الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "رواه ابن عساكر" تقدَّمت ترجمته. وضعف الحديث لا يخفى. والله أعلم.
والمعنى: أن من عباد الله جل ذكره عباداً يظهرون للناس، ويلبسون جلود الشياه، وهو كناية عن إظهار اللين في كلامهم، وحنانهم، وحسن أخلاقهم، وهم في الحقيقة ذئاب، قلوبهم التي يعقلون بها أمرمن الصبر. وألسنتهم بين الناس أحلى من العسل، تشتهي أن تسمع منهم، وتجالسهم، ولا تفارقهم، يختلون الناس بدينهم، ويخدعونهم، ويطلبون بذلك عمل الدنيا بالآخرة، ويراوغونهم كما يرواغ الذئب الصيد إذا تخفى له، وهذا غرور منهم بالله عز وجل، واغترار به، وجرأة عليه جل ذكره؛ لأن الخلق خلقه، والعباد عبيده، فكيف يقدمون على هذه الأعمال، ولا يبالون بأن لهذه الخلائق رباً، وإلهاً، وخالقاً يحفظهم من أمثال هؤلاء المحتالين الذئاب، فيخبرالله بأنه أقسم، وحلف ليلبسنهم، ويخلطن عليهم، ويوقعهم في الشكوك جزاء فعلهم ذلك، فتنة، وابتلاء، وامتحاناً تذر، وتترك العاقل العالم المتثبت في الأمور متحيراً، لا يقدر على دفعها، فكيف بغير الحليم؟! ويصدق هذا على من يتظاهر بالدين، والتقوى، ويلين للناس في الكلام، والأخلاق، ويتساهل في أحكام الدين، فترغب فيه العوام،ويقبلون عليه، ويصيرون من حزبه، فتجلب له الأموال، ويحظى بالرئاسة والوجاة وكثرة الأتباع، وهو في الحقيقة جهول غشاش؛ لأن ما يدعو إليه ظاهراً إنما هو لغرض دنيوي، ومن حطام الدنيا، لذلك تجد قلوبهم غير موافقة لعملهم؛ لأن ألسنتهم في الأقوال، والدعاوي أحلى من العسل، وقلوبهم، وأفئدتهم خالية من الإخلاص، والورع، والنية الصالحة، فهي أمر من الصبر، فنسأل الله أن يهيديهم لأقوم الطرق، وأحسنها، ويصدق أيضًا على من يدعي الولاية، والخلافة من عوام الجهال، ويدعون الناس إلى الانضمام لشيعتهم، ويحسنون لهم كثيراً من البدع والخرافات، ويضللون طريق الهدى عليهم بألسنة أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر المعروف، يخدعونهم بلين أقوالهم لينجذبوا إليهم، ويصيروا عبيداً لهم، يأتمرون بأمرهم، وينتهون بنهيهم، فهؤلاء أيضاً يغترون بالله عز، وجل، ويجترئون عليه، فلهم فتنة يلبس الله عليهم فيها، تترك الحليم العاقل العالم حيران، لا يدري ما يفعل، فما بالك بغيره؟! والله أعلم.
117-
"
علامة معرفتي في قلوب عبادي
حسن موقع قدري ألا
أُشْتَكي، وألا أُسْتَبطأ، وأن أُسْتَحيا"1. رواه الديلمي عن أبي هريرة.
ش- العلامة: السمة، جمعها: عَلام، وعلامات. والعلامة أيضا: الفصل بين الأرضين، وشيء منصوب في الطريق يهتدي به، والمعرفة، والعرفان: إدراك الشيء بتفكر، وتدبرلأثره، وهو أخص من العلم. ويضاده: الإنكار. والقدر -بفتحات، وقد يسكن داله -مصدر: قدر، يقدر، وهو ما قضاه الله تعالى، وحكم به من الأمور، وقوله:"ألااشتكى" أي: لا يشكو العبد من الله تعالى وحكمه. وألا استبطأ: أي يستبطئ العبد مولاه بأن دعاه، وانتظر الإجابة، وقال: إن الله جل ذكره استبطأ إجابتي وأخرها مثلاً، يقال: بطؤ، وتباطأ: تحرى، وتكلف ذلك، واستبطأ طلبه، وأبطأ: صارذا بطء، ويقال: بطاه وأبطأه، وقوله:"وألاأستحيا" يجوز أن يكون من الاستحياء: طلب الحياء، وأن يكون من الاستحياء: الاستبقاء، ولعل الأول أقرب إلى ألفاظ الحديث.
والمعنى: أن الله جل ذكره أخبر أن علامة معرفته جل، وعز في قلوب عباده حسن موقع قدره، وحكمه، وقضائه عندهم، حيث إنَّ أحدهم إذا أصابهم شيء من بلايا الدنيا، وامتحاناتها، واختباراتها يصبر، ويصمد لها، ولا يشكو الله سبحانه وتعالى إلى غيره، ولا يشتكي أيضاً إذا مسَّه أذى في جسده، وماله، وأولاده، وأقاربه، بل يرضى بقضاء الله سبحانه، وحكمه، ولا يقول إلا خيراً، ويحمد الله جل ذكره، ويصبر لحكمه، وقضائه، ففعل هذا يدل: أنه عرف الله، وآمن بقضائه، وقدره.
وقدر الله يجب الإيمان به كله، خيره وشره، حلوه ومره، نفعه وضره. ومذهب أهل الحق إثبات القدر، والإيمان به كله. وقد جاء من النصوص القطعيات في القرآن العزيز والسنن الصحيحة المشهورات في إثابته ما لا يحصى من الدلالات، وذهبت القدرية إلى إنكاره، وأن الأمر أنف- أي: مستأنف، لم يسبق به علم الله - عالى الله عن قولهم الباطل علوا كبيراً، وقد جاء في الحديث تسميتهم: مجوس هذه الأمة؛ لكونهم جعلوا الأفعال للفاعلين، فزعموا، أن الله تعالى يخلق الخير، وأن العبد يخلق الشر، جل الله عن قولهم الباطل.
وكذلك إذا طلب من الله شيئًا؛ فلا يلح في الطلب، ولا يستأخره، ويستطبئه،
1 رواه الديلمي في مسند الفردوس رقم "4452". من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده ضعيف.
ويقول: إن الله تعالى أخَّر طلبي، ولم يجعل لي، ولربما ظن أن تأخير الله في طلبه وإجابته عدم قدرته عليه، واستطاعته، فيقع في الهلاك. نسأل الله العافية.
وألا يستحي أحدنا من الله جل ذكره، فيقدم على المعاصي، ولا يبالي؛ لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم يكن تقيةً، وأن الحياء من الله فوق ذلك.
روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا يا نبي الله! إنا لنستحي والحمد لله! قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت، والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء" 1 وروى ابن ماجه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدًا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتًا ممقتًا، فإذا لم تلقه إلا مقيتًا ممقتا؛ نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة؛ لم تلقه إلا خائنًا مخونًا؛ فإذا لم تلقه إلا خائنًا مخونًا؛ نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة؛ لم تلقه إلا رجيمًا ملعنًا، نزعت منه ربقة الإسلام"2 والربقة بكسر الراء وفتحها: واحدة الربق، وهي عرا في حبل تشد به إليهم، وتستعار لغيره. وروي البخاري، ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير" وفي رواية لمسلم: "الحياء خير كله" 3 وروى الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين عن ابن عمر رضي الله
1 رواه الترمذي رقم "2460". والحاكم في المستدرك "4/ 323 "وصححه. ووافقه الذهبي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفي سنده الصباح بن محمد بن أبي حازم العجلي الأحمسي الكوفي ضعيف، وللحديث شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، رواه الطبراني فهو به حسن.
2 رواه ابن ماجه رقم "4054"في الفتن. باب ذهاب الأمانة. من حديث ابن عمر رضي الله عنه. وإسناده ضعيف جدًا.
3 رواه البخاري رقم "6117"في الأدب، ومسلم رقم" 97"في الحياء، وأبو داود رقم" "4796 في الأدب، ومسلم رقم "97"في الحياء، وأبو داود رقم "4796"في الأدب من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه.