الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
256/ 4/ 48 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً، وقال:"نحن نعطيه من عندنا"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: قوله: "على بدنه" هو بضم الباء وإسكان الدال ويجوز ضمها وهو جمع بدنة.
ثانيها: معنى القيام عليها إصلاح شأنها في علفها ورعيها وسقيها وسوقها وإزالة الضرر عنها والعمل فيها بما يجب ويشرع ويحدد.
(1) البخاري أطرافه في (1707)، ومسلم (1317)، وابن ماجه (3099)، وأبو داود (1769) في المناسك، باب: كيف تنحر البدن؟ (1764)، باب: في الهدى إذا عطب قيل أن يبلغ، والبغوي (1951)، وابن الجارود (482، 483)، وابن خزيمة (2922، 2923، 2919)، وأحمد (1/ 132، 143، 159)، والدارمي (2/ 74)، والبيهقي (5/ 233، 241).
ثالثها: "الأجلة": جمع جلال ما يتخذ من الثياب يشق على الأسنمة إذا كانت قليلة الثمن لئلا يسقط وليظهر الشعار ولا تستتر تحتها وتعقد أطراف الجلال على أقتابها ويكون ذاك بعد إشعارها لئلا تتلطخ بالدم.
رابعها: "الجزار": معروف وهو الذي يتولى السلخ والقطع وعمالته تسمى جُزارة بالضم.
خامسها: في الحديث جواز الاستنابة في القيام على الهدى وذبحه والتصدق به.
سادسها: فيه أيضاً التصدق بالجميع ولا شك أنه أفضل وواجب في بعض الدماء.
سابعها: فيه أيضاً أن الجلود تجري مجرى اللحم في التصدق لأنها من جملة ما يتصدق به فحكمها حكمه.
ثامنها: فيه أيضاً أستحباب تجليل الهدايا وهو سنة ثابتة مختص بالإِبل وهو مما اشتهر فعله من عمل السلف (1) ورواه مالك والشافعي وأبو ثور وإسحاق.
قال العلماء: ويستحب أن تكون فيه الجلال ونفاسته بحسب حال المهدي، وكان بعض السلف: يجلل [بالوشي](2) وبعضهم: بالحبرة. وبعضهم: بالقباطي والملاحف والأزر.
(1) انظر: شرح مسلم (9/ 65).
(2)
في الأصل بياض، والإِضافة ن هـ.
قال مالك: ويشق على الأسنمة إن كانت قليلة الثمن لئلا يسقط، وقد سبق له فائدة أخرى، قال: وما علمت من ترك ذلك إلَاّ ابن عمر استبقاء للثياب لأنه كان يجلل الأجلال المرتفع (1)، من الأنماط والبرود والحبر، قال: وكان لا يجلل حتى يغدو من منى إلى عرفات وروى عنه أنه كان يجلل من ذي الحليفة وكان يعقد أطراف الجلال على أذنابها، فإذا مشى ليلة نزعها [فإذا كان يوم عرفة جللها، فإذا كان عند النحر نزعها](2) لئلا يصيبها الدم، قال مالك: أما الجلال فتنزع ليلاً لئلا يخرقها الشوك، قال: واستحب إن كانت الجلال مرتفعة أن يترك شقها وأن لا يجللها حتى يغدو إلى عرفات، فإن كان بثمن يسير فمن حين يحرم يشق ويجلل، قال: وكان ابن عمر أولاً يكسو الجلال الكعبة فلما كسيت تصدق بها على الفقراء.
قلت: لا زالت الكعبة تكسى من لدن تُبع إلى الآن [كما تقدم](3)، فلينظر في هذه الرواية (4).
تاسعها: فيه أيضاً عدم إعطاء الجزار منها شيئاً مطلقاً بكل وجه كما هو ظاهر [الحديث بالـ](5) ـلفظ [الذي](6) أورده المصنف
(1) في هـ (المرتفعة).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
انظر: الموطأ (1/ 379)، والاستذكار (12/ 273).
(5)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(6)
في ن هـ ساقطة.
وترجم [عليه البخاري](1) بأن "لا يعطى الجزار من الهدى شيئاً"، ولا شك في امتناعه إذا كان عطاؤه أجرة الذبح لأنه معاوضة ببعض الهدى وهي في الأجرة كالبيع وهو لا يجوز، وأما إذا أعطاه منها خارجاً عن الأجرة زائد عليها فالقياس الجواز لكن الشارع قال:"نحن نعطيه من عندنا" فأطلق المنع من غير تقييد بالأجرة والذي يخشى من إعطائه منها بأن تقع مسامحته في الأجرة لأجل ما يأخذه الجزار من اللحم فتعود إلى المعاوضة في نفس الأمر ممن يميل إلى سد الذرائع يتمسك بهذا الحديث خشية من مثل هذا.
قلت: لكن رواية مسلم (2) الأخرى في صحيحه تزيل هذا الإِشكال فإن فيها "ولا يعطى في جزارتها منها شيئاً"، وما أحسن هذه الرواية ولفظ رواية البخاري (3)"ولا أعطى عليها شيئاً في جزارتها"، وفي لفظ آخر (4) له "ولا يعطى في جزارتها شيئاً"، وأطلق النووي في "شرحه لمسلم"(5) أنه يؤخذ من الحديث أن الجزار لا يعطى منها [مفيداً](6) أن عطيته عوض عن عمله فيكون في معنى بيع جزء منها وذلك لا يجوز، وكذا قال القرطبي في
(1) في الأصل بياض، وما أثبت من ن هـ. النظر: الفتح (3/ 555) ح (1716).
(2)
مسلم (1317، 1349).
(3)
(1716).
(4)
(1717).
(5)
(9/ 65).
(6)
في ن هـ (معلل).
"مفهمه"(1): الحديث دال على أنه لا تجوز المعاوضة على شيء منها لأن الجزار إذا عمل عمله استحق الأجرة على عمله فإذا دفع له منها شيئاً كان ذلك عوضاً على فعله وهو بيع ذلك الجزء منها بالمنفعة التي عملها وهي الجزر، قال والجمهور: على أنه لا يعطى [الجازر](2) منها شيئاً تمسكاً بهذا الحديث وخالف الحسن البصري، وعبد الله [ابن عبيد](3) بن عمير فجوزا إعطاء الجلد، قال: وقوله: "نحن نعطيه من عندنا" مبالغة في سد الذريعة وتحقيق للجهة التي يجب عليها أجرة [الجازر](4) لأنه لما كان الهدي منفعة له، تعينت أجرة التي تتم به تلك المنفعة عليه.
العاشر: فيه أيضاً جواز الاستئجار على النحر ونحوه.
الحادي عشر: فيه أيضاً تحريم بيع جلد الهدي ومثله الأضحية وسائر أجزائهما بعوض من الأعواض سواء كان بما ينتفع به في البيت وغيره أم لا، وسواء كانا تطوعين أو واجبين، لكن إن كانا تطوعاً فله الانتفاع بالجلد ونحوه باللبس وغيره وبه قال عطاء والنخعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق:
وحكى ابن المنذر عن ابن عمر وأحمد وإسحق أنه لا بأس ببيع جلد هديه ويتصدق بثمنه، قال: ورخص في بيعه أبو ثور.
(1) المفهم (3/ 416).
(2)
في ن هـ (الجزار).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
في ن هـ (الجزار).
وقال النخعي والأوزاعي: لا بأس أن يشتري به الغربال والمنخل والفأس والميزان ونحوها.
وللشافعي قول غريب أنه يجوز بيع الجلد ويصرف ثمنه مصرف الأضحية.
ولأصحابه وجه: أنه لا يجوز أن يفرد بالانتفاع بالجلد، بل يجب التشريك فيه كاللحم.
خاتمة (1): ذهب مالك إلى أنه يؤكل من الهدايا كلها إلَاّ أربع: جزاء الصيد، ونسك الأذى، ونذر المساكين، وهدي التطوع، إذا عطب قبل محله.
وعنه قول آخر: أنه لا يأكل من دم الفساد.
وعنه أنه قال: في "المبسوط" في الجزاء [والفدية](2) ينبغي أن لا يأكل، فإن أكل فلا شيء عليه.
ومذهب الشافعي كما ذكره النووي في "شرح المهذب"(3) في فرع مذاهب العلماء أنه لا يجوز الأكل من الأضحية والهدي الواجبين، سواء كان جبراناً أو منذوراً وكذا نقله الخطابي (4) عن مذهب الشافعي أيضاً أنه يأكل من التطوع كالضحايا والهدايا دون الواجب كدم التمتع والقران والنذر ونحوها.
(1) انظر: أقوال أهل العلم -رحمهم الله تعالى- في الاستذكار (12/ 283).
(2)
في الأصل (الهدية)، وما أثبت من ن هـ.
(3)
(8/ 418).
(4)
معالم السنن (2/ 297).
وقال الرافعي: يشبه أن يقال: يجوز الأكل إذا كانت معينة ابتداء ويمتنع إذا كانت معينة عن شيء في الذمة لأنه يشبه دم الجبران.
قلت: وقال داود أيضاً: لا يجوز الأكل من الواجب.
وقال أحمد وإسحاق: لا يأكل من النذور ولا من جزاء الصيد ويأكل مما سوى ذلك، وروى ذلك عن عمر رضي الله عنه، وقال أصحاب الرأي: يأكل من دم التمتع والقران والتطوع ولا يأكل مما سواها [وبناه](1) على مذهبه أن دم القران والتمتع دم نسك لا جبران ونقله النووي في "شرح المهذب"(2) عن أحمد أيضاً وما نقلناه أولاً عن أحمد هو ما نقله الخطابي عنه (3).
وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري، أنه لا بأس أن يأكل من جزاء الصيد وغيره.
…
(1) في ن هـ (بناها).
(2)
(8/ 418).
(3)
معالم السنن (2/ 297)