الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّهُ مَسْنُونٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ بِلَا شَكٍّ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَسْنُونِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: لَا مَنْعَ مِنْهُ فِي الْمُخَاطَبَةِ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ، وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فِي الْمُخَاطَبَةِ فَمَعْرُوفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ
التَّعْجِيلُ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ. وَحَكَى الْمُوَفَّقُ أَبُو طَاهِرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْعَ التَّعْجِيلِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. ثُمَّ مَالُ الزَّكَاةِ ضَرْبَانِ: مُتَعَلِّقٌ بِالْحَوْلِ، وَغَيْرُ مُتَعَلِّقٍ.
فَالْأَوَّلُ: يَجُوزُ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ تَمَامِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ. أَمَّا إِذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ، وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَيُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنِ الزَّكَاةِ، عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُرُوضِ بِآخِرِ الْحَوْلِ، وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً مَعْلُوفَةً، فَعَجَّلَ شَاةً عَازِمًا أَنْ يُسَمِّيَهَا حَوْلًا، لَمْ يَقَعْ عَنِ الزَّكَاةِ إِذَا أَسَامَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ لَيْسَتْ مَالَ زَكَاةٍ، فَهِيَ كَمَا دُونَ النِّصَابِ. وَإِنَّمَا يُعَجِّلُ بَعْدَ انْعِقَادِ حَوْلٍ. فَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ عَامَيْنِ فَصَاعِدًا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَمَّا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. مِنْهُمْ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي تَسَلُّفِ صَدَقَةِ عَامَيْنِ مِنَ الْعَبَّاسِ عَلَى التَّسَلُّفِ دُفْعَتَيْنِ. فَإِنْ جَوَّزْنَا مَا زَادَ، فَذَلِكَ إِذَا بَقِيَ مَعَهُ فِي بَعْدِ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَامِلٌ، بِأَنْ مَلَكَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ كَامِلٌ، بِأَنْ مَلَكَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ مِنْهَا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ، فَإِنْ جَوَّزْنَا صَدَقَةَ عَامَيْنِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ تَقْدِيمَ زَكَاةٍ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى؟ وَجْهَانِ كَتَقْدِيمِ صَلَاةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ.
حَكَاهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ. وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ، فَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ بِأَنِ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ، فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَجَاءَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ - أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِي الْمِائَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ وَجْهَانِ. فَإِنْ كَانَ زَكَاةَ عَيْنٍ، بِأَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَتَوَقَّعَ حُصُولَ مِائَتَيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَحَصَلَ مَا تَوَقَّعَهُ - لَمْ يُجْزِئْهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَادِثِ. وَإِنْ تَوَقَّعَ حُصُولَهُ مِنْ عَيْنِ مَا عِنْدَهُ، بِأَنْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً، فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ ثُمَّ حَدَثَتْ سَخْلَةٌ، أَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ، فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ، فَبَلَغَتْ بِالتَّوَالُدِ عَشْرًا، فَهَلْ يُجْزِئُهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنِ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ: لَا يُجْزِئُهُ. وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَوَلَدَتْ أَرْبَعِينَ، فَهَلَكَتِ الْأُمَّاتُ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ مَا أَخْرَجَ مِنَ السِّخَالِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ بِالْحَوْلِ، فَمِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي وَجْهٍ: يَجُوزُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، لَا مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ. وَفِي وَجْهٍ: يَجُوزُ قَبْلَ رَمَضَانَ. وَأَمَّا زَكَاةُ الثِّمَارِ، فَتَجِبُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَزَكَاةُ الزَّرْعِ بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ وُجُوبَ الْأَدَاءِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَثْبُتُ حِينَئِذٍ، وَالْإِخْرَاجُ يَجِبُ بَعْدَ الْجَفَافِ وَتَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْإِخْرَاجُ بَعْدَ مَصِيرِ الرُّطَبِ تَمْرًا، وَالْعِنَبِ زَبِيبًا لَيْسَ بِتَعْجِيلٍ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا قَبْلَهُ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ قَبْلَهُ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ، وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْجَفَافِ. وَأَمَّا الزُّرُوعُ، فَالْإِخْرَاجُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِتَعْجِيلٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ التَّسَنْبُلِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ. وَبَعْدَهُ: ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ: جَوَازُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ وَالْإِدْرَاكِ، وَمَنْعُهُ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي: جَوَازُهُ بَعْدَ التَّسَنْبُلِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ. وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ.