الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ
يُطْلَقُ الْكُسُوفُ وَالْخُسُوفُ عَلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ جَمِيعًا. وَصَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَتُسَنُّ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَقَلُّهَا أَنْ يُحْرِمَ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ، وَيَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ، فَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثَانِيًا، ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَطْمَئِنَ، ثُمَّ يَسْجُدَ، فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ، فَهِيَ رَكْعَتَانِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَرُكُوعَانِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ قِيَامٍ. فَلَوْ تَمَادَى الْكُسُوفُ، فَهَلْ يَزِيدُ رُكُوعًا ثَالِثًا؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَزِيدُ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَخَامِسًا، حَتَّى يَنْجَلِيَ الْكُسُوفُ، قَالَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْخَطَّابِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الضُّبَعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ، وَرُوِيَ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ، وَلَا مَحْمَلَ لَهُ إِلَّا التَّمَادِي، وَأَصَحُّهُمَا: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ. رِوَايَاتُ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، فَيُؤْخَذُ بِهَا، كَذَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، فَانْجَلَى الْكُسُوفُ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الزِّيَادَةِ عِنْدَ التَّمَادِي، إِنْ جَوَّزْنَا الزِّيَادَةَ، جَازَ النُّقْصَانُ بِحَسْبِ مُدَّةِ الْكُسُوفِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْكُسُوفُ بَاقٍ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ مَرَّةً أُخْرَى؟ وَجْهَانِ خَرَّجُوهُمَا عَلَى جَوَازِ زِيَادَةِ عَدَدِ الرُّكُوعِ، وَالْمَذْهَبُ الْمُتَّبَعُ وَأَكْمَلُهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَسَوَابِقِهَا سُورَةَ (الْبَقَرَةِ) أَوْ مِقْدَارَهَا إِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا، وَفِي
الثَّانِي: (آلَ عِمْرَانَ) أَوْ مِقْدَارَهَا. وَفِي الثَّالِثِ: (النِّسَاءَ) أَوْ قَدْرَهَا. وَفِي الرَّابِعِ: (الْمَائِدَةَ) أَوْ قَدْرَهَا. وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. هَذِهِ رِوَايَةُ الْبُوَيْطِيِّ، وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ فِي (الْمُخْتَصَرِ) : أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأَوَّلِ (الْبَقَرَةَ) أَوْ قَدْرَهَا إِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا. وَفِي الثَّانِي قَدْرَ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) . وَفِي الثَّالِثِ: قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ وَخَمْسِينَ آيَةً مِنْهَا، وَفِي الرَّابِعِ: قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ مِنْهَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الَّتِي قَطَعَ بِهَا الْأَكْثَرُونَ، وَلَيْسَتَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُحَقَّقِ، بَلِ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّقْرِيبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ.
قُلْتُ: وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقَوْمَةِ الثَّانِيَةِ، وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي (الْحَاوِي) ، وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا قَدْرُ مُكْثِهِ فِي الرُّكُوعِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَبِّحَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ مِنَ (الْبَقَرَةِ) وَفِي الثَّانِي: قَدْرَ ثَمَانِينَ مِنْهَا، وَفِي الثَّالِثِ: قَدْرَ سَبْعِينَ. وَفِي الرَّابِعِ: قَدْرَ خَمْسِينَ، وَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّقْرِيبِ. وَيَقُولُ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْ كُلِّ رُكُوعٍ:(سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وَ (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) وَهَلْ يُطَوِّلُ السُّجُودَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يُطَوِّلُهُ كَمَا لَا يُطَوِّلُ التَّشَهُّدَ، وَلَا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَالثَّانِي: يُطَوِّلُ. نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، أَنَّهُ يُطَوِّلُ السُّجُودَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي إِطَالَتِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِهِ، لَكَانَ قَوْلًا صَحِيحًا، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ: مَا صَحَّ فِيهِ الْحَدِيثُ، فَهُوَ قَوْلِي وَمَذْهَبِي. فَإِذَا قُلْنَا بِإِطَالَتِهِ، فَالْمُخْتَارُ فِيهَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَالسُّجُودَ الثَّانِي، كَالرُّكُوعِ الثَّانِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ: إِنَّهُ نَحْوُ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْجَلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَقَدْ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهَا. وَنَقَلَ الْغَزَّالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهَا. وَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ