الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، وَدَخَلَ قُبَيْلَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، فَنَقَصَ الشَّهْرُ، لَزِمَهُ يَوْمٌ مِنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ، وَفِي دُخُولِ اللَّيَالِي هُنَا الْخِلَافُ.
فَرْعٌ
نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زِيدٌ، فَقَدِمَ لَيْلًا، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا، لَزِمَهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى عَلَى الْأَظْهَرِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ، فَيَقْضِي بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ يَوْمٍ آخَرَ.
قَالَ الْمُزَنِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَأْنِفَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لِيَكُونَ اعْتِكَافُهُ مُتَّصِلًا.
وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ وَقْتَ الْقُدُومِ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا، قَضَى عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. إِمَّا مَا بَقِيَ، وَإِمَّا يَوْمًا كَامِلًا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ.
وَفِي وَجْهٍ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، كَمَا لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَحَاضَتْ فِيهِ.
فَصْلٌ
إِذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا، وَشَرَطَ الْخُرُوجَ إِنْ عَرَضَ عَارِضٌ، صَحَّ شَرْطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
وَحَكَى صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» وَالْحَنَّاطِيُّ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ - قَوْلًا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ، فَبَطَلَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْجِمَاعِ، فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ، نُظِرَ، إِنْ عَيَّنَ نَوْعًا فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ إِلَّا لِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، أَوْ لِعِيَادَةِ زَيْدٍ، أَوْ تَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ، خَرَجَ لِمَا عَيَّنَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَهَمَّ مِنْهُ.
وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ إِلَّا لِشُغْلٍ أَوْ عَارِضٍ، جَازَ الْخُرُوجُ لِكُلِّ شُغْلٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ. فَالْأَوَّلُ: كَالْجُمُعَةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَالْعِيَادَةِ، وَالثَّانِي: كَلِقَاءِ السُّلْطَانِ، وَاقْتِضَاءِ الْغَرِيمِ، وَلَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا.
وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّغْلِ الدُّنْيَوِيِّ، كَوْنُهُ مُبَاحًا. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: لَا يُشْتَرَطُ. وَلَيْسَتِ النَّظَّارَةُ وَالنُّزْهَةُ مِنَ الشُّغْلِ. وَلَوْ قَالَ: إِنْ عَرَضَ عَارِضٌ، قَطَعْتَ الِاعْتِكَافَ، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ إِلَّا أَنَّ فِي شَرْطِ الْخُرُوجِ، يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ عِنْدَ قَضَاءِ تِلْكَ الْحَاجَةِ.
وَفِيمَا إِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ، لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ أَمْرَضَ أَوْ أُسَافِرَ، فَإِذَا مَرِضَ، أَوْ سَافَرَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهَا إِنْ عَرَضَ عَارِضٌ، أَوْ نَذَرَ صَوْمًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ إِنْ جَاعَ أَوْ أُضِيفَ، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ مَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ عِبَادَةٌ، وَبَعْضُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَلَوْ فَرَضَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ، انْعَقَدَ النَّذْرُ، كَمَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ الْمَشْرُوطُ. لَكِنْ فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَالصَّوْمُ، وَالصَّلَاةُ، أَوْلَى بِجَوَازِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَجُّ أَوْلَى. وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، إِلَّا أَنْ يَعْرِضَ حَاجَةٌ وَنَحْوُهَا، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَصَحُّ: صِحَّةُ الْمَشْرُوطِ أَيْضًا.
فَإِذَا احْتَاجَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْقُرُبَاتِ كُلِّهَا: إِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا بَدَا لَهُ كَسَائِرِ الْعَوَارِضِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَرَةِ. وَذَلِكَ يُنَاقِضُ الِالْتِزَامَ.
وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَهَلْ يُقَالُ: الِالْتِزَامُ بَاطِلٌ، أَمْ صَحِيحٌ وَيَلْغُو الشَّرْطُ؟ قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ عَلَى قَوْلِنَا: لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ فِي صُورَةٍ تُقَارِبُ هَذَا، وَهِيَ إِذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا، وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مَهْمَا أَرَادَ، فَفِي وَجْهٍ: يَبْطُلُ الْتِزَامُ التَّتَابُعِ. وَفِي وَجْهٍ: يَلْزَمُ التَّتَابُعُ، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ.
فَرْعٌ
إِذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ، وَصَحَّحْنَاهُ فَخَرَجَ لَهُ، فَهَلْ يَجِبُ تَدَارُكُ الزَّمَنِ الْمَصْرُوفِ إِلَيْهِ؟ يُنْظَرُ، إِنْ نَذَرَ مُدَّةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، كَشَهْرٍ مُطْلَقٍ، وَجَبَ التَّدَارُكُ، لِتَتِمَّ الْمُدَّةُ الْمُلْتَزَمَةُ، وَتَكُونُ فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلَ ذَلِكَ الْغَرَضِ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فِي أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ.
وَإِنْ نَذَرَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، كَشَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ، لَمْ يَجِبِ التَّدَارُكُ.
فَرْعٌ
فِيمَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُتَتَابِعِ، وَيَخْرُجُ إِلَى الِاسْتِئْنَافِ.
وَهُوَ أَمْرَانِ.
أَحَدُهُمَا: فَقْدُ بَعْضِ شُرُوطِ الِاعْتِكَافِ، وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، كَالْكَفِّ عَنِ الْجِمَاعِ، وَمُقَدِّمَاتِهِ فِي قَوْلٍ. وَيُسْتَثْنَى عَنْ هَذَا، عُرُوضُ الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَقْطَعَانِهِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: الْخُرُوجُ بِكُلِّ الْبَدَنِ عَنْ كُلِّ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ قُيُودٍ، احْتَرَزْنَا بِالْأَوَّلِ عَمَّا إِذَا أَخْرَجَ رَأْسَهُ، أَوْ يَدَهُ، أَوْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، أَوْ كِلْتَيْهِمَا وَهُوَ قَاعِدٌ مَادَّهُمَا، فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ. فَإِنِ اعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا، فَهُوَ خَارِجٌ.
وَاحْتَرَزْنَا بِالثَّانِي، عَمَّنْ صَعَدَ الْمَنَارَةَ لِلْأَذَانِ، وَلَهَا حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، فَلَا يَضُرُّ صُعُودُهَا لِلْأَذَانِ أَوْ غَيْرُهُ كَسَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَسَوَاءً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ وَالرَّحْبَةِ، أَوْ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْبَنَّاءِ وَتَرْبِيعِهِ. وَأَبْدَى الْإِمَامُ احْتِمَالًا فِي الْخَارِجَةِ عَنْ سِمَتِهِ
قَالَ: لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُعَدُّ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ، يُنَازِعُهُ فِيمَا وَجَّهَ بِهِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا فِي رَحْبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ إِلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ. وَفِي الْمُؤَذِّنِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ، وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: يَبْطُلُ فِيهِمَا. ثُمَّ إِنَّ الْغَزَالِيَّ فَرَضَ الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهِيَ مُلْتَصِقَةٌ بِحَرِيمِهِ.
وَلَمْ يَشْرُطِ الْجُمْهُورُ فِي صُورَةِ الْخِلَافِ، سِوَى كَوْنِ بَابِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَزَادَ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ، فَنَقَلَ الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا كَانَتْ فِي رَحْبَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الْمَسْجِدِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ طَرِيقٌ.
قُلْتُ: لَكِنْ شَرَطُوا كَوْنَهَا مَبْنِيَّةً لِلْمَسْجِدِ، احْتِرَازًا مِنَ الْبَعِيدَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْعُذْرُ فَمَرَاتِبٌ.
مِنْهَا: الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَغُسْلِ الِاحْتِلَامِ، فَلَا يَضُرُّ قَطْعًا.
وَيَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلْأَكْلِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ. وَإِنْ عَطِشَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَهُ الْخُرُوجُ. وَإِنْ وَجَدَهُ، لَمْ يَجُزِ الْخُرُوجُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، وَلَا يُعَدُّ تَرْكَ مُرُوءَةٍ.
ثُمَّ أَوْقَاتُ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهَا لِعِلَّتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الِاعْتِكَافَ مُسْتَمِرٌّ فِيهَا، وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ فِي ذَلِكَ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مُسْتَثْنَى، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ.
ثُمَّ إِذَا فَرَغَ وَعَادَ، لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ. وَقِيلَ: إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، فَفِي لُزُومِ وُجُوبِ التَّجْدِيدِ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ سِقَايَةٌ، لَمْ نُكَلِّفْهُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا.
وَكَذَا لَوْ كَانَ بِجَنْبِهِ دَارَ صَدِيقٍ لَهُ، وَأَمْكَنَهُ دُخُولُهَا، لَمْ نُكَلِّفْهُ، بَلْ لَهُ الْخُرُوجُ إِلَى دَارِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ، إِلَّا إِذَا تَفَاحَشَ الْبُعْدُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعًا، أَوْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ أَنْ يَدْخُلَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ غَيْرَ
دَارِهِ. وَلَوْ كَانَتْ لَهُ دَارَانِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ بِحَيْثُ لَوِ انْفَرَدَتْ، جَازَ الْخُرُوجُ إِلَيْهَا، وَإِحْدَاهُمَا أَقْرَبُ، فَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ إِلَى الْأُخْرَى وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ شِدَّةُ الْحَاجَةِ، وَإِذَا خَرَجَ، لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعَ، بَلْ يَمْشِي عَلَى سَجِيَّتِهِ الْمَعْهُودَةِ.
قُلْتُ: فَلَوْ تَأَنَّى أَكْثَرَ مِنْ عَادَتِهِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَثُرَ خُرُوجُهُ لِلْحَاجَةِ لِعَارِضٍ يَقْتَضِيهِ، فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. أَصَحُّهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ كَلَامِ الْمُعَظَّمِ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، نَظَرًا إِلَى جِنْسِهِ، وَالثَّانِي: يَضُرُّ، لِنُدُورِهِ.
فَرْعٌ
لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَلَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَلَوْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَعَادَ فِي طَرِيقِهِ مَرِيضًا، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَقِفْ، وَلَا عَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى السُّؤَالِ وَالسَّلَامِ، فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ وَقَفَ وَأَطَالَ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. وَإِنْ لَمْ يُطِلْ، لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَادَّعَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِجْمَاعَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ. وَلَوِ ازْوَرَّ عَنِ الطَّرِيقِ قَلِيلًا، فَعَادَهُ، بَطَلَ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَوْ كَانَ الْمَرِيضُ فِي بَيْتٍ مِنَ الدَّارِ الَّتِي يَدْخُلُهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَالْعُدُولُ لِعِيَادَتِهِ قَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارٍ أُخْرَى، فَكَثِيرٌ.
وَلَوْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَصَلَّى فِي الطَّرِيقِ عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يَنْتَظِرْهَا، وَلَا ازْوَرَّ، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ قَلِيلًا لِلْعِيَادَةِ.
وَقِيلَ: إِنْ تَعَيَّنَتْ، لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.
وَجَعَلَ الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ، قَدْرَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَدًّا لِلْوَقْفَةِ الْيَسِيرَةِ، وَاحْتِمَالَهَا لِجَمِيعِ الْأَغْرَاضِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَأْكُلَ لُقَمًا، إِذَا لَمْ نُجَوِّزِ الْخُرُوجَ لِلْأَكْلِ. وَلَوْ جَامَعَ فِي مُرُورِهِ، بِأَنْ كَانَ فِي هَوْدَجٍ، أَوْ جَامَعَ فِي وَقْفَةٍ يَسِيرَةٍ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ إِعْرَاضًا عَنِ الْعِبَادَةِ مِمَّنْ أَطَالَ الْوُقُوفَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ.
وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَلَمْ يَصْرِفْ إِلَيْهِ زَمَنًا.
فَرْعٌ
إِذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاسْتَنْجَى، فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ تَابِعًا، بِخِلَافِ مَا لَوِ احْتَاجَ إِلَى الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ عَلَى الْأَصَحِّ إِذَا أَمْكَنَ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ.
فَرْعٌ
إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ، لَزِمَهَا الْخُرُوجُ، وَهَلْ يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهَا؟ إِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْحَيْضِ غَالِبًا، لَمْ يَنْقَطِعْ، بَلْ تَبْنِي إِذَا طَهُرَتْ كَالْحَيْضِ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَكُّ، فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَنْقَطِعُ.
فَرْعٌ
الْمَرَضُ الْعَارِضُ لِلْمُعْتَكِفِ، أَقْسَامٌ.
أَحَدُهَا: خَفِيفٌ لَا يَشُقُّ مَعَهُ الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ، كَالصُّدَاعِ الْخَفِيفِ، وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ بِسَبَبِهِ. فَإِنْ خَرَجَ، بَطَلَ التَّتَابُعُ.
وَالثَّانِي: يَشُقُّ مَعَهُ الْمَقَامُ لِحَاجَتِهِ إِلَى الْفِرَاشِ، وَالْخَادِمِ، وَتَرَدُّدِ الطَّبِيبِ، فَيُبَاحُ الْخُرُوجُ، وَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ عَلَى الْأَظْهَرِ.
الثَّالِثُ: مَرَضٌ يُخَافُ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ، كَالْإِسْهَالِ، وَإِدْرَارِ الْبَوْلِ، فَيَخْرُجُ. وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
فَرْعٌ
لَوْ خَرَجَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، لَمْ يَنْقَطِعْ تَتَابُعُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: فَلَمْ يَتَذَكَّرِ النَّاسِي إِلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ، فَوَجْهَانِ، كَمَا لَوْ أَكَلَ الصَّائِمُ كَثِيرًا نَاسِيًا.
وَمَنْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ ظُلْمًا، لِمُصَادَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ خَافَ مِنْ ظَالِمٍ فَخَرَجَ وَاسْتَتَرَ، فَكَالْمُكْرَهِ. وَإِنْ أَخْرَجَهُ لِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُمَاطِلُ، بَطَلَ، لِتَقْصِيرِهِ. وَإِنْ حُمِلَ وَأُخْرِجَ، لَمْ يَبْطُلْ. وَقِيلَ: كَالْمُكْرَهِ، لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ بِنَادِرٍ.
فَرْعٌ
إِذَا دُعِيَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ، فَخَرَجَ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا، بَطَلَ تَتَابُعُهُ، سَوَاءً كَانَ التَّحَمُّلُ مُعَيَّنًا، أَمْ لَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ تَعَيَّنَ أَدَاؤُهَا، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَ التَّحَمُّلِ، بَطَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ، فَإِنْ قُلْنَا: إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَا يَنْقَطِعُ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَبْطُلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ خَرَجَتِ الْمُعْتَكِفَةُ لِلْعِدَّةِ، لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَإِنْ خَرَجَ لِإِقَامَةِ حَدٍّ عَلَيْهِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، انْقَطَعَ. وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ.
وَلَوْ لَزِمَهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ، لَزِمَهَا الْخُرُوجُ لِتَعْتَدَّ فِي مَسْكَنِهَا. فَإِذَا خَرَجَتْ، فَهَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا، أَمْ تَبْنِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقَضَاءِ؟ فِيهِ الطَّرِيقَانِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ.
لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا، الْبِنَاءُ. فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَقَدْ عَيَّنَ مُدَّةً، فَهَلْ يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إِلَى الْمَسْكَنِ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوِ الْوَفَاةِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ؟ قَوْلَانِ مَذْكُورَانِ فِي كِتَابِ «الْعُدَّةِ» . فَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَخَرَجَتْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهَا بِلَا خِلَافٍ.
فَرْعٌ
يَجِبُ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ عَلَى الْأَظْهَرِ، لِإِمْكَانِ الِاعْتِكَافِ فِي الْجَامِعِ. وَعَلَى هَذَا، لَوْ كَانَ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ أَقَلَّ مِنْ أُسْبُوعٍ، ابْتَدَأَ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأُسْبُوعِ، حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْمَسَاجِدِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْجَامِعِ، فَمَتَى شَاءَ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ، وَجَبَ أَنْ يُبْتَدَأَ فِي الْجَامِعِ. فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ الْجَامِعِ، وَقُلْنَا بِالتَّعْيِينِ، لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَذْرِهِ، إِلَّا بِأَنْ يَمْرَضَ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ، أَوْ بِأَنْ يَتْرُكَهَا عَاصِيًا وَيَدُومَ عَلَى اعْتِكَافِهِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ إِتْمَامُ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ الْخُرُوجُ، وَيُدْرِكُ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ، خَرَجَ إِلَيْهِ وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ، فَإِذَا فَرَغَ، اسْتَأْنَفَ.
فَرْعٌ
كُلُّ مَا قَطَعَ التَّتَابُعَ، يَحُوجُ إِلَى الِاسْتِئْنَافِ بِنِيَّةٍ جَدِيدَةٍ. وَكُلُّ عُذْرٍ لَمْ يَجْعَلْهُ قَاطِعًا، فَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَجِبُ الْعَوْدُ. فَلَوْ أَخَّرَ، انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَتَعَذَّرَ الْبِنَاءُ،
وَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءِ الْأَوْقَاتِ الْمَصْرُوفَةِ إِلَى مَا عَدَا قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عِنْدَ الْعَوْدِ؟ أَمَّا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا.
وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَالِاغْتِسَالِ، وَكَذَا الْأَذَانُ إِذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ لَهُ. أَمَّا مَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ تَجْدِيدُهَا. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ، لِشُمُولِ النِّيَّةِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ. وَطَرَدَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا خَرَجَ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَاهُ، ثُمَّ عَادَ.
وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ، ثُمَّ جَامَعَ، أَوْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ، فَفَسَدَ اعْتِكَافُهُ، ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِيَ، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ التَّجْدِيدِ.
قَالَ الْإِمَامُ: لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وُجُوبُ التَّجْدِيدِ.
قُلْتُ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ نَهَارًا، صَحَّ، فَيَعْتَكِفُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» . وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَبَانَ أَنَّهُ أَنْقَصَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَقَالَ: إِنِ اخْتَرْتُ جَامَعْتُ، أَوْ إِنِ اتَّفَقَ لِي جِمَاعٌ، جَامَعْتُ، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.