ويتجنب المكروه والمبغوض، والممقوت لباريه ومولاه؟ اللهم اهدنا سبيل الصواب ووفقنا لما تحبه وترضاه يا أرحم الراحمين!
1 رواه عبد بن حميد رقم"771"في المنتخب وابن ماجه رقم "2710"من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف. ورواه الديلمي في مسند الفردوس رقم "8101"من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وإسناده صحيح.
102-
"
حقَّت محبتي للمتحابين في
، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في. المتحابون في على منابر من نور، يغبطهم بمكانهم النبيون، والصديقون، والشهداء" 1. رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، والقضاعي عن عبادة بن الصامت.
ش- حقت: وجبت. والمحبة: إرادة ما تراه، أو تظنه خيرًا، أو: تعظيم في القلب يمنع الانقياد لغير محبوبه. وقد عرفها القوم وأهل التحقيق وعبَّروا عنها بعبارات كثيرة كل واحد نطق بحسب ذوقه، وانفسح بمقدار شوقه، وهي من الأمور الوجدانية الذوقية؛ التي إنما تعلم بآثارها، وعلاماتها، فكل من أدرك بعض علاماتها عبَّر بحسب ما أدركه، وهي وراء ذلك كله.
1 رواه أحمد في المسند"5/ 239"، وابن حبان رقم "577". والترمذي رقم"2390 "في الزهد، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وإسناده صحيح.
والمتحابون: تقدَّم الكلام عليه، والمتواصلون: جمع متواصل، وهو من كان بينك وبينه مواصلة، ووصلة، والوصل: ضد الهجران، يقال: وصلت الشيء بغيره، وصلاً، فاتصل به، ووصلته، وصلًا، وصلة: ضد هجرته. والمتناصحون: جمع متناصح، يقال: انتصح فلان: قَبِل النصيحة، وانتصحني فإني لك ناصح، وتنصح تشبه بالتنصح واستنصحه: عدَّه نصيحًا. والنصيحة: كلمة يُعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها، وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحته، ونصحت له. والمتزاورون: جمع متزاور. وتزوار القوم: زار بعضهم بعضًا. واستزاره: سأله أن يزوره. والمتباذلون: جمع متباذل، بذل الشيء: أعطاه، وجاد به عن طيب نفس، أي: الذين يجود أحدهم بمال، أو غيره لأخيه في الله، والآخر كذلك. وقوله:"يغبطهم" تقدم الكلام عليه. وقوله: "النبيون، والصديقون، والشهداء" قد ذكر قريباً، فارجع إليه، فلا حاجة إلى الإعادة، وتراجم رواة الحديث تقدم الكلام عليها كل راو في محله. والله أعلم.
والمعنى: أن الله تبارك اسمه، وتعاظمت صفاته أخبرنا: أن محبته قد وجبت لأنواع خمسة؛ الأول: المتحابون في الله عز وجل، يعني: أن أحدهم أحب الآخر لوجه الله جلَّ، وعلا، لا لعلة دنيوية، ولا منفعة عظيمة أخروية، والمحبة تنقسم بحسب ثمرتها وآثارها إلى قسمين: مشتركة، وخاصة.
فالمشتركة ثلاثة أنواع؛ أحدهما: محبة طبيعية مشتركة، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء، وغير ذلك. وهذه لا تستلزم التعظيم. والنوع الثاني: محبة رحمة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، ونحوها، وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم. والنوع الثالث: محبة أُنْسٍ، وإلفٍ، وهي محبة المشتركين في صناعة، أو علم، أو مرافقة، أو تجارة، أو سفر بعضهم بعضًا، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضًا، فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركًا في محبة الله سبحانه وتعالى، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء، والعسل، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان أحب اللحم إليه الذراع. وكان يحب نساءه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق.
وأما المحبة الخاصة:التي لا تصلح إلا لله وحده، ومتى أحب العبد بها غيره كان شركًا لا يغفره الله: فهي محبة العبودية المستلزمة للذل، والخضوع، والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلًا، وهي التي سوَّى المشركون بين آلهتهم وبين الله فيها، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:165] .
الثاني: المتواصلون في الله عز وجل، أي: وصل بعضهم بعضًا، ولم ينقطع عن أخيه في الله، ولم يهجره، وهذا يصدق بأن أحسن إليه، ومنحه صلته، وبره، واستمر على مواصلته قاصدًا بذلك وجه الله سبحانه وتعالى. أو: وصله بمودته، ومحبته، والتقرب إليه بمحاسن كلامه، وطوائف أحاديثه، واستمر على ذلك، ولم يهجره، ويقطعه، ويقصد في ذلك كله وجه الله، ورضاه.
الثالث: المتناصحون في الله جل جلاله؛ بأن ينصح أحدهم الآخر في شخصه، وماله، وولده، وأهله، وأقاربه، ويتحرى ذلك بفعل، أو قول فيه صلاح صاحبه والنصيحة من أهم أمور الدين، وأعظمه، وبها يُقوَّم اعوجاج الخلق، وتصلح حالهم؛ لأن المؤمن للمؤمن كالمرآة، يرى عيوبه، ويكشفها، فعليه أن ينصحه، ويبذل جهده في نصيحته وإن كانت ثقيلة على المنصوح أحيانًا. قال الله تعالى:{لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] وهي واجبة على كل مسلم لكل مسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله عز وجل، ولكتابه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" 1 رواه مسلم. وروري البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" 2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حق المؤمن على المؤمن ست، فذكر منها: وإذا استنصحك فانصح له" 3 وأفضل النصيحة ما كانت سرًا، وقُصد بها وجه الله.
النواع الرابع: المتزاورون في الله عز، وجل؛ أي: الذين يزورون الناس، والناس يزورونهم في بيوتهم، أو في مجتمعاتهم المشروعة، أو مكان عملهم سواء كان قريبًا،
1 رواه أحمد في المسند "4/ 102"، ومسلم رقم "55"في الإيمان، والنسائي "7/ "156 والبغوي رقم "3514"، وابن حبان رقم "4575"من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
2 رواه أحمد في المسند "4/ 356". والبخاري رقم "57و524" ومسلم رقم "56 "والترمذي رقم "1925". وابن حبان رقم "4545"من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
3 رواه مسلم رقم "2163"من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.