المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 225/ 5/ 46 - عن عبد الله بن عباس - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 225/ 5/ 46 - عن عبد الله بن عباس

‌الحديث الخامس

225/ 5/ 46 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال:"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم، قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها: إلَاّ الإِبقاء عليهم"(1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا القدوم كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل الهجرة ووقع في كلام القاضي (2) أن ذلك كان في عمرة الحديبية وهو وهم فإنه صُد فيها عن مكة إلَاّ أن تأول [الأمر](3) على إرادة العمرة التي

(1) البخاري (1602، 4256)، ومسلم (1266)، والنسائي (5/ 242)، وأبو داود (1886) في الحج، باب: في الرمل، وابن خزيمة (2720)، والبيهقي (5/ 82)، والطحاوي (2/ 179)، وأحمد (1/ 221، 294، 373)، وأبو يعلي (2339)، وقد ورد في روايات أخرى عن ابن عباس، ومن رواية جابر أيضاً.

(2)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 385).

(3)

في ن هـ (كلامه).

ص: 201

قاضي عليها بالحديبية فاعلمه. وكان في المسلمين ضعف في أبدانهم [وإنما](1) رملوا إظهاراً للقوة واحتاجوا إلى ذلك في غيرها بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا جلوساً في الحجر لا يرونهم بين هذين الركنين ويرونهم فيما سوى ذلك فلما حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع في العاشرة رمل من الحجر إلى الحجر وذلك متأخر فوجب الأخذ به ونسخ ترك الرمل وتبين بذلك أن المشي بين الركنين اليمانيين في الأشواط الثلاثة منسوخ.

الثاني: معنى: "وهنتهم" بتخفيف الهاء أضعفتهم وهو ثلاثي وقد يقال: رباعياً.

قال [الفراء](2): وغيره يقال: وهنه الله وأوهنه، ويقال: وهن الإِنسان ووهنه غيره (3) يتعدى ولا يتعدى، ويقال: أيضاً وهِن بالكسر.

الثالث: "يثرب": اسم المدينة في الجاهلية واستجد لها في الإِسلام عدة أسماء سلفت الإِشارة إليها منها: المدينة، وطابة، وطيبة، وكره صلى الله عليه وسلم تسميتها يثرب في حديث رواه الإِمام أحمد في "مسنده"(4) وفي "صحيح مسلم""يقولون يثرب وهي المدينة" يعني

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

في المغرب (2/ 375) ووهنه الله.

(4)

أخرجه البخاري في فضائل المدينة (1871)، ومسلم في كتاب الحج (1382)، والموطأ (2/ 887)، وأحمد (2/ 237). وفي حاشية ن هـ زيادة: "روى البزار مرفوعاً من قال -من سمى- المدينة بيثرب فليستغفر الله، هي =

ص: 202

أن بعض المنافقين وغيرهم يسميها يثرب وفي هذا الحديث تسمية المشركين لها بذلك. قال عيسى بن دينار: من سماها بذلك كتبت عليه خطيئة.

[وسبب الكراهة: أن يثرب مأخوذ من التثريب وهو التوبيخ والملامة](1).

وسميت: طابة، وطيبة من الطيب لِحسن لفظها، وكان عليه الصلاة والسلام: يحب الاسم الحسن ويكره القبيح.

وتسميتها في القرآن بيثرب: حكاية عن قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض.

وقيل: سميت يثرب بأرض هناك. المدينة ناحية منها (2).

وقال البكري في "معجمه": سميت بيثرب بن

= طابة". قال الدارقطني: تفرد به عمر بن صالح الواسطي عن يزيد بن زياد ولا يحتج بيزيد.

قلت: أخرجه أحمد في المسند (4/ 285)، وأبو يعلى (3/ 248)، وذكره في مجمع الزوائد (3/ 300)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات. وقد قال الصالحين في فضائل المدينة: إسناده جيد (63).

(1)

النص كما في فضائل المدينة للصالحي (64): وسبب الكراهة إما لكون ذلك مأخوذاً من الثَّرَب بالتحريك، وهو الفساد، أو من التثريب، وهو المؤاخذة بالذنب، وانظر أيضاً: فتح الباري (3/ 87).

(2)

قال الزمخشري في الكشاف (3/ 230): يثرب اسم المدينة وهي أرض وقعت المدينة في ناحية منها. اهـ.

ص: 203

قانية (1) من بني آدم بن سام بن نوح لأنه أول من نزلها.

قلت: ووقع في البخاري (2) تسميتها يثرب فروى عن أبي موسى أراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي يثرب" وفي "دلائل النبوة" (3) للبيهقي أن جبريل سماها بذلك

(1) في الفتح (3/ 88) زيادة (بن مهلايل بن عيل بن عيص بن إرم بن سام بن نوح) -إلى أن قال- وسقط بعض الأسماء من كلام البكري -كما هو واضح-.

(2)

أطرافه في البخاري (3622) ومعلقًا في باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، والفتح (7/ 226).

(3)

البيهقي في الدلائل (2/ 355)، والطبراني في المعجم (7/ 282)، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح وروى ذلك مفرقًا في أحاديث غيره، ونحن نذكر من ذلك إنشاء الله ما حضرنا، ثم ساق أحاديث كثيرة في الإِسراء كالشاهد لهذا. قال الحافظ ابن كثير: في تفسيره (3/ 14). وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإِمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي به، ولا شك أن هذا الحديث أعني الحديث المروي عن شداد بن أوس مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي، ومنها ما هو منكر كالصلاة في بيت لحم، وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس وغير ذلك، والله أعلم. اهـ.

وإسحاق بن إبراهيم هذا قال: فيه الحافظ في التقريب صدوق يهم كثيرًا وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب.

وقال في مجمع الزوائد (1/ 47): وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء وثقه يحيى بن معين وضعفه النسائي. اهـ.

ص: 204

أيضًا، وروى من حديث شداد بن أوس قلنا: يا رسول الله كيف أسرى بك؟ الحديث. وفيه أن جبريل [عليه الصلاة والسلام](1) أتدري أين صليت؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. قال البيهقي: إسناده صحيح.

[فرع](2): "الرمل": هو إسراع المشي مع تقارب الخطا ولا معنى "الرمل" يثب وثوبًا، يقال: رمل يرمل بضم الميم رملًا بفتح الراء وسكون الميم ورملانًا.

ثم اعلم. أن الرمل من الألفاظ المشتركة أيضًا يقع على جنس من العروض (3) وهو القصير منها، وعلى القليل من المطر، وعلى خطوط تكون في قوائم البقر الوحشية يخالف سائر لونها.

الخامس: "الأشواط" هي الطوافات راملًا وأصل الشوط في الأصل الطلق، يقال: عدا شوطًا أي طلقًا بفتح اللام، والمراد به هنا: الطواف بالبيت من الحجر إلى الحجر ويسمى الطواف كله والطوفة الواحدة دورًا وفيه ما سيأتي.

وقوله: "وأن يمشوا ما بين الركنين [إلى اليمانيين](4) وسببه

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

في ن هـ (الرابع).

(3)

قال في لسان العرب، مادة:"رمل"(5/ 321): الرَّمَل: ضرب من عروض يجيء على فاعلاتن فاعلاتن. وقال ابن سيده: الرَّمَل من الشعر كل شعر مهزول غير مؤتَلِف البناء وهو مما تسمى العرب من غير أن يحدوا في ذلك شيئًا. اهـ. وذكر هذه الألفاظ.

(4)

غير موجودة في لفظ الحديث.

ص: 205

عدم رؤية المشركين للمسلمين إذ ذاك إذ العلة إنما كانت إظهار الجلد وإنكار المشركين فيما أدعوه من ضعفهم.

السادس: قوله: "إلَاّ الإِبقاء" قال: النووي في "شرح مسلم"(1) هو بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد أي الرفق بهم. ولم يزد على ذلك.

وقال القرطبي (2): رواية "الإِبقاء" بالرفع على أنه فاعل "يمنعهم" ويجوز نصبه على أن يكون مفعولاً من أجله، ويكون في "يمنعهم" ضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم هو فاعله فتأمله.

السابع: اعلم أن الرمل شرع لحكمة إظهار قوة المؤمنين إرغاماً للمشركين لإِظهار التوحيد للرب جل وعز في امتثال أمره بحضرتهم وقد زالت الحكمة التي شرع لأجلها وحكمه باق إلى يوم القيامة عند الأمن إلَاّ ابن عباس (3) فإنه قال إن استحبابه كان ذلك الوقت لإِظهار القوة للكفار وزال بزوال علته. وليس كما قال فنفعله الآن تأسياً واقتداء بالشارع كما وقع التأسي بكثير من أفعال الحج تعبداً كالسعي ورمي الجمار فإن السعي سبب التعبد به قصة هاجر مع ابنها إسماعيل وتركها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ذلك

(1)(9/ 13).

(2)

المفهم (3/ 376).

(3)

انظر روايته عند: مسلم (1264)، والترمذي (863) ، وأبو داود (1885) في الحج، باب: في الرمل، وابن ماجه (2953)، والحميدي (511)، وأحمد (1/ 297، 298)، والنسائي (5/ 242)، وأبو يعلى (2339)، والبيهقي (5/ 82)، وابن خزيمة (2720).

ص: 206

المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية مع ما أظهر الله تعالى من الكرامة والآية في إخراج الماء لها حين سعى هاجر بين الصفا والمروة لئلا ترى الألم بإسماعيل عند موضع زمزم وتركها له هناك وكذلك سبب التعبد برمي الجمار أن إبليس رمى بها في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده امتثالاً لأمر الله تعالى في شرعية ذلك جميعه من الفوائد الكثيرة ما يزيد المتبصر بذكره.

فمنها: تذكر وقائع السلف الكرام للمتأخرين إذ في طيَّ تذكرها مصالح دينية في أشياء كثيرة.

ومنها: ما كانوا عليه من امتثال الأمر والمبادرة إليه وبذل الأنفس في ذلك جميعه وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيراً من الأعمال الواقعة في الحج يقال فيها أنها تعبد وليس كذلك.

ومنها: تعظيمهم باحتمال مشاق امتثال الأوامر والصبر عليه ووجود عدم المعين عليها والمفند عنها فإن ذلك جميعه باعث لنا على التأسي والتعظيم وكل ما ذكرناه معنى معقول يبين في أشياء كثيرة.

الثامن: في الحديث دلالة على استحباب الرمل وهو سنة ثابتة مطلوبة على تكرار السنين وهو مذهب جميع [العلماء](1) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وخالف ابن عباس كما سلف وقد بينا الحكمة والسر فيه ثم أجمع من قال باستحبابه على أنه سنة في الطوافات الثلاث الأول من السبع إلَاّ عبد الله بن الزبير فإنه قال: يسن في السبع فإن تركه ففد ترك سنة وفاتته الفضيلة ويصح طوافه ولا دم عليه.

(1) في ن هـ ساقطة.

ص: 207

وقال الحسن البصري والثوري وابن الماجشون: إذا ترك الرمل لزمه دم. وكان مالك يقول به.

قال الأبهري: لأنه ترك شيئاً مستحباً وذلك أحوط. ثم رجع عنه (1)، قال الأبهري: أيضاً لأن ذلك هيئة للعمل فصار كما لو ترك رفع اليدين في الصلاة.

ثم لا يسن الرمل إلَاّ في طواف العمرة وفي طواف واحد في الحج ولا يستحب إلَاّ في طواف يعقبه سعي ولا يختص بطواف القدوم على الأظهر عند الشافعي وبه قال جماعة من العلماء وفي قول يختص به وإن لم يسعى بعده، ولا يتصور الرمل في طواف الوداع ولو ترك الرمل في الثلاث الأول من السبع لم يأت به في الأربع الأواخر لأن السنة فيها المشي على العادة فلا يغيره فلو لم يمكنه الرمل لزحمة أشار في هيئة مشيه إلى صفة الرامل ولو فات الرمل بالقرب لزحمة فالرمل مع بعد أولى لأن فضيلة الرمل هيئة للعبادة في نفسها والقرب من الكعبة هيئة في موضع العبادة لا في نفسها فكان تقديم ما يتعلق بنفسها أولى وهذا إذا كان لا يرجوا فرجة أو وقف فإن رجاها وقف ليرمل فيها ولو خاف صدم النساء بأن كن في حاشية المطاف فالقرب بلا رمل أولى تجوزاً عن مصادمتهن وملامستهن.

(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 383). وقد ذكر ابن عبد البر -رحمنا الله واياه- (12/ 139): أنه رجع عن القول بتركه دم. وانظر: إلى الأقوال هذه في الاستذكار.

ص: 208

واتفق العلماء: على أن الرمل لا يشرع للنساء كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا والمروة كذا نقله النووي في "شرح مسلم"(1) وسبقه إليه ابن المنذر.

نعم لو كانت ليلاً في خلوة لم يمنع استحباب الرمل لها كما قيل بمثله في السعي وإن لم يصرحوا به.

فرع: يخاطب بالرمل المكي أيضاً خلافاً لابن عمر وعند الشافعي فيه تفصيل محله كتب الفروع.

التاسع: فيه أيضاً أن الرمل لا يشرع بين [الركن](2) اليماني والأسود وإنما يشرع المشي وهو قول الشافعي وقد أسلفنا أن ذلك منسوخ واستقرار استحبابه حول البيت والحجر وهو أشهر قولي الشافعي (3).

العاشر: فيه أيضاً إظهار قوة الدين والإِسلام [بحضرة أعدائه](4) وإن كان الضعف حاصلاً.

الحادي عشر: فيه أيضاً أن ما شرع لمعنى تستحب المداومة على فعله تذكراً لنعم الله تعالى وتأسياً كذا استنبط منه وليس بظاهر.

(1)(9/ 7)، ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 384).

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "رمل من الحجر إلى الحجر". أخرجه مسلم (1263)، والترمذي (857)، والنسائي (5/ 230)، وابن ماجه (2951)، والدارمي (2/ 42)، والموطأ (1/ 364).

(4)

في ن هـ ساقطة.

ص: 209

الثاني عشر: فيه أيضاً جواز تسمية الطواف شوطاً ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته وكراهة تسميته دوراً وإنما يسمى طوفة.

قال القاضي حسين: وسببها أن الشوط هو الهلاك والصحيح أنه لا كراهة فيه لهذا الحديث لأنها لا تثبت إلَاّ بالشرع ولم يثبت، ويمنع أن الشوط هو الهلاك بل هو الطلق كما تقدم (1).

الثالث عشر: فيه أيضاً رفق الإِمام بالناس فيما يأمرهم به من الطاعات للمصالح العامة وأن لا يتجاوز بما يأمرهم به من ذلك إلى حد المشقة عليهم.

(1) انظر: شرح مسلم (9/ 13)، وإكمال إكمال المعلم (3/ 385).

ص: 210