الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون ".
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ".
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا "(1) .
(1) هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلًمها أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أمور دينهم، سواء كان في خطبة نكاح، أو جمعة، أوعيد، أو محاضرة، ولي فيها رسالة مطبوعة مراراً، وهذه الخطبة مع الأسف مهجورة من أكثر الخطباء والمدرسين، وإن كنا بدأنا نشعر بعد نثر الرسالة بسنين أن كثيراً من الخطباء، وبخاصة السلفيين منهم، قد تبنوها، وبذلك أحيوا سنة أماتها من لا يهتم بإحياء السنن، وإماتة البدع، جزاهم الله خيرا.
وبهذه المناسبة أقول:
إن من أسوأ التعليقات التي وقفت عليها في هذه الآونة الأخيرة، والتي تدل على أن كاتبها لم يُؤت من الحكمة شيئاً مذكوراً، ما طبعه المدعو شرف حجازي المصري على كتابي " صحيح الكلم الطيب "؛ الذي سرقه وطبعه بتعليقات أضافها من عنده، كان منها قوله (ص 85) ناقلاً عن النووي:"هذه الخطبة سنة، لو لم يأت بشيء منها؟ صح النكاح باتفاق العلماء". =
أما بعد؛ فإليكم أيها القراء الكرام! المجلد الرابع من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، وفيه أنواع جديدة من الأحاديث الواهية، التي يجب على كل مسلم- وبخاصة أهل العلم وطلابه- أن يكون على حذر منها. لكي لا يقول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعلم أنه قاله، فيقع- لا سمح الله- في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم:
"من قال علي ما لم أقل؛ فليتبوأ مقعده من النار"، نعوذ بالله تعالى من النار، ومن كل أسبابها.
ولقد يسر الله عز وجل وله الفضل والمنة- أن لا يتأخر عن سابقه صدوراً إلا قليلًا، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات حمداً كثيراً.
وكانت مقدمة المجلد السابق عامرة- بفضل الله- بالبحوث العلمية، والردود الفقهية والحديثية، على بعض الحاقدين والحاسدين من الصوفية
والطرقية، الذين يتهمون الأبرياء بما ليس فيهم، من أولئك الشيخ عبد الله الغُماري المغربي، الذي غَمِر صدرُهُ، وعمي بالهوى قلبُه، فطعن في جماهير
المسلمين من أهل السنة سلفاً وخلفاً، واتهمهم بمخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه، وأثنى خيراً بكل صراحة على الشيعة انتصاراً لبدعته، (المقدمة ص 9- 12) .
وصحح مع ذلك كله بغير علم بعض الأحاديث الضعيفة والباطلة، ورمى الحافظَين الجليلين الذهبي والعسقلاني بالتعنت الشديد، لأنهما أبطلا
= أقول: فإن مثل هذا التعليق إنما يحسُن ذكره في سُنة معروفة؛ يخشى من مواظبة الناس عليها أن يقعوا في الغلو فيها، وليس في سنة كهذه الخطبة التي لا يعرفها أكثر الخاصة، فضلًا عن العامة، حتى كادت أن تصبح نسياً منسيا، حتى عند بعض الناشرين الذين يدَّعون السلفية عقيدة أو تجارة (الله أعلم بما في نفوسهم)، وقد بينت شيئاً من هذا في مقدمتي للطبعة الثامنة من الكتاب المذكور:"صحيح الكلم الطب "، وقد صدر حديثا والحمد لله في طبعة أنيقة مزيدة منقحة. والله ولي التوفيق.
حديثاً من تلك الأحاديث التي صححها هو تكلفاً وتشيعاً! وقد نبهت على بعضها في تلك المقدمة (ص 22- 25 و 33- 39) ، وعلى غيرها في صُلب المجلد كالحديث (1042) وغيره كثير وكثير، مما يؤكد لكل باحث أنه في هذا العلم كما قيل:"لا في العير ولا في النفير"، وقد نبهت على بعضها في فهرست "1- المواضيع والبحوث " منه، ِ فمن شاء تتبُّعها رجع إليه.
هذا في المجلد الثالث.
وستمر بك أيها القارىء الكريم في هذا المجلد الرابع، أمثلة أخرى من تلك الأحاديث الضعيفة التي صححها الغُماري أيضاً، ضِغثاً على إبَّالة، فلا بأس من الِإشارة إلى أرقامها هنا، ليزداد القراء معرفة بهذا الغُماري، ومدى انحرافه عن جادة هذا العلم وقواعده، وأقوال أئمة الجرح والتعديل:
(1504 و 1514 و 1566 و 1782،) وهو موضوع (و 1821 و 1828 و 1833 و 1844 و 1933) .
(تنبيه) : كنت بينت في مقدمة المجلد الثالث من هذه السلسلة حال عبد الله الغماري في عدائه لأهل السنة، ومحاربته إياهم، واتهامه إياي شخصياً بشتى التهم الباطلة، وجهلَه بعلم الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، ونبهت في تضاعيفه على جملة من الأحاديث الضعيفة التي صححها بجهل بالغ، وأوردها في كتابه الذي سماه "الكنز الثمين "، وهي من الكثرة بحيث يظن كثير من المتعصبة له، والمغرورين به، أن في نقدي إياه تحاملا عليه بحكم العداء المذهبي، كما هو معهود منه في مخالفه، والله سبحأنه نسأل أن يعصمنا من الوقوع في مثل ما وقع فيه، وأن لا نقول فيه وفي أمثاله من المبتدعة إلا ما ندين الله به،
متأدبين في ذلك بأدب قوله تعالى: "ولا يجرِمَنَّكُم شنآنُ قومٍ على أنْ لا تَعْدِلوا اعدِلوا هو أقربُ للتَّقوى".
والمقصود أن الرجل أصدر حديثاً كتابا ترجم فيه لنفسه عنوأنه: "سبيل التوفيق في ترجمة عبد الله بن الصديق " تأليف: العلامة الحافظ التفنن أبي
الفضل عبد الله بن الصديق الغماري "! عقد فيه (ص 96) فصلاً بعنوان: (مؤلفاتي في السجن)، يعني: سجن جمال عبد الناصر، مكث فيه من سنة
1959 إلى سنة 1969- وهذه السنة هي التي صدر فيها كتابي "صحيح الجامع "-، ثم ذكر أنه ألف فيه عدة كتب سماها؛ منها الكتاب المذكور:"الكنز الثمين "، ثم قال ما نصه بالحرف الواحد:
"غير أن كتاب "الكنز الثمين " لست راضياً عنه، لأني كتبته في حال تضييق وتشديد كما سبق، وعدم وجود مراجع، فجاءت فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، ولو وجدت فراغاً لنقحته وهذبته وحذفت منه ما فيه من الضعيف ".
قلت: فالحمد لله الذي شهد على نفسه بكثرة الأحاديث الضعيفة فيه، وقد كنا نبهنا على طائفة كبيرة منها، ولا نزال بفضل الله تعالى. نصحاً للأمة، وتحذيراً لهم أن لا يغزوا بما قاله في مقدمة "كنزه " (صفحة ح) :
"جردت فيه الأحاديث الثابتة من الجامع الصغير". وقال (صفحة ع) :
"ليس فيه أحاديث ضعيفة أو واهية".
ولكن
…
ألا يتساءل الفراء معي أنه إذا كان صادقاً في قوله: أنه ألفه في السجن حيث لا مراجع لديه كما زعم، فكيف جاز له أن يجزم هذا الجزم القاطع بأن كل أحاديثه ثابتة، وأنه ليس فيه أحاديث ضعيفة..؟! أليس في
ذلك غشٌّ وتضليلٌ للأمة؟! لو أن ذلك كان في أحاديث معدودة لعذرناه، لكنا من الكثرة بحيث يصعب إحصاؤها، فإن في حرف الألف منه فقط نحو مئتي حديث ضعيف أو موضوع، من أصل أربع مئة وألف حديث تقريباً كما كنت ذكرت ذلك في المقدمة المشار إليها آنفاً (ص 23) .
وفي ظني أن الذي حمله على ذلك الجزم بغير علم إنما هو الحسد والغيرة من كتابي: "صحيح الجامع الصغير"، فجمع هو" كنزه " مضاهاة له، وقد طبع قبله بنحو عشر سنين، ويظهر أنه توجهت إليه انتقادات كثيرة من بعض الناصحين؛ غير ما في هذه السلسلة، كمثل ما جاء في مقدمة "ترتيب صحيح الجامع الصغير.. " لبعض إخواننا (ص 14) :
"كتاب "الكنز الثمين.. " محشو بالأحاديث الضعيفة، وسبب ذلك أنه اعتمد على تصحيح الحاكم والترمذي وابن حبان، وعلى الأحاديث التي قيل
فيها: رواته ثقات، أو رجاله موثقون، وهذا الحكم كما لا يخفى فيه نظر عند أهل الحديث بينوه في مؤلفاتهم ".
وتفصيل هذا الِإجمال يجده القراء في عشرات بل مئات الأمثلة في هذا المجلد، والذي قبله والآتية بعده إن شاء الله تعالى، وذلك من فضل الله علينا
وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
ومن أعاجيب تقديرات الله تعالى أن يضطر الغماري إلى الاعتراف بشيء من الفضل تحت مطارق أدلة الحق، فقد ذكرني الغماري هذا (ص 49) من " ترجمته " في جملة من عاصره من أهل الحديث، وقال:
"يعرف الحديث معرفة جيدة، إلا أنه يعتمد على المناوي وعلي القاري
.. " إلخ ما رماني به كعادته.
وهذا الاعتماد الذي رماني به إنما هو صفته في الحقيقة كما أثبتُّ ذلك في الأمثلة المشار إليها آنفاً، وكأن هذا الاعتراف بالحق والاتهام بالباطل ورثه من أخيه الأكبر أحمد، فقد اطلعت على خطابين له أرسلهما إلى أحد أصحابه، الأول بتاريخ 29 صفر سنة 1380، والآخر في 22 ربيع الأول من السنة نفسها، قال في الأول منهما:
"وناصر الدين الألباني قدم إلى دمشق، وتعلم العربية، وأقبل على علم الحديث، فأتقنه جداً جداً، وأعانته مكتبة الظاهر المشتملة على نفائس المخطوطات في الحديث، حتى إني لما زرتها في العام الماضي كان هو الذي يأتيني بما أطلبه، ويعرفني بما فيها، وهو خبيث الطبع، وهابي تيمي جلد
…
ولولا خبث مذهبه وعناده لكان من أفراد الزمان في معرفة الحديث، مع أنه لا يزال فاتحاً دكان الساعات، وقعت لنا معه مناظرة يطول ذكرها".
وقال في الخطاب الآخر:
"والحبشي الذي يرد على الألباني طبع في الرد عليه ثلاثة (!) رسائل، وهو كسائر أهل الوقت يراجع كتب الحديث، وينقل منها.
أما الألباني فمن الأفراد في معرفة الفن (هنا جملة غير مقروءة من سوء الخط والتصوير) ، إلا أنه في العناد- والعياذ بالله- خلف الزمزمي
…
" إلخ.
نقلت هذه النصوص للتاريخ أولاً، وليكون القراء على علم بمثل هذه الاعترافات من مثل هؤلاء المبتدعة، لأن لها قيمة لا تقدر، فهي كما قيل قديمًا:
"والفضل ما شهدت به الأعداء"!
وأما الاتهام بالعناد وغيره فهو كما يتهمنا الكفار أو المنحرفون عن الشرع بالتعصب، والحقيقة أنه التعصب للحق الذي جاء به الدين.
وأما الاتهام بالتوهب فجواب عليه ما قاله بعض الموحدين المتبعين لسنة سيد المرسلين:
إن كان تابعُ أحمد متوهباً *** فأنا اُلمقِر بأنَّني وهَّابي!
وهناك أشخاص آخرون ظهروا في ساحة التأليف والكتابة فيما لا يحسنون، وأخص بالذكر منهم الشيخين الحلبيَّين اللذين اختصر كل منهما
"تفسير الحافظ ابن كثير"؛ سبق أن نبهت في المجلد السابق على شيء من الأحاديث الضعيفة التي صححاها بجهل بالغ، وفي هذا المجلد أحاديث أخرى
من ذاك القبيل، فانظرها إن شئت بأرقامها الآتية:
(1543 و 1637 و 1642 و 1937) .
وهناك شيخ حلبي ثالث، يُثبت سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث موضوع، رقم (1816) . ونحوه بعض الدكاترة، فانظر الحديث (1612) و (1821) .
وثمة ناشئ جديد- فيما علمت- له جهود مشكورة في إخراج "مسند أبي يعلى" إلى عالم المطبوعات، ولو أنه لم يتم بعد، له عليه تعليقات كثيرة في تخريج أحاديثه وتصحيحها وتضعيفها، فأنصح له أن يقف في جهوده عند التخريج فقط، وأنه إن صحح أو ضعف فبالاعتماد على الحفاظ المعروفين بالتمكن في هذا المجال، فقد رأيته صحح حديثاً مع ضعف أحد رواته عنده أيضاً، لأن له متابعاً بزعمه، وادعى أن إسناده صحيح لتوهمه أن بعض رواته من الثقات، وليس كذلك لأنه اختلط عليه راوٍ بآخر، ثم هو لو صح إسناده لم يجز تقوية الضعيف به
لأنه موقوف، بل هو علة أخرى فيه، ولأنه مختصر عنه، كما ستراه فيما يأتي (1783) .
لهذه الأمثلة وغيرها أنصح لكل من يكتب في مجال التصحيح والتضعيف، أن يتئد، ولا يستعجل في إصدار أحكامه على الأحاديث؛ إلا بعد أن يمضي عليه دهر طويل في دراسة هذا العلم في أصوله، وتراجم رجاله، ومعرفة علله، حتى يشعر من نفسه أنه تمكن من ذلك كله؛ نظراً وتطبيقاً، بحيث يجد أن تحقيقاته- ولو على الغالب- توافق تحقيقات الحفاظَ المبرزين في هذا العلم، كالذهبي، والزيلعي، والعسقلاني، وغيرهم.
أنصح بهذا لكل إخواننا المشتغلين بهذا العلم، حتى لا يقعوا في مخالفة قول الله تبارك وتعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ". ولكي لا يصدق عليهم المثل المعروف: "تَزَبَّبَ قبلَ أن يتحصرم "! ولا يصيبهم ما جاء في بعض الحكم: "من استعجل الشيء قبل أوأنه؛ ابتُلي بحرمانه ".
ذاكراً مع هذا ما صح من قول بعض السلف:
"ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله وُيترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ".
(انظر "صفة الصلاة" ص 28- الخامسة) .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يُسدد خطانا، ويصلح أعمالنا ونوايانا؛ إنه سميع مجيب.
عمان 2 شوال 1407 هـ
محمد ناصر الدين الألباني