الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
لَا بُدَّ لِلصَّائِمِ مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ.
مِنْهَا: الْجِمَاعُ، وَهُوَ مُفْطِرٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَمِنْهَا: الِاسْتِمْنَاءُ، وَهُوَ مُفْطِرٌ.
وَمِنْهَا: الِاسْتِقَاءَةُ، فَمَنْ تَقَيَّأَ عَمْدًا، أَفْطَرَ. وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، لَمْ يُفْطِرْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ الْفِطْرِ إِذَا تَقَيَّأَ عَمْدًا، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ نَفْسَ الِاسْتِقَاءَةِ مُفْطِرَةٌ كَالْإِنْزَالِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُفْطِرَ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا خَرَجَ وَإِنْ قَلَّ.
فَلَوْ تَقَيَّأَ مَنْكُوسًا، أَوْ تَحَفَّظَ، فَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ، فَفِي فِطْرِهِ الْوَجْهَانِ. قَالَ الْإِمَامُ: فَلَوِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا، أَوْ تَحَفَّظَ جُهْدَهُ، فَغَلَبَهُ الْقَيْءُ وَرَجَعَ شَيْءٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِقَاءَةُ مُفْطِرَةٌ بِنَفْسِهَا، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ إِذَا سَبَقَ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ.
فَرْعٌ
مِنَ الْمُفْطِرَاتِ دُخُولُ شَيْءٍ فِي جَوْفِهِ - وَقَدْ ضَبَطُوا الدَّاخِلَ الْمُفْطِرَ بِالْعَيْنِ الْوَاصِلَةِ - الظَّاهِرُ إِلَى الْبَاطِنِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ.
وَفِيهِ قُيُودٌ: مِنْهَا الْبَاطِنُ الْوَاصِلُ إِلَيْهِ. وَفِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْفِ، وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْوَاصِلَ إِلَيْهِ مِنْ غِذَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ.
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَلْقَ كَالْجَوْفِ فِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الْوَاصِلِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: إِذَا جَاوَزَ الشَّيْءُ الْحُلْقُومَ، أَفْطَرَ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنُ وَالْأَمْعَاءُ وَالْمَثَانَةُ، مِمَّا يُفْطِرُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى بَطْنِهِ جَائِفَةٌ، أَوْ بِرَأْسِهِ
مَأْمُومَةٌ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ جَوْفَهُ أَوْ خَرِيطَةَ دِمَاغِهِ، أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ أَوْ بَاطِنَ الْخَرِيطَةِ، وَسَوَاءً كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْمَثَانَةِ لَا يُفْطِرُ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَالْحُقْنَةُ تُفْطِرُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا تُفْطِرُ، وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَالسَّعُوطُ إِنْ وَصَلَ الدِّمَاغَ، فَطَرَ. وَمَا جَاوَزَ الْخَيْشُومَ فِي الْإِسْعَاطِ، فَقَدْ حَصَلَ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ وَدَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إِلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ.
وَالْخَيْشُومُ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ إِلَيْهِ الْقَيْءُ وَابْتَلَعَ مِنْهُ نُخَامَةً، أَفْطَرَ، وَلَوْ أَمْسَكَ فِيهِ شَيْئًا، لَمْ يُفْطِرْ، وَلَوْ نَجِسَ، وَجَبَ غَسْلُهُ، وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَوِ ابْتَلَعَ مِنْهُ الرِّيقَ لَا يُفْطِرُ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْجُنُبِ.
فَرْعٌ
لَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلصَّائِمِ، سَوَاءٌ وَجَدَ فِي حَلْقِهِ مِنْهُ طَعْمًا، أَمْ لَا، لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ بِجَوْفٍ، وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا إِلَى الْحَلْقِ.
وَلَوْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ شَيْئًا فَوَصَلَ إِلَى الْبَاطِنِ، أَفْطَرَ عَلَى الْأَصَحِّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، كَالسَّعُوطِ، وَالثَّانِي: لَا يُفْطِرُ كَالِاكْتِحَالِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالْفُورَانِيُّ. وَلَوْ قَطَرَ فِي إِحْلِيلِهِ شَيْئًا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَثَانَةِ، فَأَوْجُهٌ.
أَصَحُّهَا: يُفْطِرُ، وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: إِنْ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ، أَفْطَرَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَلَا يُفْطِرُ الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ، لَكِنْ يُكْرَهَانِ لِلصَّائِمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُفْطِرُ بِالْحِجَامَةِ.
فَرْعٌ
لَوْ أَوْصَلَ الدَّوَاءَ إِلَى دَاخِلِ لَحْمِ السَّاقِ، أَوْ غُرِزَ فِيهِ السِّكِّينُ فَوَصَلَتْ مُخَّهُ، لَمْ يُفْطِرْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَدَّ عُضْوًا مُجَوَّفًا. وَلَوْ طَلَى رَأْسَهُ أَوْ بَطْنَهُ بِالدُّهْنِ فَوَصَلَ جَوْفَهُ بِشُرْبِ الْمَسَامِّ، لَمْ يُفْطِرْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ، كَمَا لَا يُفْطِرُ بِالِاغْتِسَالِ وَالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ وَإِنْ وَجَدَ لَهُ أَثَرًا فِي بَاطِنِهِ.
وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ، أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، فَوَصَلَ السِّكِّينُ جَوْفَهُ، أَفْطَرَ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْضُ السِّكِّينِ خَارِجًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَكَذَا لَوِ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ وَطَرَفُهَا الْآخَرُ بَارِزٌ، أَفْطَرَ بِوُصُولِ الطَّرَفِ الْوَاصِلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الِانْفِصَالُ مِنَ الظَّاهِرِ.
وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا فِيمَنْ أُدْخِلَ طَرَفُ خَيْطٍ فِي دُبُرِهِ أَوْ جَوْفِهِ، وَبَعْضُهُ خَارِجٌ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ.
فَرْعٌ
لَوِ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ بِاللَّيْلِ، وَطَرَفُهُ الْآخَرُ خَارِجٌ، فَأَصْبَحَ كَذَلِكَ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَزَعَهُ أَوِ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ غَيْرُهُ إِلَى نَزْعِهِ وَهُوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ، فَالْأَصَحُّ: أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَنْزَعُهُ أَوْ يَبْتَلِعُهُ، وَالثَّانِي: يَتْرُكُهُ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّوْمِ، وَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ.
قُلْتُ: وَيَجِبُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
مِنْ قُيُودِ الْمُفْطِرِ وُصُولُهُ بِقَصْدٍ، فَلَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ إِلَى حَلْقِهِ، أَوْ وَصَلَ غُبَارُ الطَّرِيقِ، أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ إِلَى جَوْفِهِ، لَمْ يُفْطِرْ. فَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ الْغُبَارُ جَوْفَهُ، قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَوْ رُبِطَتِ الْمَرْأَةُ وَوُطِئَتْ، أَوْ طُعِنَ أَوْ أُوجِرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، لَمْ يُفْطِرْ. وَنَقَلَ الْحَنَّاطِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا أُوجِرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَهَذَا غَرِيبٌ.
فَلَوْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَأُوجِرَ مُعَالَجَةً وَإِصْلَاحًا لَهُ، وَقُلْنَا: لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِمُجَرَّدِ الْإِغْمَاءِ، فَفِي بُطْلَانِهِ بِهَذَا الْإِيجَارِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا يُفْطِرُ. وَنَظِيرُ الْخِلَافِ إِذَا عُولِجَ الْمُحْرِمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ، هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ؟ .
فَرْعٌ
ابْتِلَاعُ الرِّيقِ لَا يُفْطِرُ بِشُرُوطٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَمَحَّضَ الرِّيقَ، فَلَوِ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ بِهِ، أَفْطَرَ بِابْتِلَاعِهِ، سَوَاءً كَانَ الْغَيْرُ طَاهِرًا، كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ، أَوْ نَجِسًا كَمَنْ دَمِيَتْ لَثَتُهُ وَتَغَيَّرَ رِيقُهُ، فَلَوْ ذَهَبَ الدَّمُ، وَابْيَضَّ الرِّيقُ، وَلَمْ يَبْقَ تَغَيُّرٌ، هَلْ يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِهِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: يُفْطِرُ، لِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ. وَعَلَى هَذَا، لَوْ تَنَاوَلَ بِاللَّيْلِ شَيْئًا نَجِسًا، وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، فَابْتَلَعَ الرِّيقَ، أَفْطَرَ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ مَعِدَتِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَابْتَلَعَهُ، أَفْطَرَ.
وَلَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ، ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ، لَمْ يُفْطِرْ عَلَى
الْأَصَحِّ.
وَلَوْ بَلَّ الْخَيَّاطُ الْخَيْطَ بِالرِّيقِ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى فِيهِ عَلَى مَا يَعْتَادُ عِنْدَ الْفَتْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ، فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَتْ وَابْتَلَعَهَا، فَوَجْهَانِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يُفْطِرُ، كَمَا لَا يُفْطِرُ بِالْبَاقِي مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُفْطِرُ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ، وَقَدِ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ مَعِدَتَهُ.
وَخَصَّ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» الْوَجْهَيْنِ بِمَا إِذَا كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ عَالِمًا، أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبْتَلِعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْمُعْتَادَةِ، فَإِنْ جَمَعَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يُفْطِرُ.
فَرْعٌ
النُّخَامَةُ إِنْ لَمْ تَحْصُلْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنَ الْفَمِ، فَلَا تَضُرُّ، وَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ بِانْصِبَابِهَا مِنَ الدِّمَاغِ فِي الثُّقْبَةِ النَّافِذَةِ مِنْهُ إِلَى أَقْصَى الْفَمِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهَا وَمَجِّهَا حَتَّى نَزَلَتْ إِلَى الْجَوْفِ. لَمْ تَضُرُّ، وَإِنْ رَدَّهَا إِلَى فَضَاءِ الْفَمِ، أَوِ ارْتَدَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهَا، أَفْطَرَ.
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِهَا مِنْ مَجْرَاهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى جَرَتْ بِنَفْسِهَا، فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، أَوْفَقُهُمَا لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهُ يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ.
فَرْعٌ
إِذَا تَمَضْمَضَ فَسَبَقَ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوِ اسْتَنْشَقَ فَسَبَقَ إِلَى دِمَاغِهِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ بَالَغَ فِيهِمَا، أَفْطَرَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَقِيلَ: يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: عَكْسُهُ.
هَذَا إِذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، لَمْ يُفْطِرْ بِحَالٍ. وَسَبْقُ الْمَاءِ عِنْدَ غَسْلِ الْفَمِ لِنَجَاسَةٍ، كَسَبْقِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَالْمُبَالَغَةُ هُنَا لِلْحَاجَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ
كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ. وَلَوْ سَبَقَ الْمَاءُ عِنْدَ غُسْلِ تَبَرُّدٍ، أَوْ مِنَ الْمَضْمَضَةِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : إِنْ بَالَغَ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، وَأَوْلَى بِالْإِفْطَارِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ، الْجَزْمُ بِالْإِفْطَارِ كَالْمُبَالَغَةِ، لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا. وَلَوْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ لَا لِغَرَضٍ، فَسَبَقَ، فَقِيلَ: يُفْطِرُ. وَقِيلَ بِالْقَوْلَيْنِ.
وَلَوْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَنْوِ صَوْمًا، فَتَمَضْمَضَ وَلَمْ يُبَالِغْ، فَسَبَقَ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ تَطَوُّعٍ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي «فَتَاوِيهِ» : إِنْ قُلْنَا: هَذَا السَّبْقُ لَا يُفْطِرُ، صَحَّ، وَإِلَّا، فَلَا. قَالَ: وَالْأَصَحُّ: الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا بَقِيَ طَعَامٌ فِي خَلَلِ أَسْنَانِهِ، فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا، أَفْطَرَ. وَإِنْ جَرَى بِهِ الرِّيقُ بِغَيْرِ قَصْدٍ، فَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ. وَالرَّبِيعُ: أَنَّهُ يُفْطِرُ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. وَالْأَصَحُّ حَمْلُهَا عَلَى حَالَتَيْنِ، فَحَيْثُ قَالَ: لَا يُفْطِرُ، أَرَادَ بِهِ مَا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ.
وَحَيْثُ قَالَ: يُفْطِرُ، أَرَادَ بِهِ مَا إِذَا قَدَرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَابْتَلَعَهُ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: إِنْ نَقَّى أَسْنَانَهُ بِالْخِلَالِ عَلَى الْعَادَةِ، (فَهُوَ) كَغُبَارِ الطَّرِيقِ، وَإِلَّا، أَفْطَرَ لِتَقْصِيرِهِ، كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يُنَازِعَهُمَا فِي إِلْحَاقِهِ بِالْمُبَالَغَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِكَرَاهَتِهَا، وَلِأَنَّ مَاءَ الْمُبَالَغَةِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَوْفِ.
فَرْعٌ
الْمَنِيُّ إِذَا خَرَجَ بِالِاسْتِمْنَاءِ، أَفْطَرَ، وَإِنْ خَرَجَ بِمُجَرَّدِ فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ، لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ خَرَجَ بِمُبَاشَرَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ لَمْسٍ أَوْ قُبْلَةٍ، أَفْطَرَ. هَذَا هُوَ
الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ: أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا ضَمَّ امْرَأَةً إِلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ، فَأَنْزَلَ. قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي كَسَبْقِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ، فَإِنْ ضَاجَعَهَا مُتَجَرِّدًا، فَكَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ.
فَرْعٌ
تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا.
فَرْعٌ
لَوِ اقْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ بَاطِنِهِ وَلَفَظَهَا، لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْحَنَّاطِيُّ وَكَثِيرُونَ. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ.
ثُمَّ إِنَّ الْغَزَالِيَّ جَعَلَ مَخْرَجَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْبَاطِنِ، وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الظَّاهِرِ. وَوَجْهُهُ لَائِحٌ، فَإِنَّ الْمُهْمَلَةَ تَخْرُجُ مِنَ الْحَلْقِ، وَالْحَلْقُ بَاطِنٌ، وَالْمُعْجَمَةُ تَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَ الْغَلْصَمَةِ، لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرٌ مِمَّا بَعْدَ مَخْرَجِ الْمُهْمِلَةِ مِنَ الظَّاهِرِ أَيْضًا.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ أَيْضًا مِنَ الظَّاهِرِ، وَعَجَبٌ كَوْنُهُ ضَبَطَهُ بِالْمُهْمَلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ وَسَطِ الْحَلْقِ، وَلَمْ يَضْبُطْهُ بِالْهَاءِ أَوِ الْهَمْزَةِ، فَإِنَّهُمَا مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ. وَأَمَّا الْمُعْجَمَةُ، فَمِنْ أَدْنَى الْحَلْقِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالْإِيجَارِ مُكْرَهًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ، لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى الْوَطْءِ، أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ، وَقُلْنَا: يُتَصَوَّرُ إِكْرَاهُهُ، وَلَكِنْ لَا كَفَّارَةَ وَإِنْ حَكَمْنَا بِالْفِطْرِ لِلشَّبَهِ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ، أَفْطَرَ، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، لَمْ يُفْطِرْ قَطْعًا، وَإِنْ كَثُرَ، فَوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلَامِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ هُنَا: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ أَكَلَ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ مُفْطِرًا، فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ وَكَانَ يَجْهَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، لَمْ يُفْطِرْ، وَإِلَّا أَفْطَرَ. وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا، لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ قَوْلَانِ: كَجِمَاعِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا. وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ، فَبَانَتْ طَالِعَةً، أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، فَبَانَ طَالِعًا، أَفْطَرَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ فِيهِمَا، قَالَهُ الْمُزَنِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقِيلَ: يُفْطِرُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى.
فَرْعٌ
الْأَحْوَطُ لِلصَّائِمِ، أَنْ لَا يَأْكُلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْغُرُوبُ بِاجْتِهَادٍ بِوِرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ الْأَكْلُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: لَا يَجُوزُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ. وَأَمَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَجُوزُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الظَّنِّ. فَلَوْ هَجَمَ فِي الطَّرَفَيْنِ، فَأَكَلَ بِلَا ظَنٍّ، فَإِنْ
تَبَيَّنَ الْخَطَأُ، فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الصَّوَابُ. اسْتَمَرَّتْ صِحَّةُ الصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَبِنِ الْخَطَأُ وَلَا الصَّوَابُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ، فَلَا قَضَاءَ، اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا.
وَلَوْ أَكَلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِالِاجْتِهَادِ، وَقُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ، كَانَ كَمَنْ أَكَلَ بِالِاجْتِهَادِ.
قُلْتُ: وَالْأَكْلُ هُجُومًا بِلَا ظَنٍّ حَرَامٌ فِي آخِرِ النَّهَارِ قَطْعًا، وَجَائِزٌ فِي أَوَّلِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: لَا يَجُوزُ، وَمِثْلُهُ فِي «التَّتِمَّةِ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، بَلِ الْأَوْلَى تَرْكُهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَخَلَائِقُ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الشَّاكِّ الْأَكْلُ وَغَيْرُهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْقَوْلِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ. . .) .
[الْبَقَرَةِ: 187] وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «كُلْ مَا شَكَكْتَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ، فَلْيَلْفُظْهُ، وَيَصِحُّ صَوْمُهُ، فَإِنِ ابْتَلَعَهُ، أَفْطَرَ. فَلَوْ لَفَظَ فِي الْحَالِ، فَسَبَقَ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ: لَا يُفْطِرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ طَلَعَ وَهُوَ مَجَامِعٌ، فَنَزَعَ فِي الْحَالِ، صَحَّ صَوْمُهُ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ صُوَرٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَحُسَّ بِالْفَجْرِ وَهُوَ مَجَامِعٌ، فَنَزَعَ بِحَيْثُ يُوَافِقُ آخِرُ نَزْعِهِ الطُّلُوعَ.