المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من آذى لي وليا؛ فقد استحل محاربتي - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ومعه النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [التحقيق]

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌[مقدمة الشارح]

- ‌تنبيه

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌شرح حديث: ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اذكرني بعد الفجر

- ‌شرح حديث: ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات

- ‌شرح حديث: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار

- ‌شرح حديث: ابن آدم! عندك ما يكفيك

- ‌شرح حديث: أحب ما تعبدني به عبدي النصح

- ‌شرح حديث: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي المؤمن

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبدي بحيبيتيه

- ‌شرح حديث إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً

- ‌شرح حديث: إذا تقرب إلي العبد شبرا

- ‌شرح حديث: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني

- ‌شرح حديث: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي

- ‌شرح حديث: إذا ذكرني عبدي خالياً

- ‌شرح حديث: إذا بلغ عبدي أربعين سنة

- ‌شرح حديث: إذا أحب عبدي لقائي

- ‌شرح حديث: إذا قبضْتُ كريمة عبدي

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا

- ‌شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بحسة، ولم يعملها

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا هم عبدي بسيئة

- ‌شرح حديث: إذا اشتكى عبدي فأظهر المرض

- ‌شرح حديث: أربع خصال: واحدة فيما بيني وبينك

- ‌شرح حديث: اذكروني بطاعتي أذكركم

- ‌شرح حديث: اشتد غضبي على من ظلم

- ‌شرح حديث: اطلبوا الخير عند الرحماءمن أمتي

- ‌شرح الحديث: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت

- ‌شرح حديث: افترضت على أمتك خمس صلوات

- ‌شرح حديث: أعددت لعبادي الذين آمنوا

- ‌شرح حديث: إن السموات والأرض ضعفت عن أن تسعني

- ‌شرح حديث: إن الذي قال: مطرنا بنوء كذا وكذا

- ‌شرح حديث: إن أحب عبادي إلي أعجلم فطراً

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إن بيوتي في الأرض المساجد

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له بدنه

- ‌شرح حديث: إن عبداً أصححت له جسمه

- ‌شرح حديث: إن عبدي المؤمن بمنزلة كل خير

- ‌شرح حديث: إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني

- ‌شرح حديث: إن لعبدي علي عهداً إن أقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة

- ‌شرح حديث: إنك إن ذهبت تدعو على آخر

- ‌شرح حديث: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع

- ‌شرح حديث: إني أنا الله لا إله إلا أنا

- ‌شرح حديث: إني إذا أخذت كريمتى عبد

- ‌شرح حديث: إن أوليائي من عبادي

- ‌شرح حديث: إني حرمت الظلم على نفسي

- ‌شرح حديث: إني لأهم بأهل الأرض عذابا

- ‌شرح حديث إني لأستحي من عبدي وأمتي

- ‌شرح حديث: إني لست على كل كلام الحكيم أقبل

- ‌شرح حديث: إني والجن والإنس في نبأ عظيم

- ‌شرح حديث: أنا الرحمن خلقت الرحم

- ‌شرح حديث: أنا الله خلقت العباد بعلمي

- ‌شرح حديث: أن الله، لا إلا أنا

- ‌شرح حديث: أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك

- ‌شرح حديث: أنا العزيز، من أراد عز الدارين

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك

- ‌شرح حديث: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا

- ‌شرح حديث: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه

- ‌شرح حديث: أنا أكرم، وأعظم عفوا من أن أستر

- ‌شرح حديث: أنا أهل أن أتقي فلا يجعل معي إله

- ‌شرح حديث: أنا خلقت الخير والشر

- ‌شرح حديث: أنا خير قسيم لمن أشرك بي

- ‌أنا خير شريك، فمن أشرك معي شريكًا

- ‌أنا ربكم، أنا أهل أن أُتَّقى

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرُني

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا؛ فخيرٌ

- ‌أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء

- ‌أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله

- ‌أنا مع عبدي إذ هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه

- ‌أنتقم ممن أبْغُضُ بمن أبغض

- ‌أَنْفِق؛ أُنْفِق عليك

- ‌حديث شريف: أيما عبد من عبادي يخرج مجاهدا في سبيلي

- ‌أيُّما مؤمن عطس ثلاث عطسات متواليات

- ‌إنِّي أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي

- ‌الرَّحِم شُجنة مني، فمن وصلها؛ وصلته

- ‌الحسنة بعشر أمثالها، أو أزيد

- ‌الحسنة عشر وأزيد والسئية واحدة

- ‌الحسنة بعشر، والسيئة بواحدة، أو أغفرها

- ‌الصوم جُنَّة من النار، ولي الصوم

- ‌الصوم جنة يَسْتجنُّ بها عبدي من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام جنة يستجن بها العبد من النار

- ‌الصيام لي، وأنا أجزي به

- ‌العِزُّ إزاري، والكبرياء ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي

- ‌الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري

- ‌المُتحابُّون في جلالي لهم منابر من نور

- ‌المتحابون لجلالي في ظِلِّ عرشي

- ‌النظرة سهم من سهام إبليس

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم إن من استسلم لقضائي

- ‌توسَّعت على عبادي بثلاث خصال:

- ‌ثلاث من حافظ عليهن؛ كان وليي حقًا

- ‌ثلاثة أنا خصْمهم يوم القيامة:

- ‌ثنتان لم يكن لك واحدة منهما:

- ‌ حقَّت محبتي للمتحابين في

- ‌حقَّت محبتي للمتحابين في، أظلهم في ظل العرش يوم القيامة

- ‌حقَّت محبتي للذين يتصادقون من أجلي

- ‌حسنة ابن آدم عشر

- ‌خلفت الخير والشر

- ‌خلقت بضع عشرة وثلاثمئة خُلُق

- ‌سبقت رحمتي غضبي

- ‌شتمني ابن آدم

- ‌صِلُوا أرحامكم؛ فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا

- ‌عبدي! إذا ذكرتني خاليًا؛ ذكرتك خاليًا

- ‌عبدي المؤمن أحب إلي من بعض ملائكتي

- ‌على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات:

- ‌قسَّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين

- ‌عبادٌ لي يلبسون للناس مُسُوك الضأن

- ‌علامة معرفتي في قلوب عبادي

- ‌عبدي! أنا عند ظنك بي

- ‌قال الله للنفس: اخرجي

- ‌كذَّبني ابن آدم

- ‌كذبني عبدي، ولم يكن له أن يكذبني

- ‌كل عمل ابن آدم له إلا الصيام

- ‌كل عمل ابن آدم هو له إلا الصوم هو لي

- ‌لأنتقمنَّ من الظالم في عاجله وآجله

- ‌لست بناظر في حق عبدي حتى ينظر عبدي في حقي

- ‌لقد خلقتُ خلقًا ألسنتهم أحلى من العسل

- ‌لو أن عبدي استقبلني بقراب الأرض ذُنُوبًا

- ‌لو أن عبادي أطاعوني؛ لأسقيتهم المطر بالليل

- ‌لم يلتحف العباد بلحافٍ أبلغ عندي من قلة الطُّعم

- ‌ليس كل مصلٍ يصلي

- ‌لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن

- ‌ما تقرب إلي العبد بمثل أداء فرائضي

- ‌ما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا

- ‌ما غضبت على أحد غضبي على عبدٍ أتى معصية

- ‌ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه

- ‌مُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر

- ‌من آذى لي ولياً؛ فقد استحل محاربتي

- ‌ من أهان لي ولياً فقد بارزته بالمحاربة

- ‌من ترك الخمر وهو يقدر عليه

- ‌من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب

- ‌من عادى لي ولياً فقد ناصبني بالمحاربة

- ‌من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب

الفصل: ‌من آذى لي وليا؛ فقد استحل محاربتي

وإعظامُه، ومحبتُه، وأنه أهل أن يُطاع، ويذكر، فلا يُنسى، ويشكر، فلا يكفر، وأنه يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال، كما قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله، وأن لحمي قُرِض بالمقاريض.

وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز1 يقول لأبيه: وددت أنِّي غَلَت بي وبك القدور في الله تعالى. ومن لحظ هذا المقام والذي قبله هان عليه كل ما يلقى من الأذى في الله تعالى، وربما دعا لمن آذاه، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما ضربه قومه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول:"رب اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون" وبكل حال فتبين الرفق في الإنكار. قال سفيان الثوري: لا يأمربالمعروف، ولا ينهى عن المنكرإلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر، ورفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى. وقال أحمد: الناس محتاجون إلى مداراةٍ ورفق، الأمر بالمعروف بلاغلظة إلا رجل معلن بالفسق، فلا حرمة له. قال: وكان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله! مهلا رحمكم الله! وقال أحمد: يأمر بالرفق، والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد أن ينتصر لنفسه. وقد ذكر الحافظ المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب" حديث الكتاب عن عائشة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم"2 رواه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه.

1 عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز. أمير أموي عاش ملازماً أباه، مات قبيل وفاته، وكان من أحب الناس إليه قال ابن عبد الحكم: أعان الله عمر بن عبد العزيز بثلاثة أحدهم ابنه عبد الملك، توفي رحمه الله سنة "101"هـ.

2 رواه ابن حبان رقم "290"، وابن ماجه رقم "4004"في الفتن من حديث عائشة رضي الله عنها. وإسناده ضعيف. وهو حديث حسن بشواهده.

ص: 178

137-

"‌

‌من آذى لي ولياً؛ فقد استحل محاربتي

، وما تقرَّب إلى عبدي بمثل أداء الفرائض، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبِّه، فإذا أحببته؛ كنت عينه التي يبصر بها، وأذنه التي يسمع بها، ورجله التي يمشي بها، وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به، إن سألني أعطيته، وإنْ

ص: 178

دعاني أجبتُه، وما تردَّدت عن شيء أنا فاعله ترددي عن وفاته؛ لأنه يكره الموت، وأكره مساءته"1. رواه أحمد، والحكيم، وأبو يعلى، والطبراني، وأبو نعيم، وابن عساكر عن عائشة.

ش- الأذى: ما يصل إلى الحيوان من الضرر؛ إما بنفسه، أو جسمه، أو تبعاته، دنيوياً كان، أوأخروياً يُقال: آذيته أؤذيه، إيذاءً وأذيةً وأذى، وأذى الرجل أذى: وصل إليه المكروه، والولي: تقدم الكلام عليه في شرح الحديث رقم"99". واستحلَّ الشيء: عدَّه حلالاً، وباقي ألفاظ الحديث تقدم الكلام عليه غير مرة، فلاحاجة للإعادة.

والمعنى: أن الله جل، وعز يخبرنا: أن من آذى وليًا من أولياء الله بأي نوع من أنواع الأذى؛ فقد استحل محاربة الله، وتعرض لها، وعدها حلالاً، والمراد بالولي هنا كما قال النووي رحمه الله تعالى: المؤمن. قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257] وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: المراد بولي الله: العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته. وهو أوجه بدليل ما ذكر من ألفاظ الحديث بعده، ووصف الله أولياءه في كتابه الحكيم، قال:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:62-64] فكيف يليق بعاقل أن يتعرض لمحاربة الله جل ذكره؟! واقتراف المعاصي؛ محاربةً لله تعالى. قال الحسن: ابن آدم! هل لك بمحاربة الله من طاقة؛ فإن من عصى الله؛ فقد حاربه، وكلما كان الذنب أقبح؛ كانت المحاربة لله أشد، ولهذا سمى الله تعالى أكلة الربا، وقطاع الطريق محاربين لله تعالى ورسوله؛ لعظم ظلمهم لعباده، وسعيهم بالفساد في بلاده، وكذلك معاداة أوليائه، فإنه تعالى يتولى نصرة أوليائه، ويحبهم، ويؤيدهم، فمن عاداهم؛ فقد عادى الله تعالى، وحاربه، وتعرض لهلاك نفسه. وخرج الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الله الله في أصحابي! لا تتخذونهم غرضاً، فمن آذاهم؛ فقد آذاني؛ ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله؛ يوشك أن يأخذه"2.

1 رواه أحمد في المسند"6/ 256"،وابن أبي الدنيا في الأولياء "45"، وأبو نعيم في الحلية "1/ 5"من حديث عائشة رضي الله عنها، وإسناده ضعيف.

2 رواه الترمذي رقم "3862"في المناقب، والبغوي في شرح السنة رقم "3860"، وابن أبي عاصم في السنة رقم" 992"، وابن حبان رقم"7256"من حديث عبد الله بن معقل رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.

ص: 179

ولما ذكر الله تعالى من آذى أولياءه فقد استحلَّ محاربته؛ وصف أولياءه الذي يحرم إيذاؤهم، وتجب موالاتهم، والتحبب إليهم، فذكر ما يُقرِّب إليه تعالى

إلخ. ثم ذكر حال العبد والموت النازل به، وكراهته لذلك، فقال: "وما ترددت عن شيء أنا فاعله

إلخ" قال الحافظ ابن حجر في الفتح نقلاً عن أئمة الحديث في إشكال هذا الحديث. قال الخطابي: التردد في حق الله غير جائز، والبداء عليه في الأمور غير سائغ، ولكن له تأويلان؛ أحدهما: أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه، وفاقة تنزل به، فيدعو الله، فيشفيه منها، ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمراً، ثم يبدو له فيه، فيتركه، ويعرض عنه ولابد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله؛ لأن الله قد كتب الفناء على خلقه، واستأثر بالبقاء لنفسه. والثاني: أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترددي إياهم في نفس المؤمن، كما روى في قصة موسى، وما كان من لطمه عين ملك الموت، وتردده إليه مرة بعد أخرى. قال: وحقيقة المعنى على الوجهين: عطف الله على العبد. ولطفه به، وشفقته عليه، وقال الكلاباذي -ماحاصله-: أنه عبَّر عن صفة الفعل بصفة الذات؛ أي: عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف، ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت، فيقبض على ذلك. قال: وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده، والشوق إليه، والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلاً عن إزالة الكراهة عنه، فأخبر: أنه يكره الموت ويسوءه، ويكره الله مساءته، فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال، فيأتيه الموت وهو له مؤثر، وإليه مشتاق. قال: وقد ورد تفعيل بمعنى فعل، مثل تفكر وفكر، وتدبر ودبر، وتهدد وهدد والله أعلم.

وعن بعضهم: يحتمل أن يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة، وعمره الذي كتب له سبعون، فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية، فيجيبه عشرين أخرى مثلاً، فعبرعن قدر التركيب، وعما انتهى إليه بحسب الأجل المكتوب بالتردد، وعبر ابن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح، وأضاف الحق ذلك لنفسه، لأن ترددهم عن أمره قال: وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة. فإن قيل إذا أمر الملك بالقبض؛ كيف يقع منه التردد؟ فالجواب: أنه يتردد فيما لم يجد له فيه

ص: 180

الوقت، كأن يُقال: لا تقبض روحه إذا رضي. ثم ذكر جواباً ثالثاً، وهو: احتمال أن يكون معنى التردد: اللطف به، كأن الملك يؤخر القبض، فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن، وعظم المنفعة به لأهل الدنيا؛ احترمه، فلم يبسط يده إليه، فإذا ذكر أمر ربه؛ لم يجد بداً من امتثاله، وجواباً رابعاً، وهو: أن يكون هذا خطاباً لنا بما نعقل، والرب منزه عن حقيقته، بل هو من جنس قوله:"ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديباً، فتمنعه المحبة، وتبعثه الشفقة، فيتردد بينهما، ولو كان غيرالوالد كالمعلم لم يتردد، بل كان يبادرإلى ضربه لتأديبه، فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكرالتردد، وجوزالكرماني احتمالاً آخر، وهو: أن المراد: أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج، بخلاف سائر الأمور، فإنها تحصل بمجرد قوله:"كن" سريعاً دفعة، وقال في قوله تعالى:"فإنه يكره الموت وأنا أكره مساءته" أسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة، قال: الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه، وليس المعنى: أني أكره له الموت؛ لأن الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته. انتهى. وعبَّر بعضهم عن هذا بأن الموت حتمٌ مقضيٌ، وهو مفارقة الروح للجسد، ولا تحصل غالباً إلا بألم عظيم جداً، كما جاء عن عمرو بن العاص: أن ابنه سأله -وهو يموت- عن حقيقة الموت، فقال: والله لكأن جنبي في تخت، ولكأني أتنفس من خرم إبرة، وكأن غصن الشوك يجر به من قامتي إلى هامتي، وعن كعب أن عمر سأله عن الموت، فوصفه له بنحو هذا، فلما كان الموت بهذا الوصف، والله يكره أذى المؤمن، على ذلك الكراهة. ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة؛ لأنها تؤدي إلى أرذل العمر، وتنكس الخلق، والرد إلى أسفل سافلين.

وجوَّز الكرماني1 أن يكون المراد: أكره كرهه الموت، فلا أسرع بقبض روحه، فأكون كالمتردد، قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء في هذا الحديث عظم قدرالولي لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه، وعن انتصاره لنفسه إلى انتصارالله له، وعن حوله وقوته بصدق توكله. انتهى. قال الحافظ ابن رجب: وأما الأنبياء فلا يُقبضون حتى يخبروا. قال الحسن: لما كرهت الأنبياء الموت؛ هوَّن الله عليهم بلقائه لما أحبوه من تحفة وكرامة، حتى إن نفس أحدهم تنزع من بين جنبيه، وهو يحب ذلك لما قد مثل له، وقالت عائشة: ما أغبط أحداً يهون الله عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت

1 تقدم التعريف به.

ص: 181

رسول الله صلى الله عليه وسلم1 قالت: وكان عنده قدح من ماء فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ويقول:"اللهم أعنِّي على سكرات الموت" قالت: وجعل يقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات"2! وجاء في حديث مرسل: أنه صلى الله عليه وسلك كان يقول: "اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب، والقصب، والأنامل؛ اللهم فأعني على الموت وهونه علي! ". وقد كان بعض السلف يستحب أن يجهد عند الموت، كما قال عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن تهون علي سكرات الموت، إنه لآخر ما يكفر به عن المؤمن. وقال النخعي3: كانوا يستحبون أن يجهدوا عند الموت، وكان بعضهم يخشى من تشديد الموت أن يُفتن، وإذا أراد الله أن يهوِّن على العبد الموت هونه عليه. في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان من الله، وكرامة، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، وأحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه"4، قال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له: إن ربك يقرئك السلام. وقال محمد بن كعب5. يقول له ملك الموت: السلام عليك يا ولي الله! الله يقرئك السلم، ثم قال:

1 رواه الترمذي رقم "989"في الجنائزوالنسائي رقم "980"في الجنائز من حديث عائشة رضي الله عنها. وإسناده حسن.

2 رواه الترمذي رقم"978"، وابن ماجه رقم "1623"في الجنائز من حديث عائشة رضي الله عنها. وإسناده ضعيف.

3 النخعي: هو المحدث العالم، أبوعلي الحسن بن علي محمد بن مصعب النخعي البغدادي. سمع سويد بن سعيد وطائفة. وعنه الطستي. وأبو بكر بن خلاد، والطبراني، وخلق.

4 رواه أحمد في المسند "5/ 321"، والدرامي رقم 2"/ 708"، والبخاري "502"في الرقاق، ومسلم رقم" 2683"والترمذي رقم"1066"في الجنائز. من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

5 محمد بن كعب القرظي: الإمام العلامة الصادق أبو حمزة، وقيل: أبو عبد الله القرظي المدني. من حلفاء الأوس وكان أبوه كعب من سبي بني قريظة سكن الكوفة ثم المدينة، حدث عن أبي هريرة، ومعاوية، وابن عباس وطائفة. وهو يرسل كثيراً، وكان من أوعية العلم. توفي رحمه الله سنة "108"هـ. قال العجلي: ثقة، مكي، تابعي، رجل صالح، عالم بالقرآن.

ص: 182

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} وقال زيد بن أسلم1: تأتي الملائكة للمؤمن إذا احتضر، وتقول له: لاتخف مما أنت قادم عليه، فيذهب الله خوفه ولا تحزن على الدنيا، وأهلها، وأبشر بالجنة! فيموت، وقد جاءته البشرى، وخرج البزار من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله أضن بموت عبده المؤمن من أحدكم بكريمة ماله حتى يقبضه على فراشه"2 وقال زيد بن أسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عباداً هم أهل المعافاة في الدنيا والآخرة" وقال ثابت البناني3: إن لله عباداً يضن بهم في الدنياعلى القتل والأوجاع، يطيل الله أعمارهم، ويحسن أرزاقهم، ويميتهم على فرشهم، وبطبعهم بطبائع الشهداء. وخرَّجه ابن أبي الدنيا، والطبراني مرفوعاً من وجوه ضعيفة.

وفي بعض ألفاظها، أن ضنائن من خلقه، يأبى بهم عن البلاء، يحييهم في عافية، ويميتهم في عافية، ويدخلهم في الجنة في عافية.

قال ابن مسعود وغيره: إن موت الفجأة تخفيف عن المؤمن.

وقال أبو ثعلبة الخشني: إني لأرجو ألا يخنقني كما أراكم تُخْنقون عند الموت. وكان ليلةً في داره فسمعوه ينادي يا عبد الرحمن! وكان عبد الرحمن قد قُتِل مع

1 زيد بن أسلم: الإمام الحجة، القدوة: أبو عبد الله العدوي، العمري، المدني، الفقيه. حدث عن والده أسلم مولى عمر، وعن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، حدث عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي وكان له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي رحمه الله سنة "136"هـ.

2 رواه البزار رقم "42"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد"1/ 83"وقال: رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. ضعفه أحمد، وأكثر الناس، ورجحه بعضهم على ابن لهيعة. من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وإسناده ضعيف.

3 ثابت البناني: هو ثابت بن أسلم البناني: الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو محمد البناني. وبنان هم بنو سعد بن لؤي بن غالب، ولد في خلافة معاوية، وحدث عن عبد الله بن معقل المدني، وعن عبد الله الزبير، وكان من أئمة العلم. حدَّث عنه عطاء بن أبي رباح، وقتادة، ومعمر. توفي رحمه الله سنة "186"هـ.

ص: 183