الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشْتَغَلَ بِحِرْفَةٍ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقِيلَ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ. وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ، كَرَاهَةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ قَلَّ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ، إِلَّا بِحَاجَةٍ. وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْبُوَيْطِيِّ» وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي النَّهْيِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنِ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدِرَاسَةِ الْعِلْمِ، فَزِيَادَةُ خَيْرٍ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَبْسُطَ سُفْرَةً أَوْ نَحْوَهَا. وَلَهُ غَسْلُ يَدِهِ فِيهِ، وَالْأَوْلَى غَسْلُهَا فِي طَسْتٍ وَنَحْوِهَا لِئَلَّا يَبْتَلَّ الْمَسْجِدُ فَيَمْتَنِعُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَقَذَّرُ.
وَلِهَذَا قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : يَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَعَافُهُ.
وَيَجُوزُ الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إِنَاءٍ، بِشَرْطِ أَنْ يَأْمَنَ التَّلْوِيثَ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ. وَفِي الْبَوْلِ فِي الطَّسْتِ احْتِمَالَانِ لِصَاحِبِ «الشَّامِلِ» وَالْأَصَحُّ: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» ، لِأَنَّهُ أَقْبَحُ مِنَ الْفَصْدِ. وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنَ الْفَصْدِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ.
فَصْلٌ
يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَيَصِحُّ فِي اللَّيْلِ وَحْدَهُ، وَفِي يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَشْهُورُ.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا: أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْعِيدِ، وَ [أَيَّامِ] التَّشْرِيقِ، وَاللَّيْلِ الْمُجَرَّدِ.
فَرْعٌ
إِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ صَائِمٌ، أَوْ أَيَّامًا هُوَ فِيهَا صَائِمٌ، لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ فِي أَيَّامِ الصَّوْمِ، وَلَيْسَ لَهُ إِفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ بِلَا خِلَافٍ.
وَلَوِ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهَذَا النَّذْرِ صَوْمًا، وَإِنَّمَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا، أَوْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ، لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَأَشْبَهَ إِذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا. وَأَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْأُمِّ» كَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ.
فَعَلَى هَذَا، لَوْ شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ صَائِمًا، ثُمَّ أَفْطَرَ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافُ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكْفِيهِ اسْتِئْنَافُ الصَّوْمِ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَةٍ صَائِمًا، فَجَامَعَ لَيْلًا، فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ. وَلَوِ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ عَنِ الِاعْتِكَافِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ الِاعْتِكَافُ أَيْضًا.
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا، فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لُزُومُ الْجَمْعِ.
وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ. وَالْفَرْقُ، أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِلصَّوْمِ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الِاعْتِكَافِ.
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا، أَوْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا، لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ. وَفِي لُزُومِ الْجَمْعِ، طَرِيقَانِ.
الْمَذْهَبُ: لَا يَجِبُ. وَقِيلَ: بِطَرْدِ الْوَجْهَيْنِ. وَالْفَرْقُ، أَنَّ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ مُتَقَارِبَانِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكَفِّ، وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ مُبَاشِرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ.
فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُحْرِمًا بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ نُوجِبِ الْجَمْعَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ، فَالَّذِي يَلْزَمُهُ مِنَ الصَّلَاةِ، هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ لَوْ أَفْرَدَ الصَّلَاةَ بِالنَّذْرِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي يَوْمِ اعْتِكَافِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِيعَابُ الْيَوْمِ بِالصَّلَاةِ.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُصَلِّيًا، لَزِمَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ»
وَغَيْرُهُ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، فَإِنْ تَرَكْنَا الظَّاهِرَ، فَلِمَ يُعْتَبَرُ تَكْرِيرُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الصَّلَاةِ كُلَّ يَوْمٍ؟ وَهَلَّا اكْتُفِيَ بِهِ مَرَّةً فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ؟ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَقْرَأُ فِيهَا سُورَةَ كَذَا، فَفِي وُجُوبِ الْجَمْعِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: النِّيَّةُ، فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ، وَيَجِبُ التَّعَرُّضُ فِي الْمَنْذُورِ مِنْهُ لِلْفَرْضِيَّةِ. ثُمَّ إِذَا نَوَى الِاعْتِكَافَ وَأَطْلَقَ كَفَاهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ.
فَإِنْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَادَ، احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِ النِّيَّةِ، سَوَاءٌ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، أَمْ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ، وَالثَّانِي: اعْتِكَافٌ جَدِيدٌ قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : فَلَوْ عَزَمَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَيَعُودَ، كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ.
فَكَيْفَ يَكْتَفِي بِعَزِيمَةٍ سَابِقَةٍ؟ أَمَّا إِذَا عَيَّنَ زَمَانًا، بِأَنْ نَوَى اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ إِذَا خَرَجَ وَعَادَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.
أَصَحُّهُمَا: إِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، لَمْ يَجِبِ التَّجْدِيدُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَرَضٍ آخَرَ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّجْدِيدِ، وَسَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ، أَمْ قَصُرَ.
وَالثَّانِي: إِنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْخُرُوجِ، وَجَبَ التَّجْدِيدُ، وَإِلَّا فَلَا، وَسَوَاءٌ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، أَمْ لِغَيْرِهِ.
وَالثَّالِثُ: لَا حَاجَةَ إِلَى التَّجْدِيدِ مُطْلَقًا.
وَالرَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : إِنْ خَرَجَ لِأَمْرٍ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُتَتَابِعِ، وَجَبَ التَّجْدِيدُ. وَإِنْ خَرَجَ لِأَمْرٍ لَا يَقْطَعُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ، كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالْغُسْلِ لِلِاحْتِلَامِ، لَمْ يَجِبِ التَّجْدِيدُ.
وَإِنْ كَانَ مِنْهُ بُدٌّ، أَوْ طَالَ الزَّمَانُ، فَفِي التَّجْدِيدِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ. وَهَذَا الْخِلَافُ مُطَّرِدٌ فِيمَا إِذَا نَوَى مُدَّةً لِاعْتِكَافِ تَطَوُّعٍ، وَفِيمَا إِذَا نَذَرَ أَيَّامًا وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهَا التَّتَابُعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ.
أَمَّا إِذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ، أَوْ كَانَتِ الْمَنْذُورَةُ مُتَوَاصِلَةً، فَسَيَأْتِي حُكْمُ التَّجْدِيدِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ
لَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنَ الِاعْتِكَافِ، لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْأَصَحِّ كَالصَّوْمِ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُعْتَكِفُ، شَرْطُهُ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالنَّقَاءُ عَنِ الْحَيْضِ، وَالْجَنَابَةِ. فَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ، وَالرَّقِيقِ، وَالزَّوْجَةِ كَصِيَامِهِمْ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا لِلْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنِ اعْتَكَفَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، جَازَ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ إِخْرَاجُهُمَا.
وَكَذَا لَوِ اعْتَكَفَا بِإِذْنِهِمَا تَطَوُّعًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ. وَلَوْ نَذَرَا اعْتِكَافًا، نُظِرَ، إِنْ نَذَرَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَلَهُمَا الْمَنْعُ مِنَ الشُّرُوعِ فِيهِ، فَإِنْ أَذِنَا فِي الشُّرُوعِ وَكَانَ الزَّمَانُ مُتَعَيِّنًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ، وَلَكِنْ شَرَطَا التَّتَابُعَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الرُّجُوعُ.
وَإِنْ لَمْ يَشْرُطَا، فَلَهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ نَذَرَا بِالْإِذْنِ، نُظِرَ، إِنْ تَعَلَّقَ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، فَلَهُمَا الشُّرُوعُ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَإِلَّا لَمْ يَشْرَعَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَإِنْ شَرَعَا بِالْإِذْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنَ الْإِتْمَامِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ إِذَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَهُ إِتْمَامُهُ.
وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ. وَيَسْتَوِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، الْقِنُّ، وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ، كَالْقِنِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً، فَإِنْ كَانَتْ، فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ، وَفِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ كَالْقِنِّ.
فَرْعٌ
لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْكَافِرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالسَّكْرَانِ، إِذْ لَا نِيَّةَ لَهُمْ. وَلَوِ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافِهِ، فَالنَّصُّ فِي «الْأُمِّ» : أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ.
فَإِذَا أَسْلَمَ، بَنَى. وَنُصَّ أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ فِي اعْتِكَافِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، يَسْتَأْنِفُ. وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِمَا عَلَى طُرُقٍ.
الْمَذْهَبُ: بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَنَصُّهُ فِي الْمُرْتَدِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اعْتِكَافٌ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ. فَإِذَا أَسْلَمَ بَنَى، لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ مَا سَبَقَ عِنْدَنَا، إِلَّا إِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا.
وَنَصُّهُ فِي السَّكْرَانِ فِي اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ. وَالْفَرْقُ بِأَنَّ السَّكْرَانَ يُمْنَعُ الْمَسْجِدَ بِكُلِّ حَالٍ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ.
وَاخْتَارَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ هَذَا الطَّرِيقَ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَالثَّالِثُ: فِيهِمَا قَوْلَانِ. وَالرَّابِعُ: لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا. وَالْخَامِسُ: يُبْطِلُ السُّكْرُ لِامْتِدَادِ زَمَنِهِ، وَكَذَا الرِّدَّةُ إِنْ طَالَ زَمَنُهَا، وَإِنْ قَصُرَ بَنَى.
وَالسَّادِسُ: يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ دُونَ السُّكْرِ، لِأَنَّهُ كَالنَّوْمِ، وَالرِّدَّةُ تُنَافِي الْعِبَادَةَ. وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُمَا.
وَهَذَا الْخِلَافُ، أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ مُعْتَدًّا بِهِ فَيُبْنَى عَلَيْهِ، أَمْ يَبْطُلُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِئْنَافِ إِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مُتَتَابِعًا؟ فَأَمَّا زَمَنُ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ فَغَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ قَطْعًا.
وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: يُعْتَدُّ بِزَمَنِ السُّكْرِ. وَأَشَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ، إِلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاعْتِدَادِ بِزَمَنِ الرِّدَّةِ، وَالسُّكْرِ. وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ.
وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ جُنَّ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ، فَإِنْ لَمْ يُخْرَجْ مِنَ الْمَسْجِدِ، لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَإِنْ أُخْرِجَ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُهُ فِي الْمَسْجِدِ، لَمْ يَبْطُلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ الْخُرُوجُ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حُمِلَ الْعَاقِلُ مُكْرَهًا.
وَإِنْ أَمْكَنَ وَلَكِنْ شَقَّ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْمَرِيضِ إِذَا أُخْرِجَ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْجُنُونِ مِنَ الِاعْتِكَافِ، وَيُحْسَبُ زَمَنُ الْإِغْمَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
فَرْعٌ
لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْحَائِضِ، وَلَا الْجُنُبِ. وَمَتَى طَرَأَ الْحَيْضُ عَلَى الْمُعْتَكِفَةِ، لَزِمَهَا الْخُرُوجُ. فَإِنْ مَكَثَتْ، لَمْ يُحْسَبْ عَنِ الِاعْتِكَافِ.
وَهَلْ يُبْطِلُ مَا سَبَقَ، أَمْ يُبْنَى عَلَيْهِ؟ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ طَرَأَتِ الْجَنَابَةُ بِمَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ، لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ.
وَإِنْ طَرَأَتْ بِمَا لَا يُبْطِلُهُ، كَالِاحْتِلَامِ، وَالْجِمَاعِ نَاسِيًا، وَالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، إِذَا قُلْنَا: لَا يُبْطِلُهُ، لَزِمَهُ أَنْ يُبَادِرَ بِالْغُسْلِ كَيْلَا يَبْطُلَ تَتَابُعُهُ، وَلَهُ الْخُرُوجُ لِلْغُسْلِ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ، أَمْ لَا، لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِمُرُوءَتِهِ وَلِلْمَسْجِدِ. وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْجَنَابَةِ مِنَ الِاعْتِكَافِ عَلَى الصَّحِيحِ.
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْمُعْتَكَفُ فِيهِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ، فَيَخْتَصُّ بِالْمَسَاجِدِ، وَيَجُوزُ فِي جَمِيعِهَا، وَالْجَامِعُ أَوْلَى. وَأَوْمَأَ فِي الْقَدِيمِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْجَامِعِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ. وَلَوِ اعْتَكَفَتِ الْمَرْأَةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا - وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ - لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْجَدِيدِ، وَيَصِحُّ عَلَى الْقَدِيمِ.
فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَفِي جَوَازِ اعْتِكَافِ الرَّجُلِ فِيهِ وَجْهَانِ. وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ.
وَعَلَى الْجَدِيدِ: كُلُّ امْرَأَةٍ يُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ لِلْجَمَاعَةِ، يُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ لِلِاعْتِكَافِ، وَمَنْ لَا، فَلَا.
قُلْتُ: قَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ هَذَا الْقَدِيمَ. وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَغَلَّطُوا مَنْ قَالَ: قَوْلَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، تَعَيَّنَ عَلَى