الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَخْرَجَهَا وَطَلَبَ الْجُبْرَانِ - لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ عَلَيْهِ دَفْعُ ابْنِ اللَّبُونِ بِلَا جُبْرَانٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بَنَتِ الْمَخَاضِ بِالنَّصِّ، وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ فَأَخْرَجَ بَدَلَهَا بِنْتَيْ لَبُونٍ، أَوْ وَجَبَتْ جَذَعَةٌ، فَأَخْرَجَ بَدَلَهَا حِقَّتَيْنِ، أَوْ بِنْتَيْ لَبُونٍ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عَمَّا زَادَ، وَلَوْ مَلَكَ إِحْدَى وَسِتِّينَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهَا، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ مَعَهَا ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ. وَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ أَنَّهَا تَكْفِيهِ وَحْدَهَا حَذَرًا مِنَ الْإِجْحَافِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَا يَدْخُلُ الْجُبْرَانُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ.
فَصَلٌ فِي صِفَةِ الْمُخْرَجِ فِي الْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ
أَسْبَابُ النَّقْصِ فِي هَذَا الْبَابِ خَمْسَةٌ.
أَحَدُهَا: الْمَرَضُ، فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا مِرَاضًا، أَجْزَأَتْهُ مَرِيضَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ. وَلَوْ كَانَ بَعْضُهَا صَحِيحًا وَبَعْضُهَا مَرِيضًا، فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَأَكْثَرَ - لَمْ تُجْزِ الْمَرِيضَةُ إِنْ كَانَ الْوَاجِبُ حَيَوَانًا وَاحِدًا، فَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَنِصْفُ مَاشِيَتِهِ صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ، كَبِنْتَيْ لَبُونٍ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ، وَكَشَاتَيْنِ فِي مِائَتَيْنِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ صَحِيحَةً وَمَرِيضَةً؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي التَّهْذِيبِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ: يَجُوزُ، وَأَقْرَبُهُمَا إِلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ: لَا. وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَاشَيْتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ، كَشَاتَيْنِ فِي مِائَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا صَحِيحَةٌ إِلَّا وَاحِدَةٌ - فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ صَحِيحَةٌ وَمَرِيضَةٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. ثَانِيهِمَا: يَجِبُ صَحِيحَتَانِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ.
فَرْعٌ
إِذَا أَخْرَجَ صَحِيحَةً مِنَ الْمَالِ الْمُنْقَسِمِ إِلَى الصِّحَاحِ وَالْمِرَاضِ، لَمْ يَجِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ صِحَاحِ مَالِهِ، وَلَا مِمَّا يُسَاوِيهَا فِي الْقِيمَةِ، بَلْ يَجِبُ صَحِيحَةٌ لَائِقَةٌ بِمَالِهِ.
مِثَالُهُ: أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا صِحَاحٌ، وَقِيمَةُ كُلِّ صَحِيحَةٍ دِينَارَانِ وَكُلِّ مَرِيضَةٍ دِينَارٌ، فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ، وَذَلِكَ دِينَارٌ وَنِصْفٌ، وَلَوْ كَانَتِ الصِّحَاحُ ثَلَاثِينَ، فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَرُبُعِ مَرِيضَةٍ، وَهُوَ دِينَارٌ وَنِصْفٌ وَرُبُعٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا صَحِيحَةٌ، فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ وَقِيمَتُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ، وَجُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ صَحِيحَةٍ، وَذَلِكَ دِينَارٌ وَرُبُعُ عُشْرِ دِينَارٍ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ رُبُعُ عُشْرِ الْمَالِ، وَمَتَى قُوِّمَ جُمْلَةُ النِّصَابِ وَكَانَتِ الصَّحِيحَةُ الْمُخْرَجَةُ رُبُعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ، كَفَى. فَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الشَّاتَيْنِ الْمَأْخُوذَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَأَحَدٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ يَكُونُ قِيمَةُ النَّاقَةِ الْمَأْخُوذَةِ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ، وَقِسْ عَلَى هَذَا سَائِرَ النُّصُبِ وَوَاجِبَاتِهَا، وَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنَ الْإِبِلِ نِصْفُهَا صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ، وَقِيمَةُ كُلِّ صَحِيحَةٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَقِيمَةُ كُلِّ مَرِيضَةٍ دِينَارَانِ - وَجَبَتْ صَحِيحَةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: هَلَّا كَانَ هَذَا مُلْتَفِتًا إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْوَقَصِ أَمْ لَا، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ فَذَاكَ وَإِلَّا قُسِّطَ الْمَأْخُوذُ عَنِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ.
النَّقْصُ الثَّانِي: الْعَيْبُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْمَرَضِ، سَوَاءٌ تَمَحَّضَتِ الْمَاشِيَةُ مَعِيبَةً، أَوِ انْقَسَمَتْ سَلِيمَةً وَمَعِيبَةً. وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ فِي هَذَا الْبَابِ، مَا يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ
عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: هَذَا مَعَ مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا مَعِيبَةً، وَفِيهَا بِنْتَا مَخَاضٍ إِحْدَاهُمَا مِنْ أَجْوَدِ الْمَالِ مَعَ عَيْبِهَا، وَالثَّانِيَةُ دُونَهَا، فَهَلْ يَأْخُذُ الْأَجْوَدَ كَالْأَغْبَطِ فِي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ أَمِ الْوَسَطَ؟ وَجْهَانِ، الصَّحِيحُ: الثَّانِي.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيَأْخُذُ خَيْرَ الْمَعِيبِ، فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، وَالْمُرَادُ: يَأْخُذُ مِنْ وَسَطِهِ.
النَّقْصُ الثَّالِثُ: الذُّكُورَةُ، فَإِذَا تَمَحَّضَتِ الْإِبِلُ إِنَاثًا، أَوِ انْقَسَمَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، لَمْ يُجْزِئْ عَنْهَا الذَّكَرُ إِلَّا فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا ابْنُ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَإِنَّ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: جَوَازُهُ، كَالْمَرِيضَةِ مِنَ الْمِرَاضِ، وَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنَ ابْنِ لَبُونٍ، يُؤْخَذُ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَيُعْرَفُ بِالتَّقْوِيمِ أَوِ النِّسْبَةِ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، فَعَلَى هَذَا لَا يُؤْخَذُ أُنْثَى كَانَتْ تُؤْخَذُ لَوْ تَمَحَّضَتْ إِنَاثًا، بَلْ تُقَوَّمُ مَاشِيَتُهُ لَوْ كَانَتْ إِنَاثًا، وَتُقَوَّمُ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْهَا، وَيُعْرَفُ نِسْبَتُهَا مِنَ الْجُمْلَةِ، وَتُقَوَّمُ مَاشِيَتُهُ الذُّكُورُ، وَتُؤْخَذُ أُنْثَى قِيمَتُهَا مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ، وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْإِنَاثِ وَالذُّكُورِ، يَكُونُ دُونَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الْإِنَاثِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيطِ الْمَذْكُورِ فِي الْمِرَاضِ، وَالثَّالِثُ: إِنْ أَدَّى أَخْذُ الذَّكَرِ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ النَّصَّابِينَ، لَمْ يُؤْخَذْ، وَإِلَّا أُخِذَ.
مِثَالُهُ: يُؤْخَذُ ابْنُ مَخَاضٍ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَحِقٌّ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَجَذَعٌ مِنْ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَكَذَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ، وَاخْتَلَفَ الْفَرْضُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَلَا يُؤْخَذُ ابْنُ لَبُونٍ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.
وَأَمَّا الْبَقَرُ، فَالتَّبِيعُ مَأْخُوذٌ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِهِ، وَحَيْثُ وَجَبَتِ الْمُسِنَّةُ، تَعَيَّنَتْ إِنْ تَمَحَّضَتْ إِنَاثًا أَوِ انْقَسَمَتْ، فَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فِي الْإِبِلِ، وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ أَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ أَوْ خَمْسِينَ تَبِيعِينَ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمَا يُجْزِئَانِ عَنْ سِتِّينَ، فَعَمَّا دُونِهَا أَوْلَى. وَأَمَّا الْغَنَمُ، فَإِنْ تَمَحَّضَتْ إِنَاثًا أَوِ انْقَسَمَتْ، تَعَيَّنَتِ الْأُنْثَى، وَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا، فَطَرِيقَانِ؛ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَالثَّانِي: عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِبِلِ.
النَّقْصُ الرَّابِعُ: الصِّغَرُ، وَلِلْمَاشِيَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فِي سِنِّ الْفَرْضِ، فَيُؤْخَذُ لِوَاجِبِهَا سِنُّ الْفَرْضِ، وَلَا يُؤْخَذُ مَا دُونَهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مَا فَوْقَهُ. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا فَوْقَ سِنِّ الْفَرْضِ، فَلَا يُكَلَّفُ الْإِخْرَاجَ مِنْهَا، بَلْ يُحَصِّلُ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ وَيُخْرِجُهَا، وَلَهُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ فِي الْإِبِلِ كَمَا سَبَقَ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ فِي سِنٍّ دُونَهَا، وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ تَصَوُّرُ هَذَا، فَإِنَّ أَحَدَ شُرُوطِ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ، وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ بَلَغَتِ الْمَاشِيَةُ حَدَّ الْإِجْزَاءِ. وَقَدْ صَوَّرَهَا الْأَصْحَابُ فِيمَا إِذَا حَدَثَتْ مِنَ الْمَاشِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحُلُولِ فَصْلَانِ، أَوْ عُجُولٌ، أَوْ سِخَالٌ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُمَّهَاتُ، وَتَمَّ حَوْلُهَا وَالنِّتَاجُ صِغَارٌ بَعْدُ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ النِّتَاجَ يُبْنَى عَلَى حَوْلِهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ: إِنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ، بَلْ بِنُقْصَانِهَا عَنِ النِّصَابِ، فَلَا تَجِيءُ هَذِهِ الصُّورَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوِّرَ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا مَلَكَ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ وَمَضَى عَلَيْهَا حَوْلٌ، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الثَّنِيَّةَ مِنَ الْمَعْزِ - عَلَى الْأَصَحِّ - هِيَ الَّتِي اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. إِذَا عُرِفَ التَّصْوِيرُ فَفِيمَا يُؤْخَذُ؟ وَجْهَانِ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ: قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: لَا يُؤْخَذُ إِلَّا كَبِيرَةٌ، لَكِنْ دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْكِبَارِ فِي الْقِيمَةِ.
وَكَذَا إِذَا انْقَسَمَ مَالُهُ إِلَى صِغَارٍ وَكِبَارٍ، يُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ كَبِيرَةٌ بِمَا يَقْتَضِيهِ التَّقْسِيطُ، أُخِذَتِ الْقِيمَةُ لِلضَّرُورَةِ. ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيُّ فِي الْإِيضَاحِ.
وَالْقَوْلُ الْجَدِيدُ: لَا يَتَعَيَّنُ الْكَبِيرَةُ، بَلْ تَجُوزُ الصَّغِيرَةُ كَالْمَرِيضَةِ مِنَ الْمِرَاضِ. فَعَلَى هَذَا، هَلْ تُؤْخَذُ الصَّغِيرَةُ مُطْلَقًا، أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَخْذِ الصَّغِيرَةِ مِنْ صِغَارِ الْغَنَمِ، وَذَكَرُوا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا: يَجُوزُ أَخْذُ
الصِّغَارِ مُطْلَقًا كَالْغَنَمِ، وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ السَّاعِي وَيَحْتَرِزُ عَنِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَيَأْخُذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْفَصِيلِ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَمِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْمَأْخُوذِ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُجْزِئُ الصَّغِيرَةُ؛ لِئَلَّا تُؤَدِّيَ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، لَكِنْ يُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ.
وَالثَّالِثُ: لَا يُؤْخَذُ فَصِيلٌ مِنْ أَحَدٍ وَسِتِّينَ فَمَا دُونَهَا، وَيُؤْخَذُ مِمَّا فَوْقَهَا، وَكَذَا مِنَ الْبَقَرِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ لِشَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّسْوِيَةَ الَّتِي تَلْزَمُ فِي أَحَدٍ وَسِتِّينَ فَمَا دُونَهَا تَلْزَمُ فِي أَحَدٍ وَتِسْعِينَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، فَإِنْ أَخَذْنَا فَصِيلَيْنِ فِي هَذَا وَفِي ذَلِكَ، سَوَّيْنَا، فَإِنْ وَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنِ التَّسْوِيَةِ فَلْيُحْتَرَزْ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ. الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ التَّسْوِيَةَ تَلْزَمُ فِي الْبَقَرِ، فِي ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِينَ، وَقَدْ عَبَّرَ قَوْمٌ مِنَ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِعِبَارَةٍ تَدْفَعُ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ، فَقَالُوا: تُؤْخَذُ الصَّغِيرَةُ حَيْثُ لَا تُؤَدِّي إِلَى التَّسْوِيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْمَنْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَمَا فَوْقَهَا، وَجَوَّزَ إِخْرَاجَ فَصِيلٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، إِذْ لَا تَسْوِيَةَ فِي تَجْوِيزِهِ وَحَدِّهِ.
النَّقْصُ الْخَامِسُ: رَدَاءَةُ النَّوْعِ، الْمَاشِيَةُ إِنِ اتَّحَدَ نَوْعُهَا بِأَنْ كَانَتْ إِبِلُهُ كُلُّهَا أَرْحَبِيَّةً أَوْ مُهْرِيَّةً، أَوْ كَانَتْ غَنَمُهُ كُلُّهَا ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا - أُخِذَ الْفَرْضُ مِنْهَا، وَذُكِرَ فِي التَّهْذِيبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ ثَنِيَّةٍ مِنَ الْمَعْزِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عَنْ أَرْبَعِينَ ضَأْنًا، أَوْ جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ مَعْزًا؟ أَصَحُّهَا الْجَوَازُ؛ لِاتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَالْمُهْرِيَّةِ مَعَ الْأَرْحَبِيَّةِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَالْبَقَرِ عَنِ الْغَنَمِ. وَالثَّالِثُ: لَا يُؤْخَذُ الْمَعْزُ عَنِ الضَّأْنِ، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ، كَمَا يُؤْخَذُ فِي الْإِبِلِ الْمُهْرِيَّةُ عَنِ الْمَجِيدِيَّةِ، وَلَا عَكْسَ، وَكَلَامُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مِنَ الضَّأْنِ الْوَسَطِ، فَأَخْرَجَ ثَنِيَّةً مِنَ الْمَعْزِ الشَّرِيفَةِ تُسَاوِي جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ الَّتِي يَمْلِكُهَا - فَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَالظَّاهِرُ إِجْزَاؤُهَا. أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ
كَالْمُهْرِيَّةِ وَالْأَرْحَبِيَّةِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْعِرَابِ وَالْجَوَامِيسِ مِنَ الْبَقَرِ، وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مِنَ الْغَنَمِ، فَيَضُمُّ الْبَعْضَ إِلَى الْبَعْضِ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ مِنَ الْأَغْلَبِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا، فَكَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ، فَيُؤْخَذُ الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى وَجْهٍ: الْخِيَرَةُ لِلْمَالِكِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا شِقْصٌ وَمِنْ هَذَا شِقْصٌ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ النَّظَرُ إِلَى الْأَصْنَافِ وَبِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، فَإِذَا اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ وَالتَّقْسِيطُ فَمِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ الْمَأْخُوذُ جَازَ. كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَعْلَى الْأَنْوَاعِ، كَمَا لَوِ انْقَسَمَتْ إِلَى صِحَاحٍ وَمِرَاضٍ، وَيُجَابُ عَمَّا قَالَ بِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ، فَلَمْ نَأْخُذْ إِلَّا مَا وَجَدْنَا صَحِيحَةً، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الْأَنْوَاعُ أُخِذَ مِنَ الْوَسَطِ، وَلَا يَجِيءُ هَذَا فِي نَوْعَيْنِ فَقَطْ، وَلَا فِي ثَلَاثَةٍ مُتَسَاوِيَةٍ. وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْأَجْوَدُ، فَخَرَجَ مِنْ نَصِّهِ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذَا لَمْ تَحْتَمِلُ الْإِبِلُ أَخْذَ وَاجِبِ كُلِّ نَوْعٍ وَحْدَهُ، فَإِنِ احْتَمَلَ أُخِذَ بِلَا خِلَافٍ، بِأَنْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ مِائَةً أَرْحَبِيَّةً، وَمِائَةً مُهْرِيَّةً، فَيُؤْخَذُ حِقَّتَانِ مِنْ هَذِهِ وَحِقَّتَانِ مِنْ هَذِهِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: طَرْدُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا، وَنُوَضِّحُ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِينَ بِمِثَالَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ، عَشْرَةٌ مُهْرِيَّةٌ، وَعَشْرَةٌ أَرْحَبِيَّةٌ، وَخَمْسَةٌ مَجِيدِيَّةٌ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ أَرْحَبِيَّةٌ، أَوْ مُهْرِيَّةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ أَرْحَبِيَّةٍ وَنِصْفِ مُهْرِيَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَغْلَبُ. وَعَلَى الثَّانِي: يُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ أَعْطَى بِقِيمَةِ خُمُسَيْ مُهْرِيَّةٍ وَخُمُسَيْ أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمُسِ مَجِيدِيَّةٍ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ مُهْرِيَّةٍ عَشْرَةٌ، وَقِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْحَبِيَّةٍ خَمْسَةٌ، وَبِنْتِ مَخَاضٍ مَجِيدِيَّةٍ دِينَارَيْنِ وَنِصْفٍ - أَخَذَ بِنْتَ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِهَا شَاءَ قِيمَتُهَا سِتَّةٌ وَنِصْفٌ.
الثَّانِي: لَهُ ثَلَاثُونَ مِنَ الْمَعْزِ، وَعَشْرٌ مِنَ