الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرَ نَاوٍ، فَنَوَى التَّطَوُّعَ قَبْلَ الزَّوَالِ، قَالَ: قَالَ الْجَمَاهِيرُ: لَا يَصِحُّ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَصِحُّ. قَالَ: فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ التَّطَوُّعُ بِهِ.
فَصْلٌ
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، وَفِي الضَّابِطِ قُيُودٌ.
مِنْهَا: الْإِفْسَادُ، فَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا، لَا يُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَا كَفَّارَةَ. وَإِنْ قُلْنَا: يُفْطِرُ، فَفِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا تَلْزَمُ، لِعَدَمِ الْإِثْمِ.
وَمِنْهَا: كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ التَّطَوُّعِ، وَالنَّذْرِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ، فَإِنْ كَانَتْ مُفْطِرَةً بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ صَائِمَةً، وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا، لِكَوْنِهَا نَائِمَةً مَثَلًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَائِعَةً صَائِمَةً، فَقَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ، كَمَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ، فَاشْتَرَكَا فِيهَا كَحَدِّ الزِّنَا.
وَأَظْهَرُهُمَا: لَا يَلْزَمُهَا، بَلْ تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ لَمْ تَجِبِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِكَوْنِهِ مُفْطِرًا، أَوْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِكَوْنِهِ نَاسِيًا، أَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ نَائِمًا، لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ، وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ، فَهَلِ الْكَفَّارَةُ الَّتِي يُخْرِجُهَا عَنْهُ خَاصَّةً، وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ، أَوْ هِيَ عَنْهُ وَعَنْهَا وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَرُبَّمَا قِيلَ: وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا صُوَرٌ.
إِحْدَاهَا: إِذَا أَفْطَرَتْ بِزِنًا، أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِلَّا، فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالزَّوْجِيَّةِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهَا قَطْعًا.
الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْنُونًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَعَلَى الثَّانِي: وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: تَلْزَمُهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ، كَمَا لَا يُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ فِي مَالِهِ الْكَفَّارَةُ عَنْهَا، لِأَنَّ مَالَهُ صَالِحٌ لِلتَّحَمُّلِ.
وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا، فَكَالْمَجْنُونِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْبَالِغِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِنَا: عَمْدُهُ عَمْدٌ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا، فَاسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ، فَكَالْمَجْنُونِ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا كَانَ مُسَافِرًا وَالزَّوْجَةُ حَاضِرَةٌ، فَإِنْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَكَذَا إِنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّرَخُّصَ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَكَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ جَامَعَ.
وَكَذَا الصَّحِيحُ، إِذَا مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ثُمَّ جَامَعَ، فَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ. وَحُكْمُ التَّحَمُّلِ، كَمَا سَبَقَ. وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا كَفَّارَةَ، فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ.
وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ: فِيمَا لَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا، فَأَخْبَرَتْهُ بِفِطْرِهَا وَكَانَتْ صَائِمَةً، أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهَا، إِذَا قُلْنَا: الْوُجُوبُ يُلَاقِيهَا، لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ، وَهُوَ مَعْذُورٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا: لَا يَتَحَمَّلُ الْمَجْنُونُ، وَإِلَّا، فَلَيْسَ الْعُذْرُ هُنَا أَوْضَحَ مِنْهُ فِي الْمَجْنُونِ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «الْمُعَايَاةِ» : فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا: تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ دُونَهَا، وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ عَنْهُمَا، وَالثَّالِثُ: تَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ، وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ مَا دَخَلَهُ التَّحَمُّلُ مِنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ.
فَإِذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يَوْمٍ، لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ عَنِ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ بَاقِي الْوَطْآتِ، وَيَلْزَمُهُ عَلَى الثَّانِي، أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، كَفَّارَةٌ عَنْ وَطْئِهِ الْأَوَّلِ عَنْهُ وَعَنْهَا، وَثَلَاثٌ عَنْهُنَّ لَا تَتَبَعَّضُ، إِلَّا فِي مَوْضِعٍ يُوجِدُ تَحَمُّلَ الْبَاقِي، وَيَلْزَمُهُ عَلَى الثَّالِثِ خَمْسُ كَفَّارَاتٍ، كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَثَلَاثٌ عَنْهُنَّ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ، مُسْلِمَةٌ وَذِمِّيَّةٌ، فَوَطِئَهُمَا فِي يَوْمٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ بِكُلِّ حَالٍ.
وَعَلَى الثَّانِي: إِنْ قَدَّمَ وَطْءَ الْمُسْلِمَةِ،
فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَإِلَّا، فَكَفَّارَتَانِ، وَعَلَى الثَّالِثِ: كَفَّارَتَانِ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْمُسْلِمَةَ، لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ لِلذِّمِّيَّةِ شَيْءٌ. وَإِنْ قَدَّمَ الذِّمِّيَّةَ، لَزِمَهُ لِنَفْسِهِ كَفَّارَةٌ، ثُمَّ لِلْمُسْلِمَةِ أُخْرَى. هَذَا كَلَامُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا قُلْنَا: الْوُجُوبُ يُلَاقِيهَا، اعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا جَمِيعًا، وَقَدْ تَتَّفِقُ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ. فَإِنِ اتَّفَقَ، نُظِرَ، إِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ أَوِ الْإِطْعَامِ، أَجْزَأَ الْمُخْرَجُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ لِكَوْنِهِمَا مُعَسِرَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ صَوْمُ شَهْرَيْنِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا تَتَحَمَّلُ.
وَإِنِ اخْتَلَفَ حَالُهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَعْلَى حَالًا مِنْهَا، نُظِرَ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَوِ الْإِطْعَامِ، فَوَجْهَانِ.
الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ: أَنَّهُ يُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ مَنْ فَرْضُهُ الصَّوْمُ أَوِ الْإِطْعَامُ، يُجْزِئُهُ الْعِتْقُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً، فَعَلَيْهَا الصَّوْمُ، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا.
قَالَ فِي «الْمُهَذَّبِ» : إِلَّا إِذَا قُلْنَا: الْعَبْدُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، فَإِنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ الْمُعْسِرَةِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي «الْمُهَذَّبِ» غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ، أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنِ الْأَمَةِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ: لَا يَصِحُّ إِعْتَاقُ الْعَبْدِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَمْلِكُ، أَمْ لَا، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُ عَنْهَا، لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. فَعَلَى هَذَا، يَلْزَمُهَا الصَّوْمُ إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ. وَفِيمَنْ يَلْزَمُهُ الْإِطْعَامُ إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ، وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: عَلَى الزَّوْجِ. فَإِنْ عَجَزَ، ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: يَصُومُ عَنْ نَفْسِهِ وَيُطْعِمُ عَنْهَا.
وَمُقْتَضَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ: يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنِ الصِّيَامِ، أَنْ يُجْزِئَ هُنَا الصِّيَامُ عَنِ الْإِطْعَامِ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ،
فَيُنْظَرُ، إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، صَامَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَعْتَقَ عَنْهَا إِذَا قَدَرَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ، صَامَتْ عَنْ نَفْسِهَا وَأَطْعَمَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جِمَاعَ الْمَرْأَةِ إِذَا قُلْنَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَالْوُجُوبُ لَا يُلَاقِيهَا، مُسْتَثْنَى عَنِ الضَّابِطِ.
فَرْعٌ
تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالزِّنَا، وَجِمَاعِ أَمَتِهِ، وَاللِّوَاطِ، وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ، وَسَوَاءٌ أَنَزَلَ أَمْ لَا، وَفِي الْبَهِيمَةِ وَالْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ وَجْهٌ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ.
وَلَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالِاسْتِمْنَاءِ، وَالْمُبَاشَرَاتِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْإِنْزَالِ، فَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ.
وَفِي وَجْهٍ قَالَهُ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ مِنْ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ مَا يَأْثَمُ بِالْإِفْطَارِ بِهِ.
وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ فِي «الْحَاوِي» عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةٌ فَوْقَ كَفَّارَةِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، وَدُونَ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ.
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ غَلَطٌ. وَذَكَرَ الْحَنَّاطِيُّ، أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ، رُوِيَ عَنْهُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَأَنْزَلَ، وَهَذَا شَاذٌّ.
فَرْعٌ
إِذَا ظَنَّ أَنَّ الصُّبْحَ لَمْ يَطْلُعْ، فَجَامَعَ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ، فَحُكْمُ الْإِفْطَارِ سَبَقَ، وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْإِثْمِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَمَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي بِالْجِمَاعِ، يَقُولُ مِثْلَهُ هُنَا لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ. وَلَوْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ، فَجَامَعَ، فَبَانَ خِلَافُهُ،
فَفِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ. وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ وَالْحَالَةِ هَذِهِ، وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ الْمَذْكُورِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.
وَلَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا، فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ، فَجَامَعَ، فَهَلْ يُفْطِرُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنَ الظُّهْرِ نَاسِيًا وَتَكَلَّمَ عَامِدًا، لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يُفْطِرُ، كَمَا لَوْ جَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ خِلَافُهُ. وَعَلَى هَذَا، لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ، وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوبَهَا، لِأَنَّهُ ظَنٌّ لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ. وَلَوْ أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا، فَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَثِمَ بِهَذَا الْوَطْءِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْإِفْطَارَ جَائِزٌ لَهُ.
وَلَوْ زَنَا الْمُقِيمُ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ، وَقُلْنَا: الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ نَاسٍ لَهُ.
فَرْعٌ
مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ، لَزِمَهُ صَوْمُهُ. فَإِنْ صَامَهُ فَأَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ، لَزِمَهُ الْفِطْرُ، وَيُخْفِيهِ لِئَلَّا يُتَّهَمَ، وَإِذَا رُؤِيَ رَجُلٌ يَأْكُلُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ، عُزِّرَ.
فَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ، لَمْ يُقْبَلْ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَوَّلًا فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ أَكَلَ، لَمْ يُعَزَّرْ.
فَرْعٌ
لَوْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ، ثُمَّ جَامَعَ ثَانِيًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَلَا كَفَّارَةَ لِلْجِمَاعِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمًا. فَلَوْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ، أَمْ لَا.
فَرْعٌ
لَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ سَفَرًا طَوِيلًا فِي يَوْمِهِ، لَمْ تَسْقُطِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: كَمَا لَوْ طَرَأَ الْمَرَضُ. وَلَوْ جَامَعَ، ثُمَّ مَرِضَ، فَقَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا: لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطُ قَطْعًا. وَلَوْ طَرَأَ بَعْدَ الْجِمَاعِ جُنُونٌ، أَوْ مَوْتٌ، أَوْ حَيْضٌ، فَقَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا: السُّقُوطُ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَيْضِ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ، لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ.
فَرْعٌ
كَمَالُ صِفَةِ الْكَفَّارَةِ، مُسْتَقْصَى فِي كِتَابِ «الْكَفَّارَاتِ» . وَالْقَوْلُ الْجُمَلِيُّ، أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ مَرْتَبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ الْكَفَّارَةِ قَضَاءُ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَوَجْهٌ.
أَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُ. وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ، لَمْ يَلْزَمْ، وَإِلَّا لَزِمَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ إِذَا لَمْ تَلْزَمْهَا كَفَّارَةٌ.
وَهَلْ تَكُونُ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ عُذْرًا فِي الْعُدُولِ عَنِ الصِّيَامِ إِلَى الْإِطْعَامِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا عُذْرٌ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ الْمَنْعَ.