الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُطِعَ مِنْهُ بِالضَّمِّ، وَلَيْسَ تَفْرِيعًا عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ فِي الْفَرْعِ الْمَاضِي. فَذَكَرُوا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالضَّمِّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْأَقْوَالِ فِي الزَّرْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْوَقْتِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ، تَرْجِيحُ هَذَا. وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْقَطْعُ بِالضَّمِّ، وَالثَّانِي: عَلَى الْخِلَافِ. وَفِي الثَّالِثِ: طُرُقٌ. أَصَحُّهَا: الْقَطْعُ بِالضَّمِّ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الضَّمِّ، وَالثَّالِثُ: عَلَى الْخِلَافِ.
فَصْلٌ
يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ الْعُشْرُ، وَكَذَا الْبَقْلُ وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْمَاءِ، وَكَذَا مَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ يَنْصَبُّ إِلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ كَبِيرَةٍ، فَفِي هَذَا كُلِّهِ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ أَوِ الدِّلَاءِ أَوِ الدَّوَالِيبِ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَكَذَا مَا سُقِيَ بِالدَّالِيَةِ وَهِيَ الْمَنْجَنُونُ يُدِيرُهَا الْبَقَرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّاعُورِ وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْقَنَوَاتُ وَالسَّوَاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ، فَفِيهَا الْعُشْرُ كَمَاءِ السَّمَاءِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ طَوَائِفُ الْأَصْحَابِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَادَّعَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إِنَّمَا تُتَحَمَّلُ لِإِصْلَاحِ الضَّيْعَةِ، وَالْأَنْهَارُ تُشَقُّ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الزَّرْعِ بِنَفْسِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، بِخِلَافِ النَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا، فَمُؤْنَتُهَا فِيهَا لِنَفْسِ الزَّرْعِ. وَلَنَا وَجْهٌ أَفْتَى بِهِ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِي السَّقْيِ بِمَاءِ الْقَنَاةِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ: إِنْ كَانَتِ الْقَنَاةُ أَوِ الْعَيْنُ كَثِيرَةَ الْمُؤْنَةِ بِأَنْ لَا تَزَالَ تَنْهَارُ وَتَحْتَاجُ إِلَى إِحْدَاثِ حَفْرٍ، وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُؤْنَةٌ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ، وَكَسَحَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَالْعُشَرُ، وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَرْعٌ
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ: لَوِ اشْتَرَى الْمَاءَ كَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَكَذَا لَوْ سَقَاهُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ؛ لَأَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ، وَهَذَا حَسَنٌ جَارٍ عَلَى كُلِّ مَأْخَذٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاحِ الضَّيْعَةِ، بِخِلَافِ الْقَنَاةِ. ثُمَّ حَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ وَهَبَ لَهُ الْمَاءَ، وَرَجَّحَ إِلْحَاقَهُ بِالْمَغْصُوبِ لِلْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَكَمَا لَوْ عَلَفَ مَاشِيَتَهُ بِعَلَفٍ مَوْهُوبٍ.
قُلْتُ: الْوَجْهَانِ إِذَا قُلْنَا: لَا تَقْتَضِي الْهِبَةُ ثَوَابًا. صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا: تَقْتَضِيهِ، فَنِصْفُ الْعُشْرِ قَطْعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا اجْتَمَعَ فِي الزَّرْعِ الْوَاحِدِ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَزْرَعَ عَازِمًا عَلَى السَّقْيِ بِهِمَا، فَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يُقَسَّطُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَا السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَالثُّلُثُ بِالنَّضْحِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ. وَلَوْ سُقِيَ عَلَى التَّسَاوِي وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَالثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِالْأَغْلَبِ، فَإِنْ كَانَ مَاءُ السَّمَاءِ أَغْلَبَ وَجَبَ الْعُشْرُ، وَإِنْ غَلَبَ النَّضْحُ فَنِصْفُ الْعُشْرِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُقَسَّطُ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَالثَّانِي: يَجِبُ الْعُشْرُ؛ نَظَرًا لِلْمَسَاكِينِ. ثُمَّ سَوَاءٌ قَسَّطْنَا أَوِ اعْتَبَرْنَا الْأَغْلَبَ، فَالنَّظَرُ إِلَى مَاذَا؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: النَّظَرُ إِلَى عَدَدِ السَّقَيَاتِ، وَالْمُرَادُ: السَّقَيَاتُ النَّافِعَةُ دُونَ مَا لَا يَنْفَعُ. وَالثَّانِي وَهُوَ أَوْفَقُ لِظَاهِرِ النَّصِّ: الِاعْتِبَارُ بِعَيْشِ الزَّرْعِ أَوِ الثَّمَرِ وَنَمَائِهِ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِالنَّظَرِ إِلَى النَّفْعِ، وَقَدْ تَكُونُ السَّقْيَةُ الْوَاحِدَةُ
أَنْفَعَ مِنْ سَقَيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْعِبَارَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ، إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّانِيَةِ لَا يَنْظُرُ إِلَى الْمُدَّةِ، بَلْ يَعْتَبِرُ النَّفْعَ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، وَصَاحِبُ الْأُولَى يَعْتَبِرُ الْمُدَّةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُدَّةِ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ، تَفْرِيعًا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَذَكَرُوا فِي الْمِثَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إِلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إِلَى سَقْيَتَيْنِ، فَسُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنَ الصَّيْفِ إِلَى ثَلَاثِ سَقَيَاتٍ، فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقَيَاتِ، فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ: يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ: يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ: يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبُعُ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ: يَجِبُ الْعُشْرُ. وَلَوْ سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ جَمِيعًا، وَجُهِلَ الْمِقْدَارُ، وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِمَّا زَادَ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَزْرَعَ نَاوِيًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ يَقَعُ الْآخَرُ، فَهَلْ يُسْتَصْحَبُ حُكْمُ مَا نَوَاهُ أَوَّلًا أَمْ يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ.
فَرْعٌ
لَوِ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سَقَى؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ.
فَرْعٌ
لَوْ سَقَى زَرْعًا بِمَاءِ السَّمَاءِ وَآخَرَ بِالنَّضْحِ، وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا - ضُمَّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ؛ لِتَمَامِ النِّصَابِ وَإِنِ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ.