الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
لَوْ كَانَ مَنْ لَزِمَتْهُ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ فَقِيرًا، فَهَلْ لَهُ صَرْفُهَا إِلَى أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَشْهُورِ.
وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ، كَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْأَعْرَابِيِّ، فَلَمْ يَدْفَعْ إِلَى أَهْلِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ.
فَرْعٌ
إِذَا عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَهَلْ تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ؟ قَالَ الْأَصْحَابُ: الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ.
ضَرْبٌ يَجِبُ لَا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنَ الْعَبْدِ، كَزَكَاةِ الْفِطْرِ. فَإِذَا عَجَزَ وَقْتَ الْوُجُوبِ، لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ.
وَضَرْبٌ يَجِبُ بِسَبَبٍ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ، فَإِذَا عَجَزَ وَقْتَ وُجُوبِهِ، ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ.
وَضَرْبٌ يَجِبُ بِسَبَبٍ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ، كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ، وَالْيَمِينِ، وَالْقَتْلِ، وَالظِّهَارِ، فَفِيهَا قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا: يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ، فَمَتَى قَدَرَ عَلَى إِحْدَى الْخِصَالِ، لَزِمَتْهُ. وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ.
فَصْلٌ
فِي الْفِدْيَةِ.
وَهِيَ مُدٌّ مِنَ الطَّعَامِ، لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ. وَجِنْسُهُ جِنْسُ زَكَاةِ الْفِطْرِ. فَيُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ، كَمَا سَبَقَ. وَمَصْرِفُهَا، الْفُقَرَاءُ أَوِ الْمَسَاكِينُ. وَكُلُّ مُدٍّ مِنْهَا كَكَفَّارَةٍ تَامَّةٍ. فَيَجُوزُ
صَرْفُ عَدَدٍ مِنْهَا إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ أَمْدَادِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ كُلِّ مُدٍّ مِنْهَا إِلَى مِسْكِينٍ، وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ.
الْأَوَّلُ: فَوَاتُ نَفْسِ الصَّوْمِ، فَمَنْ فَاتَهُ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَمَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْقَضَاءِ، سَوَاءٌ تَرَكَ الْأَدَاءَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَفِي صِفَةِ التَّدَارُكِ قَوْلَانِ.
الْجَدِيدُ: أَنَّهُ يُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ. وَالْقَدِيمُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ. فَعَلَى الْقَدِيمِ: لَوْ أَمَرَ الْوَلِيُّ أَجْنَبِيًّا فَصَامَ عَنْهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، جَازَ كَالْحَجِّ. وَلَوِ اسْتَقَلَّ بِهِ الْأَجْنَبِيُّ، لَمْ يُجِزْهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَهَلِ الْمُعْتَبَرُ عَلَى الْقَدِيمِ الْوِلَايَةُ، أَمْ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ، أَمْ تُشْتَرَطُ الْعُصُوبَةُ، أَمِ الْإِرْثُ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَقَالَ: لَا نَقْلَ فِيهِ عِنْدِي.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِذَا فَحَصْتَ عَنْ نَظَائِرِهِ، وَجَدْتَ الْأَشْبَهَ اعْتِبَارَ الْإِرْثِ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ، أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ. وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِامْرَأَةٍ تَصُومُ عَنْ أُمِّهَا وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ الْعُصُوبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوِ اعْتِكَافٌ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ وَلَيُّهُ، وَلَا يَسْقُطْ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ. وَنَقَلَ الْبُوَيْطِيُّ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ: يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلَيُّهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: يُطْعِمُ عَنْهُ. قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ هَذَا فِي الصَّلَاةِ، فَيُطْعَمُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِطْعَامِ فِي الِاعْتِكَافِ، فَالْقَدْرُ الْمُقَابَلُ بِالْمُدِّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَنْ رِوَايَةِ شَيْخِهِ قَالَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ اعْتِكَافَ لَحْظَةٍ، عِبَادَةٌ تَامَّةٌ.
قُلْتُ: لَمْ يُصَحِّحِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ وَاحِدًا مِنَ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ فِي صَوْمِ الْوَلِيِّ، وَكَأَنَّهُ
تَرَكَهُ لِاضْطِرَابِ الْأَصْحَابِ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ: تَصْحِيحُ الْجَدِيدِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا، إِلَى تَصْحِيحِ الْقَدِيمِ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِالْقَدِيمِ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ ثَبَتَتْ فِيهِ.
وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنَ السُّنَّةِ. وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ، ضَعِيفٌ، فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِالْقَدِيمِ. ثُمَّ مَنْ جَوَّزَ الصِّيَامَ، جَوَّزَ الْإِطْعَامَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحُكَمُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، حُكْمُ صَوْمِ رَمَضَانَ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْقَضَاءِ، بِأَنْ لَا يَزَالَ مَرِيضًا، أَوْ مُسَافِرًا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَا شَيْءَ فِي تَرِكَتِهِ وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَصِحُّ الصِّيَامُ مِنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ، سَوَاءً كَانَ عَاجِزًا أَوْ غَيْرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الشَّيْخُ الْهَرِمُ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، أَوْ تَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، لَا صَوْمَ عَلَيْهِ. وَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْوُجُوبُ.
وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ. وَلَوْ نَذَرَ فِي خِلَالِ الْعَجْزِ صَوْمًا، فَفِي انْعِقَادِهِ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَنْعَقِدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ عَلَى الشَّيْخِ، فَكَانَ مُعْسِرًا، هَلْ تَلْزَمُهُ إِذَا قَدَرَ؟ قَوْلَانِ، كَالْكَفَّارَةِ. وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا فَعَتِقَ، فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالْأَوْلَى: بِأَنْ لَا تَجِبَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا.
وَلَوْ قَدَرَ الشَّيْخُ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَمَا أَفْطَرَ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ قَضَاءً؟ نَقَلَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ، بَلْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ، بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إِذَا حَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَدَرَ، يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِي قَوْلٍ، لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: إِذَا قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْدِيَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَجِّ، لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ عُذْرَهُ غَيْرُ زَائِلٍ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ «التَّتِمَّةِ» فِي آخَرِينَ نَقَلُوا خِلَافًا فِي أَنَّ الشَّيْخَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالصَّوْمِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْفِدْيَةِ بِالْعَجْزِ، أَمْ يُخَاطَبُ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً؟ وَبَنَوْا عَلَيْهِ الْوَجْهَيْنِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ مَا يَجِبُ لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ. فَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ، إِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وَلَا فِدْيَةَ كَالْمَرِيضِ.
وَإِنْ لَمْ تَخَافَا مِنَ الصَّوْمِ، إِلَّا عَلَى الْوَلَدِ، فَلَهُمَا الْفِطْرُ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ. وَفِي الْفِدْيَةِ أَقْوَالٌ.
أَظْهَرُهَا: تَجِبُ، وَالثَّانِي: تُسْتَحَبُّ، وَالثَّالِثُ: تَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ. فَعَلَى الْأَظْهَرِ: لَا تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قُطِعَ فِي «التَّهْذِيبِ» .
وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُرْضِعِ وَلَدَهَا، أَوْ غَيْرَهُ، بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؟ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَا فَرْقَ، فَتُفْطِرُ الْمُسْتَأْجِرَةُ وَتَفِدِي. كَمَا أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا أَفَادَ الْفِطْرَ، يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسَافِرُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْفَتَاوَى» : الْمُسْتَأْجَرَةُ لَا تُفْطِرُ، وَلَا خِيَارَ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ قَوْلُ صَاحِبِ «التَّتِمَّةِ» وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ: يَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ، بَلْ يَجِبُ إِنْ أَضَرَّ الصَّوْمُ بِالرَّضِيعِ.
وَفِدْيَةُ الْفِطْرِ، عَلَى مَنْ تَجِبُ؟ قَالَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا لَوِ اسْتَأْجَرَ لِلتَّمَتُّعِ، فَعَلَى مَنْ يَجِبُ دَمُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَرَاضِعُ، فَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَ صَبِيًّا، تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، جَازَ الْفِطْرُ لَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَتِ الْحَامِلُ أَوِ الْمُرْضِعُ مُسَافِرَةً أَوْ مَرِيضَةً، فَأَفْطَرَتْ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ بِالْمَرَضِ أَوِ السَّفَرِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا. وَإِنْ لَمْ تَقْصِدِ التَّرَخُّصَ، فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ، كَالْوَجْهَيْنِ فِي فِطْرِ الْمُسَافِرِ بِالْجِمَاعِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، هَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ مَعَ الْقَضَاءِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا.
فَرْعٌ
لَوْ رَأَى مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَافْتَقَرَ فِي تَخْلِيصِهِ إِلَى الْفِطْرِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا، كَالْمُرْضِعِ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: فَلَهُ ذَلِكَ، فِيهِ تَسَاهُلٌ. وَمُرَادُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: مَا يَجِبُ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ، فَمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ، وَأَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِهَذَا الْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ. وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى مَضَى رَمَضَانَانِ فَصَاعِدًا، فَهَلْ تُكَرَّرُ الْفِدْيَةُ؟ وَجْهَانِ.
قَالَ فِي «النِّهَايَةِ» : الْأَصَحُّ، التَّكَرُّرُ. وَلَوْ أَفْطَرَ عُدْوَانًا، وَأَلْزَمْنَاهُ الْفِدْيَةَ، فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ فِدْيَتَانِ، وَاحِدَةٌ لِلْإِفْطَارِ، وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ.
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرُوذِيُّ: إِنْ عَدَدْنَا الْفِدْيَةَ بِتَعَدُّدِ رَمَضَانَ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَإِذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ،
فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَقُلْنَا: الْمَيِّتُ يُطْعَمُ عَنْهُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُخْرَجُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ تَرِكَتِهِ مُدَّانِ. وَالثَّانِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَكْفِي مُدٌّ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: يُصَامُ عَنْهُ، فَصَامَ الْوَلِيُّ، فَيَحْصُلُ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ، وَيَفْدِي لِلتَّأْخِيرِ.
وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ التَّكَرُّرُ، فَكَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا خَمْسَةُ أَيَّامٍ، أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا، عَشَرَةً لِأَصْلِ الصَّوْمِ، وَخَمْسَةً لِلتَّأْخِيرِ، لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا قَضَاءَ خَمْسَةٍ.
وَلَوْ أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ، وَأَوْجَبْنَا بِهِ الْفِدْيَةَ فَأَخَّرَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ، وَمَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ. فَإِنْ تَكَرَّرَتِ السُّنُونَ، زَادَتِ الْأَمْدَادُ.
وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ جَمِيعِ الْفَائِتِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ الْفِدْيَةُ عَمَّا لَا يَسَعُهُ الْوَقْتُ، أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا، فَتَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ، هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ، أَمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ؟ وَلَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ مَجِيءِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ.
قُلْتُ: إِذَا أَخَّرَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ الْمُدَّ عَنِ السَّنَةِ الْأُولَى، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْوَسِيطِ» : فِي تَكَرُّرِ مُدٍّ آخَرَ لِلتَّأْخِيرِ وَجْهَانِ.
وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَإِذَا أَرَادَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ إِخْرَاجَ الْفِدْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وَإِنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ حَكَاهُمَا فِي «الْبَحْرِ» عَنْ وَالِدِهِ، وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِالْجَوَازِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
قَالَ الْإِمَامُ الزِّيَادِيُّ: وَيَجُوزُ لِلْحَامِلِ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ عَلَى الْفِطْرِ، وَلَا يُقَدِّمُ إِلَّا فِدْيَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.