المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌47 - باب التمتع ذكر فيه رحمه الله أربعة أحاديث:   ‌ ‌الحديث الأول 249/ - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌47 - باب التمتع ذكر فيه رحمه الله أربعة أحاديث:   ‌ ‌الحديث الأول 249/

‌47 - باب التمتع

ذكر فيه رحمه الله أربعة أحاديث:

‌الحديث الأول

249/ 1/ 47 - عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة؟ فأمرني بها. وسألته عن الهدي، فقال: فيها جزور، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم، قال: وكأن ناس كرهوها [فنمت](1) فرأيت في المنام كأن إنساناً ينادي: حج مبرور، [وعمرة](2) متقبلة، فأتيت ابن عباس فحدثته، فقال:"الله أكبر، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم"(3).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: أبو جمرة بالجيم والراء، قال الحاكم أبو أحمد: في "كناه": وهو من الأفراد. قلت: وفي الأسماء جماعة يقال فيهم

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في إحكام الأحكام (ومتعة).

(3)

البخاري أطرافه (1567)، ومسلم (1242).

ص: 226

جمرة أيضاً ذكرتهم في "مشتبه النسبة" وذكرت فيه حُمْزَة، وحمزة بالحاء والزاي، وحُمرة بضم الحاء المهملة، وحمّرة بتشديد الميم المفتوحة، وخمرة بفتح الخاء المعجمة فراجع ذلك منه (1).

قال المنذري: وجميع ما في مسلم عن ابن عباس، فهو أبو جمرة بالجيم سوى حديث "ادع لي معاوية" فإنه أبو حمزة بالحاء المهملة والزاي عمران بن أبي عطاء القصاب.

وأما "صحيح البخاري" فجميع ما فيه عن ابن عباس فهو أبو جمرة بجيم وراء.

واعلم: أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة بحاء وزاي عن ابن عباس إلَاّ نصر بن عمران هذا فبجيم وراء ويدرك الفرق بينهم بأن شعبة إذا قال: عن ابن عباس وأطلق فهو نصر بن عمران، وإذا روى عن غيره فإنه يذكر اسمه أو نسبه.

واسم أبي جمرة: نصر بالصاد المهملة بن عمران، كما ذكره المصنف ابن عصام أو عاصم بن واسع ووالد نصر اختلف في صحبته كما حكاه ابن مسنده وأبو نعيم وابن عبد البر (2) وكان قاضياً على البصرة وولده نصر صاحب الترجمة تابعي بصري متفق على توثيقه، والرواية له في الصحيحين والسنن والمسانيد روى عن ابن عباس وجماعة وعنه الحمادان، وخلق كان مقيماً بنيسابور ثم خرج إلى مرو وإلى سرخس فمات بها سنة ثمان وعشرين ومائة.

(1) توضيح المشتبه (3/ 306، 312).

(2)

ذكره عنه في الإِصابة (5/ 27).

ص: 227

الثاني: "الضبعي" بالضاد المعجمة المضمومة ثم باء موحدة مفتوحة، ثم عين مهملة ثم ياء السبب نسبة إلى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل نزلوا البصرة منهم أبو جمرة، هذا وتشتبه هذه النسبة بالصبغي والصنعي، وقد أوضحتهما في "مشتبه النسبة"(1).

الثالث: الإِحرام المعين يقع على ثلاثة أوجه: إلى إفراد، وقران، وتمتع، والإِجماع قائم على صحة الحج بكل واحد منها إلَاّ أن أبا حنيفة (2) استثنى المكي، فقال: لا يصح في حقه تمتع ولا قران ويكره له فعلهما فإن فعل لزمه دم، وأما النهى الوارد عن عمر (3) وعثمان (4) رضي الله عنهما في التمتع فيحمل على أن مرادهما [نهي](5) أولوية لا تحريم وكراهة، للترغيب في الإِفراد لكونه أفضل، وكذا كراهة: بعضهم القرآن، وقد انعقد الإِجماع بعد على جوازه، وإنما اختلفوا في الأفضل. فأظهر [أقوال](6)، الشافعي

(1) انظر: اللباب لابن الأثير (2/ 260)، وتوضيح المشتبه (5/ 405، 407).

(2)

انظر: الاستذكار (11/ 216).

(3)

من رواية عمران بن حصين: "نزل القرآن بالتمتع وضعناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد، قال رجل برأيه ما شاء". البخاري (1571)، ومسلم (1226)، وأحمد (4/ 228).

(4)

انظر: لفظه في الموطأ (1/ 336).

(5)

زيادة من ن هـ.

(6)

في الأصل (الأقوال)، وما أثبت من ن هـ.

ص: 228

-رضي الله عنه: أن أفضلها الإِفراد، ثم التمتع، ثم القران، وهو مذهب مالك.

وقال أبو حنيفة: أفضلها القران، ثم التمتع، ثم الإِفراد [للأفاقي.

وقال أحمد: التمتع، ثم الإِفراد] (1)، ثم القرآن. ومحل الخوض في بيانها وشروطها والترجيح كتب الفروع (2)، فإنه أليق به.

وسبب هذا الاختلاف اختلاف الصحابة في حجه صلى الله عليه وسلم هل كان إفراداً أو تمتعاً أو قراناً؟ وقد [ذكر](3) البخاري ومسلم رواياتهم، والصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان أولاً مفرداً (4)، ثم أحرم بالعمرة في وادي العقيق بأمر جبريل وأدخلها على الحج فصار قارناً (5) فمن روى الإِفراد فهو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو

(1) زيادة من هـ.

(2)

الاستذكار (11/ 126، 137).

(3)

في ن هـ (أفرد).

(4)

لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفرد الحج". الموطأ (335)، ومسلم (1211)، وأبو داود في المناسك (1777)، وابن ماجه (2964)، والترمذي (820)، والنسائي (5/ 145).

(5)

لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق: "أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة". البخاري (1534)، وأبو داود (1800)، وابن ماجه (2976).

ص: 229

الارتفاق والانتفاع، وقد ارتفق بالقران كارتفاق التمتع (1)، وزيادة، وهي الاقتصار على فعل واحد أو المراد أنه أمر به أو تمتع بفعل العمرة في أشهر الحج، وفعلها مع الحج، وهذا يرجع إلى الأول، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث، وبه يزول ما اعترض به بعض الملاحدة وطعن في الشريعة بهذا الاختلاف، وقد بلغ الطحاوي الكلام على هذه الأحاديث زيادة على ألف ورقة، وأولى (2) ما يقال فيها ما قررناه.

وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام أحرم مطلقاً ثم أمر بالحج ثم بالعمرة في وادي العقيق والأول أحسن (3).

الرابع: قوله: "سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها" فيه دلالة على جوازها عنده من غير كراهة.

ثم أعلم أن المتعة تطلق في الشرع بمعان:

أحدها: الإِحرام بالعمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه والظاهر أنها المرادة هنا.

(1) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وساق الهدي معه من ذي الحليفة. وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج فتمتع الناس بالعمرة إلى الحج.

(2)

البخاري (1692)، ومسلم مع النووي (8/ 208)، وأبو داود (1805)، وابن ماجه في المناسك، باب: التمتع.

(3)

انظر: زاد المعاد لابن القيم (2/ 127، 158)، فإنه قد أفاض في بحث المسألة وعرض الأدلة عرضاً مفصلاً لا زيادة بعده.

ص: 230

وسمى متمتعاً: لاستمتاعه بمحظورات الإِحرام من التحليلين أو لتمكنه من الاستمتاع لحصول التحلل ولتمتعه بسقوط العود إلى الميقات للحج ولا خلاف بين العلماء أنها المرادة أيضاً بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1)، وكذا قال ابن عبد البر: لا خلاف في ذلك بين العلماء.

وقال ابن الزبير وعلقمة وإبراهيم وسعيد بن جبير: معنى التمتع في الآية المحصر يفوته الحج فيتحلل بعمل عمرة ثم يحج في العام المقبل فيكون متمتعاً بما بينهما في العامين.

ثانيها: نكاح المرأة إلى أجل وليس مراداً هنا بالاتفاق وكانت مباحة ثم حرمت، يوم خيبر ثم أبيحت يوم الفتح، ثم حرمت واستمر التحريم إلى يوم القيامة، وقد كان فيها خلاف في العصر الأول ثم ارتفع وأجمعوا على التحريم.

ثالثها: فسخ الحج إلى العمرة [كما سيأتي](2) لتمتعه بإسقاط بقية العمل (3).

رابعها: تمتع المحصَر كما مضى لتمتعه بالإِحلال منه (4).

خامسها: القِران لتمتعه بإسقاط أحد العملين كما مضى (5).

(1) سورة البقرة: آية 196.

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

الاستذكار (11/ 210).

(4)

الاستذكار (11/ 211).

(5)

الاستذكار (11/ 209).

ص: 231

الخامس: قوله، "وسألته عن الهدى فقال فيها جزور"، إلى آخره أخذه من قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1)، قال ابن عطية (2): وما استيسر من الهدى عند [الجمهور](3): شاة، وقال [عمر](4)، وعروة [بن الزبير] (5): جمل دون جمل وبقرة دون بقرة، قال: الحسن أعلى الهدى بدنه وأوسطه بقرة وأخسه شاة.

قلت: وأصل الهدى ما يُهدى إلى الحرم من حيوان وغيره لكن المراد في الآية والحديث ما يجزىء في الأضحية من الإِبل والبقرة والغنم.

السادس: "الجزور" من الجزر وهو القطع لفظها مؤنث تقول هذه الجزور، والمراد بها: البعير ذكراً كان أو أنثى وجمعها جُزُر وجزار، قال العسكري في "تلخيصه" (6): البدنة: ما جعل للنحر في الأضحى أو للنذر وأشباه ذلك فإذا كانت للنحر على كل حال. [فهي جزور](7)، والبقرة: تقدم الكلام عليها في الحديث السادس من باب الجمعة، والشاة: الواحدة من الغنم تقع على الذكر والأنثى من

(1) سورة البقرة: آية 196.

(2)

المحرر الوجيز (2/ 111).

(3)

في المحرر الوجيز (جمهور أهل العلم).

(4)

في المحرر الوجيز (ابن عمر).

(5)

في ن هـ ساقطة.

(6)

كتاب التلخيص للعسكري (611).

(7)

زيادة من ن هـ. ومن التلخيص.

ص: 232

الضأن والمعز، وأصلها شوهة، ولهذا إذا صغرت عادت الهاء، فقيل: شويهة، والجمع: شياه بالألف، وقفا [ودرجا](1).

وقوله: "أو شرك في دم" أي ما يجزىءُ، ذبحه في الأضحية عن سبعة كالبدنة ونحوها.

السابع: قوله: "فيها جزور" إلى آخره الضمير عائد إلى المتعة أي الواجب على من تمتع بالتحلل بين العمرة والحج بما كان محرماً عليه في إحرامه، أما في عام أو عامين دم صفته ما ذكر.

وأعلم: أن لوجوب الدم للتمتع عند جمهور العلماء أربع شرائط.

أحدها: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج.

وثانيها: أن يحج بعد الفراغ منها في [عامه](2).

وثالثها: أن لا يعود لإِحرام الحج إلى الميقات.

رابعها: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، وثم شروط أخرى مختلف فيها: كنية التمتع، ووقوع النُسكين عن شخص واحد، ووقوعها في شهر واحد، وبقائه حياً إلى آخر الحج، والأصح في الكل عدم الاشتراط فمن وجدت فيه شروط التمتع فعليه ما استيسر من الهدى وهو دم شاة ونحوه يذبحه يوم النحر فلو ذبحه قبله بعد ما أحرم بالحج أجزأه عند الشافعية خلافاً للائمة الثلاثة فإنهم،

(1) في ن هـ (ودرك).

(2)

زيادة من هـ.

ص: 233

قالوا: لا يجزىء إلَاّ في [يوم](1) أضحية النحر كالأضحية، ولو ذبحه بعد التحلل من العمرة، وقبل الإِحرام بالحج، فالأظهر عند الشافعي الأجزاء.

الثامن: قوله: "وكان ناس كرهوها" يعني بالناس عمر وعثمان كما تقدم، وقد قام عمر بذلك، فقال: إن الله تعالى يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله [تعالى](2) واتقوا نكاح هذه النساء، فلن أُتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلَاّ رجمته بالحجارة.

قال المازري (3): وقد اختلف في العمرة التي نهى عنها عمر في الحج، فقيل: هي فسخ الحج [إلى](4) العمرة، وقيل (5): هي العمرة في أشهر الحج، ثم الحج [من عامه](6)، [وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيباً للإِفراد الذي هو أفضل [لا أنه](7) يعتقد بطلانها أو تحريمها] (8).

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

المعلم (2/ 86).

(4)

في ن هـ وفي المعلم زيادة (بل).

(5)

في المعلم خطأ فليصحح.

(6)

في المرجع السابق بعدها.

(7)

في ن هـ (لأنه).

(8)

في المرجع السابق: ويكون نهيه عن ذلك على جهة الترغيب فيما هو الأفضل الذي هو الإِفراد، وليكثر تردد الناس إلى البيت.

ص: 234

قال القاضي عياض: والظاهر أن المتعة المكروهة إنما هي فسخ الحج إلى العمرة، ولهذا كان عمر يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرد التمتع في أشهر الحج، وإنما كان يضربهم على ما أعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان مخصوصاً في تلك السنة للحكمة التي اقتضته (1).

التاسع: الحج المبرور: هو الذي لا يخالطه إثم.

العاشر: قوله "رأيت في المنام كأن إنساناً" إلى آخره فيه الاستئناس بالرؤيا فيما يقوم عليه الدليل الشرعي وهو من باب التنبيه على عظم قدرها، فإنه قد صح أنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهذا الاستئناس والترجيح ليس منافياً للأصول وتكبير ابن عباس، وقوله:"سنة أبي القاسم" يدل على أنه تأيد بالرؤيا واستبشر بها، وفي ذلك دلالة على ما قلناه، وزاد البخاري (2) أنه قال له:"أقم عندي واجعل لك سهماً من مالي: فقلت: لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت".

الحادي عشر: [المراد: بالسنة هنا الطريقة، وأبو القاسم: أحد كناه صلى الله عليه وسلم كنى بابنه القاسم وهو أول ولده من خديجة مات صغيراً قبل المبعث.

الثاني عشر] (3): في الحديث دلالة على أحكام.

(1) الاستذكار (11/ 211، 212).

(2)

البخاري (1567).

(3)

زيادة من ن هـ.

ص: 235

إحداها: السؤال عن العلم.

ثانيها: جواز المتعة كما أسلفناه.

ثالثها: وجوب الدم فيها بالشروط التي أسلفناها.

رابعها: عرض الرؤيا على الكبار والعلماء.

خامسها: التكبير عند استعظام الأمر والاستبشار به.

سادسها: التنبيه على عظم قدر الرؤيا.

سابعها: التنبيه على الخلاف في العلم ليجتنب ويعمل بالوفاق.

ثامنها: العمل بالأدلة الظاهرة والباطنة في الأحكام.

تاسعها: أن المقصود من العبادة موافقة العلم والإِخلاص والصبر وطلب القبول.

***

ص: 236