الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى كَافِرٍ، حَرْبِيًّا كَانَ، أَوْ ذِمِّيًّا، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ، ذِمِّيًّا كَانَ، أَوْ حَرْبِيًّا، لَكِنْ يَجُوزُ، وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَوْلَى بِغَسْلِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا، وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفَاءً بِذِمَّتِهِ، كَمَا يَجِبُ إِطْعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا، لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ قَطْعًا، وَلَا دَفْنُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ. وَالثَّانِي: لَا، بَلْ يَجُوزُ إِغْرَاءُ الْكَلْبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ دُفِنَ فَلِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهِ، وَالْمُرْتَدُّ كَالْحَرْبِيِّ، وَلَوِ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا، وَجَبَ غُسْلُ جَمِيعِهِمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً، جَازَ، وَيَقْصِدُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ. وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، جَازَ، وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَيَقُولُ:(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا) .
قُلْتُ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ دَفْعَةً أَفْضَلُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ. وَاخْتِلَاطُ الشُّهَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ كَاخْتِلَاطِ الْكُفَّارِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ
الشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا تَجِبُ، لَكِنْ تَجُوزُ. وَأَمَّا الْغُسْلُ، فَإِنْ أَدَّى إِلَى إِزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ، فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَإِلَّا فَحَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ كَالصَّلَاةِ. وَاسْمُ الشَّهِيدِ قَدْ يُخَصَّصُ فِي الْفِقْهِ بِمَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَدْ يُسَمَّى كُلُّ
مَقْتُولٍ ظُلْمًا شَهِيدًا وَهُوَ أَظْهَرُ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي (الْمُخْتَصَرِ) وَعَلَى هَذَا، الشَّهِيدُ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَالَ قِيَامِ الْقِتَالِ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَوْ عَادَ إِلَيْهِ سِلَاحُهُ، أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ، أَمْ لَا. أَمَّا إِذَا مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْكُفَّارِ لَا بِسَبَبِ الْقِتَالِ، بَلْ بِمَرَضٍ، أَوْ فَجْأَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَقِيلَ: عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ جُرِحَ فِي الْقِتَالِ وَمَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، فَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَبَقِيَ فِيهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ أَكَلَ وَتَكَلَّمَ وَصَلَّى، أَمْ لَا، طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ. وَقِيلَ: إِنْ مَاتَ عَنْ قُرْبٍ، فَقَوْلَانِ، وَإِنْ بَقِيَ أَيَّامًا، فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا. وَأَمَّا إِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ، فَشَهِيدٌ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنِ انْقَضَتْ وَهُوَ مُتَوَقَّعُ الْبَقَاءِ، فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ مُسْلِمًا اغْتِيَالًا، فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيُغَسَّلُ الْبَاغِي الْمَقْتُولُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَطْعًا. وَمَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، قِيلَ. لَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا. وَقِيلَ: كَالْعَادِلِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الشُّهَدَاءُ الْعَارُونَ عَنْ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، كَالْمَبْطُونِ، وَالْمَطْعُونِ، وَالْغَرِيقِ، وَالْغَرِيبِ، وَالْمَيِّتِ عِشْقًا، وَالْمَيِّتَةِ فِي الطَّلْقِ، وَمَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ، أَوْ بَاغٍ، فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، فَهُمْ كَسَائِرِ الْمَوْتَى يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ وَرَدَ فِيهِمْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَكَذَا الْمَقْتُولُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا لَيْسَ بِشَهِيدٍ. وَإِذَا قُتِلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ، غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَرُفِعَ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ، كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ تَغْلِيطًا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ، فَيُبْنَى أَمْرُهُ عَلَى صِفَةِ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يُقْتَلُ، ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصْلَبُ مُكَفَّنًا. وَالثَّانِي: يُصْلَبُ، ثُمَّ يُقْتَلُ. وَهَلْ يُنْزَلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَمْ يَبْقَى حَتَّى يَتَهَرَّأَ؟ وَجْهَانِ. إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، أُنْزِلَ فَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَكَانَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقْتَلَ مَصْلُوبًا، وَيُنْزَلَ، فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرَدُّ، وَلَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ أَحَدٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ.
فَرْعٌ
لَوِ اسْتُشْهِدَ جُنُبٌ، لَمْ يُغَسَّلْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَطْعًا.
قُلْتُ: وَلَوِ اسْتُشْهِدَتْ حَائِضٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الْجُنُبُ لَا يُغَسَّلُ، فَهِيَ أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ (الْبَحْرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْحَائِضِ يَتَعَلَّقُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، أَمْ بِانْقِطَاعِهِ، أَمْ بِهِمَا؟ إِنْ قُلْنَا: بِرُؤْيَتِهِ، فَكَالْجُنُبِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَا بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُغَسَّلُ. وَالثَّانِي: لَا. وَالثَّالِثُ: إِنْ أَدَّى غُسْلُهَا إِلَى إِزَالَةِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ، لَمْ تُغَسَّلْ، وَإِلَّا غُسِّلَتْ.
فَرْعٌ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُكَفَّنَ الشَّهِيدُ فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا عَلَيْهِ سَابِغًا، تُمِّمَ، وَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَتَكْفِينَهُ فِي غَيْرِهَا، جَازَ. أَمَّا الدِّرْعُ، وَالْجِلْدُ، وَالْفِرَاءُ، وَالْخِفَافُ، فَتُنْزَعُ.