الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
255/ 3/ 48 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، قال: اركبها. فرأيته راكبها، يساير النبي صلى الله عليه وسلم".
وفي لفظ قال: في الثانية أو الثالثة "اركبها ويلك -أو- ويحك"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا الرجل المبهم لا يحضرني تسميته بعد الفحص الشديد عنه.
ثانيها: "البدنة": تقدم الكلام عليها في الحديث السادس من باب الجمعة (2)، وأنها تقع على الواحد من الإِبل والبقر والغنم عند
(1) البخاري أطرافه (1689)، ومسلم (1322)، ومالك (1/ 377)، وأبو داود (1760) في المناسك، باب: في ركوب البدن، والنسائي (5/ 176)، والنسائي في الكبرى (2/ 364، 365)، وابن ماجه (3103)، وابن الجارود (428)، وأحمد (2/ 245، 287، 481)، والطيالسي (2596)، والبيهقي (5/ 236)، والبغوي (1954، 1955).
(2)
(5/ 163) من هذا الكتاب المبارك.
جمهور أهل اللغة، وجماعات من الفقهاء والمراد بها هنا: الإِبل لقرينة الركوب إذ البقر لا يركب غالباً، ولا عادة.
وقوله: "إنها بدنة"، فقد كان حالها غير خاف على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها كانت مقلدة كما رواه مسلم ورواية البخاري (1) لفظ "فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها"، فلعله ظن أن الهدى لا يركب على ما كان معلوماً عندهم في الجاهلية في أمر السائبة (2) على ما سيأتي.
ثالثها: قوله: "فرأيته راكبها" هو منصوب على الحال، وجاز ذلك، وإن كان اسم الفاعل إذا كان بمعنى المضي. معرفة فإنه من باب قوله تعالى:{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} (3)، [فاعل](4)، وإن كان بمعنى المضي لما كان حكاية حال، وكذا هنا في انتصابه على الحال نبه عليه الفاكهي.
رابعها: تقدم الكلام على لفظة "ويل" مستوعباً في كتاب الطهارة (5) في حديث "ويل للأعقاب من النار".
قال الجوهري: "الويل"[كلمة](6) عذاب وهو منصوب بفعل مضمر.
(1) في ن هـ زيادة (أيضاً).
(2)
في ن هـ زيادة (أو غيرها).
(3)
سورة الكهف: آية 18.
(4)
في ن هـ (فاعمل).
(5)
(1/ 235) من هذا الكتاب المبارك.
(6)
في الأصل (كل)، وما أثبت من ن هـ. انظر: الاستذكار (12/ 256).
وقال الحسن البصري: "ويح" كلمه رحمة.
وقال ابن الجوزي (1): "ويح" كلمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها يرثي له، وكذا ويحك.
[وتستعمل ويلك [المخاطبة](2) للتغليظ على المخاطب واستحق المخاطبة به] (3)، لتأخره عن امتثال الأمر حتى روجع مرة أو مرتين، وقد يخاطب بها من غير قصد إلى معناها وموضوعها في عادة العرب في ذلك كقولهم: ويحه، وويله، وفي الحديث "تربت يداك"(4)، "وأفلح [وأبيه] (5) " وغير ذلك، قال القاضي عياض (6):
(1) غريب الحديث (2/ 486).
(2)
في ن هـ (في المخاطبك).
(3)
في الأصل (والله)، وما أثبت من هـ.
(4)
ومثله حديث "ترتيب يمينك فمن أين يكون الشبه؟ " أخرجه مسلم (314)، وأبو داود (237)، والنسائي (1/ 112)، والدارمي (1/ 195)، أحمد (6/ 92)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (1/ 388)، وقوله "تربت يمينك" أي: افتقرت وصارت على التراب، وهي من الألفاظ التي تطلق عند الزجر، ولا يراد بها ظاهرها. اهـ.
النسائي في الكبرى (2/ 364، 365)، وابن ماجه (3103)، وابن الجارود (428)، وأحمد (2/ 245، 287، 481)، والطيالسي (2596)، والبيهقي (5/ 236)، والبغوي (1954، 1955).
الحديث أخرجه البخاري (46) ، ومسلم (11)، وأبو داود (392)، والنسائي (4/ 120، 121)، ابن الجارود (144)، والموطأ (1/ 175).
(5)
هذه الجملة في ن هـ متقدمة بعد كلمة بفعل مضمر.
(6)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 413).
وعلى رواية تقديم "ويلك" يريد رواية [مسلم](1)"ويلك اركبها"، "ويلك اركبها" لا يكون من باب الإِغلاظ لأجل التأديب وهو لفظ يستعمل لمن وقع في هلكة، وهذا يدل على ما جاء في الحديث "أن رآه [قد] (2) جهد" قال: وقد قيل إن ويلك هذا يكون إغراء بما أمره به من ركوبها إذ رآه قد يتحرج منه.
وقوله: "ويلك أو ويحك" هو شك من الراوي، هل قال: ويحك أو ويلك.
خامسها: إنما أمره عليه الصلاة والسلام بركوبها مخالفة لسير الجاهلية في مجانبة الانتفاع بالسائبة والوصيلة والحام وإهمالها بلا انتفاع بها حتى أوجب بعض العلماء ركوبها لهذا المعنى، ولمطلق الأمر، ويجوز أن يكون أمره بذلك لجهده ويؤيده الرواية السالفة.
سادسها: في الحديث دلالة على جواز ركوب البدنة المهداة، وقد اختلف العلماء فيه على مذاهب مع الاتفاق على تحريم الإِضرار بها.
أحدها: يجوز للحاجة فقط، ولا يجوز من غير حاجة وهو قول الشافعي وابن المنذر، وجماعة ورواية عن مالك لقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم (3) من حديث جابر: "اركبها
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
مسلم (1324)، وأبو داود (1761) في المناسك، باب: في ركوب البدن، والنسائي (5/ 177)، والبيهقي (5/ 236)، والبغوي (1956)، =
بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً"، فيرد [الخلاف](1) حديث أبي هريرة إلى هذا التقييد.
ثانيها: يجوز من غير حاجة وهو قول عروة ابن الزبير، ورواية عن مالك، وقول أحمد وإسحاق وأهل الظاهر، وبه قال بعض الشافعية: أخذاً بظاهر حديث أبي هريرة في الباب ولقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا} (2) الآية.
ثالثها: لا يركبها إلَاّ أن لا يجد منه بداً قاله أبو حنيفة.
رابعها: وجوب الركوب كما قدمته لمطلق الأمر به، ولقوله تعالى:{لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} (3) الآية. دليل الجمهور أنه عليه الصلاة والسلام أهدي، ولم يركب هديه. وحكى الصعبي في "شرحه" أن بعض الشافعية قال: يجوز ركوب الهدي المتطوع به، وفي الواجب وجهان، ولم أر من حكاه غيره (4).
فرع: إذا احتاج وركب فاستراح ففي النزول قولان عن مالك وحجة عدم النزول، وهو ما ذكره ابن القاسم: إباحة الشارع له الركوب فجاز له استصحابه.
= وأحمد (2/ 348)(3/ 317، 324)، وأبو يعلى (1815، 2199)، والنسائي في الكبرى (2/ 365).
(1)
في ن هـ (إطلاق).
(2)
سورة الحج: آية 36.
(3)
سورة الحج: آية 33.
(4)
انظر: أقوال أهل العلم رحمهم الله في الاستذكار (12/ 253، 255).
وصوب القاضي إسماعيل منهم: النزول.
فرع: يجوز الحمل عليها دون الإِجارة، وعند المالكية خلاف في جواز حمل الزاد عليها، فقال اللخمي: بالمنع، وقال ابن القاسم: بالجواز فماذا وجد غيرها نقله.
فرع: لو نقصها الركوب المباح فعليه قيمة ذلك النقصان، ويتصدق [كما قاله](1) أبو حنيفة والشافعي كما حكاه القرطبي (2).
الوجه السابع: يؤخذ من الحديث أن الكبير إذا رأى مصلحة تتعلق ببعض اتباعه أن يأمره بها.
الثامن: يؤخذ منه أيضاً المبادرة إلى قبول الأمر.
التاسع: يؤخذ منه أيضاً إذا لم يبادر إلى قبوله زجر بالكلام الغليظ بعد تنبيهه على الأمر ثانياً وثالثاً، وفي مسلم (3) من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال له:"اركبها مرتين أو ثلاثاً"، وفي رواية للبخاري (4) ثلاثاً وفي رواية لمسلم قال:"إنها بدنة أو هدية"، فقال:"وإن" أي وإن كانت بدنة أو هدية.
[العاشر](5): يؤخذ منه أيضاً جواز مسايرة الكبار في الركوب
(1) في الأصل (قال)، وما أثبت من ن هـ.
(2)
المفهم (3/ 422). وذكره في الاستذكار (12/ 254).
(3)
مسلم (1323)، والترمذي (911)، والنسائي (5/ 138)، وابن ماجه (3104)، ومسند ابن أبي الجعد (960، 61، 9) والنسائي في الكبرى (2/ 365).
(4)
البخاري أطرافه (1690).
(5)
زيادة من ن هـ.
في السفر ونحوه.
ومن تراجم البخاري (1)، على هذا الحديث "باب: هل ينتفع الواقف بوقفه"؟، وذكره بلفظ فقال: "اركبها" قال: يا رسول الله إنها بدنة قال: "اركبها، ويلك في الثانية أو الثالثة"، وذكره من حديث أنس (2) أيضاً بلفظ "فقال في الثالثة أو الرابعة اركبها ويلك أو ويحك".
…
(1) البخاري الفتح (5/ 383)، حديث (2754).
(2)
البخاري الفتح (5/ 383)، حديث (2755).