الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَقْتُ وُجُوبِ زَكَاةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ الزَّهْوُ، وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ. وَوَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ. وَحُكِيَ قَوْلُ أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ الْجَفَافُ وَالتَّصْفِيَةُ، وَلَا يَتَقَدَّمُ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ، وَقَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عِنْدَ فِعْلِ الْحَصَادِ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الْبَعْضِ كَبُدُوِّهِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ اشْتِدَادِ الْحَبِّ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ الصَّلَاحِ فِي الثِّمَارِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى نَخِيلًا مُثْمِرَةً، أَوْ وَرِثَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، ثُمَّ بَدَا - فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ. وَلَوِ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمُشْتَرِي، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ فُسِخَ، وَإِنْ قُلْنَا: مَوْقُوفٌ فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ، وَلَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ النَّخْلَةَ الْمُثْمِرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِذِمِّيٍّ أَوْ مَكَاتَبٍ، فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ. فَلَوْ عَادَ إِلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، بِبَيْعٍ مُسْتَأْنَفٍ، أَوْ بِهِبَةٍ، أَوْ تَقَايُلٍ، أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَ الْوُجُوبِ.
وَلَوْ بَاعَ النَّخِيلَ لِمُسْلِمٍ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَبَدَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا - فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إِلَّا بِرِضَى الْبَائِعِ؛ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا، وَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُشْتَرِي الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَحُكْمُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ مِنْ زَكَاةِ النَّعَمِ. أَمَّا إِذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، فَإِنْ شَرَطَهُ وَلَمْ يَتَّفِقِ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ، فَقَدْ وَجَبَ الْعُشْرُ. ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ رَضِيَا بِإِبْقَائِهَا إِلَى أَوَانِ الْجِدَادِ - جَازَ، وَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَحُكِيَ قَوْلٌ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى الْإِبْقَاءِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِالْإِبْقَاءِ لَمْ تُقْطَعِ الثَّمَرَةُ؛
لِأَنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِالْمَسَاكِينِ. ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ إِمْضَائِهِ. وَأَظْهَرُهُمَا: لَا يَنْفَسِخُ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ، يُفْسَخُ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي إِلَّا الْقَطْعَ، فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُفْسَخُ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُفْسَخُ. وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ ثُمَّ رَجَعَ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ إِعَارَةٌ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يُفْسَخُ الْبَيْعُ، فَفُسِخَ، فَعَلَى مَنْ تَجِبُ الزَّكَاةُ؟ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: عَلَى الْبَائِعِ، وَأَظْهَرُهُمَا: عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ فُسِخَ بِعَيْبٍ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْ عَيْنِ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
فَرْعٌ
إِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: إِنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادَ الْحَبِّ وَقْتَ الْوُجُوبِ، لَمْ يُكَلَّفِ الْإِخْرَاجَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْإِخْرَاجِ إِذَا صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ حَبًّا مُصَفًّى، وَصَارَ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْحَالِ حَقٌّ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ إِجْزَاءً، فَلَوْ أَخْرَجَ الرُّطَبَ فِي الْحَالِ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي الرُّطَبَ، لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعُ، وَوَجَبَ رَدُّهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِنْ تَلِفَ فَوَجْهَانِ، الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهُ، وَالثَّانِي: يَرُدُّ مَثَلَهُ. وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ مِثْلِيَّانِ، أَمْ لَا؟ وَلَوْ جَفَّ عِنْدَ السَّاعِي، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ، أَجْزَأَ، وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ، كَذَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْأَوْلَى: وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِحَالٍ؛ لِفَسَادِ الْقَبْضِ مِنْ أَصْلِهِ، وَمَئُونَةُ تَجْفِيفِ الثَّمَرِ وَجِدَادُهُ وَحَصَادُ الْحَبِّ وَتَصْفِيَتُهُ تَكُونُ مِنْ خَلَاصِ مَالِ الْمَالِكِ لَا يُحْسَبُ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فِي الرُّطَبِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجِيءُ شَيْءٌ مِنْهُ، فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.