المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرا فله - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ومعه النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [التحقيق]

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌[مقدمة الشارح]

- ‌تنبيه

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌شرح حديث: ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اذكرني بعد الفجر

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار

- ‌شرح حديث: ابن آدم! عندك ما يكفيك

- ‌شرح حديث: أحب ما تعبدني به عبدي النصح

- ‌شرح حديث: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي المؤمن

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي بحيبيتيه

- ‌شرح حديث إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً

- ‌شرح حديث: إذا تقرب إلي العبد شبرا

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني

- ‌شرح حديث: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي

- ‌شرح حديث: إذا ذكرني عبدي خالياً

- ‌شرح حديث: إذا بلغ عبدي أربعين سنة

- ‌شرح حديث: إذا أحب عبدي لقائي

- ‌شرح حديث: إذا قبضْتُ كريمة عبدي

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بحسة، ولم يعملها

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا اشتكى عبدي فأظهر المرض

- ‌شرح حديث: أربع خصال: واحدة فيما بيني وبينك

- ‌شرح حديث: اذكروني بطاعتي أذكركم

- ‌شرح حديث: اشتد غضبي على من ظلم

- ‌شرح حديث: اطلبوا الخير عند الرحماءمن أمتي

- ‌شرح الحديث: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت

- ‌شرح حديث: افترضت على أمتك خمس صلوات

- ‌شرح حديث: أعددت لعبادي الذين آمنوا

- ‌شرح حديث: إن السموات والأرض ضعفت عن أن تسعني

- ‌شرح حديث: إن الذي قال: مطرنا بنوء كذا وكذا

- ‌شرح حديث: إن أحب عبادي إلي أعجلم فطراً

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إن بيوتي في الأرض المساجد

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له بدنه

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له جسمه

- ‌شرح حديث: إن عبدي المؤمن بمنزلة كل خير

- ‌شرح حديث: إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني

- ‌شرح حديث: إن لعبدي علي عهداً إن أقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنك إن ذهبت تدعو على آخر

- ‌شرح حديث: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع

- ‌شرح حديث: إني أنا الله لا إله إلا أنا

- ‌شرح حديث: إني إذا أخذت كريمتى عبد

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إني حرمت الظلم على نفسي

- ‌شرح حديث: إني لأهم بأهل الأرض عذابا

- ‌شرح حديث إني لأستحي من عبدي وأمتي

- ‌شرح حديث: إني لست على كل كلام الحكيم أقبل

- ‌شرح حديث: إني والجن والإنس في نبأ عظيم

- ‌شرح حديث: أنا الرحمن خلقت الرحم

- ‌شرح حديث: أنا الله خلقت العباد بعلمي

- ‌شرح حديث: أن الله، لا إلا أنا

- ‌شرح حديث: أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك

- ‌شرح حديث: أنا العزيز، من أراد عز الدارين

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا

- ‌شرح حديث: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه

- ‌شرح حديث: أنا أكرم، وأعظم عفوا من أن أستر

- ‌شرح حديث: أنا أهل أن أتقي فلا يجعل معي إله

- ‌شرح حديث: أنا خلقت الخير والشر

- ‌شرح حديث: أنا خير قسيم لمن أشرك بي

- ‌أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكًا

- ‌أنا ربكم، أنا أهل أن أُتَّقى

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرُني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا؛ فخيرٌ

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله

- ‌أنا مع عبدي إذ هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه

- ‌أنتقم ممن أبْغُضُ بمن أبغض

- ‌أَنْفِق؛ أُنْفِق عليك

- ‌حديث شريف: أيما عبد من عبادي يخرج مجاهدا في سبيلي

- ‌أيُّما مؤمن عطس ثلاث عطسات متواليات

- ‌إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي

- ‌الرَّحِم شُجنة مني، فمن وصلها؛ وصلته

- ‌الحسنة بعشر أمثالها، أو أزيد

- ‌الحسنة عشر وأزيد والسئية واحدة

- ‌الحسنة بعشر، والسيئة بواحدة، أو أغفرها

- ‌الصوم جُنَّة من النار، ولي الصوم

- ‌الصوم جنة يَسْتجنُّ بها عبدي من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام لي، وأنا أجزي به

- ‌العِزُّ إزاري، والكبرياء ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري

- ‌المُتحابُّون في جلالي لهم منابر من نور

- ‌المتحابون لجلالي في ظِلِّ عرشي

- ‌النظرة سهم من سهام إبليس

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم إن من استسلم لقضائي

- ‌توسَّعت على عبادي بثلاث خصال:

- ‌ثلاث من حافظ عليهن؛ كان وليي حقًا

- ‌ثلاثة أنا خصْمهم يوم القيامة:

- ‌ثنتان لم يكن لك واحدة منهما:

- ‌ حقَّت محبتي للمتحابين في

- ‌حقَّت محبتي للمتحابين في، أظلهم في ظل العرش يوم القيامة

- ‌حقَّت محبتي للذين يتصادقون من أجلي

- ‌حسنة ابن آدم عشر

- ‌خلفت الخير والشر

- ‌خلقت بضع عشرة وثلاثمئة خُلُق

- ‌سبقت رحمتي غضبي

- ‌شتمني ابن آدم

- ‌صِلُوا أرحامكم؛ فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا

- ‌عبدي! إذا ذكرتني خاليًا؛ ذكرتك خاليًا

- ‌عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي

- ‌على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات:

- ‌قسَّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين

- ‌عبادٌ لي يلبسون للناس مُسُوك الضأن

- ‌علامة معرفتي في قلوب عبادي

- ‌عبدي! أنا عند ظنك بي

- ‌قال الله للنفس: اخرجي

- ‌كذَّبني ابن آدم

- ‌كذبني عبدي، ولم يكن له أن يكذبني

- ‌كل عمل ابن آدم له إلا الصيام

- ‌كل عمل ابن آدم هو له إلا الصوم هو لي

- ‌لأنتقمنَّ من الظالم في عاجله وآجله

- ‌لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر عبدي في حقي

- ‌لقد خلقتُ خلقًا ألسنتهم أحلى من العسل

- ‌لو أن عبدي استقبلني بقراب الأرض ذُنُوبًا

- ‌لو أن عبادي أطاعوني؛ لأسقيتهم المطر بالليل

- ‌لم يلتحف العباد بلحافٍ أبلغ عندي من قلة الطُّعم

- ‌ليس كل مصلٍ يصلي

- ‌لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن

- ‌ما تقرب إلي العبد بمثل أداء فرائضي

- ‌ما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا

- ‌ما غضبت على أحد غضبي على عبدٍ أتى معصية

- ‌ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌مُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر

- ‌من آذى لي ولياً؛ فقد استحل محاربتي

- ‌ من أهان لي ولياً فقد بارزته بالمحاربة

- ‌من ترك الخمر وهو يقدر عليه

- ‌من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب

- ‌من عادى لي ولياً فقد ناصبني بالمحاربة

- ‌من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب

الفصل: ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرا فله

70-

"‌

‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرُني

، فإن ذكرني في نفسه؛ ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ؛ ذكرته في ملأ خيرٍ منه" 1. رواه البيهقي عن أبي هريرة.

1 رواه أحمد في المسند "2/ 516و517"، والبخاري رقم "7405"، ومسلم رقم" 2675 و21" في الذكر، والترمذي رقم"3603"، وابن ماجه رقم "3822"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 96

71-

"‌

‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا؛ فخيرٌ

، وإن ظن شرًا؛ فشٌر ". رواه الطبراني1 وابن حبان عن واثلة بن الأسقع.

1 تقدم تخريجه.

ص: 96

72-

"‌

‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

". رواه ابن أبي الدنيا، والحكيم عن أبي هريرة.

ص: 96

73-

"‌

‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله

؛ وإن ظن شرًا؛ فله ". رواه أحمد، ومسلم، والطبراني، وابن النجار عن أبي هريرة1، ورواه الطبراني في الأوسط، أبو نعيم عن واثلة.

ش- الحديث الأول فيه الأمرُ بالظن بالله سبحانه وتعالى مطلقًا؛ أي: في حال الذكر، أو الدعاء. والثاني مقيد بحال الذكر، وكذلك الرابع، والثالث بحال الدعاء، والحديث الخامس فيه تفصيل الظن بحسبه إن كان خيرًا؛ فيجزي بذلك، وإن كان شرًا؛ فيجده كذلك.

والظن يطلق على معانٍ، قال أبو عبد الله الدامغاني في كتابه "الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز ومعانيها": الظن على أربعة أوجهٍ، فوجه منها الظن بمعنى اليقين قوله تعالى في البقرة:{إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة:230] وكقوله في ص: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص:24] يعني: علم داود بما آتيناه. وقال في الحاقة: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] يقول: أيقنت. والوجه الثاني: الظن بمعنى الشك قوله تعالى في الجاثية: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً} [الجاثية:32] يعني: ما نشك إلا شكًا. والوجه الثالث: ظن بمعنى حسب قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق] :

1 رواه أحمد في المسند "2/ 391"، وابن حبان رقم "639"وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.

ص: 96

14" يعني: حسب ألَّا يرجع، وقال في حم السجدة:{وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت:22] . والوجه الرابع: الظن بمعنى التهمة قوله تعالى في الأحزاب: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] بمعنى التهمة، وقال: اتهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرهم أن الله عز وجل يفتح عليك، وكقوله:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24] يعني: بمتهم، نظيره في الفتح:{وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:12] .انتهى.

أقول: ويأتي بمعنى الاعتقاد، كقوله تعالى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} [القصص: 39] أي: اعتقدوا، فالظن هنا والله أعلم بمعنى: حسب، أواعتقد.

قال الحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري شرح صحيح البخاري" في قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي" أي: قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامله به. وقال الكرماني1: وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف، وكأنه أخذه من جهة التسوية، فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد، وهو جانب الخوف بأنه لا يختاره لنفسه، بل يعدل إلى ظنِّ وقوع الوعد، وهو جانب الرجاء، وهو كما قال أهل التحقيق: مقيد بالمحتضر، ويؤيد ذلك حديث:"لا يموتن أحدُكم إلا وهو يُحسن الظن بالله" 2 وهو عند مسلم من حديث جابر: وأما قبل ذلك ففي الأول أقول ثالثها الاعتدال. وقال ابن أبي جمرة: المراد بالظن هنا: العلم، وهو كقوله:{وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:118] وقال القرطبي في المفهم: قيل: معناه: ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها؛ تمسكًا بصادق وعده، قال: ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" 3؟ قال:

1 الكرماني: هو محمد بن يوسف بن علي بن سعيد شمس الدين الكرماني، شارح البخاري المُسمى "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري"، توفي سنة "776"هـ.

2 رواه مسلم رقم "2877". وأبو داود رقم "3113"في الجنائز. من حديث جابر رضي الله عنه.

3 رواه الترمذي رقم "3474"في الدعوات، والحاكم في المستدرك "1/ 493"، وابن عدي في الكامل "4/ 62"، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الذهبي حديث مستقيم الإسناد تفرد به صالح المري، وهو أحد زهاد البصرة. وتعقبه الذهبي بقوله: صالح متروك نقول: إسناده ضعيف.

ص: 97

ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله، ويغفر له؛ لأنه وعد ذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد، أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن، كما في بعض طرق الحديث المذكور "فليظن بي عبدي ما شاء" قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار؛ فذلك محض الجهل، والغرَّة، وهو يجر إلى مذهب المرجئة. انتهى.

وقال الشوكاني في "تحفة الذاكرين": فيه ترغيب من الله عز وجل لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسبها، فمن ظن به خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميل تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته، وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى هكذا. وهذا هو معنى كونه سبحانه وتعالى عند ظن عبده، فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع حالاته، ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة رحمة الله سبحانه، وتعالى.

وقوله: "فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" قال بعض أهل العلم: يُستفاد منه: أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري لتقديمه على الذكر الجهري في السياق. وتقدير المعنى: إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أُطْلِع عليه أحداً، وإن ذكرني جهرًا ذكرته بثوابٍ أطلع عليه الملأ الأعلى، وفيه احتمال، وللعلماء في أيهما أفضل خلاف ذكرته في شر حي على "الكلم الطيب" للإمام تقي الدين بن تيمية، فأرجع إليه.

قال ابن بطال: هذا نصُّ أنَّ الملائكة أفضل من بني آدم، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وعلى ذلك شواهد من القرآن، مثل:{إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم، وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة: أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس، والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة: الفلاسفة، ثم المعتزلة، وقليل من أهل السنة من أهل التصوف، وبعض أهل الظاهر، فمنهم من فاضل بين الجنسين، فقالوا: حقيقة الملك أفضل من حقيقةِ الإنسان؛ لأنها نورانية، وخيرية، ولطيفة مع سعة العلم، والقوة، وصفاء الجوهر، وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد؛ لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة، ومنهم من خصَّ الخلاف بصالحي البشر، والملائكة، ومنهم من خصه بالأنبياء، ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء؛

ص: 98

ومنهم من فضَّلهم على الأنبياء أيضًا إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن أدلة تفضيل النبي على الملك: أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الأسراء:62] ومنها قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] لما فيه من الإشارة إلى العناية به، ولم يثبت ذلك للملائكة، ومنها قولة تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33]، ومنها قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الجاثية:13] فدخل في عمومه الملائكة، والمسخر له أفضل من المسخر، ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة، وطاعة البشرغالبًا مع المجاهدة للنفس؛ لما طبعت عليه من الشهوة، والحرص، والهوى، والغضب، فكانت عبادتهم أشق، وأيضًا فطاعة الملائكة بالأمرالوارد عليهم، وطاعة البشر بالنص تارةً، وبالاجتهاد تارةً، وبالاستنباط تارةً، فكانت أشق، ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين، وإلقاء الشبهة، والإغواء الجائزة على البشر، ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت، والبشرلا يعرفون ذلك إلا بالإعلام، فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب، وحركة الأفلاك إلا الثابت على دينه، ولا يتم ذلك إلا بمشقة شديدة، ومجاهدات كثيرة.

وأما أدلة الآخرين فقد قيل: إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه: في ملأٍ خير منهم. والمراد بهم الملائكة، حتى قال بعض الغلاة في ذلك: وكم من ذاكر الله في ملأ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملأ خير منهم. وأجاب بعض أهل السنة بأن الخير المذكور ليس نصًَّا، ولا صريحًا في المراد، بل يتطرقه احتمال أن يكون المراد بالملأ الذي هم خير من الملأ الذاكر: الأنبياء، والشهداء، فإنهم أحياء عند ربهم، فلم ينحصر ذلك في الملائكة.

وأجاب آخر، وهو أقوى من الأول بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكروالملأ معاً في الجانب الذي فيه ربُّ العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع، وهذا الجواب ظهر لي، وظننت أنه مبتكر، ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني1 في الجزء الذي جمعه في الرفيق

1 ابن الزملكاني: هو محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري، كمال الدين، المعروف بابن الزملكاني، فقيه انتهت إليه رياسة الشافعية في عصره. وتصدر للتدريس والإفتاء، توفي في بلبيس، ودفن بالقاهرة سنة "727"هـ.

ص: 99

الأعلى، فقال: إن الله تعالى قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه، وقابل ذكر العبد في الملأ بذكره له في الملأ، فإنما صارالذكر في الملأ الثاني خيرًا من الذكر في الأول؛ لأن الله هو الذاكر فيهم، والملأ الذي يذكرون -والله فيهم- أفضل من الملأ الذين يذكرون وليس الله فيهم.

ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:98] و {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18] و {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:57] وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكرلا يستلزم التفضيل؛ لأنه لم ينحصر فيه، بل له أسباب أخرى، كالتقديم بالزمان في مثل قوله تعالى:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} [الأحزاب: 7] فقدم نوحاً على إبراهيم لتقدم زمان نوحٍ مع أن إبراهيم أفضل، ومنها قوله تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:172] وبالغ الزمخشري فادَّعى: أن دلالتها لهذا المطلوب قطيعة بالنسبة لعلم المعاني، فقال في قوله تعالى:{وَلاالْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} أي: ولا من هو أعلى قدرًا من المسيح -وهم الملائكة الكروبيون الذين حوْل العرش، كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل- قال: ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حديث أن الكلام إنما سِيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح، فقيل لهم: لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع درجة منه. انتهى ملخصاً.

وأُجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه، وإنما هو بحسب المقام وذلك أن كلًا من الملائكة والمسيح عُبِد من دون الله. فردَّ عليهم بأن المسيح الذي تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله، وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر، والنفوس لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده، ولأن الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزُّهد في الدنيا، والاطلاع على المغيبات، وإحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة، فإن كانت توجب عبادته فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى، وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى، ولا يلزم من هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها.

وقال البيضاوي1: احتجَّ بهذا العطف من زعم أن الملائكة أفضل من الأنبياء،

1 البيضاوي: هو الإمام القاضي أبو الفتح، عبد الله بن محمد بن محمدين محمد بن البيضاوي، الفارسي، ثم البغدادي الحنفي، سمع أبا جعفر بن المسلمة. وأبا الغنائم بن المأمون. وطائفة. قال السمعاني: شيخ صالح متواضع متحرٍّ في قضائه الخير. توفي رحمه الله "537"هـ.

ص: 100

وقال: هي مُساقة للردعلى النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه، حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه، وجوابه: أن الآية سيقت للردعلى عبدة المسيح، والملائكة؛ أُريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل، كقول القائل: أصبح الأميرلا يخالفه رئيس ولا مرؤوس، وعلى تقدير إرادة التفضيل، كقول القائل: أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس، وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش، بل من هو أعلى رتبةً منهم على المسيح، وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقاً. وقال الطيبي: لا تتم لهم الدلالة إلا إنْ ُسلم أنَّ الآية سيقت للرد على النصاري فقط، فيصحُّ: لن يترفع المسيح عن العبودية، ولا من هو أرفع منه، والذي يدعي ذلك يحتاج إلى إثبات: أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح، وهم لا يعتقدون ذلك، بل يعتقدون فيه الإلهية، فلا يتمُّ استدلال من استدَّل به. قال: وسياقه الآن من أسلوب التتميم والمبالغة، لا الترقي، وذلك أنه قدم قوله {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ} [النساء:171] إلى قوله: {وَكِيلًا} فقرر الوحدانية، والمالكية، والقدرة التامة، ثم أتبعه بعدم الاستنكاف، فالتقدير لا يستحق من اتَّصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلهًا لاعتقادكم فيه الكمال، ولا الملائكة الذي اتَّخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال "قلت": وقد ذكر ذلك البغوي ملخصاً، ولفظه: لم يقل ذلك رفعًا لمقامهم على مقام عيسى، بل ردًا على الذين يدعون أن الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث.

ومنها قوله تعالى: {قُلْ لاأَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] فنفى أن يكون ملكًا، فدل على أنهم أفضل؛ وتعقب بأنه إنما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن، وعلم الغيب، وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل، والشرب، والجماع، وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرًا مثله، فنفى عنه أنه ملك، ولا يستلزم ذلك التفضيل.

ومنها: أنه سبحانه وتعالى لما وصف جبريل ومحمدًا قال في جبريل: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40] وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] وبين الوصفين بون بعيد، وتعقب بأن ذلك إنما سيق للرد على من زعم أن الذي يأتيه شيطان، وكان وصف جبريل بذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع بمثل ما وصف به جبريل هنا، وأعظم منه. وقد أفرط الزمخشري في سوء

ص: 101