الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ، لَا فِطْرَةَ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالْمَوْقُوفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي رَقَبَتِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلَّهِ تَعَالَى، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: لَا فِطْرَةَ فِيهِ قَطْعًا، وَبِهِ قُطِعَ فِي «التَّهْذِيبِ» .
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: لَا فِطْرَةَ إِذَا قُلْنَا: لِلَّهِ تَعَالَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا مَاتَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ، لَمْ تَسْقُطِ الْفِطْرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبِهِ قُطِعَ فِي «الشَّامِلِ» .
فَصْلٌ
يُشْتَرَطُ فِي مُؤَدِّي الْفِطْرَةِ، ثَلَاثَةُ أُمُورٍ.
الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ.
فَلَا فِطْرَةَ عَلَى الْكَافِرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ، أَوْ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مُسْتَوْلَدَةٌ مُسْلِمَةٌ، فَفِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً، أَوْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، ثُمَّ يَتَحَمَّلُ الْمُؤَدِّي؟ .
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْوُجُوبُ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» وَغَيْرُهُ. وَهُوَ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ، فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا صَائِرَ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَمَّلَ عَنْهُ يَنْوِي. وَلَوْ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ تَحْتَ ذِمِّيٍّ، وَدَخَلَ وَقْتُ الْفِطْرَةِ فِي تَخَلُّفِ الزَّوْجِ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا مُدَّةَ التَّخَلُّفِ خِلَافٌ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا، فَلَا فِطْرَةَ. وَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا، فَالْفِطْرَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: الْحُرِّيَّةُ.
فَلَيْسَ عَلَى الرَّقِيقِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، وَلَا فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ. وَلَوْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ عَبْدًا، وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ، سَقَطَتْ فِطْرَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ، لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ. وَفِي الْمُكَاتَبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَوْ أَوْجُهٍ.
أَصَحُّهَا: لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ، وَالثَّانِي: تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَالثَّالِثُ: تَجِبُ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ كَنَفَقَتِهِ.
وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَلَيْهِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ يَجْرِي فِي أَنَّ عَلَيْهِ فِطْرَةَ زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِهِ. وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُسْتَوْلَدَةُ، كَالْقِنِّ. وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، سَبَقَ حُكْمُهُ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْيَسَارُ.
فَالْمُعْسِرُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ، لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ، مَا يُخْرِجُهُ فِي الْفِطْرَةِ، فَهُوَ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَضَلَ عَنْهُ مَا يُخْرِجُهُ فِي الْفِطْرَةِ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ، فَهُوَ مُوسِرٌ.
وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي ضَبْطِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ. وَزَادَ الْإِمَامُ: فَاعْتُبِرَ كَوْنُ الصَّاعِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي خِدْمَتِهِ. وَقَالَ: لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَا يُحْسَبُ فِي الْكَفَّارَةِ.
وَإِذَا نَظَرْتَ كُتُبَ الْأَصْحَابِ لَمْ تَجِدْ مَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ، كَالْبَيَانِ وَالِاسْتِدْرَاكِ لِمَا أَهْمَلَهُ الْأَوَّلُونَ، وَرُبَّمَا اسْتَشْهَدْتَ بِكَوْنِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا دَسْتَ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ، وَلَا شَكَّ فِي اعْتِبَارِهِ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ لَيْسَتْ بِأَشَدَّ مِنَ الدَّيْنِ، وَهُوَ مُبْقَى عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ، لَكِنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ حَكَى وَجْهًا، أَنَّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ لَا يُبَاعُ فِي الْفِطْرَةِ، كَمَا لَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْفِطْرَةِ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَتِهِ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ قُوتُ يَوْمِهِ كَالدَّيْنِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّ لَهَا بَدَلًا، وَذُكِرَ فِي «التَّهْذِيبِ» مَا يَقْتَضِي وَجْهَيْنِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ: مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ،
وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ إِذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَتِهِ، لَزِمَ الْأَبَ فِطْرَتُهُ كَفِطْرَةِ الِابْنِ، فَلَوْلَا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ، لَسَقَطَ بِسَبَبِهِ فِطْرَةُ الِابْنِ أَيْضًا.
وَإِذَا شَرَطْنَا كَوْنَ الْمُخْرَجِ فَاضِلًا عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَسْكَنِ، إِنَّمَا نَشْتَرِطُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَوْ ثَبَتَتِ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إِنْسَانٍ، بِعْنَا خَادِمَهُ وَمَسْكَنَهُ فِيهَا، لِأَنَّهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْآدَمِيِّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى صَرْفِهِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ تَمْنَعُهُ.
كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ: وَلَوْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ عَلَى قَوْلٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، كَانَ مُبْعَدًا. هَذَا لَفْظُهُ، وَفِيهِ شَيْءٌ نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَعَلَى هَذَا، يُشْتَرَطُ مَعَ كَوْنِ الْمُخْرَجِ فَاضِلًا عَمَّا سَبَقَ، كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَسَارَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْوُجُوبِ، فَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا عِنْدَهُ ثُمَّ أَيْسَرَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
لَوْ فَضَلَ مَعَهُ عَمَّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْضُ صَاعٍ، لَزِمَهُ إِخْرَاجُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ فَضَلَ صَاعٌ وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى إِخْرَاجِ فِطْرَةِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَقَارِبِهِ، فَأَوْجُهٌ.
أَصَحُّهَا: يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ فِطْرَةِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ، وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ، إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَنْ غَيْرِهِ.
فَعَلَى هَذَا، لَوْ أَرَادَ تَوْزِيعَهُ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْوَجْهَانِ عَلَى قَوْلِنَا: مَنْ وَجَدَ بَعْضَ صَاعٍ فَقَطْ، لَزِمَهُ إِخْرَاجُهُ، فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ، لَمْ يَجُزِ التَّوْزِيعُ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوْ فَضَلَ صَاعٌ وَلَهُ عَبْدٌ، صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ فِي فِطْرَةِ الْعَبْدِ جُزْءًا مِنْهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: إِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَتِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ: لَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا. وَلَوْ فَضَلَ صَاعَانِ وَفِي نَفَقَتِهِ جَمَاعَةٌ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ بِصَاعٍ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ.