الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه، والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه، واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه، وهو شهر السلاح إشارته به إلى الآخر، فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا، انتهى. ولا يلزم من قوله:"فالقاتل والمقتول في النار" أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق. والله أعلم.
شرح حديث: إذا اشتكى عبدي فأظهر المرض
…
24-
"إذا اشتكى عبدي فأظهر المرض من قبل ثلاثٍ فقد شكاني"1. رواه الطبراني في الأوسط عنه.
ش- الشكوى والشكاة والشكاية: المرض، والمعنى: إذا مرض العبد فأظهر مرضه، وأخبر به من يراه، أو يزروه قبل ثلاث أيام؛ فقد شكا مولاه الرحيم إلى عبده الضعيف، وأخبر بما يقاسيه من ألم المرض الذي أوجده فيه ربه، وخالقه، وليس هذا حال المؤمن القوي الإيمان بل حال ضعفاء القلوب. اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين في السراء والضراء!
1 رواه الطبراني في الأوسط رقم "879"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 295"، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن العمري، وهو متروك.
شرح حديث: أربع خصال: واحدة فيما بيني وبينك
…
25-
"أربع خِصال: واحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين عبادي، وواحدة لي، وواحدة لك. فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئًا. وأما التي لك: فما عملت من خير جزيتك به، وأما التي بيني وبينك: فمنك الدعاء، وعليَّ الإجابة. وأما التي بينك وبين عبادي: ترضى لهم ما ترضى لنفسك"1. رواه أبو نعيم عن أنس.
ش- في الحديث أربع خصال: الخصلة الأولى تختص بالله جل ذكره، أعني: العبادة، وهي في اللغة من الذلة، يقال: طريق معبد، وبعير معبد؛ أي: مذلل، وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة، والخضوع، والخوف. قال الراغب الأصفهاني
1 رواه أبو يعلى رقم "2757"، والبزار رقم "19"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 51" وقال: رواه أبو يعلى، والبزار. وفي إسناده: صالح المري ضعيف. وأورده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية رقم "3286". وعزاه إلى أبي يعلى. نقول: وإسناده ضعيف.
في مفرداته: العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولهذا قال:{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، والعبادة ضربان: عبادة بالتسخير، وهي الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم، وتكون للإنسان، والحيوانات والنبات. وعبادة باختيار، وهي لذوي النطق، وهي المأمور بها في نحو قوله تعالى:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} [النساء: 36] . اهـ ولا يجوز فعلها شرعًا، ولا عقلًا إلا الله تعالى؛ لأنه المستحق لكونه موليًا لأعظم النعم من الحياة، والوجود، وتوابعهما؛ لذلك يحرم السجود لغيره سبحانه وتعالى؛ لأن وضع أشرف الأعضاء على أهون الأشياء وهو التراب، ومواطئ الأقدام والنعال غاية الخضوع. وقيل: لا تستعمل إلا في الخضوع له سبحانه، وما ورد من نحو قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 98] وارد على زعمهم تعريضًا لهم ونداءً على غباوتهم؛ وتستعمل بمعنى الطاعة، ومنه {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] وبمعنى الدعاء، ومنه:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] وبمعنى التوحيد، ومنه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وكلها متقاربة المعنى.
والخصلة الثانية: هي مختصة بالعبد، وهي استحقاق الأجر، وجزاؤه على عمله الصالح يعني: أن الله سبحانه وتعالى يجزي العبد على ما عمل من الخير، وأما ما عمل من الشر: فأمره موكول إلى ربه وموجده، إن شاء حاسبه عليه وعاقبه، وإن شاء غفر له وسامحه. سبحانك يا رب ما أحلمك، وأرأفك بعبدك المذنب!
والخصلة الثالثة: مشتركة بين الله تنزهت صفاته، وبين العبد الضعيف، وهو أن العبد إذ دعا الله سبحانه وتعالى في السرِّ والعلن؛ استجاب له، ولبَّاه، وقد ورد في الدعاء وفضله آثار كثيرة نأتي بنبذة منها. روى أصحاب السنن الأربع، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وابن أبي شيبة في مصنفه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" ثم تلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} 1 الآية [غافر: 60] وأخرج
1 رواه أحمد في المسند "4/ 267"، وأبو داود رقم "1479"، والبخاري في الأدب المفرد رقم "714"، وابن أبي شيبة "10/ 200". والترمذي رقم "3372". والحاكم "1/ 490و491" وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان رقم "891" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. نقول: وهو حديث صحيح.
الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخُّ العبادة"1. وأخرج الترمذي، وابن حبان، وصححه من حديث سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر" 2، وأخرج الحاكم في المستدرك، والبزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة" 3. ومعنى يعتلجان: يتصارعان، ويتدافعان. وأخرج الترمذي، وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" 4 وأخرج ابن حبان في صحيحه
1 رواه الترمذي رقم "3368" في الدعوات من حديث أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف، وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
2 رواه الترمذي رقم "2139". والقضاعي في مسند الشهاب "833". والطحاوي في مشكل الآثار رقم "3068"، والطبراني في الكبير رقم "6128" من حديث سلمان رضي الله عنه. وفي إسناده ضعف، ولعله يتقوى بما رواه أحمد، وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه بلفظ:"لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء. وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه". وهو حديث حسن دون قوله: وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
3 رواه الحاكم في المستدرك "1/ 492". وصححه الحاكم، وقال الذهبي في التلخيص: زكريا مجمع على ضعفه. والقضاعي في مسند الشهاب رقم "859"، والطبراني في الأوسط رقم "2519" من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي إسناده زكريا بن منظور ضعيف، وعطاف الشامي مجهول. والحديث ضعيف.
4 رواه أحمد في المسند "2/ 362"، والترمذي رقم "3370" في الدعوات. وابن ماجه رقم "3829"، والحاكم "1/ 490" وصححه ووافقه الذهبي، والبخاري في الأدب المفرد "712"، وابن حبان رقم "870" من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وإسناده حسن.
من حديث أنس رضي الله عنه: "لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد"1. وأخرج الحاكم في المستدرك، وصححه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض" 2، والإجابة مشروطة بأن لا يكون في الدعاء دعوة فيها إثم، أو قطيعة رحم.
روى أحمد في مسنده، والبزار وأبو يعلى -قال المنذري بأسانيد جيدة - وأخرجه أيضًا الحاكم، وقال: صحيح الإسناد من حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يُعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". -زاد في المشكاة- قالوا: إذًا نُكثر؟ قال: "الله أكثر" أي: فضله3، رواه أحمد وأخرج الترمذي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدعُ بإثمٍ، أو قطيعة رحم" 4، وأخرج
1 رواه ابن حبان رقم "871" من حديث أنس رضي الله عنه. وفي إسناده عمر بن محمد بن صهبان ضعيف، ورواه الحاكم "1/ 493و 494" وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: لا أعرف عمرًا، تعبت عليه. كذا وقع في المستدرك عمرو بزيادة الواو. والصواب عمر. قال العقيلي: عمر بن محمد لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به.
2 رواه الحاكم "1/ 492". وأبو يعلى رقم "439". والقضاعي في مسند الشهاب رقم "143". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "10/ 148و 149" وقال رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني في الأوسط. ورجال أحمد، وأبي يعلى، وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي. وهو ثقة. من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
3 رواه أحمد في المسند "3/ 18". والحاكم في المستدرك "1/ 493" وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "10/ 148 و149" وقال رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني في الأوسط. ورجال أحمد، وأبي يعلى، وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي. وهو ثقة. من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
4 رواه الترمذي رقم "3378" في الدعوت. باب: إن دعوة المسلم مستجابة. من حديث جابر رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
أبو داود، والترمذي، وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين من حديث سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين" 1 وفي قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وما تقدم من الأحاديث دليل على أن دعاء المسلم لا يُهمل، بل يُعطى ما سأله؛ إما معجلًا، وإما مؤجلًا بفضل الله عز وجل.
الخصلة الرابعة: مشتركة بين العبد وبين إخوانه الآدميين، وهي أن يرضى لأخيه من الخير والطاعات ما يرضى أن يكون مثله له، ومقابله: أن يكره لأخيه من الشر ما يكره لنفسه أن تلقاه، وهذا معنى ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" 2: قال الإمام محيي الدين النووي رحمه الله تعالى: الأولى أن يحمل ذلك على عموم الأخوة حتى يشمل الكافر والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام، ولهذا كان الدعاء بالهداية: للكافر مستحبًا. والحديث محمول على نفي الإيمان الكامل عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمراد: المحبة بإرادة الخير والمنفعة، ثم المراد: المحبة الدينية، لا المحبة البشرية، فإن الطباع البشرية قد تكره حصول الخير، وتمييز غيرها عليها: والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية، ويدعو لأخيه، ويتمنى له ما يحب لنفسه، والشخص متى لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان حسودًا، فعلى الإنسان أن يعالج نفسه، ويحملها على الرضا بالقضاء، ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس.
وقال أبو الزناد3: ظاهر هذا الحديث التساوي، وحقيقته: التفضيل؛ لأن الإنسان
1 رواه أبو داود رقم"1488"، والترمذي رقم"3551"، وابن ماجه رقم "3865"في الدعاء. وابن حبان رقم "876".والبغوي رقم "1385"من حديث سلمان رضي الله عنه. وهو حديث صحيح.
2 رواه أحمد في المسند "3/ 176و 272". والبخاري رقم "13". ومسلم رقم "45"في الإيمان، وابن ماجه رقم"66"، والترمذي رقم "2515". من حديث أنس رضي الله عنه.
3 أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان، الإمام الفقيه، الحافظ، المفتي، أبو عبد الرحمن، القرشي المدني، ولد في حياة ابن عباس رضي الله عنه، وحدث عن أنس بن مالك. وأبي أمامة بن سهل، وأبان بن عثمان، حدث عنه ابنه عبد الرحمن، وسفيان الثوري. توفي رحمه الله سنة"130" هـ لسبع عشرة خلت من رمضان.