الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبِلَادِ، لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ الْإِصْغَاءُ إِلَى كَلَامِهِمَا عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ، فَإِنْ قَبِلُوا قَضَوْا يَوْمًا. وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمِ الْحُكْمَ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِمَا. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَسَارَتْ بِهِ السَّفِينَةُ إِلَى قَوْمٍ عَيَّدُوا، فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ، وَقُلْنَا: لَهُ حُكْمُ الْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ، أَفْطَرَ، وَإِلَّا، لَمْ يُفْطِرْ. وَإِذَا أَفْطَرَ، قَضَى يَوْمًا، إِذْ لَمْ يَصُمْ إِلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
فَرْعٌ
إِذَا رَأَى الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، سَوَاءً كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ.
فَصْلٌ
لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ. وَلَا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِلَا خِلَافٍ. وَتَجِبُ النِّيَّةُ لِكُلِّ يَوْمٍ. فَلَوْ نَوَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ، فَهَلْ يَصِحُّ صَوْمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ؟ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَصِحُّ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَبْدَانَ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ، سَوَاءٌ فِيهِ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَغَيْرُهَا. وَلَنَا وَجْهٌ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنِ الْحَلِيمِيِّ: أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَهُوَ شَاذٌّ.
وَكَمَالُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ: أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. فَأَمَّا الصَّوْمُ وَكَوْنُهُ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ، إِلَّا وَجْهَ الْحَلِيمِيِّ. وَأَمَّا الْأَدَاءُ وَالْفَرْضِيَّةُ وَالْإِضَافَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَفِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا رَمَضَانُ هَذِهِ السَّنَةِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
وَحَكَى الْإِمَامُ فِي «اشْتِرَاطِهِ» وَجْهًا وَزَيَّفَهُ، وَحَكَى صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَجْهَيْنِ فِي
أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ، أَمْ يَكْفِي فَرْضُ رَمَضَانَ؟ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ. فَإِنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعَرُّضُ لِلْيَوْمِ، لَمْ يَضُرَّ الْخَطَأُ فِي أَوْصَافِهِ. فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ صَوْمَ الْغَدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، أَوْ نَوَى رَمَضَانَ السَّنَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ، صَحَّ صَوْمُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ رَمَضَانَ سَنَةِ ثَلَاثٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَقْتَ.
ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ الْغَدِ، أَشْهَرُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إِلَى التَّبْيِيتِ.
وَلَا يَخْفَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ قِيَاسُ التَّعْيِينِ فِي الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فَيَصِحُّ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ.
فَرْعٌ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي «الْعُدَّةِ» : لَوْ قَالَ: أَتَسَحَّرُ لِأَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ، لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي النِّيَّةِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ «نَوَادِرِ الْأَحْكَامِ» لِأَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَتَسَحَّرُ لِلصَّوْمِ، أَوْ شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا، أَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ. كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً لِلصَّوْمِ.
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ إِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا، لِأَنَّهُ إِذَا تَسَحَّرَ لِيَصُومَ صَوْمَ كَذَا، فَقَدْ قَصَدَهُ.
فَرْعٌ
تَبْيِيتُ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ، فَلَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَوْمَ الْغَدِ، لَمْ يَصِحَّ. وَلَوْ نَوَى مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا تَخْتَصُّ النِّيَّةُ بِالنِّصْفِ
الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تَبْطُلُ بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ بَعْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بُطْلَانُهَا، وَوُجُوبُ تَجْدِيدِهَا. وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ نِسْبَةَ هَذَا إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ الْإِمَامُ: رَجَعَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ ثَبَتَ أَحَدُ هَذَيْنِ، فَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَلَوْ نَوَى وَنَامَ وَانْتَبَهَ وَاللَّيْلُ بَاقٍ، لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَفِي كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ تَرَدُّدٌ فِي كَوْنِ الْغَفْلَةِ، كَالنَّوْمِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُطْرَحٌ.
فَرْعٌ
يَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ: لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنَ اللَّيْلِ، وَهَلْ يَصِحُّ بَعْدَ الزَّوَالِ؟ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ: لَا يَصِحُّ. وَفِي حَرْمَلَةَ: أَنَّهُ يَصِحُّ.
قُلْتُ: وَعَلَى نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ: يَصِحُّ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَصَحَّحْنَاهُ، فَهَلْ هُوَ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ حَتَّى يَنَالَ ثَوَابَ جَمِيعِهِ، أَمْ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. كَمَا إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، يَكُونُ مُدْرِكًا لِثَوَابِ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ.
فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا، اشْتُرِطَ جَمِيعُ شُرُوطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَإِذَا قُلْنَا: يُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ، فَفِي اشْتِرَاطِ خُلُوِّ الْأَوَّلِ عَنِ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَجْهَانِ.
الصَّحِيحُ: الِاشْتِرَاطُ، وَالثَّانِي: لَا، وَيُنْسَبُ إِلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَأَبِي زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ.
وَهَلْ يُشْتَرَطُ خُلُوُّ أَوَّلِهِ عَنِ الْكُفْرِ وَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ، أَمْ يَصِحُّ صَوْمُ مَنْ أَسْلَمَ، أَوْ أَفَاقَ، أَوْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ ضَحْوَةً؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الِاشْتِرَاطُ.
فَرْعٌ
يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ جَازِمَةً، فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَهُ حَالَانِ.
الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَعْتَقِدَهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُنْظَرُ، إِنْ رَدَّدَ نِيَّتَهُ فَقَالَ: أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ إِنْ كَانَ مِنْهُ، وَإِلَّا، فَأَنَا مُفْطِرٌ، أَوْ فَأَنَا مُتَطَوِّعٌ، لَمْ يَقَعْ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ إِذَا بَانَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفْطِرٌ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ. وَلَوْ قَالَ: أَصُومُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ تَطَوُّعًا، أَوْ أَصُومُ، أَوْ أُفْطِرُ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لَا فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي الْآخَرِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ، بَلْ جَزَمَ بِالصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ، لِأَنَّهُ ذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ، لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» حِكَايَةُ وَجْهٍ: أَنَّهُ يَصِحُّ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدِ اعْتِقَادُهُ إِلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِنِ اسْتَنَدَ إِلَيْهِ، بِأَنِ اعْتَمَدَ قَوْلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوِ امْرَأَةٍ، أَوْ صَبِيَّيْنِ ذَوِي رُشْدٍ، وَنَوَى صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ إِذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ.
فَإِنْ قَالَ فِي نِيَّتِهِ وَالْحَالَةِ هَذِهِ: أَصُومُ عَنْ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ تَطَوُّعٌ، فَظَاهِرُ النَّصِّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ إِذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ، لِلتَّرَدُّدِ.
وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ، لِاسْتِنَادِهِ إِلَى أَصْلٍ. وَرَأَى الْإِمَامُ طَرْدَ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا جَزَمَ. وَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ اسْتِنَادِ الِاعْتِقَادِ إِلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْحِسَابِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.
وَمِنْهَا: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، أَوْ وَاحِدٍ، إِذَا جَوَّزْنَاهُ، وَجَبَ الصَّوْمُ، وَلَا يَضُرُّ مَا قَدْ تَبَقَّى مِنَ الِارْتِيَابِ.
وَمِنْهَا: الْمَحْبُوسُ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، فَاجْتَهَدَ، صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ.
وَلَا يَكْفِيهِ صَوْمُ شَهْرٍ بِلَا اجْتِهَادٍ وَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانَ. ثُمَّ إِذَا اجْتَهَدَ فَصَامَ شَهْرًا، فَإِنْ وَافَقَ رَمَضَانَ، فَذَاكَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، أَجْزَأَهُ قَطْعًا، وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي: أَدَاءً.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا، وَرَمَضَانُ تَامًّا. إِنْ قُلْنَا: قَضَاءٌ، لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ، وَإِنْ قُلْنَا: أَدَاءٌ، فَلَا، كَمَا لَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا.
وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ قُلْنَا: قَضَاءٌ، فَلَهُ إِفْطَارُ الْيَوْمِ الْآخَرِ. وَإِنْ قُلْنَا: أَدَاءٌ، فَلَا، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَوَّالًا، حَصَلَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ إِنْ كَمُلَ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ إِنْ نَقَصَ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ قَضَاءً، وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَيَقْضِي يَوْمًا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي.
وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا، قَضَى يَوْمًا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَيَوْمَيْنِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي. وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً، فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِكُلِّ حَالٍ.
وَإِنْ وَافَقَ ذَا الْحِجَّةِ، حَصَلَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إِنْ كَمُلَ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إِنْ نَقَصَ. فَإِنْ جَعَلْنَاهُ قَضَاءً، وَكَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا، قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَأَرْبَعَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي.
وَإِنْ كَانَ كَامِلًا، قَضَى أَرْبَعَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَخَمْسَةً عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي. وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً، قَضَى أَرْبَعَةً بِكُلِّ حَالٍ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَصِحُّ بِحَالٍ، فَإِنْ صَحَّحْنَا صَوْمَهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ، فَذُو الْحِجَّةِ كَشَوَّالٍ.
أَمَّا إِذَا اجْتَهَدَ فَوَافَقَ صِيَامُهُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ، فَيُنْظَرُ، إِنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بَعْدَ بَيَانِ الْحَالِ، لَزِمَهُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ لَمْ يَبِنِ الْحَالُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ رَمَضَانَ، فَطَرِيقَانِ.
أَشْهَرُهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. الْجَدِيدِ الْأَظْهَرِ: وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَالْقَدِيمِ: لَا قَضَاءَ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ. فَإِنْ بَانَ الْحَالُ فِي بَعْضِ رَمَضَانَ، فَطَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِوُجُوبِ قَضَاءِ مَا مَضَى. وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّ فِي إِجْزَائِهِ الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا بَانَ بَعْدَ مُضِيِّ جَمِيعِ رَمَضَانَ.
فَرْعٌ
إِذَا نَوَتِ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ فِي اللَّيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدِأَةً يَتِمُّ لَهَا بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ، أَوْ مُعْتَادَةً عَادَتُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ، وَهُوَ يَتِمُّ بِاللَّيْلِ، صَحَّ صَوْمُهَا. وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ أَكْثَرِهِ، وَيَتِمُّ بِاللَّيْلِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَصِحُّ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عَادَتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، وَلَا يَتِمُّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي اللَّيْلِ، أَوْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَمْ يَصِحَّ.
فَرْعٌ
إِذَا نَوَى الِانْتِقَالَ مِنْ صَوْمٍ إِلَى صَوْمٍ، لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَيْهِ، وَهَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ، أَمْ يَبْقَى نَفْلًا؟ وَجْهَانِ. وَكَذَا لَوْ رَفَضَ نِيَّةَ الْفَرْضِ عَنِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ انْقِلَابَهُ نَفْلًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، إِنَّمَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، وَإِلَّا، فَرَمَضَانُ لَا يَقْبَلُ النَّفْلَ عِنْدَنَا مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهِلِ الْفَرْضِ بِحَالٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ فُلَانٌ، خَرَجْتُ مِنْ صَوْمِي، فَهَلْ يَخْرُجُ عِنْدَ مَجِيئِهِ؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَخْرُجُ، فَهَلْ يَخْرُجُ فِي الْحَالِ؟ وَجْهَانِ. وَالْمَذْهَبُ: لَا يَبْطُلُ فِي الْحَالَيْنِ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ.