المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب صلاة الخوف - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٢

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّعَمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَلٌ فِي صِفَةِ الْمُخْرَجِ فِي الْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ

- ‌بَابُ الْخُلْطَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْخُلْطَةِ وَالِانْفِرَادِ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حُكْمِ تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمُعْشِرَاتِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَالِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ بُلُوغُ الْمُعَشَّرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنَ الْحُلِيِّ

- ‌بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا إِذَا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ

- ‌فَصَلٌ فِي زَكَاةِ مَالِ الْقِرَاضِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌كتاب صلاة الخوف

‌كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

اعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْخَوْفَ يَقْتَضِي صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً، كَقَوْلِنَا: صَلَاةُ الْعِيدِ، وَلَا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي تَغَيُّرِ قَدْرِ الصَّلَاةِ، وَوَقْتِهَا، كَقَوْلِنَا: صَلَاةُ السَّفَرِ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي كَيْفِيَّةِ إِقَامَةِ الْفَرَائِضِ، بَلْ فِي إِقَامَتِهَا بِالْجَمَاعَةِ، وَاحْتِمَالِ أُمُورٍ فِيهَا كَانَتْ لَا تُحْتَمَلُ. ثُمَّ هُوَ فِي الْأَكْثَرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إِقَامَةِ مُطْلَقِ الْفَرَائِضِ، بَلْ فِي إِقَامَتِهَا بِالْجَمَاعَةِ كَمَا نُفَصِّلُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: صَلَاةُ الْخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ، وَمَذْهَبُنَا: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ. وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.

الْأَوَّلُ: صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ.

وَهِيَ: أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ. فِرْقَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَفِرْقَةً يُصَلِّي بِهَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، فَإِذَا سَلَّمَ بِهِمْ، ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَلَهُمْ فَرِيضَةً. وَإِنَّمَا يُنْدَبُ إِلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ، وَأَنْ يُخَافَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَجُوزُ بِغَيْرِ خَوْفٍ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الصَّلَاةَ هَكَذَا إِنَّمَا يُنْدَبُ إِلَيْهَا وَتُخْتَارُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ.

ص: 49

النَّوْعُ الثَّانِي: صَلَاةُ عُسْفَانَ. وَهِيَ: أَنْ يُرَتِّبَهُمُ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ وَيُحْرِمَ بِالْجَمِيعِ، فَيُصَلُّوا مَعَهُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الِاعْتِدَالِ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى، فَإِذَا سَجَدَ، سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الثَّانِي، وَلَمْ يَسْجُدِ الصَّفُّ الْأَوَّلُ، بَلْ يَحْرُسُوا لَهُمْ قِيَامًا، فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ وَالسَّاجِدُونَ، سَجَدَ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَحِقُوهُ، وَقَرَأَ الْجَمِيعُ مَعَهُ وَرَكَعُوا وَاعْتَدَلُوا، فَإِذَا سَجَدَ، سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْحَارِسُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَحَرَسَ الْآخَرُونَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ، سَجَدُوا، وَلَحِقُوهُ وَتَشَهَّدُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ.

هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي (الْمُخْتَصَرِ) . وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ، فَأَخَذَ كَثِيرُونَ بِهَا، مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْقَفَّالِ، وَتَابَعَهُمُ الْغَزَّالِيُّ، وَقَالُوا: هِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ بِعُسْفَانَ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ خِلَافُ الثَّابِتِ فِي السُّنَّةِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ سَجَدُوا مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالصَّفَّ الثَّانِي سَجَدُوا مَعَهُ الثَّانِيَةَ، وَالشَّافِعِيُّ عَكَسَ ذَلِكَ.

قَالُوا: وَالْمَذْهَبُ مَا ثَبَتَ فِي الْخَبَرِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ قَوْلِي مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فَاطْرَحُوهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ: إِنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا هِيَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ، بَلْ قَالَ: وَهَذَا نَحْوُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ، فَأَشْبَهَ تَجْوِيزُهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرُهُمَا.

قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ: جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ، فَأَشَارَ إِلَى جَوَازِهِمَا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْمَشْهُورُ: أَنَّ الْحِرَاسَةَ فِي السُّجُودِ خَاصَّةً، وَأَنَّ الْجَمِيعَ يَرْكَعُونَ مَعَهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُمْ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوعِ أَيْضًا، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لِهَذِهِ الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ. أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ

ص: 50

الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى جَبَلٍ، أَوْ مُسْتَوًى مِنَ الْأَرْضِ لَا يَسْتُرُهُمْ شَيْءٌ عَنْ أَبْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ كَثْرَةٌ، لِتَسْجُدَ طَائِفَةٌ وَتَحْرُسَ أُخْرَى، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى صَفَّيْنِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا كَثِيرَةً، ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعُ مَنْ فِي الصَّفِّ، بَلْ لَوْ حَرَسَتْ فِرْقَتَانِ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، جَازَ. فَلَوْ تَوَلَّى الْحِرَاسَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ، فَفِي صَلَاةِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ.

فَرْعٌ

لَوْ تَأَخَّرَ الْحَارِسُونَ أَوَّلًا إِلَى الصَّفِّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَقَدَّمَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِيَحْرُسُوا، جَازَ إِذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّفِّ الثَّانِي خُطْوَتَيْنِ، وَيَتَأَخَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ خُطْوَتَيْنِ وَيَنْفُذَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ.

وَهَلْ هَذَا التَّقَدُّمُ أَفْضَلُ، أَمْ مُلَازَمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَكَانَهُ؟ وَجْهَانِ. قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَالْمَسْعُودِيُّ، وَالْغَزَّالِيُّ، وَآخَرُونَ: التَّقَدُّمُ أَفْضَلُ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: الْمُلَازَمَةُ أَفْضَلُ. وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا أَدَلُّ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ: أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يُحْرَسُ فِي الْأَوَّلِ. فَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي حَامِدٍ: أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَسْجُدُونَ فِي الْأُولَى، فَإِنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَتَقَدَّمُ الصَّفُّ الثَّانِي، وَيَتَأَخَّرُ الْأَوَّلُ فَتَكُونُ الْحِرَاسَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِمَّنْ خَلْفَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ.

قُلْتُ: ثَبَتَ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) تَقَدُّمُ الصَّفِّ الثَّانِي، وَتَأَخُّرُ الْأَوَّلِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 51

النَّوْعُ الثَّالِثُ: صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ.

وَهِيَ: تَارَةً تَكُونُ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رَكْعَتَيْنِ، إِمَّا الصُّبْحُ، وَإِمَّا مَقْصُورَةٌ. وَتَارَةً فِي ذَاتِ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ. فَأَمَّا ذَاتُ رَكْعَتَيْنِ، فَيُفَرِّقُ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَيَنْحَازُ بِفِرْقَةٍ إِلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ، فَيَفْتَحُ بِهِمُ الصَّلَاةَ وَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً. هَذَا الْقَدْرُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ. وَفِيمَا يَفْعَلُ بَعْدَ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ إِذَا قَامَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ، خَرَجَ الْمُقْتَدُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءُوا أُولَئِكَ فَاقْتَدَوْا بِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَيُطِيلُ الْإِمَامُ الْقِيَامَ إِلَى لُحُوقِهِمْ، فَإِذَا لَحِقُوهُ، صَلَّى بِهِمُ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا الثَّانِيَةَ وَهُوَ يَنْتَظِرُهُمْ، فَإِذَا لَحِقُوهُ، سَلَّمَ بِهِمْ. هَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَهِيَ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ، لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلَاةَ، بَلْ يَذْهَبُونَ إِلَى مَكَانِ إِخْوَانِهِمْ وَجَاءَ الْعَدُوُّ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَقِفُونَ سُكُوتًا، وَتَجِيءُ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَتُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ. فَإِذَا سَلَّمَ، ذَهَبَتْ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَ الْأَوَّلُونَ إِلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إِلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّوا. وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ. ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله، اخْتَارَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ، وَلِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ.

وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ: أَنَّهُ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، تَشَهَّدَ بِهِمْ وَسَلَّمَ، ثُمَّ هُمْ يَقُومُونَ إِلَى تَمَامِ صَلَاتِهِمْ، كَالْمَسْبُوقِ، وَقَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُمْ يَقُومُونَ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامُ مَوْضِعَ السَّلَامِ وَلَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ. وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى صِفَةِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ؟ قَوْلَانِ.

الْمَشْهُورُ: الصِّحَّةُ، لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْآخَرِ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنَّ النَّسْخَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ. وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَتْ عَزِيمَةً لَا بُدَّ مِنْهَا، بَلْ لَوْ صَلَّى بِطَائِفَةٍ، وَصَلَّى غَيْرُهُ بِالْبَاقِينَ، أَوْ صَلَّى بَعْضُهُمْ، أَوْ كُلُّهُمْ مُنْفَرِدِينَ، جَازَ قَطْعًا، لَكِنْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْمَحُونَ

ص: 52

بِتَرْكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِتَرَتُّبِهِمْ هَكَذَا، لِتُحَصِّلَ طَائِفَةٌ فَضِيلَةَ التَّكْبِيرِ مَعَهُ، وَالْأُخْرَى فَضِيلَةَ التَّسْلِيمِ مَعَهُ. وَهَذَا النَّوْعُ مَوْضِعُهُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، أَوْ فِيهَا وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُمْ لَوْ هَجَمُوا.

فَرْعٌ

الطَّائِفَةُ الْأُولَى يَنْوُونَ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ إِذَا قَامُوا مَعَهُ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَانْتَصَبُوا قِيَامًا. وَلَوْ فَارَقُوهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ السُّجُودِ، جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِذَا قَامُوا إِلَى رَكْعَتِهِمُ الثَّانِيَةِ، لَا يَنْفَرِدُونَ عَنِ الْإِمَامِ، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَفِيهِ شَيْءٌ يَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

فَرْعٌ

إِذَا قَامَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ، هَلْ يَقْرَأُ فِي انْتِظَارِهِ مَجِيءَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، أَمْ يُؤَخِّرُ لِيَقْرَأَ مَعَهُمْ؟ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ. أَصَحُّهَا: عَلَى قَوْلَيْنِ.

أَظْهَرُهُمَا: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ بَعْدَهَا، فَإِذَا جَاءُوا قَرَأَ مِنَ السُّورَةِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةً قَصِيرَةً، ثُمَّ رَكَعَ.

وَالثَّانِي: لَا يَقْرَأُ شَيْئًا، بَلْ يَشْتَغِلُ بِمَا شَاءَ مِنَ التَّسْبِيحِ، وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: يَقْرَأُ، قَوْلًا وَاحِدًا.

وَالثَّالِثُ: إِنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ سُورَةٍ طَوِيلَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، قَرَأَ وَمَدَّهَا، وَإِنْ أَرَادَ قَصِيرَةً، انْتَظَرَهُمْ. وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ وَأَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ، أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ. وَهَلْ

ص: 53

يَتَشَهَّدُ فِي انْتِظَارِهِ فَرَاغَ الثَّانِيَةِ مِنْ رَكْعَتِهِمْ إِذَا قُلْنَا: يُفَارِقُونَهُ، قَبْلَ التَّشَهُّدِ؟ فِيهِ طُرُقٌ. الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ، وَقِيلَ: فِيهِ الطَّرِيقَانِ الْأَوَّلَانِ فِي الْقِرَاءَةِ.

قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا قُلْنَا: لَا يَتَشَهَّدُ، اشْتَغَلَ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ بِالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَذْكَارِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْأُولَى، وَيُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفَتَيْنِ التَّخْفِيفُ فِيمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِهِمْ هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي الْأَمْنِ هَلْ تَصِحُّ؟ أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ، فَفِيهَا طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: صَحِيحَةٌ قَطْعًا، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: فِي صِحَّتِهَا قَوْلَانِ، لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنْ قُلْنَا: صَلَاةُ الْإِمَامِ تَبْطُلُ، بَطَلَ اقْتِدَاؤُهُمْ، وَإِلَّا، انْعَقَدَ، ثُمَّ تُبْنَى صَلَاتُهُمْ إِذَا قَامُوا إِلَى الثَّانِيَةِ عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي أَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ بِهَا، أَمْ فِي حُكْمِ الِاقْتِدَاءِ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَفِيهَا قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَصْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الِانْفِرَادُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالثَّانِي: الِاقْتِدَاءُ بَعْدَ الِانْفِرَادِ. وَإِنْ قُلْنَا: بِالثَّانِي، بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، لِأَنَّهُمُ انْفَرَدُوا بِرَكْعَةٍ وَهُمْ فِي الْقُدْوَةِ. وَلَوْ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِي الْأَمْنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ قَطْعًا.

فَرْعٌ

إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْخَوْفِ، جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَعَكْسُهُ. وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ.

ص: 54

فَإِنْ قُلْنَا: بِالْأُولَى رَكْعَةً، فَارَقَتْهُ إِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، جَازَ أَنْ يَنْتَظِرَ الثَّانِيَةَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَجَازَ أَنْ يَنْتَظِرَهُمْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ. وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الِانْتِظَارُ فِي الْقِيَامِ. وَعَلَى هَذَا هَلْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، أَمْ يَصْبِرُ إِلَى لُحُوقِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ.

فَرْعٌ

إِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ رُبَاعِيَّةً، بِأَنْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ، أَوْ أَرَادُوا الْإِتْمَامَ فِي السَّفَرِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، وَيُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ الثَّانِيَةَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَمْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمَغْرِبِ. وَيَتَشَهَّدُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ. فَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً، بِأَنْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً، ثُمَّ فَارَقَتْهُ، وَصَلَّتْ ثَلَاثًا وَسَلَّمَتْ، وَانْتَظَرَ قَائِمًا فَرَاغَهَا وَذَهَابَهَا وَمَجِيءَ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ صَلَّى بِالثَّانِيَةِ الثَّانِيَةَ، وَانْتَظَرَ جَالِسًا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ صَلَّى بِالثَّالِثَةِ الثَّالِثَةَ، وَانْتَظَرُوا فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ صَلَّى بِالرَّابِعَةِ الرَّابِعَةَ، وَانْتَظَرَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ، فَأَتَمُّوا وَسَلَّمَ بِهِمْ، فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ، فَعَلَى هَذَا قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: شَرْطُهُ الْحَاجَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ، فَهُوَ كَفِعْلِهِمْ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ، كَالثَّانِيَةِ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ، أَوْ يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ، أَوْ يَقُومُونَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إِلَى مَا عَلَيْهِمْ، وَتَتَشَهَّدُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي تُفَارِقُهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ، وَفِي الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، فَصَلَاةُ الْإِمَامِ

ص: 55

بَاطِلَةٌ. قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ الْوَاقِعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: بِالْوَاقِعِ فِي الرَّابِعَةِ. فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ بِمَعْنَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي: بِمَعْنَى قَدْرِ رَكْعَةٍ مِنَ انْتِظَارِهِ الثَّانِي. وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ، فَصَلَاةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُمْ فَارَقُوهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَصَلَاةُ الرَّابِعَةِ بَاطِلَةٌ، إِنْ عَلِمَتْ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّالِثَةُ كَالرَّابِعَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَكَالْأَوَّلَيْنِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ.

قُلْتُ: جَزَمَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ فِيهِمَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، كَمَا قُلْنَا فِي الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ عَلَى قَوْلِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَآخَرُونَ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْمُبْطِلَ لِلطَّائِفَةِ الرَّابِعَةِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ انْتِظَارٌ رَابِعٌ وَإِنْ جَهِلَتْ كَوْنَهُ مُبْطِلًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ، وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً، وَقُلْنَا: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، فَصَلَاةُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَتَبْطُلُ الثَّالِثَةُ إِنْ عَلِمُوا بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَإِذَا اخْتُصِرَتِ الرُّبَاعِيَّةُ، قُلْتُ: فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. أَظْهَرُهَا: صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا. وَالثَّانِي: صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالطَّائِفَةِ الرَّابِعَةِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. وَالْفَرْقُ فِي حَقِّ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمُوا بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَمْ لَا. وَالرَّابِعُ: صِحَّةُ الثَّالِثَةِ لَا مَحَالَةَ، وَالْبَاقِي، كَالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ.

قُلْتُ: وَقَوْلٌ خَامِسٌ: وَهُوَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ. وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَصَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً، بِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا، أَوْ عَكْسُهُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَجَمِيعُهُمْ بِلَا خِلَافٍ، وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً، وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ، لِلْمُخَالَفَةِ

ص: 56

بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ (الشَّامِلِ) عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ. وَقُلْنَا: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، فَعَلَيْهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ. وَقَالَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) : لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَالَ: وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: إِذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ تَصِحُّ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَقَدِ انْتَظَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَيَكُونُ كَمَنْ قَنَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ، فَعَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا إِذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي بَلَدٍ وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَقِيلَ: فِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. ثُمَّ لِلْجَوَازِ شَرْطَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْطُبَ بِجَمِيعِهِمْ، ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ، وَيَجْعَلَ مِنْهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفِرْقَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا. فَأَمَّا لَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى، فَلَا يَجُوزُ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْفِرْقَةُ الْأُولَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا، فَلَوْ نَقَصَتْ عَنِ الْأَرْبَعِينَ، لَمْ تَنْعَقِدِ الْجُمُعَةُ. وَلَوْ نَقَصَتِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَرْبَعِينَ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَضُرُّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَالْخِلَافِ فِي الِانْفِضَاضِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: لَا يَضُرُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

أَمَّا لَوْ خَطَبَ بِهِمْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ عُسْفَانَ، فَهِيَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. وَلَا تَجُوزُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ، إِذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ.

ص: 57

فَرْعٌ

صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهَا أَعْدَلُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَلِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَتِلْكَ صَلَاةُ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ، وَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ. وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ -: بَطْنُ النَّخْلِ أَفْضَلُ، لِتَحْصُلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِالتَّمَامِ.

فَرْعٌ

إِذَا سَهَا بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ، نَظَرَ، إِنْ سَهَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَسَهْوُهَا مَحْمُولٌ، لِأَنَّهَا مُقْتَدِيَةٌ، وَسَهْوُهَا فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَحْمُولٍ، لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الْإِمَامِ. وَفِي ابْتِدَاءِ الِانْقِطَاعِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: مِنَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا. وَالثَّانِي: مِنْ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ الثَّانِي، فَعَلَى هَذَا لَوْ رَفَعَ رَأَسَهُ وَهُمْ بَعْدُ فِي السُّجُودِ فَسَهَوْا، فَغَيْرُ مَحْمُولٍ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُمْ يَنْوُونَ الْمُفَارَقَةَ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ، أَوْ الِانْتِصَابِ، فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي ابْتِدَاءِ الِانْقِطَاعِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى وَقْتِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ.

وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَسَهْوُهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى غَيْرُ مَحْمُولٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي الْمَزْحُومِ فِي الْجُمُعَةِ إِذَا سَهَا فِي وَقْتِ تَخَلُّفِهِ، وَأَجْرَوْهُمَا فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، فَسَهَا ثُمَّ اقْتَدَى وَتَمَّمَهَا مَأْمُومًا وَجَوَّزْنَاهُ، وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ هَذَا، وَقَالَ: الْوَجْهُ: الْقَطْعُ بِأَنَّ حُكْمَ السَّهْوِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْقُدْوَةِ اللَّاحِقَةِ. هَذَا إِذَا قُلْنَا: الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يَقُومُونَ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ، فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ: إِنَّهُمْ

ص: 58

يَقُومُونَ بَعْدَ سَلَامِهِ، فَسَهْوُهُمْ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَحْمُولٍ قَطْعًا، كَالْمَسْبُوقِ. أَمَّا إِذَا سَهَا الْإِمَامُ، فَيَنْظُرُ، إِنْ سَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، لَحِقَ سَهْوُهُ الطَّائِفَتَيْنِ، فَالْأُولَى تَسْجُدُ إِذَا تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ، فَلَوْ سَهَا بَعْضُهُمْ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ، فَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى سَجْدَتَيْنِ، أَمْ يَسْجُدُ أَرْبَعًا؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِهِ، وَالْأَصَحُّ سَجْدَتَانِ. وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يَسْجُدُونَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ. وَإِنْ سَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، لَمْ يَلْحَقْ سَهْوُهُ الطَّائِفَةَ الْأُولَى، وَتَسْجُدُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ. وَلَوْ سَهَا فِي انْتِظَارِهِ إِيَّاهُمْ، فَهَلْ يَلْحَقُهُمْ ذَلِكَ السَّهْوُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُحْمَلُ سَهْوُهُمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟

فَرْعٌ

هَلْ يَجِبُ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَعُسْفَانَ، وَبَطْنِ نَخْلٍ؟ فِيهِ طُرُقٌ. أَصَحُّهَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: يُسْتَحَبُّ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالِاسْتِحْبَابِ. وَالثَّالِثُ: بِالْإِيجَابِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ يَجِبُ، وَمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، كَالرُّمْحِ وَالْقَوْسِ، لَا يَجِبُ. وَلِلْخِلَافِ شُرُوطٌ. أَحَدُهَا طَهَارَةُ الْمَحْمُولِ، فَالنَّجِسُ كَالسَّيْفِ الَّذِي عَلَيْهِ دَمٌ، أَوْ سَقْيُ سُمٍّ نَجِسٍ، وَالنَّبْلِ الْمُرَيَّشِ بِرِيشِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، أَوْ بِرِيشِ مَيْتَةٍ، لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ.

الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعًا بَعْضَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ كَالْبَيْضَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْجَبْهَةِ، لَمْ يُحْمَلْ بِلَا خِلَافٍ.

الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ، كَالرُّمْحِ فِي وَسَطِ الْقَوْمِ فَيُكْرَهُ.

الرَّابِعُ: أَنْ يُخَافَ مِنْ وَضْعِ السِّلَاحِ خَطَرٌ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ، فَأَمَّا إِذَا تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ ظَاهِرًا لَوْ تَرَكَهُ، فَيَجِبُ الْأَخْذُ قَطْعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ تَرْجَمُوا الْمَسْأَلَةَ بِحَمْلِ السِّلَاحِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَيْسَ الْحَمْلُ مُتَعَيِّنًا، بَلْ لَوْ وَضَعَ السَّيْفَ عَنْ يَدَيْهِ، وَكَانَ مَدُّ الْيَدِ إِلَيْهِ فِي السُّهُولَةِ، كَمَدِّهَا إِلَيْهِ

ص: 59

وَهُوَ مَحْمُولٌ، كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَمْلِ قَطْعًا. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: يَقَعُ السِّلَاحُ عَلَى السَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ، وَالْقَوْسِ، وَالرُّمْحِ، وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا. فَأَمَّا التُّرْسُ وَالدِّرْعُ، فَلَيْسَ بِسِلَاحٍ. وَإِذَا أَوْجَبْنَا حَمْلَ السِّلَاحِ فَتَرَكَهُ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قَطْعًا.

قُلْتُ: وَيَجُوزُ تَرْكُ السِّلَاحِ لِلْعُذْرِ بِمَرَضٍ، أَوْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي (الْمُخْتَصَرِ) : أَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، يَعْنِي صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي وَجْهٍ: الْعَدُوُّ ثَلَاثَةٌ، وَالثَّلَاثَةُ أَقَلُّ الطَّائِفَةِ. وَلَوْ صَلَّى بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ، جَازَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

النَّوْعُ الرَّابِعُ: صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ.

فَإِذَا الْتَحَمَ الْقِتَالُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بِحَالٍ، لِقِلَّتِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ، أَوِ اشْتَدَّ الْخَوْفُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمِ الْقِتَالُ، فَلَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ، لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ، أَوِ انْقَسَمُوا، صَلَّوْا بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، وَلَيْسَ لَهُمُ التَّأْخِيرُ عَنِ الْوَقْتِ. وَيُصَلُّونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَلَهُمْ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إِذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ، كَالْمُصَلِّينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَفِيهَا.

قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَفْضَلُ مِنَ الِانْفِرَادِ، كَحَالَةِ الْأَمْنِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنْ تَرْكِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إِذَا كَانَ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ، فَلَوِ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ، وَطَالَ الزَّمَانُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ بِهِمَا وَجَعَلُوا السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَاشِي اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الرُّكُوعِ وَلَا السُّجُودِ، وَلَا التَّحَرُّمُ، وَلَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ الْهَلَاكَ، بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ، وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الصِّيَاحِ بِكُلِّ حَالٍ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِالْأَعْمَالِ الْقَلِيلَةِ، فَإِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ، فَفِيهِ أَوْلَى.

ص: 60

وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ، كَالطَّعَنَاتِ، وَالضَّرَبَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ، فَهِيَ مُبْطِلَةٌ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا، فَإِنِ احْتَاجَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَالْقَفَّالُ: لَا تُبْطِلُ. وَالثَّانِي: تُبْطِلُ. حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ. وَالثَّالِثُ: تُبْطِلُ إِنْ كَانَ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُبْطِلُ فِي أَشْخَاصٍ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَوْجُهِ بِالْأَقْوَالِ.

فَرْعٌ

لَوْ تَلَطَّخَ سِلَاحُهُ بِالدَّمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْقِيَهُ، أَوْ يَجْعَلَهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ إِنِ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى إِمْسَاكِهِ، فَلَهُ إِمْسَاكُهُ، ثُمَّ هَلْ يَقْضِي؟ نَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنِ الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ يَقْضِي لِنُدُورِ عُذْرِهِ ثُمَّ مَنَعَهُ، وَقَالَ: تَلَطُّخُ السِّلَاحِ بِالدَّمِ مِنَ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَكْلِيفِهِ تَنْحِيَةَ السِّلَاحِ، فَتِلْكَ النَّجَاسَةُ ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّهِ كَنَجَاسَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي حَقِّهَا، ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعِ تَنَجُّسٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقَضَاءِ لِإِلْحَاقِ الشَّرْعِ الْقِتَالَ بِسَائِرِ مُسْقِطَاتِ الْقَضَاءِ فِي سَائِرِ الْمُحْتَمَلَاتِ، كَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ، وَالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

فَرْعٌ

تُقَامُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفَيْنِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، لِأَنَّهُ يُخَافُ فَوْتُهُمَا، وَلَا تُقَامُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ.

ص: 61

فَرْعٌ

تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَتَجُوزُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَلِلرُّفْقَةِ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَلَا تَجُوزُ لِلْبُغَاةِ وَالْقُطَّاعِ، وَلَوْ قُصِدَ نَفْسُ رَجُلٍ، أَوْ حَرِيمُهُ، أَوْ نَفْسُ غَيْرِهِ، أَوْ حَرِيمُهُ، وَأُشْغِلَ بِالدَّفْعِ، صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ. وَلَوْ قُصِدَ مَالُهُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ حَيَوَانًا، فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُهَا. وَالثَّانِي: لَا. أَمَّا إِذَا وَلَّوْا ظُهُورَهُمُ الْكُفَّارَ مُنْهَزِمِينَ، فَنَنْظُرُ، إِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ مُسْلِمٍ أَكْثَرُ مِنْ كَافِرَيْنِ، أَوْ كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، جَازَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. وَلَوِ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، بِحَيْثُ لَوْ ثَبَتُوا وَأَكْمَلُوا الصَّلَاةَ، فَاتَهُمُ الْعَدُوُّ، لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَإِنْ خَافُوا كَمِينًا أَوْ كَرَّتَهُمْ، جَازَتْ.

فَرْعٌ

الرُّخْصَةُ فِي هَذَا النَّوْعِ لَا تَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْخَوْفِ مُطْلَقًا. فَلَوْ هَرَبَ فِي سَبِيلٍ، أَوْ حَرِيقٍ وَلَمْ يَجِدْ مَعْدِلًا عَنْهُ، أَوْ هَرَبَ مِنْ سَبُعٍ، فَلَهُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ. وَالْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وَلَا يُصَدِّقُهُ الْمُسْتَحِقُّ، وَلَوْ ظَفَرَ بِهِ حَبَسَهُ، لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا هَارِبًا، عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ عَنِ (الْإِمْلَاءِ) أَنَّ مَنْ طُلِبَ لَا لِيُقْتَلَ، بَلْ لِيُحْبَسَ أَوْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ: لَا يُصَلِّيهَا. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ يَرْجُو الْعَفْوَ إِذَا سَكَنَ الْغَضَبُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي هَرَبِهِ، وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ جَوَازَ هَرَبِهِ بِهَذَا التَّوَقُّعِ.

ص: 62

فَرْعٌ

الْمُحْرِمُ إِذَا ضَاقَ وَقْتُ وُقُوفِهِ، وَخَافَ فَوْتَ الْحَجِّ، إِنْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا، فِيهِ أَوْجُهٌ لِلْقَفَّالِ. أَحَدُهَا: يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيُحَصِّلُ الْوُقُوفَ، لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ صَعْبٌ. وَالثَّانِي: يُصَلِّي صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَيُحَصِّلُ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ. وَالثَّالِثُ: تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقِرًّا، وَيَفُوتُ الْحَجُّ، لِعِظَمِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ، لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لَا هَارِبٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَجْهُ أَوْفَقَ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ.

قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّا جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ لِأُمُورٍ لَا تُقَارِبُ الْمَشَقَّةُ فِيهَا هَذِهِ الْمَشَقَّةَ، كَالتَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

لَوْ رَأَوْا سَوَادًا إِبِلًا أَوْ شَجَرًا، فَظَنُّوهُ عَدُوًّا، فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَبَانَ الْحَالُ، وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَظْهَرِ، ثُمَّ قِيلَ: الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِالْعَدُوِّ ثِقَةٌ وَغَلِطَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ظَنُّهُمْ، وَجَبَ الْقَضَاءُ قَطْعًا. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِغَلَبَةِ الْخَوْفِ، فَإِنْ كَانُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَجَبَ الْقَضَاءُ قَطْعًا. وَالْمَذْهَبُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَلَوْ تَحَقَّقُوا الْعَدُوَّ، فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ دُونَهُمْ حَائِلٌ مِنْ خَنْدَقٍ، أَوْ مَاءٍ، أَوْ نَارٍ، أَوْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ بِقُرْبِهِمْ حِصْنٌ يُمْكِنُهُمُ التَّحَصُّنُ بِهِ، أَوْ ظَنُّوا أَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ مُسْلِمٍ أَكْثَرَ مِنْ مُشْرِكَيْنِ، فَصَلَّوْهَا مُنْهَزِمِينَ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَحَيْثُ أَجْرَيْنَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الْقَوْلَيْنِ، جَرْيًا فِي هَذِهِ وَنَظَائِرِهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ هُنَا قَطْعًا.

ص: 63

قَالَ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) : وَلَوْ صَلَّوْا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ صَلَاةَ عُسْفَانَ، اطَّرَدَ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهَا فِي حَالِ الْأَمْنِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا جَرَى الْقَوْلَانِ.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ يُصَلِّي مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَحَدَثَ خَوْفٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَرَكِبَ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَيَسْتَأْنِفُ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ فَيَبْنِي. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إِلَى الرُّكُوبِ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ رَاجِلًا، فَرَكِبَ احْتِيَاطًا، وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ. وَإِنِ اضْطُرَّ بَنَى. وَعَلَى هَذَا: إِنْ قَلَّ فِعْلُهُ فِي رُكُوبِهِ، بَنَى بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَثُرَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَمَلِ الْكَثِيرِ لِلْحَاجَةِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُصَلِّي رَاكِبًا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَأَمِنَ وَنَزَلَ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَبْنِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: إِنْ حَصَلَ فِي نُزُولِهِ فِعْلٌ قَلِيلٌ، بَنَى، وَإِنْ كَثُرَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَ صَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَغَيْرُهُ: يُشْتَرَطُ فِي بِنَاءِ النَّازِلِ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنِ اسْتَدْبَرَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

قُلْتُ: صَرَّحَ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ (الْمُهَذَّبِ) وَآخَرُونَ، بِأَنَّهُ إِذَا اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْهَا، بَلِ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمِنَ، وَجَبَ النُّزُولُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَخَّرَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

ص: 64