المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 215/ 3/ 42 - عن عبد الله بن عمر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 215/ 3/ 42 - عن عبد الله بن عمر

‌الحديث الثالث

215/ 3/ 42 - عن عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما](1) أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له (2). وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لبيك، وسعديك، قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل (3).

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

البخاري أطرافه في الفتح (1540)، ومسلم (1184)، والنسائي (5/ 159)، وأبو داود (1812) في المناسك، باب: كيفية التلبية، والترمذي (825)، وابن ماجه (2918)، وابن خزيمة (1661، 2262)، والدارقطني (2/ 225)، وأحمد (2/ 3، 34، 43، 79، 120)، والبيهقي (5/ 44)، والبغوي (1865)، والطحاوي (2/ 124، 125)، والدارمي (2/ 34).

(3)

قال الزركشي في تصحيح العمدة: "هذه الزيادة ليست في البخاري، بل أخرجها مسلم خاصة كما نبه عليه عبد الحق في جمعه". اهـ. مجلة الجامعة. انظر: فتح الباري (3/ 408)، ومسلم (2/ 841)، وقال الصنعاني في الحاشية (3/ 481): ولكن الذي في مسلم أنه كان يزيد ذلك =

ص: 54

الكلام عليه من وجوه:

الأول: قوله: "وكان عبد الله" إلى آخره هذه الزيادة لم أرها في البخاري [بل في مسلم](1) خاصة وأسقط المصنف منها لبيك بعد قوله: "والخير بيديك" كذا هو في مسلم من طريقين في إحدى روايتيه قالوا يعني سالماً وحمزة [ابني](2) عبد الله بن عمر، ونافعاً مولى ابن عمر "كان عبد الله يزيد مع هذا "لبيك لبيك وسعديك" إلى آخره.

وقوله: في رواية المصنف قال: "وكان عبد الله" هذا القائل هو نافع مولى ابن عمر وفي رواية له "وكان عبد الله بن عمر يقول كان عمر بن الخطاب يهل بإِهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات [ويقول] (3) لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل" فتلخص [أن لفظة لبيك](4) بعد [قوله](5) والخير في يديك" في "صحيح مسلم" من ثلاث طرق مرتين من طريق عبد الله بن عمر ومرة ثالثة من طريق والده وقد نص على أن هذه الزيادة أعني قوله: "وكان عبد الله يزيد فيها إلى آخره

= عمر، وفي رواية مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها ذلك، قال ابن حجر: فعرف أن ابن عمر اقتدى بأبيه.

(1)

في ن هـ (ولا في مسلم).

(2)

في الأصل (بن)، والتصحيح من ن هـ.

(3)

في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ ومسلم.

(4)

في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.

(5)

في ن هـ ساقطة.

ص: 55

من أفراد" [مسلم] (1) قاله عبد الحق في "جمعه بين الصحيحين" فقال: هذه الزيادة لم يذكرها البخاري وأما النووي في "شرح [المهذب] " (2)[فادعى أنه رواها](3) ثم ذكرها وعزاها إليه.

الثاني: التلبية مصدر، "لبى" ثُنِي للتكثير والمبالغة [ومعناها] (4) إجابة بعد إجابة ولزوماً لطاعتك لأنه يقال ألب بالمكان ولب كما سيأتي إذا لزمه وأقام به فثنى تأكيداً لا حقيقة كقوله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (5) أي نعمتاه على تأويل اليد هنا بالنعمة ونعم الله تعالى لا تحصى.

واختلف أهل اللغة في أن لفظة التلبية مثنى أو مفرد فقال يونس بن حبيب البصري: إنها مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لأتصالها بالضمير على حد لدى وعلى.

وقال سيبويه: مثنى بدليل قلب ألفه ياء مع المظهر قال الشاعر:

(1) في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.

(2)

في الأصل (مسلم)، وما أثبت من ن هـ، المجموع شرح المهذب (7/ 241).

(3)

في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.

(4)

زيادة من ن هـ.

(5)

سبق التعليق على مثله وأنه على خلاف مذهب أهل السنة والجماعة الذين يئبتون لله ما أثبته لنفسه في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب إثبات اليد لله حقيقة من غير تأويل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل.

ص: 56

دعوت لما نابني، مسوراً

فلبى فلبي يَدَيْ مِسْوَرِ (1)

وعلى هذا القول أكثر الناس.

قال ابن الأنباري: بنوا "لبيك" كما بنوا حنانيك أي تحننا بعد تحنن واصل: لبيك، لبِّ بك [لَبَّبَ بك](2)، فاستقلوا الجمع بين ثلاث باءَات، فابدلوا من [الثالثة](3) ياء، كما قالوا:[تظنيت، من الظن](4)[ومن القص قصيت المغازي](5) والأصل [تَظَنَّيْت](6) و [قصيت](7).

ثم اختلفوا في معنى لبيك، واشتقاقها.

(1) ضبط هذا البيت من لسان العرب (12/ 217، 232) وفي الأصل مثله، أما في ن هـ:

دعت لما نابني مسوراً

فلبى يدي مسور

وفي حاشية الصنعاني (3/ 482):

دعوت فلم يأتي مسعد

فلبى يلبي يد ميسور

(2)

زيادة من لسان العرب (12/ 216) مع ضبط هذا النص، أما الزاهر (1/ 100) غير موجودة وضبطت الأولى (لَبَّيْك).

(3)

في الزاهر (الأخيرة).

(4)

في المخطوط: كما قالوا: (من الظن نظنيت)، وما أثبت من لسان العرب (12/ 217)، وانظر: ما بعدها للاطلاع على المعاني فيه، وفي الزاهر "قد تَظَنَّيْتَ، وأصله: قد تَظَنَّنْتَ، فأبدلوا من الأخيرة ياء.

(5)

غير موجودة في المرجع السابق.

(6)

في المرجع السابق كما في تعليق (3).

(7)

غير موجودة في المرجع السابق.

ص: 57

كما اختلفوا في صيغتها.

فقيل: معنى لبيك: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: داري تلُبُّ دارك، أي: تواجهها.

وقيل: معناها: محبتي لك [من قولهم امرأة لبة: أي محبة لولدها، عاطفة عليه.

وقيل: معناها إخلاصي لك] (1) من قولهم: [خشب](2)[الباب](3) إذا كان خالصاً محضاً ومنه: لب الطعام ولبابه.

وقيل: [من قولهم: لب العقل](4) من قولهم: رجل لبيب (5) أي [أنا](6) منصرف إليك، وقلبي مقبل عليك، حكاه الماوردي.

وقيل: معناه، أنا مقيم على طاعتك وإجابتك مأخوذ من قولهم: [

] (7) لَبَّ الرجل بالمكان، وأَلَبَّ: إذا أقام فيه. ولزمه.

قال ابن الأنباري: وإلى هذا المعنى كان يذهب الخليل والأحمر.

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في الأصل ولسان العرب (12/ 213)(حسب)، بالسين المهملة. وفي المهذب (7/ 244)، وشرح مسلم (9/ 87)(حب)، وما أثبت يوافق المراجع السابقة.

(3)

في لسان العرب (12/ 217) وفي ن هـ (لبان).

(4)

زيادة من ن هـ والماوردي.

(5)

في الماوردي زيادة (ويكون معناها).

(6)

غير موجودة في الماوردي "الحاوي الكبير"(5/ 115).

(7)

في الزاهر زيادة (قد).

ص: 58

وقال الحربي في معنى: لبيك أي قربا منك وطاعة، والألباب: القرب.

وقيل: معناه أنا ملب بين يديك أي مخضع، وهذه الإِجابة لقوله تعالى لإِبراهيم صلى الله عليه وسلم:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (1) حكاه القاضي عياض (2) ونقله أبو عمر (3) عن جماعة من العلماء.

قال ابن عباس: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس قال [رب](4) وما يبلغ الصوت قال: أذَّن وعليّ البلاع. فنادى إبراهيم: أيها الناس: كُتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، قال: فسمعه ما بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيئون من أقطار الأرض يلبون (5).

وقال مجاهد: قام إبراهيم على مقامه فقال: أيها الناس: أجيبوا ربكم، فقالوا: لبيك اللهم لبيك، فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ (6)، ويروي أنه كان النداء على أبي قيس.

وقال القرطبي: في "مفهمه"(7) على عرفه.

(1) سورة الحج: آية 27.

(2)

إكمال إكمال المعلم (3/ 301).

(3)

الاستذكار (11/ 92).

(4)

في ن هـ ساقطة.

(5)

انظر: الاستذكار (11/ 93، والدر المنثور (6/ 32).

(6)

انظر: المراجع السابقة.

(7)

(3/ 266).

ص: 59

قال ابن عطية (1): واختلفت الروايات في ألفاظه عليه الصلاة والسلام واللازم أن يكون فيها ذكر البيت والحج، وروى أنه يوم نادى اسمع من يحج إلى يوم القيامة في أصلاب الرجال وأجابه كل شيء في ذلك الوقت من جماد وغيره "لبيك اللهم لبيك" فجرت التلبية على ذلك، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وحكى ابن الخطيب في "تفسيره" عن الحسن أن المأمور بالنداء في قوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (2) النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المخاطب بالقرآن قال: والمعنى أمره أن يعلمهم الحج.

[وقال](3) الجُبائي: هو أن يحج فيحجوا معه قال:

وقيل: هو ابتداء فرض الحج.

وقال عطاء وعكرمة وطاوس: وغيرهم في قوله تعالى. {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (4). الفرض: التلبية.

وقال ابن عباس. الفرض الإِهلال، والإِهلال: التلبية.

وقال [ابن](5) مسعود وابن الزبير: الفرض الإِحرام.

(1) المحرر الوجيز (11/ 193).

(2)

سورة الحج: آية 27، رد هذا القول أبو السعود في تفسيره (6/ 103)، والشنقيطي في أضواء البيان (5/ 66).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

سورة البقرة: آية 197.

(5)

زيادة من ن هـ.

ص: 60

قال ابن عبد البر: [وهو](1) كله بمعنى واحد.

الثالث: قوله: "إن الحمد" يروي بكسر الهمزة وفتحها (2)، قال الجمهور: الكسر أجود.

قال الخطابي (3): والفتح رواية العامة.

وقال ثعلب (4): الاختيار الكسر وهو أجود معنى من الفتح لأن الذي يكسر يذهب إلى أن المعنى "إن الحمد والنعمة لك" على كل حال والذي يفتح يذهب إلى أن المعنى "لبيك" بهذا لهذا السبب.

قال القرطبي (5): معنى إن لبيك عمل فيها بواسطة لام الجر السببية ثم حذف حرف الجر لدلالة الكلام، قال ثعلب (6): فمن فتح خص ومن كسر عم. وأبدى الفاكهي ذلك من عنده ثم قال: وليس كذلك إذا أعطى التأمل حقه.

الرابع: قوله: "والنعمة" الأشهر فيها النصب عطفاً على الحمد

(1) في ن هـ ساقطة. وما أثبت يوافق الاستذكار (11/ 94)، حيث ساق الأقوال السابقة.

(2)

توجيه رواية الكسر من كسر فهو على الاستئناف وهو ابتداء كلام كأنه لما قال لبيك استأنف كلاماً آخر فقال: إن الحمد والنعمة لك. ومن فتح: فعل التعليل كأنه يقول أجبتك لأن الحمد والنعمة لك.

(3)

إصلاح غلط المحدثين (5).

(4)

انظر: الاستذكار (11/ 93).

(5)

المفهم (3/ 267).

(6)

ذكره الخطابي في أعلام الحديث (845)، ومعالم السنن (2/ 87، 132)، وإصلاح غلط المحدثين (51).

ص: 61

ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره "إن الحمد لك والنعمة لك".

قال ابن الأنباري. وإن نصبت جعلت خبر "إن" محذوفاً تقديره "إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك"(1).

[الرابع](2): قوله: "وسعديك" إعرابها وتثنيتها كلبيك.

ومعناها: مساعدة لطاعتك بعد مساعدة، قاله القاضي (3) ولم يحك النووي (4) سواه، وقال أبو عمر (5): معناه أسعدنا سعادة بعد سعادة، وإسعاداً بعد إسعاد قال: وقيل: سعادة لك.

السادس: "الخير بيديك" أي ابتداؤه وانتهاؤه والتوفيق له من فضلك [وهو](6) من باب إصلاح المخاطبة كما في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} (7).

السابع: قوله: "بيديك" قد تقدم تأويل اليد بالنعمة (8)، وقال

(1) في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ، في الزاهر (1/ 101) قلت: فتحت (أن) على معنى: لبيك لأن الحمد لك وبأن الحمد لك.

(2)

في ن هـ (الخامس).

(3)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 302).

(4)

شرح مسلم (8/ 88).

(5)

الاستذكار (11/ 93).

(6)

في ن هـ ساقطة.

(7)

سورة الشعراء: آية 80.

(8)

قد تقدم التعليق على مثل هذا الموضع فتجاوز الله عنا وعنه بعفوه. انظر ص 56.

ص: 62

ابن فورك (1): في "مقدماته" ما وصف الله تعالى به نفسه من أن له يدين [كقوله](2): {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (3) فهما صفتان له، طريق إثباتهما الخبر ولا يجوز أن يقال هما بعضان أوعضوان أو غيران كما يوصف بذلك غيرها من الأيدي وليس هما بمعنى الملك والقدرة ولا بمعنى النعمة والصلة بل هما بمعنى الصفة والدليل على ذلك قوله تعالى مخبراً عن اليهود:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (4) فكذّبهم، وقال:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فأثبت اليد لنفسه ونفى الغل عنها كما ادعته اليهود. وتواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كتب التوراة بيده وغرس شجرة طوبى بيده وخلق آدم بيده"(5) وقال أيضاً: "كلتا يدي الرحمن يمين"(6) فوجب

(1) ابن فورك هو محمد بن الحسن أبو بكر الأصبهاني نزيل نيسابور. أديب، متكلم، أصولي، واعظ، كوفي. توفي سنة (406). آثار البلاد للقزويني (297)، والفتح المبين للمراغي (1/ 226)، وطبقات ابن قاضي شهبة (1/ 185)، وفيه ورد الاسم غلط محمد بن الحسين.

قال شيخ الإسلام -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (16/ 89) بعد كلام سبق: فصل، هذا مع أن ابن فورك يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين، وكذلك المجيء والإِتيان، موافقة لأبي الحسن، فإن هذا قوله وقول متقدمي أصحابه

إلخ كلامه.

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

سورة ص: آية 75.

(4)

سورة المائدة: آية 64.

(5)

الأسماء والصفات للبيهقي (403).

(6)

الترمذي (3368)، والحاكم (1/ 46، 64)(2/ 585)(4/ 263)، =

ص: 63

قبول ذلك والتسليم له ونفى التشبيه عنه ثم قال:

فإن قيل: كيف يعقل يد ليست بجارحة ولا نعمة ولا قدرة ولا ملك؟

قيل: ليس القول في إثبات الحقائق على معقول الشاهد ولو كان كذلك لبطل التوحيد من جهة أن الموجد إذا لم يكن جسماً أو عرضاً ولا جوهراً غير معقول في الشاهد والحي إذا لم يكن حساساً وجاثياً يتحرك ويسكن غير معقول في الشاهد والمتكلم إذا لم يكن ذا لسان وشفتين ولهاة. وأسنان ومخارج غير معقول ومع ذلك لم يمتنع إثبات حي متكلم على خلاف معقول الشاهد من جهة إيجاب الدليل لذلك [كذلك](1) ورد خبر الصادق الذي خبره حجة توجب إثبات اليدين على الوجه الذي قلنا (2).

الثامن: قوله: "والرغباء إليك" يروى بضم الراء مع القصر وبفتحها مع المد كالنعما، والنعماء، والعلياء، والعليا، وحكى أبو علي القالي: الفتح مع القصر مثل سكرى.

ومعناه: هنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير وهو المقصود بالعمل الحقيق بالعبادة.

وقوله: "والعمل" فيه محذوف تقديره: والعمل إليك أي إليك

= السنة لابن أبي عاصم (206)، والأسماء والصفات للبيهقي (324، 325)، والطبري في الكبير (1/ 96)، من رواية أبي هريرة.

(1)

في ن هـ ساقطة.

(2)

انظر: فهارس فتاوى ابن تيمية (36/ 83).

ص: 64

المقصد به والانتهاء إليك لتجازي عليه ويحتمل أن يقدر والعمل لك نبه عليه الشيخ تقي [الدين](1).

التاسع: التلبية مشروعة إجماعاً.

واختلف العلماء هل هي سنة أم واجبة أم شرط لصحة الحج (2)؟

فقال الشافعي: وآخرون هي سنة لو تركها صح حجه ولا دم عليه وفاتته الفضيلة.

وقال مالك: ليست بواجبة لكن لو تركها [لزمه دم](3) وصح حجه.

وقال بعض أصحاب الشافعي: هي واجبة تجبر بالدم ويصح الحج دونها.

وقال بعضهم: هي شرط لصحة الإِحرام فلا يصح الإِحرام ولا الحج إلَاّ بها كذا حكاه النووي في "شرح مسلم"(4) وحكاه في "روضته"(5) قولاً وأنه يقوم مقامها سوق الهدي، وتقليده، والتوجه معه.

وجزم القاضي عياض: بأن من أهلَّ بما في معناها من التسبيح

(1) في ن هـ ساقطة. انظر: إحكام الأحكام (3/ 484).

(2)

ذكره ابن عبد البر عن مالك، الاستذكار (11/ 96).

(3)

في ن هـ (لزم دمه).

(4)

شرح مسلم (8/ 90).

(5)

روضة الطالبين (3/ 59).

ص: 65

والتهليل لا دم عليه لكن [ظاهر إيراد](1)"المدونة" لزومه وهو ظاهر كلام ابن حبيب أيضاً.

ثم اعلم بعد ذلك أن الحج ينعقد بالنية بالقلب من غير لفظ كما ينعقد الصوم بها فقط عند مالك والشافعي.

وقال أبو حنيفة (2): لا ينعقد إلَاّ بانضمام التلبية أو سوق الهدى إلى النية ويجزىء غيره عن التلبية ما في معناها من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار كما قال إن التسبيح وغيره يجزىء في الإِحرام بالصلاة عن التكبير وما أسلفناه عن مالك في انعقاد الحج بالنية من غير لفظ هو ما حكاه [المازري](3) ثم ابن عبد البر ثم القاضي (4) ثم النووي (5) عنه وفي كلام غيرهما ما يدل على أنه لا بد معها من قول أو فعل من أفعال الحج وعزى إلى أكثرهم.

وقال ابن شاهين: هو المنصوص، قال:[ورأى](6) اللخمي إجراء الخلاف فيه من الخلاف في انعقاد اليمين بمجرد النية.

وأنكره الشيخ أبو الطاهر، وقال: لم يختلف المذهب أن العبادات لا تلزم إلَاّ بالقول أو بالنية والشروع فيها.

(1) في الأصل (إيراد ظاهر)، وما أثبت من ن هـ.

(2)

ذكره في الاستذكار (11/ 95).

(3)

في ن هـ (الماوردي)، وما أثبت هو الصحيح. انظر: إكمال إكمال المعلم (2/ 72).

(4)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 300).

(5)

شرح مسلم (8/ 90).

(6)

زيادة من ن هـ.

ص: 66

العاشر: قوله: "أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم" ظاهره كما قال القاضي أنها التي كان يواظب عليها فلهذا استحب العلماء المجيء بها بلفظها، قال: والاستحباب عند أكثر العلماء ما لبى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال مالك: إن اقتصر عليها فحسن وإن زاد فحسن.

وقالت الشافعية: يستحب ألا يزيد عليها.

وأغرب بعضهم، فقال: تكره الزيادة كما حكاه صاحب "البيان" وهو غلط فقد صح من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته: "لبيك إله الحق لبيك"(1)، رواه أحمد وابن ماجه والنسائي وصححه ابن حبان، ونص الشافعي في "الأم"(2) على استحبابها مع ما سلف، وحكاه القاضي عياض عن الشافعي أيضاً، فقال: قال الشافعي: الاقتصار عليها أفضل إلَاّ أن يزيد ألفاظاً رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم[مثل قوله](3): " [النعمة والملك لا شريك لك] (4) لبيك إله الحق"، ونحوه.

وروى أحمد (5) وأبو داود (6)، ولمسلم (7) معناه عن جابر قال:

(1) أحمد (2/ 341، 476)، وابن ماجه (2920)، والنسائي (5/ 161)، وابن خزيمة (2623، 2624)، وابن حبان (2800)، والنسائي في الكبرى (2/ 354).

(2)

الأم (2/ 156).

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

ساقطة من ن هـ.

(5)

(3/ 320).

(6)

أبو داود (1739) في المناسك، باب: كيف التلبية، والبيهقي في السنن (5/ 45)، والمعرفة له (7/ 135).

(7)

مسلم (1218).

ص: 67

أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية بمثل حديث ابن عمر [شيئاً](1) قال: والناس يزيدون "ذا المعارج" ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً.

وقد زاد ابن عمر [رضي الله عنه](2) في هذه التلبية وهو شديد الأتباع للآثار وقد أسلفنا أن والده كان يلبي بها أيضاً.

ورأيت في كتاب "الخصال" لأبي بكر الخفاف من قدماء أصحابنا أن داود عليه الصلاة والسلام كان يقول في تلبيته: "لبيك وسعديك والخير بيديك" فلعل ابن عمر ووالده لحظا ذلك.

ونقل الأصبهاني عن قوم من أهل العلم أنه لا بأس بالزيادة على ما ورد من الذكر، وعن آخرين أنه لا يزاد على ما علمه الشارع. وسمع سعد: رجلاً يلبي يقول: "لبيك ذا المعارج لبيك" فقال سعد: "ما هكذا"(3) كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" (4) وقال شراحيل بن القعقاع: سمعت عمرو بن معدى كرب يقول: لقد رأيتنا منذ قريب ونحن إذا حججنا نقول لبيك تعظيماً إليك عدل. هذه زبيد قداتتك قرا. تعدوا مضمرات شزرا. يقطعن حيناً وجبالاً وعراً. قد خلفوا الأنداد خلوا صفراً.

(1) في ن هـ ساقطه، ويستقيم الكلام بدونها.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

في نسخة هـ (هكذا كنا نلبي) بالإِثبات أي سقطت ما النافية.

(4)

الأم للشافعي (2/ 155)، ومعرفة السنن والآثار (7/ 136)، والسنن الكبرى (5/ 45).

ص: 68

وحكى بعض قضاة الحنفية: في "منسكه" عن بعض المتأخرين أنه كان يزيد في التلبية إلهنا ما أعد لك. الحول والقوة لك. ما خاب عبداً أمَّلك. أنت له حيث سلك. لولا أنت يا رب هلك. لبيك إن الحمد لك. والنعمة والملك لا شريك لك.

[وحكى القاضي عياض: أنه روى عن عمر أنه كان يزيد لبيك ذا النعما والفضل الحسن لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك حقاً حقاً تعبداً ورقاً](1).

فروع: تتعلق بالتلبية يستحب أن يكررها في كل مرة ثلاث مرات فأكثر ويواليها ولا يقطعها بكلام فإن سُلم عليه رد باللفظ، ويكره السلام عليه في هذا الحال، ويشرع لكل أحد حتى للحائض لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة:"اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت"(2). وفروع التلبية كثيرة مشهورة محل الخوض فيها كتب الفروع ولم يزد الشيخ تقي الدين في هذا الحديث على أن تكلم على ألفاظه فقط.

خاتمة: في كتاب "أسرار الحج" أن تلبية يونس -عليه

(1) في ن هـ موضعه بعد وقد أسلفنا أن والده كان يلبي بها أيضاً وحكى

إلخ، وما بين القوسين من ن هـ في (ص 60).

(2)

البخاري أطرافه في الفتح (297)، ومسلم (1211)، وابن ماجه (2963، 3000)، والبغوي (1913)، والموطأ (1/ 411)، والحميدي (206)، والبيهقي (1/ 308)(5/ 3، 86)، وأبو داود (1782) في المناسك، باب: إفراد الحج.

ص: 69

السلام- لبيك فرّاج [الكُرب](1) لبيك.

وتلبية عيسى عليه الصلاة والسلام[لبيك أنا عبدك ابن أمتك بنت عبديك لبيك](2).

[وتلبية موسى عليه السلام: لبيك أنا عبدك لديك لبيك](3).

وعلم إبليس الناس التلبية "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلَاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك". فلم يزالوا عليها حتى جاء الإِسلام.

وفي "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس قال: "كان المشركون يقولون لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلكم قد قد إلَاّ شريكاً هو لك تملكه وما لك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت"(4). قوله:"قدٍ قَدٍ" هو بكسر الدال مع التنوين وسكونها أي كفاكم هذا ثم رجع الراوي إلى حكاية كلام الكفار في قولهم: "إلَاّ شريكاً إلى آخره".

وفي كتاب "الخصال" لأبي بكر الخفاف: من قدماء [أصحابنا](5) أنه كان من تلبية موسى عليه الصلاة والسلام:

(1) في ن هـ (الكروب).

(2)

في ن هـ (لبيك أنا عبدك لديك لبيك).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

مسلم (1185)، والطبراني (12/ 198).

(5)

في ن هـ ساقطة.

ص: 70

"لبيك عدد التراب لبيك لبيك مرغوب ومرهوب إليك لبيك". وذكر تلبية داود السالفة ثم قال: وكل ذلك حسن.

وحكى الروياني عن الأصحاب عن بعض صلحاء السلف أنه كان يقول: "لبيك أنت مليك من ملك ما خاب عبد أمَّلك" ثم قال الروياني: وهو حسن وقد أسلفنا عن بعض المتأخرين ما يقرب من هذا.

***

ص: 71