الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ. وَقِيلَ: فِي تَعْيِينِهِ قَوْلَانِ. وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مَسْجِدَ الْأَقْصَى، تَعَيَّنَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ يَتَعَيَّنُ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ لِلصَّلَاةِ. وَقِيلَ: لَا يَتَعَيَّنُ قَطْعًا.
وَإِذَا حَكَمْنَا بِالتَّعْيِينِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إِلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. وَإِنْ عَيَّنَ الْأَقْصَى، لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إِلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ.
وَإِذَا حَكَمْنَا بِعَدَمِ التَّعْيِينِ، فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِيَنْتَقِلَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، لَكِنْ لَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ فِي خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ.
أَمَّا إِذَا عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ، فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ.
الصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَضَاءً.
وَالثَّانِي: لَا يَتَعَيَّنُ، كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَعْيِينِ زَمَنِ الصَّوْمِ.
فَصْلٌ
مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ مُدَّةٍ وَأَطْلَقَ، نُظِرَ، إِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ، لَزِمَهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ، بَلْ قَالَ: عَلَيَّ شَهْرٌ أَوْ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ.
وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ شَاذٌّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ نَوَى التَّتَابُعَ بِقَلْبِهِ، فَفِي لُزُومِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَلْزَمُ.
وَلَوْ شَرَطَ تَفْرِيقَهُ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْمُتَتَابَعُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ.
وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، فَهَلْ يَجُوزُ تَلْفِيقُ سَاعَاتِهِ مِنْ أَيَّامٍ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْيَوْمِ، الْمُتَّصِلُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ، أَنَّ الْيَوْمَ: اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي أَثْنَاءِ
النَّهَارِ وَخَرَجَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَكَثَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَهُوَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يُجْزِئُهُ، سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ أَوْ مَنَعْنَاهُ، لِحُصُولِ التَّوَاصُلِ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ: لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِيَوْمٍ مُتَوَاصِلِ السَّاعَاتِ، وَاللَّيْلَةُ لَيْسَتْ مِنَ الْيَوْمِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ.
وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دُخُولُ الْمُعْتَكَفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِاللَّيْلِ لِيَتَحَقَّقَ التَّتَابُعُ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُلْتَزَمَ يَوْمٌ وَلَيْسَتِ اللَّيْلَةُ مِنْهُ، فَلَا يَمْنَعُ التَّتَابُعَ. وَالْقِيَاسُ: أَنْ يَجْعَلَ فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، الْقَطْعَ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرَ.
ثُمَّ حَكَى الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ السَّاعَاتِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ سَاعَاتُ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّهُ لَوِ اعْتَكَفَ أَقْصَرَ الْأَيَّامِ، جَازَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنْ فَرَّقَ عَلَى سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ فِي سِنِينَ، فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَإِنِ اعْتَكَفَ فِي أَيَّامٍ مُتَبَايِنَةٍ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ اعْتِكَافُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالْجُزْئِيَّةِ إِلَيْهِ، إِنْ كَانَ ثُلُثًا، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ ثُلُثِ مَا عَلَيْهِ.
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، نَظَرًا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ. وَلِهَذَا، لَوِ اعْتَكَفَ مِنْ يَوْمٍ طَوِيلٍ بِقَدْرِ سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ، لَمْ يَكْفِهِ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ حَسَنٌ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي.
أَمَّا إِذَا عَيَّنَ الْمُدَّةَ الْمَنْذُورَةَ، بِأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْآنِ، أَوْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ، أَوْ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ هَذَا الشَّهْرِ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ.
فَلَوْ أَفْسَدَ آخِرَهُ بِخُرُوجٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَجِبِ الِاسْتِئْنَافُ. وَلَوْ فَاتَهُ الْجَمِيعُ، لَمْ يَجِبِ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ، فَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: أَعْتَكِفُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ مُتَتَابِعَةً، فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ لِفَسَادِ آخِرِهِ، أَوِ التَّتَابُعُ فِي قَضَائِهِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: يَجِبَانِ، لِتَصْرِيحِهِ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَقَعُ ضَرُورَةً، فَلَا أَثَرَ لِتَصْرِيحِهِ.