الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَبْوَابٍ:
[الْبَابُ الْأَوَّلُ]
فِي شُرُوطِهَا
اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَرْضُ عَيْنٍ. وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَحُكِيَ قَوْلًا، وَغَلَّطُوا حَاكِيَهُ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يَجُوزُ حِكَايَةُ هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ كَالْفَرَائِضِ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ ; إِلَّا أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ.
أَحَدُهَا: اشْتِرَاطُ أُمُورٍ زَائِدَةٍ لِصِحَّتِهَا. وَالثَّانِي: اشْتِرَاطُ أُمُورٍ زَائِدَةٍ لِوُجُوبِهَا. وَالثَّالِثُ: آدَابٌ تُشْرَعُ فِيهَا. وَهَذَا الْبَابُ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ. وَهِيَ سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ: الْوَقْتُ: فَلَا تُقْضَى الْجُمُعَةُ عَلَى صُورَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَوَقْتُهَا: وَقْتُ الظُّهْرِ. وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِهِ، لَمْ يَشْرَعُوا فِيهَا. وَلَوْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ يُقْتَصَرُ فِيهِمَا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، لَمْ يَشْرَعُوا فِيهَا، بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» . وَلَوْ شَرَعُوا فِيهَا فِي الْوَقْتِ، وَوَقَعَ بَعْضُهَا خَارِجَهُ، فَاتَتِ الْجُمُعَةُ قَطْعًا، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إِتْمَامُهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ: أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ،
وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْمُخَرَّجِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا؟ قَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي نَظَائِرِهِ، تَقَدَّمَا فِي أَوَّلِ «صِفَةِ الصَّلَاةِ» وَلَوْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ أَتَمَّهَا جُمُعَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَظُهْرًا عَلَى الثَّانِي. وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ رَكْعَةً لِيَأْتِيَ بِالثَّانِيَةِ، فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ، أَتَمَّهَا ظُهْرًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَجُمُعَةً عَلَى الثَّانِي. وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ، وَالثَّانِيَةَ خَارِجَهُ، صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ. وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ، فَاتَتْ جُمُعَةُ الْجَمِيعِ. وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْمَأْمُومِينَ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ، وَسَلَّمَهَا بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ خَارِجَهُ، فَمَنْ سَلَّمَهَا خَارِجَهُ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ. وَأَمَّا الْإِمَامُ وَمَنْ سَلَّمَ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ بَلَغُوا عَدَدًا تَصِحُّ بِهِمُ الْجُمُعَةُ، صَحَّتْ لَهُمْ، وَإِلَّا فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ. ثُمَّ سَلَامُهُ وَسَلَامُهُمْ خَارِجَ الْوَقْتِ، إِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ، تَعَذَّرَ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهِ قَطْعًا، لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنْ يُغَيِّرُوا النِّيَّةَ إِلَى النَّفْلِ وَيُسَلِّمُوا، فَفِيهِ مَا سَبَقَ. وَإِنْ كَانَ عَنْ جَهْلٍ مِنْهُ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَهَلْ يَبْنِي، أَمْ يَسْتَأْنِفُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: دَارُ الْإِقَامَةِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ دَارُ الْإِقَامَةِ، وَهِيَ الْأَبْنِيَةُ الَّتِي يَسْتَوْطِنُهَا الْعَدَدُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ، سَوَاءٌ فِيهِ الْبِلَادُ، وَالْقُرَى، وَالْأَسْرَابُ الَّتِي يَتَّخِذُهَا وَطَنًا، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْبِنَاءُ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ طِينٍ، أَوْ خَشَبٍ. وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ النَّازِلُونَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَيَتَنَقَّلُونَ فِي الشِّتَاءِ وَغَيْرِهِ، فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِيهَا، فَإِنْ كَانُوا لَا يُفَارِقُونَهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ وَتَجِبُ. وَلَوِ انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْقَرْيَةِ، أَوِ الْبَلَدِ، فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى الْعِمَارَةِ، لَزِمَهُمُ الْجُمُعَةُ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَظَالٍّ، أَوْ غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاسْتِيطَانِ. وَلَا يُشْتَرَطُ إِقَامَتُهَا فِي مَسْجِدٍ، وَلَا فِي كُنٍّ، بَلْ يَجُوزُ فِي فَضَاءٍ مَعْدُودٍ مِنْ خِطَّةِ الْبَلَدِ، فَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْخَارِجُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْخَارِجُ لِلسَّفَرِ قَصَرَ، فَلَا يَجُوزُ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَسْبِقَ الْجُمُعَةَ، وَلَا يُقَارِنُهَا أُخْرَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَا يَجْمَعُ فِي مِصْرَ - وَإِنْ عَظُمَ، وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهُ - إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا بَغْدَادُ، فَقَدْ دَخَلَهَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَهُمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَقِيلَ: فِي ثَلَاثَةٍ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَمْرِهَا عَلَى أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: أَنَّهُ إِنَّمَا جَازَتِ الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى جُمُعَةٍ، لِأَنَّهَا بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ يَشُقُّ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْجُمُعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، إِذَا كَثُرَ النَّاسُ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا. وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ: الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ، وَالْحَنَّاطِيُّ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ - وَالْقَاضِي الرُّويَانِيُّ، وَالْغَزَّالِيُّ. وَالثَّانِي: إِنَّمَا جَازَتِ الزِّيَادَةُ فِيهَا، لِأَنَّ نَهْرَهَا يَحُولُ بَيْنَ جَانِبَيْهَا فَيَجْعَلُهَا كَبَلْدَتَيْنِ. قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ ابْنُ سَلَمَةَ. وَعَلَى هَذَا لَا يُقَامُ فِي كُلِّ جَانِبٍ إِلَّا جُمُعَةٌ. فَكُلُّ بَلَدٍ حَالَ بَيْنَ جَانِبَيْهِ نَهْرٌ يُحْوِجُ إِلَى السِّبَاحَةِ، فَهُوَ كَبَغْدَادَ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَانِبَانِ كَبَلَدَيْنِ، لَقَصَرَ مَنْ عَبَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، وَالْتَزَمَ ابْنُ سَلَمَةَ الْمَسْأَلَةَ، وَجَوَّزَ الْقَصْرَ. وَالثَّالِثُ: إِنَّمَا جَازَتِ الزِّيَادَةُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى مُتَفَرِّقَةً، ثُمَّ اتَّصَلَتِ الْأَبْنِيَةُ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا الْقَدِيمُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ هَذَا شَأْنُهُ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو حَامِدٍ بِمَا اعْتَرَضَ عَلَى الثَّانِي. وَيُجَابُ بِمَا أُجِيبَ فِي الثَّانِي. وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» . وَالرَّابِعُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرِ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ. وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله الْمُتَقَدِّمُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَبَقَتُهُ، لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَحَيْثُ مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ، فَعَقَدُوا جُمُعَتَيْنِ، فَلَهُ صُوَرٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ تَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. وَالثَّانِيَةُ: بَاطِلَةٌ. وَبِمَ يُعْرَفُ السَّبْقُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: بِالْإِحْرَامِ. وَالثَّانِي: بِالسَّلَامِ. وَالثَّالِثُ:
بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، وَلَمْ يَحْكِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ هَذَا الثَّالِثَ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالْفَرَاغِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. فَلَوْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا بِهَمْزَةِ التَّكْبِيرَةِ، وَالْأُخْرَى بِالرَّاءِ مِنْهَا، فَالصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ بِالرَّاءِ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: السَّابِقَةُ بِالْهَمْزَةِ. ثُمَّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْجُهِ، لَوْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا، وَكَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الْأُخْرَى، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ السَّابِقَةَ هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَلَا أَثَرَ لِلسُّلْطَانِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الَّتِي مَعَهَا السُّلْطَانُ، هِيَ الصَّحِيحَةُ. وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ، فَأُخْبِرُوا أَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا، اسْتُحِبَّ لَهُمُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ. وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُتِمُّوهَا ظُهْرًا؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، فِيمَا إِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَقَعَ الْجُمُعَتَانِ مَعًا، فَبَاطِلَتَانِ، وَتُسْتَأْنَفُ جُمُعَةٌ إِنْ وَسِعَ الْوَقْتُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُشْكِلَ الْحَالُ، وَلَا يَدْرِي اقْتَرَنَتَا، أَمْ سَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا، فَيُعِيدُونَ الْجُمُعَةَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجَزَّئَةٍ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَقَدْ حَكَمَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُمْ إِذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ، بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ. وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إِحْدَاهُمَا، فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُمْ بِهَا. فَسَبِيلُ الْيَقِينِ: أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً، ثُمَّ يُصَلُّوا ظُهْرًا.
الرَّابِعَةُ: أَنْ تَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا، ثُمَّ تَلْتَبِسُ، فَلَا تَبْرَأُ وَاحِدَةٌ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَنِ الْعُهْدَةِ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ. ثُمَّ مَاذَا عَلَيْهِمْ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. الْمَذْهَبُ: أَنَّ عَلَيْهِمُ الظُّهْرَ. وَالثَّانِي: عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ.
الْخَامِسَةُ: أَنْ تَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنَ، بِأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ، أَوْ مُسَافِرَانِ، تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَهُمَا خَارِجَ الْمَسْجِدَيْنِ، فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ، فَلَا تَبْرَأُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَنِ الْعُهْدَةِ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ أَيْضًا. وَمَاذَا عَلَيْهِمْ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا فِي «الْوَسِيطِ» : أَنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ الْجُمُعَةَ. وَالثَّانِي: يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ.
قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -
قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ: لَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ، تَرَتَّبَ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى. فَإِنْ قُلْنَا: الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ هِيَ الصَّحِيحَةُ مَعَ الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِهَا، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِحُضُورِهِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْعَدَدُ. فَلَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ. وَنَقَلَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» قَوْلًا عَنِ الْقَدِيمِ: أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ: إِمَامٍ، وَمَأْمُومَيْنِ. وَلَمْ يُثْبِتْهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَرْبَعِينَ: الذُّكُورَةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِقَامَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَطُّنِ. وَصِفَةُ التَّوَطُّنِ: أَنْ لَا يَظْعَنُوا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، إِلَّا لِحَاجَةٍ. فَلَوْ كَانُوا يَنْزِلُونَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ صَيْفًا، وَيَرْتَحِلُونَ شِتَاءً، أَوْ عَكْسَهُ، فَلَيْسُوا مُسْتَوْطِنِينَ ; فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ. وَفِي انْعِقَادِهَا بِالْمُقِيمِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ الْمَوْضِعَ وَطَنًا لَهُ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَتَنْعَقِدُ بِالْمَرْضَى عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ شَاذٍّ: لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، كَالْعَبِيدِ. فَعَلَى هَذَا، صِفَةُ الصِّحَّةِ شَرْطٌ خَامِسٌ. ثُمَّ الصَّحِيحُ، أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْبَعِينَ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ. الثَّانِي الْقَدِيمُ.
فَرْعٌ
الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ - وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ - مُعْتَبَرٌ فِي الْكَلِمَاتِ الْوَاجِبَةِ مِنَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَاسْتِمَاعِ الْقَوْمِ لَهَا. فَلَوْ حَضَرَ الْعَدَدُ، ثُمَّ انْفَضُّوا كُلُّهُمْ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَبَقِيَ دُونَ أَرْبَعِينَ، فَتَارَةً يَنْقُصُونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَتَارَةً فِيهَا، وَتَارَةً بَعْدَهَا، وَتَارَةً فِي الصَّلَاةِ، فَإِنِ انْفَضُّوا قَبْلَ افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ، لَمْ يُبْتَدَأْ بِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ أَرْبَعُونَ،
وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الرُّكْنَ الْمَأْتِيَّ بِهِ فِي غَيْبَتِهِمْ غَيْرُ مَحْسُوبٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا نَقَصَ الْعَدَدُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا، لِأَنَّ كُلًّا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، فَسُومِحَ بِنَقْصِ الْعَدَدِ فِيهَا. وَالْخَطِيبُ لَا يَخْطُبُ لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا الْغَرَضُ: اسْتِمَاعُ النَّاسِ، فَمَا جَرَى وَلَا مُسْتَمِعَ فَاتَ فِيهِ الْغَرَضُ، فَلَمْ يُحْتَمَلْ. ثُمَّ إِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ، وَبَعْدَ طُولِهِ، قَوْلَانِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ، أَمْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ. وَالثَّانِي: غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَبْنِي. وَبَنَى جَمَاعَةٌ الْقَوْلَيْنِ، عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ، أَمْ لَا، فَلَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَلَوْ لَمْ يَعُدِ الْأَوَّلُونَ، وَاجْتَمَعَ بَدَلَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ ; طَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ. أَمَّا إِذَا انْفَضُّوا بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، صَلَّى الْجُمُعَةَ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ. وَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ، فَفِي اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ قَوْلَانِ. الْأَظْهَرُ: الِاشْتِرَاطُ. فَلَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ. وَعَلَى الثَّانِي: يُصَلِّي بِهَا. ثُمَّ نَقَلَ الْمَازِنِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ تَبْتَدِئَ الْخُطْبَةُ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَالْقَفَّالُ، وَالْأَكْثَرُونَ: يَجِبُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ، وَيُصَلِّيَ بِهِمُ الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِ. قَالُوا: وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ: أَوْجَبْتُ، وَلَكِنَّهُ صُحِّفَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِأَحْبَبْتُ: أَوْجَبْتُ. قَالُوا: وَقَوْلُهُ: صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَجِبُ إِعَادَةُ الْخُطْبَةِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَتَجِبُ الْجُمُعَةُ لِلْقُدْرَةِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي «الْإِفْصَاحِ» : لَا تَجِبُ إِعَادَةُ الْخُطْبَةِ، وَلَا الْجُمُعَةُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبَّانِ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَدَلِيلُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي تَرْكِ الْخُطْبَةِ، خَوْفُ الِانْفِضَاضِ ثَانِيًا، فَسَقَطَتْ بِهَذَا الْعُذْرِ، وَحَصَلَ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، كَمَا اخْتَصَرَهُ الْغَزَّالِيُّ، فَقَالَ: إِنْ شَرَطْنَا الْمُوَالَاةَ، وَلَمْ تُعَدِ الْخُطْبَةُ، أَتَمَّ الْمُنْفَضُّونَ. وَهَلْ يَأْثَمُ الْخَطِيبُ؟ قَوْلَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَمُتَابِعِيهِ، وَأَنَّ الْخَطِيبَ يَأْثَمُ إِذَا لَمْ يُعِدْ، - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَسَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ وَالْخَطِيبُ سَاكِتٌ، أَوْ مُسْتَمِرٌّ فِي الْخُطْبَةِ، ثُمَّ لَمَّا عَادُوا أَعَادَ مَا جَرَى مِنْ وَاجِبِهَا فِي حَالِ الِانْفِضَاضِ. أَمَّا إِذَا أَحْرَمَ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، ثُمَّ حَضَرَ أَرْبَعُونَ آخَرُونَ وَأَحْرَمُوا، ثُمَّ انْفَضَّ الْأَوَّلُونَ، فَلَا يَضُرُّ، بَلْ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ، سَوَاءٌ كَانَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ، أَمْ لَا. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: يُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَرْبَعِينَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ، فَلَا تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَ اللَّاحِقُونَ لَمْ يَسْمَعُوهَا. فَأَمَّا إِذَا انْفَضُّوا وَلَحِقَ أَرْبَعُونَ عَلَى الِاتِّصَالِ، فَقَدْ قَالَ فِي (الْوَسِيطِ) : تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ هُنَا أَنْ يَكُونَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ. أَمَّا إِذَا انْفَضُّوا فَنَقَصَ الْعَدَدُ فِي بَاقِي الصَّلَاةِ، فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ مَنْصُوصَةٍ وَمُخَرَّجَةٍ. أَظْهَرُهَا: تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي جَمِيعِهَا. فَعَلَى هَذَا، لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ، وَتَبَطَّأَ الْمُقْتَدُونَ، ثُمَّ أَحْرَمُوا، فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ، فَلَا جُمُعَةَ. وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرُوا عَنْ رُكُوعِهِ، فَقَالَ الْقَفَّالُ: تَصِحُّ الْجُمُعَةُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إِحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الشَّرْطُ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّ الْفَصْلُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَّالِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنْ بَقِيَ اثْنَانِ مَعَ الْإِمَامِ، أَتَمَّ الْجُمُعَةَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. وَالثَّالِثُ: إِنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ، لَمْ تَبْطُلْ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَنْصُوصَةٌ. الْأَوَّلَانِ فِي الْجَدِيدِ. وَالثَّالِثُ: الْقَدِيمَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ: كَوْنُهُمَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ. وَقَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» : فِي اشْتِرَاطِ الْكَمَالِ احْتِمَالٌ، لِأَنَّا اكْتَفَيْنَا بِاسْمِ الْجَمَاعَةِ.
قُلْتُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ حَكَاهُ صَاحِبُ «الْحَاوِي» وَجْهًا مُحَقَّقًا لِأَصْحَابِنَا، حَتَّى لَوْ بَقِيَ
صَبِيَّانِ، أَوْ صَبِيٌّ، كَفَى. وَالصَّحِيحُ: اشْتِرَاطُ الْكَمَالِ. قَالَ فِي «النِّهَايَةِ» : احْتِمَالُ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَالرَّابِعُ: لَا تَبْطُلُ وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ. وَالْخَامِسُ: إِنْ كَانَ الِانْفِضَاضُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتِ الْجُمُعَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا، لَمْ تَبْطُلْ، وَيُتِمُّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ وَحْدَهُ، وَكَذَا مَنْ مَعَهُ إِنْ بَقِيَ مَعَهُ أَحَدٌ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الْجَمَاعَةُ. فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ فُرَادَى. وَشُرُوطُ الْجَمَاعَةِ: عَلَى مَا سَبَقَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ السُّلْطَانِ، وَلَا إِذْنُهُ فِيهَا. وَحَكَى فِي (الْبَيَانِ) قَوْلًا قَدِيمًا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. ثُمَّ لِإِمَامِ الْجُمُعَةِ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، أَوْ مُسَافِرًا، فَإِنْ تَمَّ بِهِ الْعَدَدُ، لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ تَمَّ بِغَيْرِهِ، صَحَّتْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ. وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ. هَذَا إِذَا صَلَّيَا الْجُمُعَةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَا الظُّهْرَ. فَإِنْ كَانَا صَلَّيَا ظُهْرَ يَوْمِهِمَا، فَهُمَا مُتَنَفِّلَانِ بِالْجُمُعَةِ. وَفِي الْجُمُعَةِ خَلْفَهُمَا مَا يَأْتِي فِي الْمُتَنَفِّلِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا، أَوْ مُتَنَفِّلًا، فَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ، لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ تَمَّ دُونَهُ، صَحَّتْ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمُتَنَفِّلِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الصَّبِيِّ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ خَلَفَ مَنْ يُصَلِّي صُبْحًا، أَوْ عَصْرًا، فَكَالْمُتَنَفِّلِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ قَطْعًا، لِأَنَّهُ يُصَلِّي فَرْضًا. وَلَوْ صَلَّوْا خَلْفَ مُسَافِرٍ يَقْصُرُ الظُّهْرَ، جَازَ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ. وَإِنْ قُلْنَا: صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا، فَكَالصُّبْحِ.
الْحَالُ الرَّابِعُ: إِذَا بَانَ الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، فَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ، لَمْ تَصِحَّ. وَإِنْ تَمَّ دُونَهُ، فَالْأَظْهَرُ: الصِّحَّةُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي (الْأُمِّ) ،
وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ، وَالْإِمَامُ غَيْرُ مُصَلٍّ، بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا. وَغَايَتُهُ أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فُرَادَى. وَالْمَنْعُ هُنَا أَقْوَى مِنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُرَجِّحُونَ لِلْأَوَّلِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَدَثَ الْإِمَامِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْجَمَاعَةِ، وَثُبُوتَ حُكْمِهَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ الْجَاهِلِ بِحَالِهِ. وَقَالُوا: لَا يَمْنَعُ نَيْلَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ صَاحِبُ (الْبَيَانِ) : لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِأَرْبَعِينَ، فَبَانَ أَنَّ الْمَأْمُومِينَ مُحْدِثُونَ، صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانُوا عَبِيدًا، أَوْ نِسَاءً، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْهُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ. وَقِيَاسُ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى الْمَنْعِ: أَنْ لَا تَصِحَّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ لِبُطْلَانِ الْجَمَاعَةِ.
الْحَالُ الْخَامِسُ: إِذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إِلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا، فَاقْتَدَى بِهِ إِنْسَانٌ فِيهَا، وَأَدْرَكَ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِسَهْوِهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ، وَيَبْنِي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ مَحْسُوبَةً لِلْإِمَامِ كَالْمُحْدِثِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ كَافِرًا، أَوِ امْرَأَةً، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: لَا تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ، وَلَا تُحْسَبُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ لِلْمَأْمُومِ. فَلَوْ جَرَى هَذَا فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَا يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ، لَمْ يُدْرِكْ بِهِ هُنَا الْجُمُعَةَ، وَلَا تُحْسَبُ عَنِ الظُّهْرِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا: يُدْرِكُهَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، فَهَلْ تُحْسَبُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَنِ الْجُمُعَةِ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَدَّادِ: أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمُحْدِثِ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْجُمُعَةُ: أَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِهِ مُنْعَقِدَةٌ، وَأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ يُحْسَبُ عَنِ الظُّهْرِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ الْحَالُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى قُرْبٍ، يُتِمُّهَا ظُهْرًا إِذَا جَوَّزْنَا بِنَاءَ الظُّهْرِ عَلَى الْجُمُعَةِ. وَمُقْتَضَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ: الِانْعِقَادُ وَالِاحْتِسَابُ عَنِ الظُّهْرِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ رُكُوعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ، كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ. فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، أَتَى بِثَانِيَةٍ، وَإِذَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ رُكُوعِهَا، لَمْ يُدْرِكِ الْجُمُعَةَ، وَيَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إِلَى أَرْبَعٍ لِلظُّهْرِ، وَكَيْفَ يَنْوِي هَذَا الْمُدْرِكُ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ. وَالثَّانِي: الظُّهْرَ، لِأَنَّهَا الْحَاصِلَةُ. فَلَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى أُخْرَى، وَعَلِمَ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، نَظَرَ، إِنْ عَلِمَهَا مِنَ الثَّانِيَةِ، فَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ، فَيَسْجُدُ سَجْدَةً، وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ. وَإِنْ عَلِمَهَا مِنَ الْأُولَى، أَوْ شَكَّ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، وَحَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ مِنَ الظُّهْرِ. وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَهُ سَجْدَةً، أَمْ سَجْدَتَيْنِ؟ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمِ الْإِمَامُ، سَجَدَ بَعْدَ سَجْدَةٍ أُخْرَى، وَكَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ. وَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، لَمْ يُدْرِكِ الْجُمُعَةَ، فَيَسْجُدُ وَيُتِمُّ الظُّهْرَ. أَمَّا إِذَا أَدْرَكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ غَيْرِ مَحْسُوبٍ، كَرُكُوعِ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ، وَرُكُوعِ الْإِمَامِ السَّاهِي بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ، وَقُلْنَا: إِنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهَا كُلَّهَا، حُسِبَتْ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَالثَّانِي: يُدْرِكُهَا. فَلَوْ أَدْرَكَ رُكُوعَ ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ، فَبَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا، وَقُلْنَا: لَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا مَعَ الْمُحْدِثِ فِي الْجُمُعَةِ حُسِبَتْ، فَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، الْأَصَحُّ: لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ.