المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ومعه النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [التحقيق]

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌[مقدمة الشارح]

- ‌تنبيه

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌شرح حديث: ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اذكرني بعد الفجر

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار

- ‌شرح حديث: ابن آدم! عندك ما يكفيك

- ‌شرح حديث: أحب ما تعبدني به عبدي النصح

- ‌شرح حديث: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي المؤمن

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي بحيبيتيه

- ‌شرح حديث إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً

- ‌شرح حديث: إذا تقرب إلي العبد شبرا

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني

- ‌شرح حديث: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي

- ‌شرح حديث: إذا ذكرني عبدي خالياً

- ‌شرح حديث: إذا بلغ عبدي أربعين سنة

- ‌شرح حديث: إذا أحب عبدي لقائي

- ‌شرح حديث: إذا قبضْتُ كريمة عبدي

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بحسة، ولم يعملها

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا اشتكى عبدي فأظهر المرض

- ‌شرح حديث: أربع خصال: واحدة فيما بيني وبينك

- ‌شرح حديث: اذكروني بطاعتي أذكركم

- ‌شرح حديث: اشتد غضبي على من ظلم

- ‌شرح حديث: اطلبوا الخير عند الرحماءمن أمتي

- ‌شرح الحديث: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت

- ‌شرح حديث: افترضت على أمتك خمس صلوات

- ‌شرح حديث: أعددت لعبادي الذين آمنوا

- ‌شرح حديث: إن السموات والأرض ضعفت عن أن تسعني

- ‌شرح حديث: إن الذي قال: مطرنا بنوء كذا وكذا

- ‌شرح حديث: إن أحب عبادي إلي أعجلم فطراً

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إن بيوتي في الأرض المساجد

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له بدنه

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له جسمه

- ‌شرح حديث: إن عبدي المؤمن بمنزلة كل خير

- ‌شرح حديث: إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني

- ‌شرح حديث: إن لعبدي علي عهداً إن أقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنك إن ذهبت تدعو على آخر

- ‌شرح حديث: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع

- ‌شرح حديث: إني أنا الله لا إله إلا أنا

- ‌شرح حديث: إني إذا أخذت كريمتى عبد

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إني حرمت الظلم على نفسي

- ‌شرح حديث: إني لأهم بأهل الأرض عذابا

- ‌شرح حديث إني لأستحي من عبدي وأمتي

- ‌شرح حديث: إني لست على كل كلام الحكيم أقبل

- ‌شرح حديث: إني والجن والإنس في نبأ عظيم

- ‌شرح حديث: أنا الرحمن خلقت الرحم

- ‌شرح حديث: أنا الله خلقت العباد بعلمي

- ‌شرح حديث: أن الله، لا إلا أنا

- ‌شرح حديث: أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك

- ‌شرح حديث: أنا العزيز، من أراد عز الدارين

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا

- ‌شرح حديث: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه

- ‌شرح حديث: أنا أكرم، وأعظم عفوا من أن أستر

- ‌شرح حديث: أنا أهل أن أتقي فلا يجعل معي إله

- ‌شرح حديث: أنا خلقت الخير والشر

- ‌شرح حديث: أنا خير قسيم لمن أشرك بي

- ‌أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكًا

- ‌أنا ربكم، أنا أهل أن أُتَّقى

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرُني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا؛ فخيرٌ

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله

- ‌أنا مع عبدي إذ هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه

- ‌أنتقم ممن أبْغُضُ بمن أبغض

- ‌أَنْفِق؛ أُنْفِق عليك

- ‌حديث شريف: أيما عبد من عبادي يخرج مجاهدا في سبيلي

- ‌أيُّما مؤمن عطس ثلاث عطسات متواليات

- ‌إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي

- ‌الرَّحِم شُجنة مني، فمن وصلها؛ وصلته

- ‌الحسنة بعشر أمثالها، أو أزيد

- ‌الحسنة عشر وأزيد والسئية واحدة

- ‌الحسنة بعشر، والسيئة بواحدة، أو أغفرها

- ‌الصوم جُنَّة من النار، ولي الصوم

- ‌الصوم جنة يَسْتجنُّ بها عبدي من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام لي، وأنا أجزي به

- ‌العِزُّ إزاري، والكبرياء ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري

- ‌المُتحابُّون في جلالي لهم منابر من نور

- ‌المتحابون لجلالي في ظِلِّ عرشي

- ‌النظرة سهم من سهام إبليس

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم إن من استسلم لقضائي

- ‌توسَّعت على عبادي بثلاث خصال:

- ‌ثلاث من حافظ عليهن؛ كان وليي حقًا

- ‌ثلاثة أنا خصْمهم يوم القيامة:

- ‌ثنتان لم يكن لك واحدة منهما:

- ‌ حقَّت محبتي للمتحابين في

- ‌حقَّت محبتي للمتحابين في، أظلهم في ظل العرش يوم القيامة

- ‌حقَّت محبتي للذين يتصادقون من أجلي

- ‌حسنة ابن آدم عشر

- ‌خلفت الخير والشر

- ‌خلقت بضع عشرة وثلاثمئة خُلُق

- ‌سبقت رحمتي غضبي

- ‌شتمني ابن آدم

- ‌صِلُوا أرحامكم؛ فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا

- ‌عبدي! إذا ذكرتني خاليًا؛ ذكرتك خاليًا

- ‌عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي

- ‌على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات:

- ‌قسَّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين

- ‌عبادٌ لي يلبسون للناس مُسُوك الضأن

- ‌علامة معرفتي في قلوب عبادي

- ‌عبدي! أنا عند ظنك بي

- ‌قال الله للنفس: اخرجي

- ‌كذَّبني ابن آدم

- ‌كذبني عبدي، ولم يكن له أن يكذبني

- ‌كل عمل ابن آدم له إلا الصيام

- ‌كل عمل ابن آدم هو له إلا الصوم هو لي

- ‌لأنتقمنَّ من الظالم في عاجله وآجله

- ‌لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر عبدي في حقي

- ‌لقد خلقتُ خلقًا ألسنتهم أحلى من العسل

- ‌لو أن عبدي استقبلني بقراب الأرض ذُنُوبًا

- ‌لو أن عبادي أطاعوني؛ لأسقيتهم المطر بالليل

- ‌لم يلتحف العباد بلحافٍ أبلغ عندي من قلة الطُّعم

- ‌ليس كل مصلٍ يصلي

- ‌لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن

- ‌ما تقرب إلي العبد بمثل أداء فرائضي

- ‌ما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا

- ‌ما غضبت على أحد غضبي على عبدٍ أتى معصية

- ‌ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌مُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر

- ‌من آذى لي ولياً؛ فقد استحل محاربتي

- ‌ من أهان لي ولياً فقد بارزته بالمحاربة

- ‌من ترك الخمر وهو يقدر عليه

- ‌من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب

- ‌من عادى لي ولياً فقد ناصبني بالمحاربة

- ‌من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب

الفصل: ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

بُلِي الإنسان بمصائب الدنيا، بأن كل شيء بحسبه من الأجر والثواب.

ص: 22

‌شرح حديث: إذا هم عبدي بحسة، ولم يعملها

21-

"إذا همَّ عبدي بحسنةٍ، ولم يعملها؛ كتبتها له حسنة، فإن عملها؛ كتبتها عشرحسنات إلى سبعمئة ضعف، وإذا هم بسيئة ولم يعملها، لم أكتبها عليه، فإن عملها؛ كتبتها سيئةً واحدةً"1. رواه الشيخان، والترمذي، وابن حبان عن أبي هريرة.

1 رواه أحمد في المسند "2/ 434" و "411". ومسلم رقم "130" في الإيمان. وابن حبان رقم "384" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 22

‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

22-

"إذا هم عبدي بسيئة، فلم يعملها؛ فاكتبوها له حسنة، فإن عملها؛ فاكتبوها له سيئة، فإن تاب منها؛ فامحوها عنه، وإذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها؛ فاكتوبها له حسنة، فإن عملها؛ فاكتبوها بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف"1. رواه ابن حبان عن أبي الدرداء.

1 رواه ابن حبان رقم "381" وفي إسناده زكريا بن يحيى الوقار، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ، ويخالف. وأورده ابن أبي حاتم "3/ 601" ولم يذكره فيه جرحًا، ولا تعديلًا، وضعفه ابن يونس وغيره، وكذبه صالح جزرة. وقال ابن عدي: يضع الحديث. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليس من حديث أبي الدرداء كما أشار المؤلف رحمه الله.

ص: 22

‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

23-

"إذا هم عبدي بسيئة؛ فلا تكتبوها عليه، فإن عملها؛ فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها؛ فاكتبوها حسنة، فإذا عملها؛ فاكتبوها عشرًا" 1، رواه الشيخان عنه.

ش- الهمُّ: ترجيحُ قصد الفعل، تقول، هممتُ بكذا: أي قصدته بهمتي، وهو فوق مجرد خطور الشيء بالقلب. قال ابن فارس: الهم: ما هممت به، وهممت بالشيء همًا من باب قتل: إذا أردته، ولم تفعله، ووقع لمسلم في رواية همام عن أبي هريرة بلفظ:"إذا تحدث" وهو محمول على حديث النفس، لتوافق الروايات الأخرى. قال الحافظ ابن حجر: ولكن ليس قيدًا في كتابة الحسنة، بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة، نعم ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي، فعند أحمد،

1 رواه مسلم رقم "128" في الإيمان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 22

وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه:"ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه، وحرص عليها" 1 وقد تمسك به ابن حبان، فقال بعد إيراد حديث الباب في "صحيحه": المراد بالهم هنا: العزم، ثم قال: ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها. وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل. وقوله: "ولم يعملها" يتناول نفي عمل الجوارح، وأما عمل القلب: فيحتمل نفيه أيضًا؛ إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث، لا إن قيدت بالتصميم كما في حديث خريم، ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم:"إنَّ الكف عن الشرِّ صدقة". وقوله في الحديث الأول: "كتبتها له حسنة" أي: لمن هم بالحسنة، ولم يعملها. وفي رواية البخاري: حسنة كاملة. ومعنى قوله: "كتبتها": أمر الملائكة الحفظة بكتابتها، بدليل ما في الحديث الثاني، والثالث، وما في رواية البخاري عن أبي هريرة في كتاب التوحيد بلفظ:"إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها" 2 وفيه دليل عى أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي، إما بإطلاع الله إياه، أو بأن يخلق له علمًا يدرك به ذلك: ويؤيد الأول: ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني3: "قال ينادي الملك: اكتب لفلان كذا، وكذا، فيقول: يا رب إنه لم يعمله. فيقول: إنه نواه. وقيل: بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة، وبالحسنة رائحة طيبة. وأخرج ذلك الطبري عن ابن معشر المدني، وجاء مثله عن سفيان بن عيينة: ورأيت في شرح مغلطاي4: أنه ورد مرفوعًا. قال الطوفي5: إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة؛ لأن

1 رواه أحمد في المسند "4/ 321و322" من حديث خريم بن فاتك وفي إسناده المسعودي، قال الحافظ في التقريب: صدوق، اختلط قبل موته. وجهالة الرجل الراوي عن خريم رضي الله عنه.

2 رواه البخاري رقم "7501" في التوحيد. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

3 أبو عمران الجوني: وهو الإمام الثقة عبد الملك بن حبيب البصري. رأى عمران بن حصين. وروى عن جندب البجلي وأنس بن مالك. حدث عنه شعبة. والحمَّادان. وآخرون. وثقه يحيى بن معين وغيره. توفي رحمه الله سنة "133"هـ.

4 مغلطاي: ابن قليج بن عبد الله البكجري: المصري، الحكري الحنفي، أبو عبد الله علاء الدين مؤرخ، من حُفَّاظ الحديث، عارف بالأنساب، تركي الأصل. توفي رحمه الله سنة "762"هـ.

5 الطوفي: هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع نجم الدين، فقيه حنبلي. ولد بقرية طوف. أو طوفا. من أعمال صرصر في العراق. ودخل بغداد سنة "691"هـ ورحل إلى دمشق سنة "704"هـ. وجاور بالحرمين توفي في بلدة الخليل بفلسطين سنة "716"هـ.

ص: 23

إرادة الخير سبب إلى العمل، وإرادة الخير خير؛ لأن إرادة الخير من عمل القلب، واستشكل بأنه إذا كان كذلك، فكيف لا تتضاعف لعموم قوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الانعام: 160] وأُجيب بمثل الآية على عمل الجوارح، والحديث الهم على المجرد، واستشكل أيضًا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة، فكيف لم يعتبر في حصول السيئة، وخالف هواه، ثم إن ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك، سواء كان ذلك لمانع أم لا، ويتجه أن يقال: يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع، فإن كان خارجيًا مع بقاء قصد الذي هم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر، ولاسيما إن قارنها ندم على تفويتها، واستمرت النية على فعلها عند القدرة: وإن كان الترك من الذي هم من قِبل نفسه، فهي دون ذلك إلا إن قارنها قصد الإعراض عنها جملة، والرغبة عن فعلها، ولاسيما إن وقع العمل في عكسها، كان يريد أن يتصدق بدرهم مثلًا فصرفه بعينه في معصية، فالذي يظهر في الأخير ألا تكتب له حسنة أصلًا، وأما ما قبله فعلى الاحتمال، أفاده الحافظ ابن حجر في "فتحه".

والضِّعف في اللغة: المثنى، وضعفاه: مثلاه، وأضعافه: أمثاله، قال الخليلي1: التضعيف أن يزاد على أصل الشيء، فيجعل مثليه وأكثر، وكذلك من الأضعاف، والمضاعفة. وقال الأزهري2: الضعف في كلام العرب: المثل. هذا هو الأصل، ثم استعمل الضعف في المثل وما زاد، وليس للزيادة حد.

قال الحافظ: والتحقيق: أنه اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر، فإذا قيل: ضعف العشرة فهم: أن المراد عشرون، ومن ذلك: لو أقرَّ بأن له عندي ضعف

1 الخليلي: هو العلامة الحافظ أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي القزويني، مصنف كتاب "الإرشاد في معرفة المحدثين" توفي رحمه الله سنة "446"هـ.

2 الأزهري: هو العلامة أبو منصور محمد بن الأزهر بن طلحه الأزهري الهروي اللغوي الشافعي، صاحب كتاب "تهذيب اللغة" المشهور توفي سنة "370"هـ.

ص: 24

دِرهم لزمه درهمان. أو ضعفي درهم، لزمه ثلاثة.

وقوله: "وإذا همَّ بسيئة"

إلخ ظاهره: إطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك، وقد جاء مقيدًا في صحيح البخاري من حديث الأعرج عن أبي هريرة، ولفظه:"إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها حتى يعملها، فإن عملها؛ فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها من أجلي؛ فاكتبوها له حسنة".

ونقل القاضي عياض عن بعض العلماء: أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه. ثم صوَّب حمل مطلقه على ما قيد في حديث أبي هريرة. قال الحافظ بن حجر: قلت: ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استحضار ما قيد به دون حسنة الآخر، لما تقدَّم: أن ترك المعصية كفٌّ عن الشر، والكف عن الشر خير. ويحتمل أيضًا أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة، فإن تركها من مخافة ربه سبحانه كُتبت حسنة مضاعفة. وقال الخطابي1: محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه؛ لأن الإنسان لا يسمى تاركًا إلا مع القدرة، ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلًا فيجد الباب مغلقًا ويتعسَّر فتحه. ومثله: من تمكن من الزنى مثلًا، فلم ينتشر، أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلًا. ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري ما قد يعرض ظاهر حديث الباب، وهو ما أخرجه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه بلفظ:"إنما الدنيا لأربعة" فذكر الحديث، وفيه "وعبد رزقه الله مالًا، ولم يرزقه علماً، فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يرى لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يرزقه الله مالًا، ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا؛ لعملت فيه بعمل فلان، فهما في الوزر سواء" 2 فقيل: الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين،

1 الخطابي: هو الإمام العلامة: الحافظ اللغوي: أبوسليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي الخطابي: صاحب التصانيف. ولد سنة "ثلاثمائة وبضع عشرة" وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي بمكة. قال أبو طاهر السلفي: أما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود إذا وقف منصف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته؛ تحقق إمامته، وديانته فيما يورد. توفي رحمه الله "388"هـ.

2 رواه أحمد في المسند "4/ 231" والترمذي رقم "2326" في الزهد وابن ماجه رقم "4228" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال

من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه.

ص: 25

فتُحمل الحالة الأولى على مَنْ همَّ بالمعصية همًا مجردًا من غير تصميم، والحالة الثانية على من صمم على ذلك، وأصرَّ عليه. وهو موافق لما ذهب إليه الباقلاني1، وغيره، قال المازري2: ذهب ابن الباقلاني -يعني: ومن تبعه- إلى أن من عزم على المعصية بقلبه، ووطَّن عليها نفسه: أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفوعمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب، ولا يستقر. قال المازري: وخالفه كثير من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين، ونقل ذلك عن نص الشافعي، ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همَّام عنه بلفظ:"فأنا أغفرها له مالم يعملها"3. فإن الظاهر: أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به، وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني؛ لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة، لا السيئة التي هم أن يعملها، كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصرها، فإنه يأثم بالأمر المذكور، لا بالمعصية. ومما يدل على ذلك حديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" والذي يظهر: أنه من هذا الجنس، وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه، ولا يُعاقب عقاب من باشر القتل حسًا. وهنا قسم آخر، وهو أن من فعل المعصية، ولم يتب منها، ثم هم أن يعود إليها؛ فإنه يعاقب على الإصرار، كما جزم به ابن المبارك وغيره في تفسير قوله تعالى:{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران: 135] ويؤيده: أن الإصرار معصية إتفاقًا، فمن عزم على المعصية، وصمَّم

1 الباقلاني: هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر. أبو بكر قاضٍ من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة. من كتبه"إعجاز القرآن" توفي رحمه الله "403"هـ.

2 المازري: هو العلامة المتفنن، أبو عبد الله، محمد بن علي بن عمر التميمي المازري المالكي، مصنف كتاب "الإيضاح في علم الأصول" وله شرح كتاب التلقين لعبد الوهاب المالكي في عشرة أسفار، وهو من أنفس الكتب. توفي رحمه الله سنة "536"هـ.

3 رواه مسلم رقم "129" في الإيمان. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 26

عليها كُتبتْ عليه سيئة، فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية. قال النووي: وهذا ظاهر حسن لامزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] الآية، وقوله:{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] وغير ذلك.

وقال ابن الجوزي: إذا حدث نفسه بالمعصيةلم يؤاخذ، فإن عزم، وصمم زاد على حديث النفس، وهو من عمل القلب. قال: والدليل على التفريق بين الهم والعزم: أن من كان في الصلاة، فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع. فإذا صمم على قطعها بطلت. وأجيب عن القول الأول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود؛ للفرق بين ما هو بالقصد، وما هو بالوسيلة.

وقسم بعضهم ما يقع في النفس أقسامًا يظهر منها الجواب عن الثاني، أضعفها: أن يخطر له، ثم يذهب في الحال، وهذا من الوسوسة، وهو معفوعنها، وهو دون التردد. وفوقه: أن يتردد فيه، فيهُم به، ثم ينفر عنه، فيتركه، ثم يهم به، ثم يترك كذلك، ولا يستمر على قصده، وهذا هو التردد، فيعفى عنه أيضًا. وفوقه: أن يميل إليه، ولا ينفر عنه، لكن بل لا يصمم على فعله، وهذا هو الهم، فيعفى عنه أيضًا.

وفوقه: أن يميل إليه، ولا ينفر عنه بل يصمم، فهذا هو العزم، وهو منتهى الهم، وهو على قسمين:

"القسم الأول" أن يكون من أعمال القلوب صرفًا، كالشك في الوحدانية، أو النبوة، أو البعث، فهذا كفر، ويعاقب عليه جزمًا، ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر، كمن يحب ما يبغض الله، ويبغض ما يبحه الله، ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك، فهذا يأثم، ويلتحق به الكبر، والعجب، والبغي، والمكر، والحسد.

وفي بعض هذا خلاف؛ فعن الحسن البصري1: أن سوء الظن بالمسلم وحسده معفو

1 الحسن البصري: - هو الحسن بن أبي الحسن يسار أبوسعيد، مولى زيد بن ثابت وكانت أم الحسن مولاة لأم سلمة أم المؤمنين والمخزومية. وكان سيد أهل زمانه علمًا وعملًا. رأى عثمان، وطلحة. روى عن عمران بن الحصين، والمغيرة بن شعبة. توفي رحمه الله "110"هـ.

ص: 27

عنه، وحملوه على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه، لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدة النفس على تركه.

"والقسم الثاني" أن يكون من أعمال الجوارح، كالزنى، والسرقة، فهو الذي وقع فيه النزاع، فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلًا، ونقل عن نص الشافعي، ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل، فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال: علم الله أنه أشعرها قلبه، وحرص عليها، وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء، بل قال فيه: ومن هم بسيئة لم تكتب عليه، والمقام مقام الفضل، فلا يليق التحجير فيه.

وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم، وسأل ابن المبارك سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد بما يهم به؟ قال: إذا جزم بذلك، واستدل كثير منهم بقوله تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به، أو تكلم" 1 على الخطرات، كما تقدم.

ثم افترق هؤلاء، فقالت طائفة: يُعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصةً بنحو الهم، والغم، وقالت طائفة: بل يعاقب عليه يوم القيامة، لكن بالعتاب، لا بالعذاب، وهذا قول ابن جريج2، والربيع بن أنس3، وطائفة، ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضًا، واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الأدب، واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي، ولو لم يصمم، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ

1 رواه أحمد في المسند "2/ 255و393". والبخاري رقم "2528"في العتق، وأبو داود رقم "229" والترمذي رقم "1183". وابن ماجه رقم "2044". وابن حبان رقم "4334" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

2 ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الإمام، العلامة، الحافظ، شيخ الحرم أبو خالد، صاحب التصانيف، أول من دون العلم بمكة، حدث عنه عطاء بن أبي رباح فأكثر، كان صاحب تعبد، وتهجد، توفي سنة "150"هـ.

3 الربيع بن أنس بن زياد البكري، الخراساني، المروزي، بصري، سمع أنس بن مالك وأبا العالية الرياحي، وأكثر عنه، توفي سنة "139" هـ.

ص: 28

عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] ذكره السدّي في تفسيره عن مرَّة، عن ابن مسعود، وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعًا، ومنهم من رجحه موقوفًا، ويؤيد ذلك: أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه، فمن همَّ بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته.

وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم، ومع ذلك فمن هم بمعصية لا يؤاخذه، فكيف يؤاخذه بما دونه، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله؛ لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله، فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره، وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى! نعم من هم بالمعصية قاصدًا الاستخفاف بالحرم عصى، ومن هم بمعصية الله قاصدًا الاستخفاف بالله كفر، وإنما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلًا عن قصد الاستخفاف.

وهذا تفصيل جيد، ينبغي أن يستحصر عند شرح حديث:"لا يزني الزاني وهو مؤمن"1.

وقال السبكي2: الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعًا، والخاطر، وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ به لحديث الباب. والعزم -وهو قوة ذلك القصد، أو الجزم به، ورفع التردد - قال المحققون: يُؤاخذ به، وقال بعضهم: لا، واحتجَّ بقول أهل اللغة: هم بالشيء: عزم عليه، وهذا لا يكفي، قال: ومن أدلة الأول حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفهما

" 3 الحديث، وفيه: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" فعلل بالحرص. واحتج بعضهم بأعمال القلوب، ولا حجة معه؛ لأنها على قسمين:

1 رواه أحمد في المسند "2/ 376". والبخاري رقم "5578" في الأشربة، ومسلم رقم "57و 102". وأبو داود رقم "4689" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

2 السبكي: هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي، تقي الدين أبو الحسن. عالم مشارك في الفقه. والتفسير. والمنطق. والحديث واللغة توفي رحمه الله "756"هـ.

3 رواه أحمد في المسند "5/ 43و51"، والبخاري رقم "31" في الإيمان و "6875" في الديات، ومسلم رقم "2888"، وأبو داود رقم "4269"، والنسائي "7/ 125"، وابن ماجه رقم "3965"، وابن حبان رقم "5945" من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

ص: 29