الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربقة الإيمان، وأصبح كافراً؛ بحيث إذا مات لا يُصلى عليه، ولا يُدفن في قبور المسلمين، وأرى أن ناساً كثيرين ممن ينتسب إلى العلم في عصرنا الحاضر يتهاونون بإحدى هذه الأمور، ورأيت أحد الناس ممن لنا به صلة واطلاع يترك الصلاة عامداً متعمداً، والصوم في شهر رمضان، ويحمل زوجته على الفطر فتارة تأبى عليه ذلك، وتقوى، وتغلبه، فلا تطاوعه، وتظل صائمة، وتارة يسيطر عليها، ويغلبها فتفطره ولا يغتسل من الجنابة بشهادة زوجته بذلك، فإنِّا لله، وإنِّا إليه راجعون.
فاللهم اهد قومي فإنهم ارتكبوا كل معصية من المعاصي التي كانت الأمم تؤاخذ بواحدة منها، وتؤخذ أخذ عزيز مقتدر، فما أرحمك بأمة محمد صلى الله عليه وسلم! وعدم أخذك إياهم بجريمتهم، كما كنت تفعل بالأمم المتقدمة إكراماً لرسولك ونبيك!
100-
"
ثلاثة أنا خصْمهم يوم القيامة:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً، ثم أكل ثمنة، ورجل استأجر حرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره" 1. رواه أحمد. والبخاري عن أبي هريرة.
ش - الخصم: مصدر خصمته -أي: نازعته- خصمًا، يقال: خاصمته، وخصمته، مخاصمة، وخصامًا، ثم سمي المخاصم خصمًا، واستعمل للواحد، والجمع، وربما ثني، وقال الهروي: الواحد بكسر أوله، وقال الفراء: الأول قول يتعلق كل واحد بخصم الآخر؛ أي: جانبه، وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب. والغدر: الإخلال بالشيء، وتركه، والغدر يقال لترك العهد ونقضه، ومنه قيل: فلان غادر، جمعه: غدرة، وغدَّار: كثير الغدر. والحر خلاف العبد. وقال الخطابي: اعتباد الحر يقع بأمرين: أن يعتقه، ثم يكتم ذلك، أو يجحد، والثاني: أن يستخدمه كرهاً بعد العتق. والأول أشدهما. وقال الحافظ ابن حجر: وحديث الباب - أعني: هذا، أشد؛ لأن فيه مع كتم العتق، أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع، وأكل الثمن، فمن ثم كان الوعيد عليه أشد.
والمعنى: أن الله سبحانه يخبرنا أن ثلاثة من العباد يكون خصمهم يوم القيامة بسبب ما ارتكبوه من الآثام الفظيعة، والظلم المتناهي؛ الأول: رجل، وعبد من عباده أعطى
1 رواه أحمد في المسند "2/ 358". والبخاري رقم "2227". وابن ماجه رقم "2442"من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
به ثم غدر؛ أي: أعطى يمينه به؛ أي: عاهد عهدًا، وحلف بالله على ذلك، ثم نقضه. ولا شك أن الغدر من أكبر الصفات المذمومة، والمفاسد العظيمة، وليس من أخلاق المؤمن الغدر، بل الوفاء بالعهد، وإمضاؤه؛ لأن في نقضه إخلالًا بنظام الحياة العامة، والقوانين الدستورية، ويفسد على المرء تدبيره لمصلحته نفسه، وغيره، وإضرارًا بمن عاهده، ثم نقض عهده، فلذلك جاء في القرآن الحكيم الحث على إمضاء العهود، والوفاء بها، والتزامها، وعدم نقضها أيا كانت، ولو مع قوم غير مسلمين؛ بشرط أن لا يُخلُّوا بشروطها بالإتيان بما ينافيها مما يضر بصالح المعاهد، ويضعفه، ويحل عزائمه، ويقوى أعداءه عليه. قال تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:91] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
[المائدة:1] وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] وروي البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان بن فلان" 1 وما أصعب هذا التشهير بالغادر على رؤوس الأشهاد يوم القيامة! حيث العالم كله مجتمع، ويرون حالته، وما هو عليه من التشنيع، والخزي، والتوبيخ، والتعذيب. ولا ريب أن هذه الحالة،هي أفظع حالة يراها الخلق؛ لأن الغدر أكبر جريمة ترتكب، وصاحبه مهان، ذليل، حقير، تستنفر منه الطباع الحساسة، وتستقبحه العقول السليمة الراقية.
وأصبح في عصرنا الحاضر الغدر منتشرًا، فلا تخلوا عائلة منه، فإن قيِّم العائلة يعطي زوجته، وأولاده، أو أخته، أو أحد أقاربه العهود، والمواثيق، والأيمان الغليظة أنه سيعطي فلانًا كذا، وفلانة كذا، ويكتب لفلان كذا، ويحيى فلانا كذا، ثم يصبح ثاني الأيام، أو بعد أيام، أو أشهر، وينقض العهد، ويعبث بالأيمان، والمواثيق، ولا يعبأ بما هدده الشارع به، وأمره بالنزاهة، والوفاء به، وكذا تجد الغدر في القرى، والأرياف، سواء كانت قريبة إلى المدن العامرة منتشراً، وكذلك في المدن الكبيرة، والصغيرة، وكلما ارتقت أهل المدينة في المدنية، والترفه، والتأنق الحديث كلما ازداد الغدر، وتنوع، واختير له أساليب جديدة مموهة، وآلات اصطناعية مشوهة، حتى صار
1 رواه أحمد في المسند "2/ 16 و29و48". والبخاري رقم "3188"في الجزية والموادعة و "6177"في الأدب. ومسلم رقم "1735" والترمذي رقم "1581"وابن حبان رقم "7343"من حديث ابن عمر رضي الله عنه.