الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرفع المولى ذلك عن عباده، ووسع عليهم بأن غير الجسد، فيزهد الناس فيه، فيدفن، ويقبر، ويذهب، فتأكله الأرض والدود. فسبحانك يا رب ما أرأفك بعبادك، وأرحمك!
والخصلة الثالثة: أن الله -جل ذكره- إذا حزن عبده بسبب فقد ولد له، أو قريب، أو أصابه بلاء، أو ذهب ماله بسبب ما، أوغير ذلك؛ يسلب، ويذهب من صاحب الحزن حزنه، وينسيه ذلك؛رحمةً بنا، وتوسعة على خلقه، وإن لم يفعل الله ذلك به، وتركه ونفسه؛ لأصبح وأمسى حزينًا لا يفكر في شيء ما، وكذلك غيره، فتتعطل مصالح الناس، وتشل حركتهم، وتضييق معايشهم، ويحصل الخلل، والتوازن. فسبحانك من إله تعبد لذاتك! اللهم إني أسالك أن توفقني، وإخواني إلى شكرك، والاستسلام لقضائك، وحكمك، والانقياد لأوامرك!
99-
"
ثلاث من حافظ عليهن؛ كان وليي حقًا
، ومن ضيَّعهن؛ كان عدوي حقًا: الصلاة، والصوم، والغسل من الجنابة"1. رواه البيهقي عن الحسن مرسلًا، وابن النجار عن أنس.
ش- الولي: ضد العدو. وهو فعيل إما بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله أمره، وحفظه على التوالي، فلا يكله إلى نفسه طرفة عين، قال الله تعالى في كتابه الحكيم:{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196] وإما بمعنى فاعل، وهو من يتولى عبادة الله، وطاعته، ويتوالى عليه من غيرتخلل بمعصية، وكلا الوصفين شرط في الولاية، كما ذكره القشيري2، والمراد به هنا: من حافظ على ثلاث: الصلاة، والصوم، والغسل من الجنابة. والعدو: ضد الولي. والصلاة، والصيام: تقدم الكلام عليهما قبل. والغسل -بضم الغين المعجمة-: إراقة الماء على
1 رواه الطبراني في الأوسط رقم"8961". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 193"وقال: رواه الطبراني في الأوسط. وفيه عدي بن الفضل ضعيف! من حديث أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.
2 القشيري: هو الإمام الزاهد، القدوة، الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري، الخراساني، النيسابوري، الشافعي، المفسر، صاحب الرسالة. ولد سة 375هـ قال القاضي ابن خلكان: كان أبو القاسم علاة في الفقه والتفسير، والحديث، والأصول، والأدب: توفي رحمه الله سنة 465هـ.
جميع البدن، ودلكه، وتعميمه مع النية، والجنابة: أمرمعنوي يقوم بالإنسان بسبب الجماع، أو نزول المني منه، وهي في الأصل: البعد؛ لأن الجنب -الذي يجب عليه الغسل بالجماع وخروج المني- نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر. وقوله "مرسلًا": يعني: أن الحديث روي مرسلًا. والمرسل: ما سقط منه الصحابي؛ لأن الحسن البصري رضي الله عنه تابعي، ولا يصح الاحتجاج بالحديث المرسل، ورواه ابن النجار عن أنس، فهو مرفوع من طريقه، والله أعلم، والمحافظة على هذه الأشياء: المواظبة، والاستمرار عليها.
والمعنى: أن الله جل ذكره يُخبرنا أن ثلاث أمورمن حافظ عليهن، أي: من أتى بهن، واستمر عليهن بدون تركهن مرة واحدة؛ كان ولي الله حقًا، وتولي الله أموره، وكان ناصرًا له، فيكلؤه بعنايته، ويوفقه للأعمال الصالحة، فلا يأتي إلا بخير؛ الأمر الأول: الصلاة؛ بأن يأتي بها مستجمعة الأركان، والشرائط، والمندوبات، في أول أوقاتها المحددة لها شرعًا -وهي أفضل الأعمال بعد الشهادتين، وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة- كما ورد الحديث بذلك عن أنس.
والثاني: الصوم؛ بأن يمسك عن الأكل، والشرب، والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويمسك نفسه عن الفحش، وما يستقبح من الأعمال، والألفاظ المؤذية بحيث إذا آذاه أحد، أو شتمه، أو سابه، أو قاتله؛ فلا يرد عليه، بل يقول له: إني صائم، إني صائم، كما ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد، أو قاتله؛ فليقل: إني صائم، إني صائم" 1 رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
الثالث: الغسل من الجنابة؛ بأن يصب الماء على بدنه، ويعم جميع أعضائه إذا جامع امرأته، أو احتلم في منامه، أو إذا نظر فأمنى مع المحافظة على ذلك، وينوي بقلبه ذلك.
فمن ترك أحد هذه الثلاثة عامدًا متعمدًا؛ فقد برئت منه ذمة الإسلام، وخرج من
1 رواه البخاري رقم "1904" ومسلم رقم "1151" والنسائي "4/ 163و164" من حديث أبي هريرة.