المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌51 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال ذكر فيه رحمه - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌51 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال ذكر فيه رحمه

‌51 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

ذكر فيه رحمه الله حديث أبي قتادة، والصعب بن جثّامة رضي الله عنهما:

‌الحديث الأول

269/ 1/ 51 - عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجاً، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم، فيهم أبو قتادة وقال:"خذوا ساحل البحر، حتى نلتقي" فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم، إلَاّ أبا قتادة، لم يحرم، فبينما هم يسيرون، إذ رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر، فعقر منها أتاناً، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد، ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك؟ قال:"منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ " قالوا: لا. قال: "فكلوا ما بقي من لحمها"(1).

(1) البخاري في أطرافه (1821)(1824) في جزاء الصبد، باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال. ومسلم (1196) في الحج، =

ص: 394

وفي رواية: "هل معكم منه شيء"؟ فقلت: نعم. فناولته العضد. فأكلها (1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: التعريف براويه وقد سلف في باب الاستطابة.

الثاني: في ألفاظه:

"الطائفة": تقدم الكلام عليها في باب صلاة الخوف.

"الساحل": شاطىء البحر قال ابن دريد (2): وهو مقلوب وإنما الماء سحله.

"والبحر": يجمع على أبحر، وبحار، وبحور، وهو الماء الكثير ملحاً كان أو عذباً فممن نص على ذلك ابن سيده في "المحكم" (3). قال: وقد غلب على الملح حتى قل في العذب وصرفوه على معنى الملوحة.

وقال القزاز: إذا اجتمع الملح والعذب سموا باسم الملح أي بحرين ومنه قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)} (4). قال: ويسمى

= باب: تحريم الصيد للمحرم، وابن ماجه (3093)، والترمذي (848)، والنسائي (5/ 185)، ومالك (1/ 351)، والدارقطني (2/ 291)، والدارمي (2/ 38)، والبيهقي (5/ 322)، وأحمد (5/ 306، 307، 301)، وابن الجارود (435).

(1)

البخاري في الهبة (2570)، باب: من استوهب شيئاً من أصحابه.

(2)

المخصص (9/ 20).

(3)

المخصص (9/ 15)، ولسان العرب (1/ 323).

(4)

سورة الرحمن: آية 19.

ص: 395

بذلك لسعته من قولهم تبحر الرجل في العلم أي اتسع، قال: قال أهل اللغة: وكيف تقلبت حروف (ب ح ر) دلت على الاتساع كبحر ورحب وحبر ونحو ذلك.

وقال الأزهري (1): سميت الأنهار بحارًا لأنها مشقوقة في الأرض شقًا ومنه سميت البحيرة.

وقوله: "فأحرموا كلهم إلَّا أبا قتادة" جاء في رواية لمسلم: "فأهلوا بعمرة غيري".

وقوله: "إذ رأوا حمر وحش" كذا هو ثابت في الصحيحين وفيهما أيضًا: "وإذا أنا بحمار وحشي فحملت عليه".

وقوله: "فعقر منها أتانًا" أي جرح. و"الأتان": هي الأنثى من الحمر.

و"العضد" الساعد، قال الجوهري (2): وهو من المرفق إلى الكتف وفيه لغات: عضد -بضم الضاد وكسرها- وعضد بفتح العين وكسرها مع سكون الضاد وبضمها حكاه ابن السيد في "مثلثه"(3) وزاد بن عديس عن ابن سيده عضد بفتح الضاد على وزن

(1) تهذيب اللغة (5/ 37)، وذكره في لسان العرب (1/ 323).

(2)

تهذيب اللغة (1/ 451).

(3)

قال ابن السيد البطليوسي في مثلثه (2/ 295): والعَضِدُ والعضُدُ بكسر الضاد وضمها. ما بين المرفق والمنكب وفيه ست لغات: عَضُدٌ، بضم العين وسكون الضاد وعُضُدٌ بضم العين والضاد. وعِضْدٌ بكسر العين وسكون الضاد. عَضِدٌ بفتح العين وكسر الضاد خاصة.

وانظر: (2/ 353) ذكر فيه ثلاث لغات.

ص: 396

حمل حكى ذلك اللبلي.

فائدة: في الصحيح أيضًا "الرجل" بدل "العضد" وفي رواية "الذراع" رواها سعيد ويجمع بينهما بتعدد الواقعة (1).

الثالث: إن قيل كيف ترك أبو قتادة الأحرام مع كونه خرج للنسك ومر بالميقات وقد تقرر بأنه لا يجوز لمن أراد الحج والعمرة أن يجاوز الميقات غير محرم؟ وأجيب بوجوه.

أولاها: ما أشار إليه أول الحديث من أنه أرسل إلى جهة أخرى لكشف عدوٌ لهم بجهة الساحل سيعلمه فكان الالتقاء معه بعد مضي مكان الميقات (2).

وفي صحيح ابن حبان (3)"أنه بعثه على الصدقة" كما سيأتي.

وأضعفها: أنه لم يكن مريدًا للحج ولا للعمرة.

وأبعدها: أن المواقيت لم تكن وقتت بعد.

يليه في البعد أن أهل المدينة أرسلوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه أن بعض العرب عزم على غزو المدينة فإن في

(1) ذكر ابن حجر في الفتح -رحمنا الله وإياه- (4/ 30) هذه الروايات، وفي بعض الروايات مبهمة كما في قوله:"وإن عندنا فاضلة".

(2)

ذكره في الاستذكار (11/ 271).

(3)

ابن حبان (3976)، والبزار (1101)، والطحاوي (2/ 173)، وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 230)، وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. سيأتي.

ص: 397

الصحيح (1): "أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارًا" الحديث (2).

(1) البخاري (2914).

(2)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 23) على قوله: "فأحرم أصحابه ولم يحرم"، الضمير لأبي قتادة بينه مسلم:"أحرم أصحابي ولم أحرم"، وفي رواية علي بن المبارك:"وأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم"، وفي هذا السياق حذف بينته رواية عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة وهي ما بعد بابين بلفظ:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجًا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال: "خذوا ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلَّا أبا قتادة"، إلى أن قال: -فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا، إلَّا هو فاستمر هو حلال لأنه إما أنه لم يجاوز الميقات، وإما أنه لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإِشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم؟ ولا يدرون ما وجهه، قال: حتى وجدته في رواية. من حديث أبي سعيد فيها: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه" الحديث. قال: فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة. قلت: وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك لما بيناه ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة وخرج =

ص: 398

الرابع: هذا الخروج كان عام الحديبية (1) كما ثبت في الصحيحين وفي الصحيح أيضًا: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًا وأحرمنا

= رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون، حتى نزلوا بعسفان" فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعها، والذي يظهر أن أبا قتادة، إنما أخر الإِحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير -وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًا ولا عمرة، وقيل كانت هذه القصة قبل أن يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت- أقول وقد ضعفه ابن الملقن.

وأما قول عياض ومن تبعه -أقول وقد ذكره ابن الملقن وتعقبه- إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإِغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب. اهـ.

(1)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 29) على قوله: "خرج حاجًا". قال الإِسماعيلي هذا غلط، فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير، وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر، ولعل الراوي أراد خرج محرمًا فعبر عن الإِحرام بالحج غلطًا، قلت: لا غلط في ذلك بل هو من المجاز السائغ، وأيضًا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال: خرج قاصدًا للبيت، ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر. ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ: خرج حاجًا أو معتمرًا"، أخرجه البيهقي فتبين أن الشك فيه من رواية أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد. اهـ. انظر: الاستذكار (11/ 272).

ص: 399

معه" ومراده بالحج العمرة كما جاء في روايته الأخرى: "فأهلوا بعمرة غيري" (1) وفي الصحيح (2) أيضاً: "أنه عليه الصلاة والسلام حُدث أن عدوا بغيقة (3) فتوجهنا نحوهم" وهو موضع من بلاد بني غفار بين مكة والمدينة، وقيل: هو قليب ماء (4) لبني ثعلبة، وفيه أن أبا قتادة لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بقرب تعهن (5) وهو قائل (6)

(1) مسلم (1196)(62).

(2)

مسلم (1196)(59).

(3)

هو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء قال السكوني: هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة. انظر: فتح الباري (4/ 23)، ومعجم البلدان (4/ 221).

(4)

وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوي ويصب هو في البحر. المراجع السابقة.

(5)

تعهن: بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون، ورواية الأكثر بالكسر، وبه قيدها البكري في معجم البلاد

إلخ. انظر: فتح الباري (4/ 25).

(6)

قوله: "قائل"، قال النوري في شرح مسلم (8/ 12): روى بوجهين أصحهما وأشهرهما قائل بهمزة بين الألف واللام من القيلولة ومعناه تركته بتعهن وفي عزمه أن يقيل بالسقيا ومعنى "قائل" يقيل ولم يذكر القاضي في شرح مسلم وصاحب المطالع والجمهور غير هذا بمعناه.

والوجه الثاني: أنه "قابل" بالباء الموحدة، وهو ضعيف وغريب وكأنه تصحيف وإن صح معناه "تعهن موضع مقابل للسقيا". قال ابن حجر في الفتح (4/ 25) فعلى الأول الضمير في قوله:"وهو" للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني الضمير للموضع وهي تعهن، ولا شك أن الأول أصوب وأكثر فائدة

إلخ.

ص: 400

السقيا (1) وهو عين ماء على ميل من السقيا بالقاف وهو وادي العباديد على ثلاث مراحل من المدينة [قائل](2) اسم فاعل من القول [أو من القائلة](3) أيضاً والأول هو المراد هنا.

والسقيا: اسم مفعول بفعل مضمر كأنه قال اقصدوا السقيا كذا قال القرطبي (4) وقال: إنه من القيلولة أي وفي عزمه أنه يقيل بالسقيا، والسقيا: قرية جامعة بين مكة والمدينة بينها وبين الفرع (5) مما يلي الجحفة سبعة عشر ميلاً. وفي الصحيح (6) أيضاً: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة فمنا المحرم ومنا غير المحرم إذا بصوت بأصحابي يتراؤن شيئاً فنظرت فإذا حمار وحشي" الحديث.

والقاحة (7) بالقاف على الصواب ووهم من قالها بالفاء وهو واد على نحو ميل من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة، وفي هذه

(1) السقيا بضم المهمله وإسكان القاف بعدها تحتانية مقصورة: قرية جامعة ببن مكة والمدينة. انظر: معجم البلدان (3/ 228)، والفتح (4/ 25).

(2)

في المخطوطة (قابل)، وما أثبت من فتح الباري (4/ 25).

(3)

في المخطوطة (من القائل)، وما أثبت من الفتح (4/ 25).

(4)

في المخطوطة هكذا وفي الفتح (4/ 25) وكأنه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه: اقصدوا السقيا. اهـ. وقد تعقب ابن حجر كلام القرطبي بقوله: "واغرب القرطبي"

إلخ.

(5)

انظر: مقدمة كتاب التيمم.

(6)

مسلم (1196)(56).

(7)

قال القاضي عياض -رحمنا الله وإياه- في المشارق (2/ 198) الناس بالقاف إلَاّ القابسي فضبطوه عنه بالفاء. اهـ.

ص: 401

الرواية بيان موضع الاصطياد. فاستفده. وفي "صحيح أبي حاتم ابن حبان"(1) من حديث أبي سعيد الخدري. أنه عليه الصلاة والسلام بعث أبا قتادة الأنصاري على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمون حتى نزلوا بعسفان ثثية الغزال. فإذا هم بحمر وحش

الحديث.

(الخامس): في الحديث أحكام:

الأول: أن الإِمام وأصحابه إذا خرجوا في طاعة من حج أو غيره وعرض لهم أمر يقتضي تفريقهم فرقهم طلبًا للمصلحة فإن السنة عدم تفرق الرفقة في السفر.

الثاني: جواز اصطياد الحلال الصيد المباح وهو إجماع.

الثالث: أن عقر الصيد ذكاته.

الرابع: عدم الإِقدام على الشيء حتى يعرف حكمه.

الخامس: جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم حيث أكلوا بعضه باجتهاد وفي "صحيح مسلم"(2): "فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم" الحديث.

السادس: الرجوع إلى النصوص عند تعارض الأدلة بالاشتباه أو الاحتمال.

(1) سبق تخريجه، وقد قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 24): وقد وقع في حديث أبي سعيد المذكور أن ذلك وقع وهم بعسفان. وفيه نظر. وتصحيح ما سيأتي وذكر القاحة

إلخ.

(2)

مسلم (1196)(57).

ص: 402

السابع: أنه إذا كان للمحرم سبب في اصطياد الصيد بإشارة أو إعانة يمنع من أكله وإلَّا فلا.

الثامن: جواز هدية الحلال للمحرم من لحم الصيد.

التاسع: تحريم لحم الصيد على المحرم إذا صاده هو أو كان له في اصطياده أثر من دلالة عليه أو إعانة، وأجمع العلماء على تحريم الاصطياد عليه.

قال الشافعي وآخرون: ويحرم عليه تملك الصيد بالبيع والهبة وغيرهما وفي إرثه إياه بالإِرث خلاف والأصح عند الشافعية أنه يملك ويلزمه إرساله وفي "الحاوي الصغير" أنه يزول ملكه عقبه والصحيح في "شرح المهذب"(1) للنووي أنه لا يزول ملكه بل يلزمه إرساله حتى لو لم يفعل وباع صح بيعه.

وأما اصطياد الحلال. لنفسه من غير إعانة المحرم ولم يقصد المحرم.

فجمهور العلماء: على حل أكله للمحرم بالهدية وهو قول الشافعي ومالك وأحمد وداود فإن قصده فحرام سواء صاده بإذنه أو بغير إذنه.

وقال أبو حنيفة (2): لا يحرم عليه لحم ما صيد له بغير إعانة منه.

(1) المجموع (7/ 309، 310).

(2)

الاستذكار (11/ 273).

ص: 403

وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلاً بل هو حرام عليه مطلقاً وهو محكي عن [عمر](1) وعلي وابن عباس وجماعة من السلف منهم الثوري وإسحاق وذكر نحوه عن مالك أيضاً والليث لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (2) قالوا: والمراد بالصيد المصيد ولرده عليه الصلاة والسلام لحم الصيد في حديث الصعب بن جثّامة الآتي عليه، وعلله بأنه محرم دون شيء آخر من قصده صلى الله عليه وسلم به ولا غيره وحديث أبي قتادة هذا يرد هذا القول فإنه أكله وأمر بأكله وفي رواية لمسلم (3):"إنما هي طعمة أطعمكموها الله" وفي "سنن أبي داود"(4) و"الترمذي"(5) و"النسائي"(6) وصحيحي ابن حبان (7) والحاكم (8) عن جابر مرفوعاً:

(1) الذي في الاستذكار (11/ 275)"ابن عمر لأن عمر يرى أكل كل ما صاده الحلال من الصيد الذي يحل للحلال أكله". اهـ.

(2)

سورة المائدة: آية 96.

(3)

مسلم (1196)(57)، والبخاري (2914)، وأبو داود (1852) في المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، والترمذي (847)، والنسائي (5/ 182)، والبغوي (1988)، والحميدي (424).

(4)

أبو داود (1851) في المناسك باب: لحم الصيد للمحرم.

(5)

الترمذي (846). قال أبو عيسى: حديث جابر حديث مفسر، والمطلب لا نعرف له سماعاً عن جابر، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يرون بالصيد للمحرم بأساً، إذا لم يصطده أو لم يصطد من أجله. اهـ.

(6)

النسائي (5/ 187).

(7)

ابن حبان (3971).

(8)

الأم (2/ 208). قال الشافعي -رحمنا الله وإياه-: هذا أحسن حديث =

ص: 404

"صيد البر لكم حلالاً ما لم تصيدوه أو يصاد لكم". قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الشافعي: هو أحسن شيء روى في الباب وأقيس.

قلت: فيجب إذن الجمع بين الأحاديث وحديث جابر هذا صريح في الفرق وهو ظاهر في الدلالة للجمهور وراد للمذهبين الآخرين ويحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده وحديث صعب الآتي على قصدهم به.

وتحمل الآية الكريمة: على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المبينة للمراد من الآية.

وأما قولهم في حديث الصعب: علل بأنه محرم فلا يمنع كونه صيد له لأنه إنما يحرم الصيد على الإِنسان إذا صيد بشرط أنه محرم فبين في حديث الصعب الشرط الذي يحرم به.

فرع (1): لو خالف المحرم فأكل ما حرم عليه فهل يلزمه الجزاء

= روي في هذا الباب وأقيس والعمل على هذا. اهـ. والحاكم (1/ 452) ، وعلى شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضاً البيهقي (5/ 190).

قال ابن التركماني: فظهر بهذا أن الحديث له أربع علل، إحداها: الكلام في المطلب. ثانيتها: أنه لو كان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل. ثالثتها: الكلام في عمرو. رابعتها: أنه ولو كان ثقة فقد اختلف عليه كما مر. وقد أخرجه الطحاوي (2/ 171) من وجه آخر عن المطلب عن أبي موسى. وقال ابن حزم في المحلى: هو خبر ساقط، وانظر: التمهيد (21/ 153)، والاستذكار (11/ 277)، والمجموع (7/ 301).

(1)

انظر: إلى أقوال أهل العلم في الاستذكار (11/ 308، 312).

ص: 405

وهو القيمة بقدر ما أكل فيه قولان للشافعي الجديد منهما عدم اللزوم.

وقال أبو حنيفة: يلزمه جزاء آخر في صيد الإحرام ووافقنا في صيد الحرم.

وروى عن ابن القاسم: أنه إن كان عالمًا أنه صيد من أجله أو من أجل محرم سواه فالجزاء عليه وإن لم يعلم فلا شيء عليه.

وروى عن مالك في "المختصر" و"كتاب ابن المواز" و"العتبية" أنه لا جزاء على من لم يصد من أجله من المحرمين.

وقال أصبغ: لا جزاء عليه وإن صيد من أجله وإن علم كمن أكل ميتة محرمة وغير هذا خطأ (1).

العاشر: تبسط الإِنسان إلى صاحبه بطلب ما يؤكل.

الحادي عشر: تطييب قلوب الاتباع بأكل ما شكوا في حله

(1) قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (11/ 281): وهم مختلفون فيما صاده الحلال هل يحل للمحرم أكله، على أقوال:

أحدها: أن كل الصيد حرام على المحرم بكل حالٍ، على ظاهر قول الله عز وجل:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] لم يخصّ أكْلًا مِنْ قَتْلٍ.

والثاني: أن ما صاده الحلال جاز لمن كان حلالًا في حين اصطياده محرمًا دون من كان محرمًا من ذلك الوقت وقت اصطياده.

والثالث: أن ما صيد لمحرم بعينه جاز لغيره من المحرمين أكله ولم يجز ذلك له وحده.

والرابع: أن ما صيد لمحرم لم يجز له ولا لغيره من المحرمين أكله. اهـ.

ص: 406

أو كان عندهم وفيه إذا كان عنده علم من جوازه وحله وموافقتهم في الأكل وقد تقدم مثل هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت"(1) إشارة إلى موافقتهم في الحلق وتطييب قلوبهم.

الثاني عشر: المبالغة في بيان الأحكام حيث قال: "هل معكم منه شيء؟ وأكل منه"، واستدل بعض المالكية على أن المدني يجوز له تأخير الإِحرام إلى الجحفة إذا كان مريدًا للحج أو للعمرة.

وحكى ابن عبد البر (2) خلافًا عن أصحاب مالك في وجوب الدم لمجاوزته.

واستدل به بعضهم أيضًا: على أن الآمر بقتل الصيد كالقاتل نفسه وأن الدال على الخير والشر كفاعله.

قال بعض المالكية: وانظر لو دل أحد على مال رجل أو على قتله فأخذ أو قتل بجرم الدال يقاد منه كما قال أشهب في المحرم الدال على قتل الصيد.

قلت: وهذه المسألة اختلف الناس فيها.

فقال مالك والشافعي وأبو ثور: لا شيء على المحرم الدال للحلال.

وقال الكوفيون وأحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة والتابعين: عليه الجزاء.

(1) سبق تخريجه.

(2)

الاستذكار (11/ 83).

ص: 407

وكذلك اختلفوا في المحرم إذا دل محرمًا آخر.

فذهب الكوفيون وأشهب إلى أن على كل واحد منهم جزاء.

وقال مالك والشافعي وأبو ثور: الجزاء على المحرم القاتل.

وكذلك الخلاف فيما لو أعانه بالرمح أو بالسوط وبأي مؤنة كانت.

قال القرطبي وقال بعض شيوخنا: ولو أشار إليه ليصيد لكان دالًا ويجري فيه الخلاف المذكور.

فائدة: روى الدارقطني (1) والبيهقي (2) بإسناد صحيح في هذا الحديث أن أبا قتادة ذكر شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه إنما اصطاده له قال: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا، ولم يأكل [منه] (3) حين أخبرته أني اصطدته [له] (4) ". قال الدارقطني: قال أبو بكر النيسابوري (5): قوله: "إنما اصطدته لك"، وقولهم:"لم يأكل منه" لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر قال البيهقي: وهذه الرواية غريبة والذي في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام أكل منه، قال: وإن كان سندها صحيح.

(1) الدارقطني (2/ 291).

(2)

البيهقي (5/ 190)، ومعرفة السنن (7/ 431).

(3)

زيادة من الدارقطني.

(4)

في المخطوط (لهم)، وما أثبت من الدارقطني، ولعله (لك)، كما هي في السطر الذي يليه.

(5)

انظر: البيهقي (5/ 191)، ومعرفة السنن (7/ 431).

ص: 408

قال النووي في "شرح المهذب"(1): ويحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان للجمع بين الروايتين.

خاتمة: ترجم البخاري على هذا الحديث جزاء الصيد ونحوه (2) وإذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال (3) وساق الحديث وفيه: "فبصر أصحابي بحمار وحشي، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، فنظرت فرأيته، فحملت عليه" الحديث، وترجم عليه أيضًا لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد (4)، ولا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال (5).

(1) المجموع (7/ 326).

(2)

لم يدخله في هذه الترجمة وإنما للتي بعده، باب: إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد كله.

(3)

البخاري في الفتح (4/ 26)، ح (1822).

(4)

البخاري في الفتح (4/ 26)، ح (1823).

(5)

البخاري في الفتح (4/ 28)، ح (1824).

ص: 409