الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
251/ 3/ 47 - عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: [يا رسول الله](1) ما شأن الناس حلوا من العمرة، ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر" (2).
الكلام [على هذا الحديث](3) من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وقد سلف في باب فضل الجماعة ووجوبها.
[ثانيها: الشأن](4) هنا الأمر والحال.
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
البخاري أطرافه في (1566)، ومسلم (1229)، وأبو داود (1806) في المناسك، باب: القران، والنسائي (5/ 136)، وابن ماجه (3046)، والبيهقي (5/ 12)، والبغوي (1885)، والكبرى للنسائي (2/ 337)، وأبو يعلى (7050، 7056)، والمعرفة للبيهقي (7/ 72).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
زيادة من ن هـ.
وقوله: "ولم تحل أنت من عمرتك"، معناه: العمرة المضمومة إلى الحج، وإحلال الناس كان بالفسخ بأمره عليه الصلاة والسلام[كما سلف (1) في الحديث قبله ولم يحل هو لسوق الهدى فيكون قارناً](2) كما سلف (3) وهو المذهب الصحيح المختار، ومن قال: كان مفرداً قال إن "من" بمعنى الباء أي لم تحل بعمرتك أي العمرة التي تحلل بها الناس فإنهم فسخوا حجهم إلى العمرة وضعفه الشيخ تقي الدين (4): بوجهين:
أحدها: كون "من" بمعنى الباء، قال الفاكهي: وهو ضعيف جداً أو باطل لأنه لا يعلم في لسان العرب استعمال "من" بمعنى الباء، وقد حصر النحويون معاني "من" في سبعة أقسام ليس فيها أن تكون بمعنى الباء فإن شذ عن ذلك شيء لم يلتفت إليه.
قلت: سيأتي أنه وقع في القرآن العظيم "من" بمعنى "الباء".
الثاني: [إن](5) قولها: "من عمرتك" يقتضي الإِضافة فيه تقرر عمرة له تضاف إليه، والعمرة التي يقع بها التحلل لم تكن [متقررة](6) ولا موجودة، وقيل: أرادت بالعمرة الزيارة لاشتراكها هي والحج في الموضع اللغوي وهو الزيارة، فمعنى "من عمرتك"
(1) ص 245.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
ص 255.
(4)
إحكام الأحكام (3/ 550).
(5)
زيادة من ن هـ.
(6)
في ن هـ (مفردة).
من حجتك، وضعفه الشيخ تقي الدين [أيضاً]، (1) لأن الاسم [إذا انتقل](2) إلى حقيقة عرفية كانت اللغوية [مهجورة](3) في الاستعمال. [وقريب](4) من الوجه [من قال أنها أرادت بها الإِحرام](5) وضعف (6) النووي في شرحه (7) هذين التأويلين أيضاً، فقال: تأول من يقول بالإِفراد تأويلات ضعيفة، فذكرهما وذكر تأويلها وهو أنها ظنت أنه اعتمر أي فسخ كما فخسوا، وكذا قال القرطبي (8): إنها تأويلات بعيدة، قال: وأقربها كون "من" بمعنى "الباء" كما قال تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (9) أي بأمر الله، وكقوله:{مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} (10)، أي بكل أمر، فكأنها قالت: ما يمنعك أن تهل بعمرة فأخبرها بسبب المنع، وقال محمد بن أبي صفرة: مالك يقول في هذا الحديث: "من عمرتك" وغيره يقول: "من حجك" حكاه القاضي ثم
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في هـ ساقطة.
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
في هـ (وقرب).
(5)
في هـ ساقطة.
(6)
في ن هـ زيادة (الإِمام).
(7)
شرح مسلم (8/ 12).
(8)
المفهم (3/ 355).
(9)
سورة الرعد: آية 11.
(10)
سورة القدر: آية 4. وانظر: كتاب المعاني للزجاجي (50، 76)، وتأويل مشكل القرآن (574)، والإِتقان للسيوطي (2/ 230).
القرطبي (1).
ثالثها: إذا تقرر أنه كان قارناً فيستدل به إذن على أن القارن لا يتحلل حتى يقضي أفعال الحج كالمنفرد.
رابعها: "التلبيد": أن يجعل في الشعر ما يسكنه ويمنعه من الانتعاش كالصبر أو الصبغ أو ما أشبههما.
والتقليد: أن تقلد الهدى قلادة في عنقه من خيوط ونحوها وتعلق فيه نعل أو قرن أو جلد، ونحو ذلك عراها ليكون ذلك علامة على أنه هدى لله تعالى فيجتنب عما يجتنب (2) غيره من الأذى وغيره، وإن ضل رد، وإن اختلط بغيره يتميز ولما فيه من إظهار الشعار، وتنبيه الغير على [فعل](3) مثل هذا جميعه، ولا يرجع فيها مهديها، وتجتنب سرقتها ويتبعها المساكين عند مشاهدتها.
فرع: قال الماوردي (4) وتستحب استقبال القبلة عند الإِشعار والتقليد.
خامسها: قوله "فلا أحل حتى أنحر" هو اتباع لقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (5)، فمن ساق الهدى لا يحل التحلل من عمرته
(1) المفهم (3/ 355).
انظر: الاستذكار (13/ 83) في إيضاحه أن هذه الكلمة محفوظة وجاءت من روايات الثقات. اهـ.
(2)
لعل العبارة هكذا (عما لا يجتنب).
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
الحاوي الكبير (5/ 490).
(5)
سورة البقرة: آية 196.
حتى ينحر يوم النحر بمنى، واستدل أبو حنيفة، وأحمد بهذا الحديث على أن المتمتع إذا فرغ من [أفعال](1) العمرة، وكان قد أهدى لم يجز أن يتحلل بل يقيم على إحرامه حتى يحرم بالحج ويتحلل منهما جميعاً بخلاف ما إذا لم يهد فإنه يتحلل.
ومذهب الشافعي ومالك: أنه إذا فرغ من أعمال العمرة صار حلالاً وحل له جميع المحظورات سواء كان ساق الهدى أم لا.
واحتجوا: بأنه متمتع [أكمل](2) أفعال عمرته فيتحلل كما إذا لم يكن معه هدى، وحديث حفصة هذا لا حجة فيه لأنه عليه الصلاة والسلام كان مفرداً أو قارناً كما سلف (3) ولهذا قال:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدى، ولجعلتها عمرة". وأما حديث عائشة: "من أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه".
فجوابه: أنها رواية مختصرة من روايتين ذكرهما قبلها، وبعدها قالت:"فيها من كان معه هدى فليهلل [بالحج والعمرة] (4)، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً" فهذه الرواية مفسرة للأولى وتقديرها من أحرم بعمرة وأهدى فليهل بالحج ولا يحل حتى ينحر [هديه](5) ويتعين هذا التأويل لأن القصة واحدة والراوي واحد.
(1) في ن هـ (أعمال).
(2)
في ن هـ (إكمال).
(3)
ص 229 - 238.
(4)
في ن هـ (بالحج مع العمرة). سبق تخريجها البخاري (316)، ومسلم (1211).
(5)
في ن هـ ساقطة.
سادسها: في الحديث أحكام:
أحدها: جواز سؤال المرأة زوجها [الكبير](1) المقتدى به عما وقع من مخالفة الناس له فيما فعله.
ثانيها: الجواب بذكر السبب في مخالفتهم له.
ثالثها: جواز تسمية القارن متمتعاً وإن لم يحل من عمرته.
رابعها: تلبيد شعر المحرم عند إحرامه وهو سنة بالاتفاق.
خامسها: أن من لبد رأسه لم يكفه إلَاّ الحلق يوم النحر، وهو قول قديم للشافعي، والجديد من مذهبه أنه لا يتعين وهما كالقولين: في أن التلبيد والإِشعار هل ينزل منزلة قوله: "جعلتها أضحية".
سادسها: أن من ساق الهدى لم يحل حتى ينحر.
سابعها: أن القارن لا يتحلل حتى يقضي جميع أفعال الحج كالمفرد ما أسلفناه.
ثامنها: أن سوق الهدى سنة مؤكدة.
[تاسعها: أن تقليده أيضاً سنة مؤكدة](2) وهو اتفاق في الإِبل والبقر، وأما في الغنم فاستحبه الجمهور ومنعه مالك وأبو حنيفة والسنة قاضية عليه، قال القاضي عياض: لم يبلغ مالكاً الحديث.
قلت: ووافق ابن حبيب منهم الجمهور.
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في ن هـ ساقطة.
[خاتمة](1): ترجم البخاري (2) على هذا الحديث: القلائد للبدن والبقر" وسيأتي في الباب بعده أن الهدي يكون من الإِبل والبقر والغنم فأخذ البخاري البدن والبقر من لفظ الهدى، واعترض ابن المنير (3)، فقال:[ليس في الحديث ذكر البقر](4) لكن قد صح أنه عليه الصلاة والسلام أهداهما، ولا يرد هذا على البخاري فاعلمه. ثم ساق البخاري عقب هذا حديث عائشة الآتي في أول الباب الآتي على الأثر.
…
(1) في الأصل بياض، والإِضافة ن هـ.
(2)
الفتح (3/ 543).
(3)
المتواري على تراجم أبواب البخاري (143). الفتح (3/ 543).
(4)
هذه ليست في المرجع السابق.