الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الصَّاعُ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ أَقَارِبَ، قُدِّمَ مِنْهُمْ مَنْ يُقَدَّمُ نَفَقَتُهُ، وَمَرَاتِبُهُمْ وِفَاقًا وَخِلَافًا، وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ النَّفَقَاتِ، فَإِنِ اسْتَوُوا فَيَتَخَيَّرُ، أَوْ يَسْقُطُ وَجْهَانِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْإِقْرَاعِ، وَلَهُ مَجَالٌ فِي نَظَائِرِهِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: التَّخْيِيرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوِ اجْتَمَعَ مَعَ الْأَقَارِبِ زَوْجَةٌ، فَأَوْجُهٌ.
أَصَحُّهَا: تَقَدُّمُ الزَّوْجَةِ. وَالثَّانِي: الْقَرِيبُ. وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ، فَعَلَى الْأَصَحِّ، لَوْ فَضَلَ صَاعٌ ثَالِثٌ، فَإِخْرَاجُهُ عَنْ أَقَارِبِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا إِذَا تَمَحَّضُوا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ مِنَ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَالَّذِي أَخَّرْنَاهُ، إِلَى كِتَابِ النَّفَقَاتِ: أَنَّهُ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ، ثُمَّ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، ثُمَّ الْأَبَ، ثُمَّ الْأُمَّ، ثُمَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ.
فَصْلٌ
الْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ أَخْرَجَهُ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَهِيَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: رِطْلُ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ، وَبِهِ الْفَتْوَى. فَعَلَى هَذَا الصَّاعُ: سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ: الْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا.
قُلْتُ: قَدْ يَسْتَشْكِلُ ضَبْطُ الصَّاعِ بِالْأَرْطَالِ، فَإِنَّ الصَّاعَ الْمُخْرَجَ بِهِ فِي زَمَنِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ، كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ، فَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَهُ رَاجَعَهُ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» وَمُخْتَصَرِهُ: أَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَيْلِ، دُونَ الْوَزْنِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُخْرَجَ بِصَاعٍ مُعَايَرٍ بِالصَّاعِ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ بِهِ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ الصَّاعُ مَوْجُودٌ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ قَدْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا، فَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ تَقْرِيبًا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الصَّاعُ: أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
كُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، فَهُوَ صَالِحٌ لِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا الْحِمَّصُ، وَالْعَدَسُ.
وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ: هُوَ الْأَوَّلُ. وَفَى الْأَقِطِ، طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ، وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُهُ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِجَوَازِهِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ اللَّبَنَ وَالْجُبْنَ فِي مَعْنَاهُ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئَانِ.
وَالْوَجْهَانِ فِي إِخْرَاجِ مَنْ قُوتُهُ الْأَقِطُ، وَاللَّبَنُ، وَالْجُبْنُ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الْمَخِيضِ وَالْمَصْلِ وَالسَّمْنِ، لَا يُجْزِئُ، وَكَذَلِكَ الْجُبْنُ الْمَنْزُوعُ الزَّبَدِ.
فَرْعٌ
لَا يُجْزِئُ الْمُسَوِّسُ وَالْمَعِيبُ. وَإِذَا جَوَّزْنَا الْأَقِطَ، لَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُ الْمُمَلَّحِ الَّذِي أَفْسَدَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ. فَإِنْ كَانَ الْمِلْحُ ظَاهِرًا عَلَيْهِ، فَالْمِلْحُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ، وَالشَّرْطُ أَنْ يُخْرِجَ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا.
وَيُجْزِئُ الْحَبُّ الْقَدِيمُ وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ. وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ، وَلَا الْخُبْزُ، كَمَا لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ.
وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: يُجْزِئُ الدَّقِيقُ. قَالَ ابْنُ عَبْدَانَ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ، إِجْزَاءُ السَّوِيقِ وَالْخُبْزِ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِشْبَاعُ الْمَسَاكِينِ فِي هَذَا الْيَوْمِ.
وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ: مَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا الْأَقْوَاتُ النَّادِرَةُ الَّتِي لَا زَكَاةَ فِيهَا، كَالْفَثِّ وَالْحَنْظَلِ، فَلَا تُجْزِئُ قَطْعًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوِ اقْتَاتُوا ثَمَرَةً لَا عُشْرَ فِيهَا.
فَرْعٌ
فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْأَجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ، وَالثَّانِي: قُوتُ نَفْسِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدَانَ، وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ فِي الْأَجْنَاسِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ.
ثُمَّ إِذَا أَوْجَبْنَا قُوتَ نَفْسِهِ أَوِ الْبَلَدِ، فَعَدَلَ إِلَى مَا دُونَهُ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ عَدَلَ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِيمَا يُعْتَدُّ بِهِ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ صَلَاحِيَّةِ الِاقْتِيَاتِ، وَالثَّانِي: بِالْقِيمَةِ.
فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ، إِلَّا أَنْ تُعْتَبَرَ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فِي الْأَكْثَرِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ، الْبُرُّ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ، وَرُجِّحَ فِي «التَّهْذِيبِ» الشَّعِيرُ عَلَى التَّمْرِ، وَعَكَسَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَهُ فِي الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ، وَفِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، تَرَدُّدٌ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَالْأَشْبَهُ تَقْدِيمُ التَّمْرِ عَلَى الزَّبِيبِ. وَإِذَا قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ قُوتُ نَفْسِهِ، وَكَانَ يَلِيقُ بِهِ الْبُرُّ وَهُوَ يَقْتَاتُ الشَّعِيرَ بُخْلًا، لَزِمَهُ الْبُرُّ، وَلَوْ كَانَ يَلِيقُ بِهِ الشَّعِيرُ، فَكَانَ يَتَنَعَّمُ وَيَقْتَاتُ الْبُرُّ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الشَّعِيرُ، وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ الْبُرُّ.
فَرْعٌ
قَدْ يُخْرِجُ الْوَاحِدُ الْفِطْرَةَ عَنْ شَخْصَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَحَدِ عَبْدَيْهِ، أَوْ قَرِيبَيْهِ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، أَوْ قُوتِهِ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، وَعَنِ الْآخَرِ جِنْسٌ أَعْلَى مِنْهُ. وَكَذَا لَوْ مَلَكَ نِصْفَيْنِ مِنْ عَبْدَيْنِ، فَأَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ مِنَ الْمُعْتَبَرِ عَنْ نِصْفِ أَحَدِهِمَا، وَنِصْفًا عَنِ الْآخَرِ مِنْ أَعْلَى مِنْهُ.
وَإِذَا خَيَّرْنَا بَيْنَ الْأَجْنَاسِ، فَلَهُ إِخْرَاجُهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَجُوزُ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِطْرَةٌ مِنْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مِنَ الْوَاجِبِ. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَرَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَجْوِيزَهُ.
وَلَوْ مَلَكَ رَجُلَانِ عَبْدًا، فَإِنْ خَيَّرْنَا بَيْنَ الْأَجْنَاسِ، أَخْرَجَا مَا شَاءَا بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا غَالَبَ قُوتِ الْبَلَدِ، وَكَانَا هُمَا وَالْعَبْدُ فِي بَلَدٍ، أَخْرَجَا عَنْهُ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ ابْتِدَاءً، أَمْ يَتَحَمَّلُ؟ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدَانِ فِي بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْقُوتِ، وَاعْتَبَرْنَا قُوتَ الشَّخْصِ بِنَفْسِهِ، وَاخْتَلَفَ قُوتُهُمَا، فَأَوْجُهٌ.
أَصَحُّهَا: يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُمَا إِذَا أَخْرَجَا هَكَذَا، فَقَدْ أَخْرَجَ كُلُّ شَخْصٍ [كُلَّ] وَاجِبِهِ مِنْ جِنْسٍ، كَثَلَاثَةٍ مُحْرِمِينَ قَتَلُوا ظَبْيَةً، فَذَبَحَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ شَاةٍ، وَأَطْعَمَ آخَرُ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ، وَصَامَ الثَّالِثُ عَدْلَ ذَلِكَ، أَجْزَأَهُمْ، وَالثَّانِي: يُخْرِجَانِ مِنْ أَدْنَى الْقُوتَيْنِ، وَالثَّالِثُ: مِنْ أَعْلَاهُمَا، وَالرَّابِعُ: مِنْ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ.
وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فِي نَفَقَةِ وَلَدَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِي إِخْرَاجِهِمَا الْفِطْرَةَ عَنْهُ كَالسَّيِّدَيْنِ، وَكَذَا مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، وَنِصْفُهُ مَمْلُوكٌ، إِذَا أَوْجَبْنَا نِصْفَ الْفِطْرَةِ كَمَا سَبَقَ، فَالْأَصَحُّ: يُخْرِجَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَالثَّانِي: مِنْ جِنْسٍ.