المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحادي عشر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الحديث الحادي عشر

‌الحديث الحادي عشر

268/ 11/ 50 - وعنه قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع، [لكل](1) واحدة منهما بإِقامة، ولم يسبح بينهما، ولا (2) إثر واحدة منهما" (3).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا اللفظ الذي ذكره المصنف هو للبخاري بزيادة وإسقاط، أما الزيادة فهي لفظة "كل" بعد قول [إثر]. (4).

وأما الإِسقاط: فهو اللام في "لكل واحدة منهما".

(1) في متن العمدة (كل).

(2)

في إحكام الأحكام ومن العمدة زيادة (على).

(3)

البخاري في أطرافه (1091)، ومسلم (1288)، والترمذي (888)، والنسائي (5/ 260)(1/ 291)، وفي الكبرى (4030)، وأبو داود (1928) في الحج، باب: الصلاة بجمع، وابن ماجه (3021)، والدارمي (2/ 58)، وابن خزيمة (2849)، ومالك (1/ 321/ 196)، والبيهقي (5/ 120، 121)، وأحمد (2/ 2، 3)، والبغوي (1938).

(4)

في المخطوطة التي بين يدي لا توجد، هذه الزيادة أيضاً ولا توجد في متن العمدة.

ص: 387

ومسلم ذكره بألفاظ:

أحدها: أنه عليه الصلاة والسلام صلَّى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً (1).

ثانيها: جمع بين المغرب والعشاء بجمع [ليس](2) بينهما سجدة والمراد بها الركعة.

ثالثها: أنه صلاها بإقامة بجمع.

رابعها: جمع بين المغرب والعشاء بجمع وإقامة واحدة.

الثاني: "جمع" بإسكان الميم اسم للمزدلفة، ولماذا سميت بذلك فيه أقوال:

أحدها: لاجتماع الناس بها.

ثانيها: لاجتماع آدم وحواء قاله الطبري (3).

ثالثها: للجمع فيها بين المغرب والعشاء قاله الوقدي وجزم به صاحب المطالع.

الثالث: "معنى لم يسبح بينهما" لم يصل. نافلة ومنه الحديث

(1) مسلم (703).

(2)

في المخطوطة غير واضحة ومقطوعة الكلمة "من"، وما أثبت في صحيح مسلم.

(3)

وهو مروي عن ابن عباس كما أشار إليه صاحب النظم المستعذب في تفسير غريب المهذب (1/ 209)، وقاله صاحب المصباح المنير (1/ 108)، ومختار الصحاح (53).

ص: 388

"واجعلوا صلاتكم معهم سبحة"(1). أي نافلة وسميت الصلاة سبحة وتسبيحاً لما فيها من تعظيم الله تعالى وقد تقدم الكلام على هذه المادة في الحديث الأول من باب استقبال القبلة (2).

الرابع: في أحكام الحديث وفوائده:

الأول: جواز جمع التأخير بمزدلفة وهي "جمع" لأنه عليه الصلاة والسلام كان وقت المغرب بعرفة: [فلم يجمع بينهما بالمزدلفة](3) إلَاّ وقد أخر المغرب. وهذا الجمع مجمع عليه لكن اختلفوا: في سببه هل هو النسك أو السفر، وفائدة الخلاف تظهر في أن من ليس مسافراً سفراً يُجمع فيه، هل يجمع بين هاتين الصلاتين أم لا؟

فذهب أبو حنيفة إلى الأول، ومن وافقه من أصحاب الشافعي والصحيح من مذهب الشافعي ولم ينقل صريحاً أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الصلاتين في طول سفره ذلك، فإن كان لم يجمع في نفس الأمر فيقوي أن الجمع للنسك. لأن الحكم المتجدد عند تجدد أمر يقتضي إضافة ذلك الحكم إلى ذلك الأمر، وإن كان قد جمع: إما بأن يرد في ذلك نقل خاص، أو يؤخذ من حديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام:"كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء"، فقد تعارض في هذا الجمع سببان السفر،

(1) أخرجه أحمد في المسند (1/ 379، 399، 424، 455)، وابن ماجه (1/ 196)، وأبو داود (1/ 165) من رواية ابن مسعود.

(2)

(2/ 478، 479) من هذا الكتاب المبارك.

(3)

في الأصل (فما جمع) وبقية الكلام زيادة من إحكام الأحكام.

ص: 389

والنسك فيبقى النظر في ترجيح الإِضافة إلى أحدهما، على أن في الاستدلال بحديث ابن عمر على هذا الجمع نظر، من حيث إن السير لم يكن مجدّاً في ابتداء هذه الحركة، لأنه -عليه الصلاة- كان نازلاً عند دخول وقت صلاة المغرب، وأنشأ الحركة بعد ذلك، فالجد إنما يكون بعد الحركة، أما في الابتداء فلا، وقد كان يمكن أن تقام المغرب بعرفة. ولا يحصل جد السير بالنسبة إليها، ولا يتناول الحديث ما إذا كان الجد والسير موجوداً عند دخول وقتها فهذا أمر محتمل.

واختلف العلماء أيضاً فيما إذا أراد الجمع بغير مزدلفة، كما لو جمع في الطريق أو بعرفة جمع تقديم، والأحاديث الصحيحة تدل صريحاً على جوازه بعرفة والخلاف فيه هو بسبب النسك أو السفر والذين عللوا الجمع بالسفر يجيزون الجمع مطلقاً.

والذين يعللونه بالنسك قالوا: لا يجمع إلَاّ بالمكان الذي جمع فيه الشارع إقامة لوظيفة النسك على الوجه الذي فعله، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره من الكوفيين، وذهب ابن حزم أيضاً.

وقال مالك: لا يجوز أن يصليها قبل المزدلفة إلَاّ من به أو بدابته عذر، فله أن يصليها قبلها بشرط كونه بعد مغيب الشفق وبعدم الوجوب [](1) جماعات من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي والشافعي وأبو يوسف وأشهب و [](2) أصحاب الحديث.

(1) في الأصل الكلمة (مبتورة)، وأقرب معنى لها "قاله".

(2)

الكلمة غير واضحة.

ص: 390

فرع: قال الشافعي والأصحاب يصلي حط الرحل بأن [](1) كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تنبيه: أطلق أكثر الأصحاب القول بتأخير هاتين الصلاتين إلى المزدلفة، وقال: جماعات يؤخرها ما لم يخف وقت الاختيار للعشاء، فإن خيف لم تؤخر بل يجمع بالناس في الطريق، ونقله صاحب "الشامل" وغيره عن نص الشافعي في "الإِملاء". قال النووي في "شرح المهذب": ولعل إطلاق الأكثرين يحمل على هذه موافقة لنص الشافعي.

الثاني: شرعية الإِقامة لكل واحدة من صلاتي الجمع، ولم يتعرض للآذان لها وثبت في صحيح من حديث جابر (2) الطويل "إنه صلاها بأذان واحد وإقامتين"، وفي رواية له من حديث ابن عمر:"بإقامة واحدة" وقد أسلفناها، والأولى مقدمة عليها لأن مع راويه زيادة علم، ولأنه أعني بنقل حجته عليه الصلاة والسلام وضبطها أكثر من غيره، فكانت أولى بالاعتماد والقبول.

وتحمل الرواية الثانية على أن المراد أن كل صلاة لها إقامة جمعاً بين الروايات.

ومذهب الشافعي الصحيح أنه يؤذن للأولى منهما، ويقيم لكل واحدة، وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وعبد الملك بن الماجشون والطحاوي.

(1) الكلمة غير واضحة.

(2)

في البخاري (1557)، وصحيح مسلم (1218)، وأحمد (3/ 217) ، والنسائي (5/ 202).

ص: 391

وقال مالك يؤذن للثانية أيضاً وهو محكي عن عمر وابن مسعود.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: أذان وإقامة واحدة.

وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر: يصلي كل واحدة بإقامة بلا أذان.

وقال النووي: يصليها جميعاً بإقامة واحدة، وحكى أيضاً عن ابن عمر.

الثالث: عدم التنفل بين الصلاتين المجموعتين، ويعبر عن ذلك بوجوب الموالاة بينهما وهو مستحب في جمع التأخير، واجب في جمع التقديم عند الشافعية، وقال ابن حبيب المالكي: له أن يتنفل بينهما، فمن أراد أن يستدل بالحديث على عموم جواز التنفل بين صلاتي الجمع فلمخالفه أن يقول: هو فعل والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب، ويحتاج إلى ضميمة أمر آخر إليه، ومما يؤكده -أعني كلام المخالف أنه عليه الصلاة والسلام لم يتنفل بعدهما، كما في الحديث، مع أنه لا خلاف في جواز ذلك، فيشعر ذلك بأن ترك التنفل لم يكن لما ذكر من وجوب الموالاة، وقد صح في الصحيح أنه فصل بين هاتين الصلاتين بإناخة كل إنسان بعيره في منزله، وهو يحتاج إلى مسافة من الوقت، ويدل على جواز التأخير. في جمع التأخير وهو الصحيح من مذهب الشافعي.

الرابع: عدم صلاة النفل في السفر وهو المشهور من مذهب مالك لكنها دلالة بعدم الفعل، وهي بمجردها لا تدل على عدم الاستحباب بل يدل على تأخير فعل النفل في ذلك الوقت.

ص: 392

ومذهب الشافعي استحباب السنن الراتبة فيه.

الخامس: ثبت في "صحيح مسلم" في حديث جابر الطويل أنه لما جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة "ولم يسبح بينهما شيئاً اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر، حين تبين له الصبح"، وهذا الحديث نص في عدم إحياء تلك الليلة بالصلاة، وكذا رواية المصنف، "ولم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما" لكن استحبه ابن حبيب المالكي والسرى في "منسكه".

***

ص: 393