الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
223/ 3/ 46 - عن عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما](1) قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب. فلما فتحوا كنت أول من ولج. فلقيت بلالاً، فسألته: هل صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين"(2).
الكلام عليه وجوه:
أحدها: في التعريف بما وقع فيه من الأسماء:
أما ابن عمر رضي الله عنه: فتقدمت ترجمته في باب الاستطابة.
وأما أُسامة: فهو الحب ابن الحب وكان نقش خاتمه: حب
(1) ساقطة من ن هـ.
(2)
البخاري أطرافه في الفتح (1/ 500)، ومسلم (1329)، والنسائي (2/ 33)، والكبرى له (2/ 392)، وابن ماجه (3063)، وأبو داود (2025) في الحج، باب: الصلاة في الكعبة، والموطأ (1/ 398)، والبغوي (447)، والبيهقي (2/ 326، 327، 328).
رسول الله، وكان مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وابن حاضنته ومولاته أم أمين أمّره عليه الصلاة والسلام على جيش فيهم أبو بكر وعمر ولم يعد حتى مات بوادي القرى سنة أربع وخسمين على الأصح.
[فائدة:
أسامة هذا أردفه النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً من عرفات، وقد أردف عليه الصلاة والسلام جماعات أوردهم الحافظ أبي زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة في جزء فبلغهم زيادة على ثلاثين نفساً، أسامة بن زيد، والصديق في الهجرة، وعثمان بن عفان عند قدومه عليه الصلاة والسلام من بدر، وعلي بن أبي طالب في حجة الوداع، وعبد الله بن جعفر بين يديه، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة خلفه، وفي رواية:"حملني أنا وغلامين من بني هاشم"، وفي أخرى:"حملني قدامه وقثم خلفه وعبد الله بن عباس، وأخوه عبيد الله وأخوهما الفضل في حجة الوداع" والحسن والحسين هذا قدامه وهذا خلفه، ومعاوية بن صخر، ومعاذ بن جبل مرة على حمار يقال له: عفير ليس بينه وبينه إلَاّ مؤخرة الرحل، وأبو ذر الغفاري على حمار، وزيد بن حارثة، وثابت بن الضحاك، والشريد بن سويد الثقفي، وسلمة بن الأكوع، وزيد بن سهل، وأبو طلحة الأنصاري، وسهيل بن بيضاء، وعلي بن أبي العاص بن الربيع يوم الفتح وعبد الله بن الزبير، وغلام من بني عبد المطلب، وأسامة بن عمير، وصفية بنت حيي أم المؤمنين، لما قدم المدينة، ورجل من الصحابة لم يسمى، وجابر بن عبد الله، وصدى بن عجلان أبو أمامة آخر من مات بالشام، وأبو الدرداء، وأمية بنت أبي الصلت الغفارية،
وأبو إياس، وأبو هريرة، وقيس بن سعد بن عبادة، وخوّات بن جبير، فاستفد ذلك فإنه مهم] (1).
وأما بلال: فقد سلف في باب الأذان (2).
وأما عثمان بن طلحة: فجده أبو طلحة عبد الله بن عبد العزي الحجبي له صحبة، ورواية -أعني عثمان- أسلم مع عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد في هدنة الحديبية وشهد فتح مكة ودفع إليه عليه الصلاة والسلام مفتاح الكعبة [وإلى](3) شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وحبسها عليهم ومات بمكة سنة اثنين وأربعين في أول خلافة معاوية.
وقيل: إنه قتل بإجنادين بفتح الدال وكسرها في أوائل خلافة عمر رضي الله عنه.
ثانيها: إنما أغلقوا الباب عليهم ليكون أسكن لقلوبهم وأجمع لخشوعهم ولئلا يجتمع الناس ويدخلوه أو يزدحموا فينالهم ضرر [ويتهوش](4) عليهم الحال لسبب لغطهم. وجاء في رواية لمسلم (5) أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالإِغلاق وفائدته ما ذكرناه.
(1) زيادة من ن هـ.
وانظر: كتاب فيه معرفة أسامي أرداف النبي صلى الله عليه وسلم للحافظ أبي زكريا ابن منده -رحمنا الله وإياه-.
(2)
(2/ 423).
(3)
في شرح مسلم (9/ 83)(وأبي).
(4)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(5)
(1329).
ونقل القرطبي (1): عن الشافعي أن فائدة أمره بإغلاقها وجوب الصلاة إلى جدار من جدرانها، وأنه لو صلى إلى الباب وهو مفتوح، لم يجزه لأنه لم يستقبل شيئاً منها، قال: وألزم من مذهبه إبطال هذا، لأنه يجيز الصلاة في أرضها [لو تهدمت الجدر](2)، لاستقباله أرضها.
قلت: ليتأمل هذا المعزى إلى الشافعي وما ألزم به [](3) قال: إنما أمر بذلك لئلا يصلي بصلاته، فتتخذ الصلاة فيها سنة، [وكذا قول من قال] (4): فعل ذلك لئلا يستدبر شيئاً من البيت، كما وقع في زيادة البخاري عن بعض الرواة، لأن الباب إذا أُغلق، صار كأنه جدار البيت.
ثالثها: قوله: "فكنت أول من ولج" أي دخل والولوج الدخول، يقال: ولج بفتح اللام. يلج بكسرها وأولج غيره وإنما كان ابن عمر أول من ولج لحرصه على اقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم من المناسك وغيرها ليعمل وليبلغها وذلك هو مقصود العلم لا غير.
رابعها: قوله: "قال: نعم بين العمودين اليمانيين" يعني قال: بلال ذلك جواباً لابن عمر، وفيه زيادة على السؤال أيضاً لأنه مهم. وجاء في رواية لمسلم:"فقلت أين صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هنا". وظاهرها أن ابن عمر سأل بلالاً وأسامة وعثمان جميعهم. قال
(1) المفهم (3/ 429).
(2)
زيادة من ن هـ والمفهم.
(3)
في هـ زيادة (وأبعد من قال).
(4)
في المفهم (ولا يلتفت لقول من قال).
القاضي (1): ووهى أهل الحديث هذه الرواية.
فقال الدارقطني (2): وهم ابن عون [فيه](3) وخالفه غيره فأسندوه عن بلال وحده. قال [القاضي](4): وهذا هو الذي ذكره مسلم في باقي الطرق فسألت بلالاً (5)، إلَاّ أنه وقع في رواية حرملة عن ابن وهب فأخبرني بلال أو عثمان بن طلحة أنه عليه الصلاة والسلام صلَّى في جوف الكعبة هكذا هو عند عامة شيوخنا، وفي [بعضها](6) وعثمان بن طلحة (7) وهذا يعضد رواية ابن عون والمشهور انفراد بلال برواية ذلك.
خامسها: أثبت بلال [رضي الله عنه](8) صلاته -عليه أفضل الصلاة والسلام- في الكعبة وأسامة وابن عباس نفياها وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت ومعه زيادة علم فوجب ترجيحه.
وأجاب بعضهم: عن حديث أسامة وابن عباس بأن المراد هي الرؤية فقط كما سيأتي لا النفي المطلق، وعاب ابن حبان هذا في
(1) انظر: شرح مسلم للنووي (9/ 86).
(2)
الإِلزامات والتتبع للدارقطني (542).
(3)
في الشرح (هنا).
(4)
في الشرح زيادة (القاضي).
(5)
في الشرح زيادة (فقال).
(6)
في الشرح (بعض النسخ).
(7)
في المرجع السابق زيادة (قال).
(8)
في ن هـ ساقطة.
صحيحه (1)، ثم قال: والأشبه عندي في الفصل بين الخبرين بأن يجعلا في [وقتين](2) متباينين، فيقال: إن المصطفى -عليه أفضل الصلاة والسلام- لما فتح مكة دخل الكعبة فصلى فيها على [رواية](3) أصحاب ابن عمر عن بلال وأسامة بن زيد، وكان ذلك يوم الفتح، قاله حسان بن عطية عن نافع عن ابن عمر، ويُجعل نفيُ ابن عباس صلاة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الكعبة في حجته التي حج فيها، حتى [يكونان](4) فعلان في [حالين متباينين](5) لأن ابن عباس [نفاها](6) وزعم أن أُسامة (7) أخبره بذلك، وأخبر أبو الشعثاء عن عمر [أنه عليه الصلاة والسلام](8) صلَّى [فيه](9) وزعم أن أسامة أخبره بذلك، فإذا حمل الخبران على ما وصفنا في الموضعين المتباينين بطل التضاد بينهما وصح استعمال كل واحد منهما هذا آخر كلامه، وهو جمع مبين: [لكن روى الأزرقي عن جده قال: سمعت سفيان يقول: سمعت غير واحد من أهل العلم يذكرون أن
(1)(7/ 483).
(2)
في المرجع السابق (فعلين).
(3)
في المرجع السابق (ما رواه) ".
(4)
في ابن حبان (يكون).
(5)
في حالتين متباينتين.
(6)
العبارة (نفي الصلاة في الكعبة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم).
(7)
زيادة في ن هـ (بن زيد).
(8)
أن النبي صلى الله عليه وسلم.
(9)
في البيت.
النبي صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها] (1) قال النووي في "شرح مسلم": لا خلاف أن دخوله عليه الصلاة والسلام وصلاته فيها كان يوم الفتح لا في حجة الوداع [وأحسن ما جمعه أن ذلك في يومين في عام واحد ما ثبت مبيناً، قال أحمد في مسنده (2): ثنا هشيم أنبأنا عبد الملك عن عطاء قال: قال أسامة بن زيد: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فجلس فحمد الله وأثنى عليه وكبر وهلل وخرج، ولم يصل ثم دخلت معه في اليوم الثاني فقام ودعا ثم صلى ركعتين ثم خرج فصلى ركعتين خارجاً من البيت مستقبل وجه الكعبة ثم انصرف فقال: هذه القبلة هذه القبلة"، ورواه كذلك الدارقطني وغيره وهو كاف شاف في الجمع بين الأحاديث](3).
وقال القرطبي (4): يمكن أن يجمع بينهما على مقتضى مذهب مالك فيقال: إن قول بلال إنه صلَّى فيها يعني به التطوع وقول أسامة: إنه لم يصل فيها يعني به الفرض، قال: وقد جمع بينهما
(1) زيادة من ن هـ. انظر: الأزرقي (1/ 273).
(2)
أحمد في مسنده (5/ 209)، والنسائي (5/ 220)، والكبرى له (2/ 394، 395)، والدارقطني (2/ 52) بمعناه من حديث ابن عباس وابن خزيمة (4/ 429)، وانظر: إلى ما أورده ابن حجر -رحمنا الله وإياه- على هذه المسألة في الفتح ففيه تفصيل لا تجده في غيره (3/ 468).
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
المفهم (3/ 431).
بعض [أئمتنا](1) بوجه آخر فقال: إن أسامة تغيب في الحين الذي صلَّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشاهده فاستصحب النفي لسرعة رجعته فأخبر عنه وشاهد بلال أخبر [عما](2) شاهد، وعضد هذا بما رواه ابن المنذر، عن أسامة، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم صوراً في الكعبة فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به تلك الصور (3). فيحمل أن تكون صلاته في حال مضى أسامة في طلب الماء.
السادس: المراد بالصلاة ذات الركوع والسجود المعهودة لا مجرد الدعاء ولهذا قال ابن عمر في بعض الروايات: "ونسيت أن سأله كم صلَّى؟ " وجاء في سنن أبي داود (4) بإسناد فيه ضعف عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلت لعمر كيف [صنع](5) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة؟. قال: "صلى ركعتين".
وأما نفي أسامة: الصلاة وإثباته الدعاء فلأنهم لما دخلوا أغلقوا الباب واشتغل كل بالدعاء في نواحي من نواحي البيت والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله وكانت صلاته خفيفة
(1) في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(2)
في الأصل (على)، وما أثبت من ن هـ.
(3)
مسند الطيالسي (86)، وقال ابن حجر في الفتح (3/ 468) بعد ذكره له:"فهذا الإِسناد جيد".
(4)
أبو داود (1943) في المناسك، باب: الصلاة في الكعبة. مسند الفاروق ابن كثير (310)، وأبو يعلى (1/ 191).
(5)
في الأصل (صلَّى)، والتصحيح من السنن ون هـ.
فلم يرها أسامة لإِغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء وأجاز له نفيها مرة عملاً بظنه، وأما بلال فتحققها فأخبر بها مع أن صلاته كانت بين العمودين فقد يكون أسامة في ناحية من البيت حجبه عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم[و](1) العمود بينه وبينه والظلمة الحاصلة بغلق الباب بخلاف بلال فإِنه كان قريباً منه صلى الله عليه وسلم، وفي نحو سنه، وأُسامة كان عمره إذ ذاك دون العشرين أو أن تكون صلاته في حال بعثه أسامة ليأتي بالماء لمحو الصور كما سلف (2).
السابع: إعلم أن البيت شرفه الله على أعمدة في داخله ففي رواية المصنف "أنه صلَّى بين العمودين اليمانيين"(3)، وفي رواية لمسلم (4):"جعل عمودين عن يساره وعموداً عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة"، وفي رواية للبخاري (5) أيضاً "عموداً"(6) عن يمينه وعموداً عن "يساره"(7).
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
انظر: الفتح لابن حجر (4/ 468).
(3)
البخاري (1598).
(4)
مسلم (1329)، والبخاري (505).
(5)
البخاري (505)، تقديم وتأخير في النص الآتي، وقد ساق البخاري -رحمنا الله وإياه- قوله:"وعمودين عن يمينه".
(6)
في ن هـ (عمودين عن يساره).
(7)
وكذا في رواية الموطأ وأبي داود، ورواية للبخاري أيضاً: عموداً عن يمينه وعمود عن يساره.
قال القرطبي (1) ويمكن أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام تكررت صلاته في تلك المواضع، وإن كانت القضية واحدة، فإنه -عليه الصلاة- مكث في الكعبة طويلاً.
وأجاب بعض الشراح: بأنه يمكن أنه انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان بحيث لا تبطل صلاته به وهو بعيد.
قلت: يمكن أن يجمع بوجه آخر وهو الأظهر أنه عليه الصلاة والسلام[صلَّى قريباً من العمود الوسط فتأمله وطبق عليه الروايات](2).
الثامن: كان دخوله عليه الصلاة والسلام البيت عام الفتح كما سلف، ولم يكن إذ ذاك محرماً فلا يستدل به على أن دخوله نسك في الحج والعمرة كما ذهب إليه بعضهم على ما حكاه القرطبي (3) قال: وأما أحاديث حجة الوداع فليس في شيء منها تحقق أنه عليه الصلاة والسلام دخل أم لا. غير أن أبا داود (4)
(1) المفهم (3/ 430).
(2)
في ن هـ مكرر.
(3)
المفههم (3/ 429).
(4)
أبو داود (1946) في المناسك، باب: دخول الكعبة، والترمذي (873)، وابن ماجه (3064) وهو في المسند من طريقين (6/ 137)، والحاكم (1/ 479)، وابن خزيمة (4/ 333)، ونقل ابن حجر في الفتح تصحيح الترمذي والحاكم، وابن خزيمة (4/ 466)، وانظر: كلامه على المسألة فيه واضحة وجلية، ولأحمد طريق أخرى (6/ 153). وأيضاً في عمدة القاري (9/ 242).
روى من حديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام خرج من عندها مسروراً، ثم رجع إليها وهو كئيب، فقال:"إني دخلت الكعبة، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها، إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي". وظاهره: أن ذلك كان في حجة الوداع، غير أن هذا الحديث في إسناده: إسماعيل بن عبد الملك ابن أبي الصُفيراء وهو ضعيف، وقد رواه البزار بإسناد آخر (1)، لا يثبت أيضاً.
قلت: وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق أبي داود، ثم قال: حسن صحيح. وفي ذلك نظر فإني لم أرى أحداً وثق إسماعيل هذا (2).
[التاسع](3): في الحديث أحكام وفوائد.
(1) في المفهم زيادة (واو).
(2)
انظر التاريخ الكبير للبخاري (1/ 367)، والمجروحين لابن حبان (1/ 121)، وكتب: ابن أبي الصغير، والكاشف للذهبي (1/ 75)، وكتب: ابن أبي الصغير، وقال عنه البخاري: يكتب حديثه. ميزان الاعتدال. وقال المعلق: الصغير بمهملتين مصغراً، ميزان الاعتدال (1/ 237) ابن أبي الصغير، وذكر حديث دخول البيت، وتهذيب التهذيب (1/ 316) ابن أبي الصغير، وذكر في الهامش عن الخلاصة: الصغير بمهملتين، وانظر: ما قيل من جرح أو تعديل، وقد سمعت بعض المشائخ يقرأه كما كتب بالفاء، مصغراً. وأيضاً في المفهم (بن أبي الصغير).
(3)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
الأول: استحباب دخول [الكعبة](1) والصلاة فيها وقد ترجم عليه النووي بذلك في "شرح مسلم".
الثاني: جواز الاستئثار بذلك إذا أمكن.
الثالث: اختصاص السابق للبقعة المشتركة ومنعها ممن يخاف تشويشها عليه.
الرابع: منقبة ظاهرة لابن عمر رضي الله عنه وحرصه على تعلم المناسك واقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن وحالة.
الخامس: السؤال عن العلم.
السادس: جواب المسؤول في الفتيا وغيرها بنعم.
السابع: جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل.
الثامن: الحرص على طلب العلم وجواز ذكر الحرص للمصلحة من الاقتداء والوثوق بما يوجد من علم الحريص.
التاسع: [العمل](2) بخبر الواحد.
العاشر: اختصاص المتبوع بعض أتباعه ببعض الأمور المخصوصة بالعبادات.
الحادي عشر: جواز صلاة النفل المطلق فيها وأبعد ابن جرير وأصبغ المالكي وبعض الظاهرية حيث قالوا: لا تصح صلاة فيها أبداً. وحكى عن ابن عباس.
(1) في الأصل (مكة)، وما أُثبت من ن هـ، وشرح مسلم (9/ 82).
(2)
في ن هـ ساقطة.
وتوسط الإِمام مالك فقال: يصح فيها النفل المطلق دون الفرض والسنن كالوتر وركعتي الفجر وركعتي الطواف.
قال اللخمي: وأجازه أشهب في "مدونته" في الفرض من غير إعادة عليه. وإن كان لا يستحب له أن يفعل ذلك ابتداء فعلى المشهور عندهم لو صلى الفرض فيها، قال: في الكتاب يعيد في الوقت. وحُمل على الناسي لقوله: كمن صلى لغير القبلة.
وقال ابن حبيب: يعيد أبداً في العمد والجهل وكأنه راجع إلى الأول، وحكاه القرطبي (1) عن أصبغ.
وقال المازري (2): المشهور منع الصلاة داخلها ووجوب الإِعادة أبداً.
وعن ابن عبد الحكم: الإِجزاء.
وقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور: تصح فيها صلاة النفل والفرض ودليلهم في النفل الحديث المذكور، وإذا صحت النافلة صحت الفريضة لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال خارجها فكذلك داخلها، وإنما يختلفان فيه حال السير في السفر.
وترجم الحافظ محب الدين الطبري في "أحكامه" ذكر حجة من أجاز الفرض في جوف الكعبة، ثم روى عن عبد الله بن السائب [رضي الله عنه] (3) قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وصلَّى في
(1) المفهم (3/ 431).
(2)
المعلم بفوائد مسلم (2/ 107).
(3)
في ن هـ ساقطة.
الكعبة: فخلع نعليه فوضعهما عن يساره ثم افتتح سورة المؤمنين فلما بلغ ذكر موسى وعيسى أخذته سعلة فركع. ثم عزاه إلى صحيح ابن حبان (1). وقال: كانت هذه الصلاة والله أعلم صلاة الصبح يدل على حديثه عنه صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بمكة فاستفتح بسورة المؤمنين الحديث. وإن احتمل أن تكون هذه الصلاة غير تلك فالظاهر ما ذكرنا وأن القصة واحدة، والتكرار خلاف الأصل.
فرع: الحجر مثل الكعبة لكن لو استقبله وحده لم تصح صلاته عند الشافعية على الأصح.
والصلاة عند أكثر المالكية على ظهر الكعبة أشد.
وقيل: مثلها.
وقيل: إن أقام فإِنما يقصده فمثلها وإلَاّ لم يجز للنهي عنه.
وقال أشهب: إن كان بين يديه قطعة من سطحها بناء على أن الأمر ببنائها أو بهوائها.
فرع: مذهب الشافعي رضي الله عنه أن النفل في الكعبة
(1) أخرجه ابن حبان بهذا اللفظ (2189)، وأخرجه أيضاً بدون لفظ:"وصلى في الكعبة"(1815)، ولفظه:"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة الصبح، واستفتح سورة المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى، -محمد بن عباد يشك- أخذت صلى الله عليه وسلم سعلة فركع". وأخرجه مسلم (455)، وأحمد (3/ 411)، وابن خزيمة (546)، والنسائي (2/ 176)، وعنده "في قبل الكعبة"، والبيهقي في السنن (2/ 389)، والذهبي في تهذيب السنن (2/ 390) وغيرهم.
أفضل منه خارجها، وكذا الفرض إن لم يرج جماعة فإن رجاها فخارجها أفضل نقله في "الروضة"(1) من زوائده عن الأصحاب وأقرهم (2).
[الثاني](3) عشر: إجزاء إستقبال جزء من الكعبة. لمن صلَّى داخلها ولا يشترط استقبال جميعها، وكذا لو استقبل بابها وهو مردود أو عتبت بابها وهو قدر ثلث ذراع.
الثالث عشر: جواز الصلاة بين الأساطين والأعمدة وإن كان يحتمل أن يكون صلَّى في الجهة التي بينهما وإن لم يكن في مسامتتهما حقيقة وقد وردت في ذلك كراهة (4).
(1) روضة الطالبين (1/ 214).
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 467): ومن المشكل ما نقله النووي في "زوائد الروضة" عن الأصحاب أن صلاة الفرض داخل الكعبة -إن لم يرج جماعة- أفضل منها خارجها، ووجه الإِشكال أن الصلاة خارجها متفق على صحتها بين العلماء بخلاف داخلها، فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق. اهـ.
(3)
في الأصل (الثالث)، والتصحيح من ن هـ.
(4)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (1/ 578) على قول البخاري -رحمه الله تعالى-، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، إنما قيدها بغير الجماعة، لأن ذلك يقطع الصفوف، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب. وقال الرافعي في شرح المسند: احتج البخاري بهذا الحديث -أي حديث ابن عمر عن بلال- على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن جماعة، وأشار إلى أن الأولى للمنفرد أن يصلي إلى السارية، ومع هذه الأولية فلا كراهة في الوقوف بينهما =
قال الشيخ تقي الدين: فإن لم يصح سندها قدم هذا الحديث وعمل بحقيقة قوله: "بين العمودين"، وإن صح سندها أُول ما ذكرناه: أنه صلى في سَمت ما بينهما، وإن كانت آثاراً فقط قدم المسند عليها هذا كلامه.
وعللت كراهة الصلاة بين الأساطين بأشياء منها: أنها توقع خللاً في الصف.
= -أي للمنفرد- وأما في الجماعة فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى السارية. اهـ. كلامه، وفيه نظر لورود النهي الخاص عن الصلاة بين السواري ما رواه الحاكم من حديث أنس بإسناد صحيح وهو في السنن الثلاثة -وحسنه الترمذي- الحاكم (1/ 210، 218)، وأبو داود (673) في الصلاة، باب: الصفوف بين السواري، والنسائي (2/ 94)، والبيهقي (3/ 104)، والترمذي (229)، وأحمد (3/ 131). قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد في ذلك. ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال. اهـ. وقال القرطبي: روى في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين. اهـ. كلام ابن حجر.
قلت: قد ورد أيضاً حديث في النهي عن ذلك من رواية معاوية بن قرة عن أبيه: عند الحاكم (1/ 218)، والطيالسي (1073)، وابن ماجه (1002)، وابن حبان (2219)، والبيهقي (3/ 104)، وقد بوب ابن حبان في صحيحه على حديث ابن عمر فقال: اذكر استعمال المصطفى صلى الله عليه وسلم الفعل المضاد له في الظاهر. ثم جمع بين أحاديث النهي وحديث الفعل قائلاً: هذا الفعل ينهى عنه بين السواري جماعة، وأما استعمال المرء مثله منفرداً فجائز. اهـ.
ومنها: أنها موضع الأقدام، ولا تخلوا عن نجاسة غالباً (1).
ومنها: أنها محال الشياطين على ما قيل.
الرابع عشر: ترجم البخاري (2) على هذا الحديث باب الأبواب والعلق للكعبة والمساجد.
فائدة: قال أصحابنا: يستحب دخول البيت حافياً ويصلَّى فيه، والأفضل أن يقصد مصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دخل من الباب مشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبَل وجهه قريب من ثلاثة أذرع، فيصلي فيه ثبت ذلك في صحيح البخاري (3) ويدعو في جوانبه، وهذا بحيث لا يؤذي أحداً ولا يتأذى هو، فإن تأذى أو أذى لم يدخل لا كما يفعله كثير من الناس فإنه يترتب عليه مفاسد لا تخفى. وحديث عائشة الذي أسلفناه عن أبي داود والترمذي لا دلالة فيه على كراهة دخوله لأنه عليه الصلاة والسلام قد يترك الأفضل خشية ما يترتب عليه، وقد روى تمام الدارمي في "فوائده"(4) من
(1) هذا والذي بعده غير صحيح لأنه لا يتوقع نجاسة في الإِقدام لأن المصلي قد تطهر، والثاني أن المساجد ليست محال للشياطين.
(2)
انظر: الفتح (1/ 559).
(3)
انظر: الفتح، باب: الصلاة في الكعبة (3/ 467).
(4)
الروض البسام بترتيب فوائد تمام (2/ 245)، وتاريخ جرجان (20)، وابن خزيمة (3/ 30)، والطبراني (11/ 77، 201)، والبيهقي (5/ 58)، وقال: تفرد به عبد الله بن المؤمل وليس بقوي، وابن عدي (4/ 1456)، والبزار (كشف - 1161)، وقال: لا نعلمه عن ابن عباس إلَاّ من هذا الوجه، والدر المنثور (2/ 55)، وذكره في مجمع الزوائد (3/ 293)، =
حديث عطاء عن ابن عباس: "من دخل البيت دخل إلى حسنه، وخرج من سيئته مغفوراً له". ثم قال: حديث حسن غريب.
وفي "صحيح ابن حبان"(1) من حديث ابن عمر: "استمتعوا من هذا البيت فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة"، ورواه الحاكم أيضاً، وقال صحيح على شرط الشيخين، ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا دخل البيت يقول: "اللهم إنك وعدت الأمان
= وقال: وفيه عبد الله بن المؤمل وثقه ابن سعد وغيره، وفيه ضعف. اهـ. ونقل ابن حجر في الفتح تضعيف البيهقي (3/ 466).
(1)
(6753) ابن خزيمة في صحيحه (2506)، والحاكم (1/ 441)، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وذكره في المجمع (3/ 206)، وقال: رواه البزار والطراني في الكبير، ورجاله ثقات. قال ابن خزيمة: على قوله: "ويرفع في الثالثة"، يريد بعد الثالثة، إذ رفع ما قد هدم محال، لأن البيت إذا هدم لا يقع عليه اسم بيت إذا لم يكن هناك بناه. اهـ.
موارد الظمآن (966)، وقال في إتحاف السادة المتقين (4/ 461)، بعد سياقه للحديث قلت: ورواه بهذا اللفظ أيضاً الطبراني في الكبير، لكنه. إلخ.
قلت: ورواه من رواية علي بن أبي طالب بلفظ: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة: إتحاف السادة (4/ 474)، وبلفظ آخر: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصلع -أو قال أصمع- حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم". انظر: فتح الباري (3/ 461)، وغريب الحديث (3/ 454).
داخل بيتك وأنت خير منزول به، اللهم فاجعل أماني أن تكفيني مؤنة الدنيا، وكل هول دون الجنة حتى أبلغها برحمتك".
واعلم أن النووي نقل في "شرح المهذب"(1) عن العلماء أنهم ذكروا أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات.
أحدها: بنتها الملائكة قبل آدم وحجها آدم فمن بعده من الأنبياء -صلوات الله عليهم-.
الثانية: بناها إبراهيم الخليل بنص القرآن.
الثالثة: بنتها قريش في [الجاهلية](2)، وحضره النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة. ثبت ذلك في الصحيحين (3)، وكان سنة حينئذ خمس وعشرون، وقيل: خمس وثلاثون.
الرابعة: بناها ابن الزبير ثبت ذلك في الصحيح (4).
[الخامسة: بناها الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان ثبت ذلك في الصحيح](5)، وعليه استقر بناؤها إلى اليوم،
(1) شرح المهذب (7/ 476).
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
البخاري (364، 1582، 382)، ومسلم (340)، وأحمد (3/ 280، 295، 310، 333)، وابن حبان (1603).
(4)
انظر: أطرافه في الفتح (1/ 225)، والترمذي (875)، ومسلم (1333)، وابن ماجه (2955) ، والطيالسي (1393 ، 1382، والنسائي (5/ 215)، وأحمد (6/ 102، 176)، والدارمي (2/ 54)، وأبو يعلى (4627)، والبيهقي (5/ 89)، وعلي بن الجعد (2619).
(5)
زيادة من ن هـ. انظر: شرح مسلم (9/ 89)، وانظر مسلم (1333).
قال العلماء: ويستحب تركها على ما هي عليه لئلا تذهب حرمتها، وممن نص على ذلك مالك وإمامنا رضي الله عنهما[قاله النووي](1).
وقيل: إنها بنيت مرتين اخريين [قبل بناء قريش.
قلت:] (2) إنها بنيت مرتين اخريين أيضاً فتجتمع تسعة أقوال: بناء الملائكة على قول من قال أنه وضع قبل آدم، ثم بناء آدم.
قال القرطبي (3): في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} (4) ، وأول من بناها بالطين والحجارة شيث، ثم إبراهيم الخليل، ثم العمالقة، ثم جرهم، ثم قريش، ثم ابن الزبير، ثم الحجاج. وظاهر الحديث الذي أسلفناه أنها هدمت مرتين فقط إلَاّ أن يؤول على أن المراد بقوله:"هدم مرتين" إنها ستهدم مرتين وكذا وقع بعده صلى الله عليه وسلم. وبنيت الكعبة من جبال خمسة: طور سيناء بإيلياء، وطور زيتا بالبيت المقدس، والجودي بقرب الموصل، ولبنان [جبل](5) بالشام، وحراء بمكة.
ويقال: أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر: الجودي شرح، طور سيناء بموسى، وحراء بمحمد صلى الله عليه وسلم.
…
(1) زيادة من ن هـ، شرح مسلم (9/ 89).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
تفسير القرطبي (2/ 122).
(4)
سورة البقرة: آية 127.
(5)
زيادة من ن هـ.