الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَكُونُ مِيسَمُ الْغَنَمِ، أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْبَقَرِ، وَمِيسَمُ الْبَقَرِ، أَلْطَفَ مِنْ مِيسَمِ الْإِبِلِ. وَتُمَيَّزُ نَعَمُ الزَّكَاةِ مِنْ نَعَمِ الْفَيْءِ، فَيُكْتَبُ عَلَى الْجِزْيَةِ: جِزْيَةٌ، أَوْ صَغَارٌ.
وَعَلَى الزَّكَاةِ: زَكَاةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى سِمَةِ «لِلَّهِ تَعَالَى» .
فَرْعٌ
وَيَجُوزُ خِصَاءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فِي صِغَرِهِ لِطِيبِ لَحْمِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي كِبَرِهِ، وَخِصَاءُ مَا لَا يُؤْكَلُ.
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ.
أَحَدُهَا: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي، وَكُلِّ مَنْ يُفَوَّضُ إِلَيْهِ أَمْرُ تَفْرِيقِ الصَّدَقَاتِ، أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَعْرِفَةِ أَعْدَادِهِمْ، وَأَقْدَارِ حَاجَاتِهِمْ، بِحَيْثُ يَقَعُ الْفَرَاغُ مِنْ جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ، أَوْ مَعَهَا لِيَتَعَجَّلَ حُقُوقَهُمْ، وَلِيَأْمَنَ هَلَاكَ الْمَالِ عِنْدَهُ.
الثَّانِيَةُ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ فِي الْقِسْمَةِ بِالْعَالَمِينَ، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ أَقْوَى، لِكَوْنِهِمْ يَأْخُذُونَ مُعَاوَضَةً.
قُلْتُ: هَذَا التَّقْدِيمُ مُسْتَحَبٌّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلسَّاعِي أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنَ الزَّكَاةِ، بَلْ يُوَصِّلُهَا بِحَالِهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، إِلَّا إِذَا وَقَعَتْ ضَرُورَةٌ، بِأَنْ أَشْرَفَتْ بَعْضُ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْهَلَاكِ،
أَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ خَطَرٌ، أَوِ احْتَاجَ إِلَى رَدِّ جِيرَانٍ، أَوْ إِلَى مُؤْنَةِ نَقْلٍ، فَحِينَئِذٍ يَبِيعُ. وَلَوْ وَجَبَتْ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ، فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَبِيعَهَا وَيُقَسِّمَ الثَّمَنَ، بَلْ يَجْمَعُهُمْ وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِمْ، وَكَذَا حُكْمُ الْإِمَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَهُمْ فِي «التَّهْذِيبِ» فَقَالَ: إِنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ، فَعَلَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَبِيعَ، بَاعَ وَفَرَّقَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمْ.
قُلْتُ: وَإِذَا بَاعَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَيُسْتَرَدُّ الْمَبِيعُ، فَإِنْ تَلِفَ، ضَمِنَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا، فَبَانَ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ، كَكَافِرٍ، وَعَبْدٍ، وَغَنِيٍّ، وَذِي قُرْبَى، فَالْفَرْضُ يَسْقُطُ عَنِ الْمَالِكِ بِالدَّفْعِ إِلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ.
وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا بَانَ غَنِيًّا، لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ، وَيُسْتَرَدُّ، سَوَاءٌ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَلِفَ، غَرِمَهُ وَصَرَفَ الْغُرْمَ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ.
وَفِي بَاقِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ قَطْعًا. وَقِيلَ: يَضْمَنُ قَطْعًا، لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْفَى غَالِبًا، بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، وَلِأَنَّهَا أَشَدُّ مُنَافَاةً، فَإِنَّهَا تُنَافِي الزَّكَاةَ بِكُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِهِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ، فَبَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ غَنِيًّا، لَمْ يُجِزْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْفُقَرَاءِ. وَإِنْ بَانَ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ ذَا قُرْبَى، لَمْ يُجِزْهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: وَلَوْ دَفَعَ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ، أَوِ الْغَازِي إِلَيْهِ، فَبَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ امْرَأَةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ عَبْدًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا لَمْ يَسْقُطِ الْفَرْضُ، فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ زَكَاةٌ، اسْتُرِدَّ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَغَرِمَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ تَالِفًا. وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ إِذَا دُفِعَ إِلَيْهِ.
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ زَكَاةٌ، لَمْ يُسْتَرَدَّ، وَلَا غُرْمَ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ، يَسْتَرِدُّ مُطْلَقًا، لِأَنَّ مَا يُفَرِّقُهُ الْإِمَامُ عَلَى الْأَصْنَافِ، هُوَ الزَّكَاةُ غَالِبًا، وَغَيْرُهُ قَدْ يَتَطَوَّعُ.
وَالْحُكْمُ فِي الْكَفَّارَةِ مَتَى بَانَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ، كَحُكْمِ الزَّكَاةِ.
الْخَامِسَةُ: فِي وَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْأَصْنَافِ الزَّكَاةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَسْتَحِقُّونَ يَوْمَ الْقِسْمَةِ، إِلَّا الْعَامِلُ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَسْتَحِقُّونَ يَوْمَ الْوُجُوبِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ. بَلِ النَّصُّ الثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، أَوْ أَقَلُّ، وَمَنَعْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ، فَيَسْتَحِقُّونَ يَوْمَ الْوُجُوبِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، دُفِعَ نَصِيبُهُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ غَابَ أَوْ أَيْسَرَ، فَحَقُّهُ بِحَالِهِ، وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ، لَمْ يُشَارِكْهُمْ، وَالنَّصُّ الْأَوَّلُ، فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ فِي ثَلَاثَةٍ، أَوْ كَانُوا، وَجَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ، فَيَسْتَحِقُّونَ بِالْقِسْمَةِ، حَتَّى لَا حَقَّ لِمَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ أَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ، شَارَكَهُمْ.
السَّادِسَةُ: فِي «فَتَاوَى الْقَفَّالِ» : أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يُفَرِّقْ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَتَلِفَ، ضَمِنَ. وَالْوَكِيلُ بِالتَّفْرِيقِ لَوْ أَخَّرَ، فَتَلِفَ، لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ جَمَعَ السَّاعِي الزَّكَاةَ، فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى الْإِمَامِ، اسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْبَحْرِ» : لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى فَقِيرٍ وَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ بِالْمَدْفُوعِ، بِأَنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، لَا يَعْرِفُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ، وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمِسْكِينِ، فَفِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ احْتِمَالَانِ، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَابِضِ لَا تُشْتَرَطُ، فَكَذَا مَعْرِفَةُ الدَّافِعِ.
قُلْتُ: الْأَرْجَحُ: السُّقُوطُ. وَبَقِيَتْ مِنَ الْبَابِ مَسَائِلُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ. وَبَقِيَتْ مَسَائِلُ، لَمْ يَذْكُرْهَا الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ هُنَا.
مِنْهَا: قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْقَدِيمِ، يُسَمِّي مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَاشِيَةِ صَدَقَةً، وَمِنَ النَّقْدَيْنِ زَكَاةً، وَمِنَ الْمُعْشِرَاتِ عُشْرًا فَقَطْ. ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: يُسَمَّى الْجَمِيعُ زَكَاةً وَصَدَقَةً.
وَمِنْهَا: الِاخْتِلَافُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: اخْتِلَافُ رَبِّ الْمَالِ وَالسَّاعِي عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَ دَعْوَى رَبِّ الْمَالِ لَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ، وَالثَّانِي: تُخَالِفُهُ. وَفِي الضَّرْبَيْنِ، إِذَا اتَّهَمَهُ السَّاعِي، حَلَّفَهُ، وَالْيَمِينُ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مُسْتَحَبَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنِ امْتَنَعَ عَنِ الْيَمِينِ، تُرِكَ وَلَا شَيْءَ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: فَالْيَمِينُ فِيهِ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي: وَاجِبَةٌ، فَإِنْ قُلْنَا: مُسْتَحَبَّةٌ، فَامْتَنَعَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا أُخِذَتْ مِنْهُ لَا بِالنُّكُولِ، بَلْ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ. فَمِنَ الصُّوَرِ الَّتِي لَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِيهَا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ، أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ بَعْدُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ السَّاعِي: كَانَتْ مَاشِيَتُكَ نِصَابًا ثُمَّ تَوَالَدَتْ، فَيَضُمُّ الْأَوْلَادَ إِلَى الْأُمَّهَاتِ، وَيَقُولُ رَبُّ الْمَالِ: لَمْ تَكُنْ نِصَابًا، وَإِنَّمَا تَمَّتْ نِصَابًا بِالْأَوْلَادِ، فَابْتَدَأَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ التَّوَلُّدِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقُولَ السَّاعِي: هَذِهِ السِّخَالُ تَوَالَدَتْ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَقَالَ: بَلْ بَعْدَ الْحَوْلِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ.
وَمِنَ الصُّوَرِ الَّتِي تُخَالِفُ فِيهَا الظَّاهِرَ، أَنْ يَقُولَ السَّاعِي: مَضَى عَلَيْكَ حَوْلٌ، فَقَالَ الْمَالِكُ: كُنْتُ بِعْتُهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ قَالَ: أَخْرَجْتُ زَكَاتَهُ، وَقُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ.
وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْمَالُ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ السَّاعِي: بَلْ مِلْكُكَ، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَالثَّانِي: لَا.
وَمِنْهَا: الْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ إِظْهَارُ إِخْرَاجِهَا، لِيَرَاهُ غَيْرُهُ، فَيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ.