الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرَّج الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتخشع، وتضرع، وتمسكن، وتقنع يديك -يقول ترفعهما إلى ربك عز وجل وتقول: يا رب! يارب! يارب! فمن لم يفعل ذلك؛ فهي خداج"1 الخداج: النقصان، ومعناه هنا: أنه ناقص من الأجروالفضيلة، وكذلك الإصرار، والاستمرار على المعاصي، والتزامها؛ فإنه بسبب رفض الصلاة، وعدم قبولها. ويؤدي الغريب، ويحسن إليه، كل ذلك يفعله العبد لله عز وجل. ثم أقسم المولى جل وعز بعزته وجلاله: أن من كان موصوفاً بهذه الصفات الحميدة يكون نور وجهه أضوأ عنده من نور الشمس، ويجعل له الجهالة -إذا كان جاهلًا- علمًا، أو إذا كان عالماً يزده علمًا، ويجعل له الظلمة نورًا، فلا يرى ظلمة أمامه لا ليلًا، ولا نهاراً، فمن كان متصفًا بذلك يدعو الله جل وعز، فيجاب دعاؤه، ويلبي، ويسأل، فيعطى، ويقسم على الله جل علاه، فيبر قسمه، ويصدق يمينه، وزيادة على ذلك فإن الله عز وجل يكلؤه، ويحرسه بقوته، وحوله، ويستحفظه ملائكته، ويكون مثله عند الله كمثل جنة الفردوس، لا يتغير حالها، ولا يتلف ثمرها، أي: أن الله سبحانه وتعالى يجعله مقبولًا لكل أحد قلبًا، وقالبًا، ومن أين أتيته؛ وجدته نافعاً ذا فائدة دينية، ودنيوية. اللهم وفقنا لذلك يا رب!
والحديث ذكره الحافظ المنذري بألفاظ قريبة من هذا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرًا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين، وابن السبيل، والأرملة، ورحم المصاب، وذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي، وأستحفظه ملائكتي، أجعل له في الظلمة نورًا، وفي الجهالة حلمًا، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة "2 رواه البزار من رواية عبد الله بن واقد الحراني، وبقية رواته ثقات.
1 رواه أحمد في المسند"4/ 167"، والترمذي رقم "385"في الصلاة، باب ما جاء في التخشع في الصلاة من حديث الفضل بن عباس. وإسناده ضعيف ورواه أحمد في المسند "4/ 167"، وأبو داود رقم" 1296"،وابن ماجه رقم "1325"من حديث المطلب بن ربيعة. رضي الله عنه. وإسناده ضعيف أيضاً.
2 تقدم تخريجه.
131-
"
لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن
من العُجْبِ ما خليت
بين عبدي المؤمن وبين الذَّنب" 1. رواه أبو الشيخ عن كليب الجهني.
ش- الذنب: يستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارًا بذنب الشيء، ولهذا يسمى الذنب: تبعةاعتبارًا لما يحصل من عاقبته، وجمع الذنب: ذنوب، والعجب -بضم الغين المهملة وسكون الجيم-: يُقال: فلان أعجب بنفسه وبرأيه -على ما لم يسم فاعله- فهو معجب بفتح الجيم، والاسم: العجب بضم العين: الزهو، والكبر، وإنكار ما يرد على الإنسان. ويظن بنفسه ما ليس عند غيره، فيرى رأيه صوابًا، ورأي غيره خطأ، وخلاه: تركه، وخاليته: تاركته.
وأبو الشيخ: تقدمت ترجمته، وكليب الجهني هو صحابي.
والمعنى -والله أعلم-: أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا: أن الذنب للعبد المؤمن خير له من العجب، ولولا ذلك لما خلى الله جل ذكره بين عبده المؤمن وبين الذنب، بأن كفه، وأمسكه، وحفظه عن اقتراف ذنب ما؛ لأن العبد إذا أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا، يشعر بأنه عمل عملًا سيئًا، وخالف سيده، وأغضب خالقه، واقترف ما يستحق الذم، واللوم عليه من مولاه، فيتراجع، ويصغر في نفسه، وينقبض، ويرى نفسه مخطئة، فيعالج طرق الرضا، ويطرق باب الصلح، ويتذلل، ويتواضع لمولاه؛ ليقبل، ولا يؤاخذ بذنبه، ويعفو عن ذلك، ويسامح فمن هذا ما رواه مسلم في صحيحه وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا؛ لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم" 2 وأما إذا لم يقترف ذنبًا، ولم يقدم على معصية، وداوم على البروالتقوى، فينظر إلى غيره ممن غرق في بحارالمعاصي، أوأتى مخالفة، أو ارتكب محظورًا؛ فإنه يرى نفسه خالية من كل ذلك، فيدخله العجب، فلا يلجأ إلى بارئه، ويستفتح بابه، ويسأله، ويتواضع له، ويتذلل، فلا تظهر عظمة الربِّ وجلاله، ويخفى سرُّ الألوهية.
روى البزار عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "لوم لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك: العجب، العجب" 3 لأن صاحب الذنب لا يأمن من مكر
1 ذكره المتقي الهندي في كنز العمال جـ/3/ رقم "7672"وقال: رواه أبو الشيخ من حديث كليب الجهني. رضي الله عنه.
2 رواه مسلم رقم "2749"في التوبة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 رواه البزار رقم "3666"، والقضاعي في مسند الشهاب رقم "1447"،=
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد"10/ 269"وقال: رواه البزار. وإسناده جيد. نقول: في إسناده سلام بن أبي الصهباء، قال البخاري: منكر الحديث وضعفه يحيى، وحسَّن حديثه أحمد. وقال البزار: وهو مشهور روى عنه عفان، والمتقدمون، نقول: وللحديث شواهد يحسن بها إن شاء الله.