المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ. فَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْفُوعُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٢

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ زَكَاةِ النَّعَمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَلٌ فِي صِفَةِ الْمُخْرَجِ فِي الْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ

- ‌بَابُ الْخُلْطَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْخُلْطَةِ وَالِانْفِرَادِ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حُكْمِ تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمُعْشِرَاتِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَالِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ بُلُوغُ الْمُعَشَّرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنَ الْحُلِيِّ

- ‌بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا إِذَا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ

- ‌فَصَلٌ فِي زَكَاةِ مَالِ الْقِرَاضِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ. فَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْفُوعُ

‌فَصْلٌ

فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ.

فَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ كَافِرًا، وَلَا غَازِيًا مُرْتَزِقًا كَمَا سَبَقَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا قَطْعًا، وَلَا مَوْلَى لَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَلَوِ اسْتُعْمِلَ هَاشِمِيٌّ أَمْ مُطَّلِبِيٌّ، لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ سَهْمُ الْعَامِلِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا جُعِلَ بَعْضُ الْمُرْتَزِقَةِ عَامِلًا.

وَلَوِ انْقَطَعَ خُمُسُ الْخُمُسِ عَنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ عَنِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، أَوْ لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِمَا، لَمْ يُعْطَوُا الزَّكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَجَوَّزَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى رحمهم الله.

فَصْلٌ

فِي كَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.

فِيهِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: فِيمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي صِفَاتِ الْمُسْتَحِقِّينَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: مَنْ طَلَبَ الزَّكَاةَ، وَعَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا، لَمْ يَجُزِ الصَّرْفُ إِلَيْهِ. وَإِنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ، جَازَ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ.

وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ، فَالصِّفَاتُ قِسْمَانِ. خَفِيَّةٌ وَجَلِيَّةٌ، فَالْخَفِيُّ: الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ، فَلَا يُطَالَبُ مُدَّعِيهُمَا بِبَيِّنَةٍ، لِعُسْرِهِمَا. لَكِنْ إِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ، فَادَّعَى هَلَاكَهُ، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ دَعْوَاهُ الْهَلَاكَ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ، أَوْ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ.

وَإِنْ قَالَ: لِي عِيَالٌ لَا يَفِي كَسْبِي بِكِفَايَتِهِمْ، طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْعِيَالِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: لَا كَسْبَ لِي

ص: 322

وَحَالُهُ تَشْهَدُ بِصِدْقِهِ، بِأَنْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، أَوْ زَمِنًا، أُعْطِيَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ. وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا جَلْدًا، أَوْ قَالَ: لَا مَالَ لِي، وَاتَّهَمَهُ الْإِمَامُ، فَهَلْ يَحْلِفُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: لَا، فَإِنْ حَلَّفْنَاهُ، فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَمْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ نَكَلَ وَقُلْنَا: الْيَمِينُ وَاجِبَةٌ، لَمْ يُعْطَ. وَإِنْ قُلْنَا: مُسْتَحَبَّةٌ، أُعْطِيَ. وَأَمَّا الصِّفَةُ الْجَلِيَّةُ، فَضَرْبَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ بِمَعْنَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ الْغَازِي، وَابْنُ السَّبِيلِ، فَيُعْطَيَانِ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ. ثُمَّ إِنْ لَمْ يُحَقِّقَا الْمَوْعُودَ وَيَخْرُجَا فِي السَّفَرِ، اسْتُرِدَّ مِنْهُمَا.

وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْجُمْهُورُ لِبَيَانِ الْقَدْرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ فِيهِ، وَقَدَّرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي «أَمَالِيهِ» بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنِ انْقَضَتْ وَلَمْ يَخْرُجِ اسْتُرِدَّ مِنْهُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ، وَأَنْ يُعْتَبَرَ تَرَصُّدُهُ لِلْخُرُوجِ، وَكَوْنُ التَّأْخِيرِ لِانْتِظَارِ الرُّفْقَةِ وَتَحْصِيلِ أُهْبَةٍ وَغَيْرِهِمَا.

الضَّرْبُ الثَّانِي: يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ بِمَعْنَى فِي الْحَالِ، وَتَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَصْنَافِ. فَإِذَا ادَّعَى الْعَامِلُ الْعَمَلَ، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَيُطَالَبُ بِهَا الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ. وَلَوْ صَدَّقَهُمَا الْمَوْلَى، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ، كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، لَغَا الْإِقْرَارَ.

وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ قَلْبُهُ، فَإِنْ قَالَ: نِيَّتِي فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا شَرِيفٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ، كَذَا فَصَّلَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ: أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ الِاسْتِفَاضَةُ بِاشْتِهَارِ الْحَالِ بَيْنَ النَّاسِ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ، أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَنِ اعْتَبَارَ غَلَبَةَ الظَّنِّ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ.

أَحَدُهَا: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَوْ أَخْبَرَ عَنِ الْحَالِ وَاحِدٌ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ، كَفَى. الثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ: رَأَيْتُ لِلْأَصْحَابِ رَمْزًا إِلَى تَرَدُّدٍ فِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِ مَنْ يَدَّعِي الْغُرْمَ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، هَلْ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ؟

ص: 323

الثَّالِثُ: حَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سَمَاعُ الْقَاضِي، وَالدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالْإِشْهَادُ، بَلِ الْمُرَادُ إِخْبَارُ عَدْلَيْنِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُ فِي «الْوَسِيطِ» يُوهِمُ أَنَّ إِلْحَاقَ الِاسْتِفَاضَةِ بِالْبَيِّنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ، وَلَكِنَّ الْوَجْهَ تَعْمِيمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُطَالَبٍ بِالْبَيِّنَةِ مِنَ الْأَصْنَافِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَدْرِ الْمُعْطَى، فَالْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ، يُعْطَيَانِ قَدْرَ دَيْنِهِمَا، فَإِنْ قَدَرَا عَلَى بَعْضِهِ، أُعْطِيَا الْبَاقِيَ. وَالْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ يُعْطَيَانِ مَا تَزُولُ بِهِ حَاجَتُهُمَا، وَتَحْصُلُ كِفَايَتُهُمَا.

وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالنَّوَاحِي، فَالْمُحْتَرِفُ الَّذِي لَا يَجِدُ آلَةَ حِرْفَتِهِ، يُعْطَى مَا يَشْتَرِيهَا بِهِ قَلَّتْ قِيمَتُهَا، أَوْ كَثُرَتْ.

وَالتَّاجِرُ يُعْطَى رَأْسَ مَالٍ لِيَشْتَرِيَ مَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ، وَيَكُونُ قَدْرَ مَا يَفِي رَبِحُهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا، وَأَوْضَحُوهُ بِالْمِثَالِ فَقَالُوا: الْبَقْلِيُّ يَكْتَفِي بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَالْبَاقِلَّانِيُّ بِعَشَرَةٍ، وَالْفَاكِهِيُّ بِعِشْرِينَ، وَالْخَبَّازُ بِخَمْسِينَ، وَالْبَقَّالُ بِمِائَةٍ، وَالْعَطَّارُ بِأَلْفٍ، وَالْبَزَّازُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَالصَّيْرَفِيُّ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، وَالْجَوْهَرِيُّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ.

فَرْعٌ

مَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَآخَرُونَ: يُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ. وَقَالَ آخَرُونَ، مِنْهُمُ الْغَزَالَيُّ وَالْبَغَوِيُّ: يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ.

قُلْتُ: وَمِمَّنْ قَطَعَ بِالْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» ، وَالرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، قَالَ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 324

وَإِذَا قُلْنَا: يُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمُرِ، فَكَيْفَ طَرِيقُهُ؟ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِ: يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّ مِنْهُ كِفَايَتَهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ يُعْطَى مَا يُنْفِقُ عَيْنَهُ فِي حَاجَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

فَرْعٌ

وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ، فَيُعْطَى مَا يُبْلِغُهُ مَقْصِدَهُ، أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ مَالٌ، فَيُعْطَى النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْحَالِ شِتَاءً وَصَيْفًا، وَيُهَيَّأُ لَهُ الْمَرْكُوبُ إِنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا وَالرَّجُلُ ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ.

وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا، أَوِ الرَّجُلُ قَوِيًّا، لَمْ يُعْطَ، وَيُعْطَى مَا يَنْقُلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي «الْأَمَالِي» : إِنْ كَانَ ضَاقَ الْمَالُ، أُعْطِيَ كِرَاءَ الْمَرْكُوبِ. وَإِنِ اتَّسَعَ، اشْتُرِيَ لَهُ مَرْكُوبٌ.

فَإِذَا تَمَّ سَفَرُهُ، اسْتُرِدَّ مِنْهُ الْمَرْكُوبُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ. ثُمَّ كَمَا يُعْطَى لِذَهَابِهِ، يُعْطَى لِإِيَابِهِ إِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ وَلَا مَالَ لَهُ فِي مَقْصِدِهِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

وَفِي وَجْهٍ: لَا يُعْطَى لِلرُّجُوعِ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ، لِأَنَّهُ سَفَرٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا يُعْطَى إِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى عَزْمٍ أَنَّهُ يَصِلُ الرُّجُوعَ بِالذَّهَابِ، أُعْطِيَ لِلرُّجُوعِ أَيْضًا.

وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يُقِيمَ هُنَاكَ مُدَّةً، لَمْ يُعْطَ، وَلَا يُعْطَى لِمُدَّةِ الْإِقَامَةِ إِلَّا مُدَّةَ إِقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ، بِخِلَافِ الْغَازِي، حَيْثُ يُعْطَى لِلْمُقَامِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِتَوَقُّعِ فَتْحِ الْحِصْنِ، وَإِنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ الِاسْمُ لِطُولِ الْمُقَامِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» ، أَنَّهُ إِنْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُ زَوَالَهَا، أُعْطِيَ وَإِنْ زَادَتْ إِقَامَتُهُ عَلَى إِقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ.

ص: 325

فَرْعٌ

هَلْ يُدْفَعُ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ جَمِيعُ كِفَايَتِهِ، أَوْ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.

فَرْعٌ

وَأَمَّا الْغَازِي، فَيُعْطَى النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ، وَمُدَّةَ الْمُقَامِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَ. وَهَلْ يُعْطَى جَمِيعَ الْمُؤْنَةِ، أَمْ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَابْنِ السَّبِيلِ، وَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ الْفَرَسَ إِنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَارِسًا، وَمَا يَشْتَرِي بِهِ السِّلَاحَ وَآلَاتِ الْقِتَالِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ لَهُ الْفَرَسُ وَالسِّلَاحُ. وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ. وَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ رَاجِلًا، فَلَا يُعْطَى لِشِرَاءِ الْفَرَسِ. وَأَمَّا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَيَرْكَبُهُ فِي الطَّرِيقِ، فَكَابْنِ السَّبِيلِ.

فَرْعٌ

إِنَّمَا يُعْطَى الْغَازِي إِذَا حَضَرَ وَقْتُ الْخُرُوجِ، لِيُهَيِّئَ بِهِ أَسْبَابَ سَفَرِهِ. فَإِنْ أَخَذَ وَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُسْتَرَدُّ.

فَإِنْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ، أَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْغَزْوِ، اسْتُرِدَّ مَا بَقِيَ، وَإِنْ غَزَا فَرَجَعَ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يُقَتِّرْ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَانَ الْبَاقِي شَيْئًا صَالِحًا، رَدَّهُ. وَإِنْ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُقَتِّرْ، إِلَّا أَنَّ الْبَاقِيَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، لَمْ يُسْتَرَدَّ قَطْعًا.

وَفِي مِثْلِهِ فِي ابْنِ السَّبِيلِ، يُسْتَرَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّا دَفَعْنَا إِلَى الْغَازِي لِحَاجَتِنَا، وَهِيَ أَنْ يَغْزُوَ وَقَدْ فَعَلَ، وَفِي ابْنِ السَّبِيلِ يُدْفَعُ لِحَاجَتِهِ وَقَدْ زَالَتْ.

ص: 326

فَرْعٌ

فِي بَعْضِ شُرُوحِ «الْمِفْتَاحِ» : أَنَّهُ يُعْطَى الْغَازِي نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَمَقَامًا وَرُجُوعًا. وَسَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِيَالِ، لَكِنَّ أَخْذَهَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ.

فَرْعٌ

لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ دَفَعَ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ إِلَى الْغَازِي تَمْلِيكًا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَ لَهُ مَرْكُوبًا، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى خَيْلًا مِنْ هَذَا السَّهْمِ وَوَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُعِيرُهُمْ إِيَّاهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ، فَإِذَا انْقَضَتِ اسْتُرِدَّ.

وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمُ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ قَبْلَ وُصُولِ الْمَالِ إِلَيْهِمْ.

فَرْعٌ

وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ، فَيُعْطَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: يَجْعَلُهُ عَلَى قَدْرِ كُلْفَتِهِمْ وَكِفَايَتِهِمْ.

فَرْعٌ

وَأَمَّا الْعَامِلُ، فَاسْتِحْقَاقُهُ بِالْعَمَلِ، حَتَّى لَوْ حَمَلَ صَاحِبُ الْأَمْوَالِ زَكَاتَهُمْ إِلَى الْإِمَامِ، أَوْ إِلَى الْبَلَدِ قَبْلَ قُدُومِ الْعَامِلِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، كَمَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ. فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ بَعَثَهُ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ أُجْرَةً مِثْلَ عَمَلِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَمَّى لَهُ قَدْرَ

ص: 327

أُجْرَتِهِ إِجَارَةً أَوْ جَعَالَةً، وَيُؤَدِّيهِ مِنَ الزَّكَاةِ. وَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ زَادَ، فَهَلْ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ، أَمْ يَكُونُ قَدْرُ الْأُجْرَةِ مِنَ الزَّكَاةِ وَالزَّائِدُ فِي خَالِصِ مَالِ الْإِمَامِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ زَادَ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَى أُجْرَتِهِ، رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ. وَإِنْ نَقَصَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُكَمَّلُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ.

وَفِي قَوْلِ: مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَصْلِحَةِ، وَقِيلَ: إِنْ بَدَأَ بِالْعَامِلِ كَمَّلَهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْخُمُسِ لِعُسْرِ الِاسْتِرْدَادِ مِنَ الْأَصْنَافِ.

وَقِيلَ: إِنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الْأَصْنَافِ، فَمِنَ الزَّكَاةِ، وَإِلَّا، فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّكْمِيلِ مِنَ الزَّكَاةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّكْمِيلِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مُطْلَقًا، بَلْ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ كُلَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، جَازَ، وَيُقَسِّمُ الزَّكَاةَ عَلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ.

فَرْعٌ

إِذَا اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ صِفَتَانِ، فَهَلْ يُعْطَى بِهِمَا، أَمْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ؟ فِيهِ طُرُقٌ. أَصَحُّهَا: عَلَى قَوْلَيْنِ.

أَظْهَرُهُمَا: بِإِحْدَاهُمَا، فَيَأْخُذُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِهَذَا. وَالثَّالِثُ: إِنِ اتَّحَدَ جِنْسُ الصِّفَتَيْنِ، أُعْطِيَ بِإِحْدَاهُمَا، وَإِنِ اخْتُلِفَ فِيهِمَا، فَيُعْطَى بِهِمَا.

فَالِاتِّحَادُ، كَالْفَقْرِ مَعَ الْغُرْمِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُمَا يَأْخُذَانِ لِحَاجَتِهِمَا إِلَيْنَا. وَكَالْغُرْمِ لِلْإِصْلَاحِ مَعَ الْغَزْوِ، فَإِنَّهُمَا لِحَاجَتِنَا إِلَيْهِمَا. وَالِاخْتِلَافُ، كَالْفَقْرِ وَالْغَزْوِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ، فَكَانَ الْعَامِلُ فَقِيرًا، فَوَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ، أَمْ صَدَقَةٌ لِكَوْنِهِ مَعْدُودًا فِي الْأَصْنَافِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ.

وَإِذَا جَوَّزْنَا الْإِعْطَاءَ بِمَعْنَيَيْنِ، جَازَ بِمَعَانٍ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْحَنَّاطِيِّ.

ص: 328

قُلْتُ: قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ: إِذَا قُلْنَا: لَا يُعْطَى إِلَّا بِسَبَبٍ، فَأَخَذَ بِالْفَقْرِ، كَانَ لِغَرِيمِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِدَيْنِهِ، فَيَأْخُذُ مَا حَصَلَ لَهُ. وَكَذَا إِنْ أَخَذَهُ بِكَوْنِهِ غَارِمًا، فَإِذَا بَقِيَ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْهُ فَقِيرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إِعْطَائِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ فَرَّقَ بِنَفْسِهِ، أَوْ فَرَّقَ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ عَامِلٌ، فَرَّقَ عَلَى السَّبْعَةِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ إِذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ، سَقَطَ أَيْضًا نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ. وَالْمَشْهُورُ: مَا سَبَقَ.

وَمَتَّى فُقِدَ صِنْفٌ فَأَكْثَرُ، قُسِّمَ الْمَالُ عَلَى الْبَاقِينَ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْنَافِ، حُفِظَتِ الزَّكَاةُ حَتَّى يُوجَدُوا، أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُمْ. وَإِذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ، لَزِمَهُ اسْتِيعَابُ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِمْ، لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُهُمْ بِزَكَاةِ كُلِّ شَخْصٍ، بَلْ يَسْتَوْعِبُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ الْمُخْتَلِطَةِ فِي يَدِهِ، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَالِ، وَآخَرِينَ بِنَوْعٍ.

وَإِنْ قَسَّمَ الْمَالِكُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِيعَابُ، بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ مَحْصُورِينَ يَفِي بِهِمُ الْمَالُ، فَقَدْ أُطْلِقَ فِي «التَّتِمَّةِ» : أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» : أَنَّهُ يَجِبُ إِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَمْ يَجِبْ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، سَقَطَ الْوُجُوبُ وَالِاسْتِحْبَابُ، وَلَكِنْ لَا يَنْقُصُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا الْعَامِلَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَهَلْ يُكْتَفَى فِي ابْنِ السَّبِيلِ بِوَاحِدٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، كَالْفُقَرَاءِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَبْعُدُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْغُزَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ)[التَّوْبَةِ: 60] بِغَيْرِ لَفْظِ الْجَمْعِ. فَلَوْ صَرَفَ مَا عَلَيْهِ إِلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّالِثِ، غَرِمَ لِلثَّالِثِ.

وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ. الْمَنْصُوصُ فِي الزَّكَاةِ: أَنَّهُ يَغْرَمُ ثُلُثَ نَصِيبِ ذَلِكَ الصِّنْفِ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يَغْرَمُ قَدْرًا لَوْ أَعْطَاهُ فِي الِابْتِدَاءِ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ،

ص: 329

وَلَوْ صَرَفَهُ إِلَى وَاحِدٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَلْزَمُهُ الثُّلُثَانِ، وَعَلَى الثَّانِي: أَقَلُّ مَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَيْهِمَا.

قُلْتُ: هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الْأَقْيَسَ هُوَ الثَّانِي، ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ هَكَذَا. قَالَ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» : إِذَا قُلْنَا: يَضْمَنُ الثُّلُثَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ إِذَا كَانُوا سَوُّوا فِي الْحَاجَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ حَاجَةُ هَذَا الثَّالِثِ حِينَ اسْتَحَقَّ التَّفْرِقَةَ مِثْلَ حَاجَةِ الْآخَرِينَ جَمِيعًا. ضَمِنَ لَهُ نِصْفَ السَّهْمِ لِيَكُونَ مَعَهُ مِثْلُهُمَا، لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّفْرِقَةُ عَلَى قَدْرِ حَوَائِجِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا فَرْقَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا دُونَ الثَّلَاثَةِ مِنْ صِنْفٍ، يَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمُرَادُهُ: إِذَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مُتَعَيِّنِينَ، أَعْطَى مَنْ وُجِدَ. وَهَلْ يُصْرَفُ بَاقِي السَّهْمِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا، أَمْ يُنْقَلُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي: هُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ الْأَصْنَافِ فِي الْبَلَدِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ، أَنْ يُصْرَفَ إِلَيْهِ. وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ، وَنَقَلَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ وَاجِبَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ، إِلَّا أَنَّ الْعَامِلَ لَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ كَمَا سَبَقَ. وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ، سَوَاءٌ اسْتُوعِبُوا أَوِ اقْتُصِرَ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَلَا يَجِبُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ.

هَذَا إِذَا قَسَّمَ الْمَالِكُ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : فَأَمَّا إِنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ، فَلَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ

ص: 330

بَعْضِهِمْ عِنْدَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ، فَتَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ، وَالْمَالِكُ لَا تَعْمِيمَ عَلَيْهِ، فَلَا تَسْوِيَةَ.

قُلْتُ: هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي «التَّتِمَّةِ» وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ، فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُ التَّسْوِيَةِ. وَحَيْثُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ وَالْغُرَبَاءِ، وَلَكِنِ الْمُسْتَوْطِنُونَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

إِذَا عُدِمَ فِي بَلَدٍ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ، وَجَبَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ. فَإِنْ نُقِلَ إِلَى أَبْعَدَ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ. وَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ، سَقَطَ سَهْمُهُ. وَإِنْ عُدِمَ غَيْرُهُ، فَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ، نُقِلَ نَصِيبُ الْبَاقِي، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يُنْقَلُ. وَأَصَحُّهُمَا: يُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ.

فَإِنْ قُلْنَا: يُنْقَلُ، نُقِلَ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ. فَإِنْ نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يُنْقَلْ، وَرَدَّهُ عَلَى الْبَاقِي، ضَمِنَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُنْقَلُ فَنُقِلَ، ضَمِنَ. وَلَوْ وَجَدَ الْأَصْنَافُ فَقَسَّمَ، فَنَقَصَ سَهْمُ بَعْضِهِمْ عَنِ الْكِفَايَةِ، وَزَادَ سَهْمُ بَعْضِهِمْ عَلَيْهَا، فَهَلْ يُصَرَفُ مَا زَادَ إِلَى مَنْ نَقَصَ نَصِيبُهُ، أَمْ يُنْقَلُ إِلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ؟ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ.

وَإِذَا قُلْنَا: يُرَدُّ عَلَى مَنْ نَقَصَ سَهْمُهُمْ، رُدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنِ اسْتَغْنَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ الْمَرْدُودِ، قُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْآخَرِينَ بِالسَّوِيَّةِ.

وَلَوْ زَادَ نَصِيبُ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ عَلَى الْكِفَايَةِ، أَوْ نَصِيبُ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصْ نَصِيبُ الْآخَرِينَ، نُقِلَ مَا زَادَ إِلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي جَوَازِ نَقْلِ الصَّدَقَةِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي بَلَدِهِ خِلَافٌ. وَتَفْصِيلُ الْمَذْهَبِ فِيهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّقْلُ، وَلَا تَسْقُطُ

ص: 331

بِهِ الزَّكَاةُ، وَسَوَاءً كَانَ النَّقْلُ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ دُونَهَا، فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يُفْتَى بِهِ. وَتَفْصِيلُهُ، أَنَّ فِي النَّقْلِ قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ.

وَفِي الْمُرَادِ بِهِمَا، طُرُقٌ. أَصَحُّهَا: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا فِي التَّحْرِيمِ وَالسُّقُوطِ مَعًا، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا فِي التَّحْرِيمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَسْقُطُ.

ثُمَّ قِيلَ: هُمَا فِي النَّقْلِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا، فَإِنْ نُقِلَ إِلَى دُونِهَا، جَازَ، وَالْأَصَحُّ: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ.

قُلْتُ: وَإِذَا مَنَعْنَا النَّقْلَ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَسَوَاءٌ نُقِلَ إِلَى قَرْيَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ، أَمْ بَعِيدَةٍ. صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

إِذَا أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَسَائِرِ الْأَصْنَافِ، أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، أَوْ نَذْرٌ، فَالْمَذْهَبُ فِي الْجَمِيعِ جَوَازُ النَّقْلِ، لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إِلَيْهَا امْتِدَادَهَا لِلزَّكَاةِ.

فَرْعٌ

صَدَقَةُ الْفِطْرِ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ فِي جَوَازِ النَّقْلِ وَمَنْعِهِ، وَفِي وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ، فَإِنْ شَقَّتِ الْقِسْمَةُ، جَمَعَ جَمَاعَةٌ فِطْرَتَهُمْ ثُمَّ قَسَّمُوهَا. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَيُرْوَى: مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.

وَيُرْوَى: مِنْ أَيِّ صِنْفٍ اتَّفَقَ. وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، جَوَازَ الصَّرْفِ إِلَى وَاحِدٍ.

قُلْتُ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَوْ جَمَاهِيرُهُمْ: عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الْإِصْطَخْرِيِّ، جَوَازُ الصَّرْفِ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ.

قَالَ أَكْثَرُهُمْ: وَكَذَلِكَ يَجُوزُ

ص: 332

عِنْدَهُ الصَّرْفُ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ. وَصَرَّحَ الْمُحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الصَّرْفُ إِلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ، وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ صَرْفَهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ. وَحُكِيَ اخْتِيَارُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

حَيْثُ جَازَ النَّقْلُ أَوْ وَجَبَ، فَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ.

فَرْعٌ

الْخِلَافُ فِي جَوَازِ النَّقْلِ وَتَفْرِيعِهِ، ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا فَرَّقَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ. أَمَّا إِذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ، فَرُبَّمَا اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ طَرْدَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ لَهُ، وَالتَّفْرِقَةُ كَيْفَ شَاءَ، وَهَذَا أَشْبَهُ.

قُلْتُ: قَدْ قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» وَالْأَصْحَابُ: يَجِبُ عَلَى السَّاعِي نَقْلُ الصَّدَقَةِ إِلَى الْإِمَامِ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا، وَهَذَا نَقْلٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ الْمَالُ بِبَلَدٍ، وَالْمَالِكُ بِبَلَدٍ، فَالِاعْتِبَارُ بِبَلَدِ الْمَالِ، لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَيَمْتَدُّ إِلَيْهِ نَظَرُ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَيُصْرَفُ الْعُشْرُ إِلَى فُقَرَاءِ بَلَدِ الْأَرْضِ، حَتَّى حَصُلَ

ص: 333

مِنْهَا الْمَعْشَرُ، وَزَكَاةَ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةِ إِلَى فُقَرَاءِ الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فِي بَادِيَةٍ، صُرِفَ إِلَى فُقَرَاءِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ.

قُلْتُ: وَلَوْ كَانَ تَاجِرًا مُسَافِرًا، صَرَفَهَا حَيْثُ حَالَ الْحَوْلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ كَانَ مَالُهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، قُسِّمَ زَكَاةُ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ مَالٍ بِبَلَدِهَا، مَا لَمْ يَقَعْ تَشْقِيصٌ، فَإِنْ وَقَعَ، بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ، عِشْرِينَ بِبَلَدٍ، وَعِشْرِينَ بِآخَرَ، فَأَدَّى شَاةً فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: كَرِهْتُهُ، وَأَجْزَأَهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. سَوَاءٌ جَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ، أَمْ لَا.

وَقَالَ أَبُو حَفْصِ ابْنُ الْوَكِيلِ: هَذَا جَائِزٌ، إِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ، وَإِلَّا فَيُؤَدِّي فِي كُلِّ بَلَدٍ نِصْفَ شَاةٍ. وَالصَّوَابُ: الْأَوَّلُ. وَعَلَّلُوهُ بِعِلَّتَيْنِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَالًا، فَيُخْرِجُ فِيهَا شَاةً مِنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ، فَلَا تَشْقِيصَ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا، مَا لَوْ مَلَكَ مِائَةً بِبَلَدٍ، وَمِائَةً بِبَلَدٍ آخَرَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ، لَهُ إِخْرَاجُ الشَّاتَيْنِ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ، إِذَا كَانَ مَالُهُ بِبَلَدٍ، وَهُوَ بِآخَرَ، فَأَيُّهُمَا يُعْتَبَرُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: بِبَلَدِ الْمَالِكِ.

قُلْتُ: وَلَوْ كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ وَهُوَ بِبَلَدٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِبَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ. وَقَالَ فِي «الْبَيَانِ» : الَّذِي يَقْتَضِي الْمَذْهَبَ، أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً، أَمْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ فَتُصْرَفُ فِي بَلَدِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 334