الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 - باب المواقيت
المواقيت: جمع ميقات كميعاد ومواعيد كما سلف واضحاً في أول كتاب الصلاة.
ومعناه لغة: الحد وذكر المصنف في الباب حديث [ابن عباس وحديث ابن عمر](1):
الحديث الأول
211/ 1/ 41 - عن عبد الله بن عباس [رضي الله عنهما](2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة، ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد، قرن المنازل، ولأهل اليمن، يلملم، [
…
] (3): هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك: فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة" (4).
(1) في ن هـ تقديم وتأخير.
(2)
ساقطة من ن هـ.
(3)
في متن العمدة زيادة (وقال).
(4)
البخاري (1524)، ومسلم (1181)، والترمذي (831)، والنسائي =
الكلام عليه من وجوه:
[الأول](1): التوقيت ذكر الوقت في الأصل ثم استعمل في تعليق الحكم بالوقت فيصير التحديد من لوازم التوقيت فينطلق عليه [توقيت](2).
فقوله هنا: "وقت" يحتمل أن يراد به التحديد أي حد المواضع للإِحرام.
ويحتمل أن يراد [به](3) تعليق الإِحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بشرط إرادة الحج أو العمرة.
ومعنى توقيت هذه الأماكن [للإِحرام أنه لا يجوز مجاوزتها](4) لمريد الحج أو العمرة إلَاّ محرماً [وإن لم يكن في لفظة "وقت" من حيث هي هي تصريح بالوجوب](5) فالحديث الثاني في الباب لفظه [يهل أهل المدينة](6) وهي صيغة خبر يراد به الأمر وثبت في
= (5/ 122)، وأبو داود (1737)، والنسائي في الكبرى (2/ 329، 330)، والدارمي (2/ 30)، وأحمد (1/ 249، 232، 239، 252، 238، 344)، والدارقطني (2/ 237، 238)، وابن الجارود (169)، والبيهقي (5/ 43)، وابن خزيمة (4/ 158)، والبغوي (7/ 36).
(1)
في ن هـ (أحدها).
(2)
في إحكام الأحكام (3/ 457): (التوقيت).
(3)
في إحكام الأحكام (3/ 457): (بذلك).
(4)
بياض بالأصل، والتصحيح من ن هـ وإحكام الأحكام.
(5)
في الأصل بياض، والتصحيح من ن هـ وإحكام الأحكام.
(6)
في ن هـ (مهل). وسيأتي تخريجه بعد هذا.
"صحيح مسلم" أيضاً لفظ الأمر (1).
قال الخطابي (2): وقد أجمعوا على أنه لو أحرم دونها حتى يوافي الميقات محرماً أجزأه وليس كتحديد مواقيت الصلاة فإنها إنما ضربت حداً لئلا تقدم الصلاة عليها.
قلت: [
…
] (3) وأطلق جماعة من الشافعية الكراهة على تقديم الإِحرام على الميقات.
واختلف آخرون منهم في أفضليته: والأصح عند الأكثرين منهم أنه أفضل.
ومذهب مالك: أيضاً كراهة تقديم الإِحرام على الميقات زماناً ومكاناً ويلزم إن فعل (4).
ثانيها: في ضبط الأماكن الواقعة في هذا الحديث.
الأول: "المدينة": زادها الله شرفاً لها اثنان وعشرون اسماً (5) أوضحتها في "لغات المنهاج" فراجعها منه. وذكر ابن النجار في
(1) مسلم (1182)، ولفظه من رواية ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة
…
" الحديث.
(2)
معالم السنن (2/ 282).
(3)
في ن هـ زيادة (وقد).
(4)
هكذا في المخطوطة والكلام مبتور وتمامه (دم) حسب الاطلاع على المراجع.
(5)
في ن هـ (وأكثر).
"تاريخ المدينة"(1) عن عبد العزيز بن محمد بن موسى بن عقبة قال: بلغني أن لها في التوراة أربعين اسماً وقد قدمنا في باب الجنابة (2) في الحديث الثاني منه الاختلاف في اشتقاقها فراجعها من ثم.
الثاني: "ذو الحليفة": بالحاء المهملة المضمومة وفتح اللام: [لبني جشم بينهم وبين خفاجة](3) على ستة أميال، وقيل: سبعة من المدينة [وذكره](4) القاضي عياض (5) والقرطبي (6): وقيل: أربع، [ووقع في الرافعي](7) أن بينها وبين المدينة ميل وهو غريب لكنه لم ينفرد به فهو كذلك في "الشامل" و"البحر" وهو [من مكة](8) عشر مراحل أو تسع فهو أبعد المواقيت منها.
وأما ذو الحليفة [الذي في](9) حديث رافع بن خديج فهو
(1) أورده الزركشي في "إعلام الساجد"(235)، والسيوطي في "الحجج المبينة في التفضيل بين مكة والمدينة"(24)، وقد ذكر الصالحي في كتابه فضائل المدينة (ص 39) سبعة وتسعين اسماً.
(2)
(2/ 15) من هذا الكتاب المبارك إن شاء الله.
(3)
الإِضافة من ن هـ، وأيضاً في معجم البلدان لياقوت (2/ 295)، وجاء فيه: من مياه جُشم. وزيادة (بني) قبل (خفاجه).
(4)
في الأصل (إلا)، والإِضافة من ن هـ.
(5)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 297).
(6)
المفهم (3/ 262).
(7)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(8)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(9)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
قال ياقوت في معجم البلدان (2/ 296)، ولفظه: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، =
موضع من تهامة نحو ذات عرق فليس بالمهل.
الثالث: "الشأم" بالهمز والقصر على الأفصح ويذكر [ويؤنث](1) وقد قدمنا ذلك في باب الاستطابة (2) مع سبب تسميته وحده طولاً وعرضاً فراجعه من ثم.
الرابع: "الجحفة": -بضم الجيم ثم حاء مهملة ساكنة- قرية جامعة تمتد على طريق المدينة من مكة على سبعة مراحل أو ثمان من المدينة وثلاث من مكة قاله النووي (3)، وقال المحب الطبري: أربعة، وقال الرافعي: هي على خمسين فرسخاً.
وقال ابن الحاج المالكي: على ثلاثة أيام.
سميت بذلك: لأن العمالق أخرجوا إخوة عادٍ من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجحفهم فسميت الجحفة.
والإِجحاف: الاستئصال.
ويقال لها: مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء.
وحكى القاضي عن بعضهم (4): كسرها كجميلة وهي على ستة أميال من البحر.
= بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم"، وفي المعجم خطأ مطبعي (مهد)، بدل:(مهل). والحديث أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968)، وسيأتي تخريجه كاملاً في الأطعمة إن شاء الله برقم (405).
(1)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(2)
(1/ 451) من هذا الكتاب المبارك إن شاء الله.
(3)
شرح مسلم (8/ 81).
(4)
ذكره عنه النووي في شرح مسلم (8/ 81).
وذكر قاسم بن ثابت (1): أن مهيعة قريبة من الجحفة حكاه القاضي وهو غريب فقد فسرت في الحديث بأنها الجحفة وهي ميقات أهل مصر و [كذلك، (2) المغرب وكذا الشام إن لم يمروا بميقات المدينة وهذا علم من أعلام نبوته أعني توقيته لأهل الشام الجحفة قبل أن يفتح الشام وكذا توقيته لأهل مصر أيضاً كما أخرجه النسائي (3) من حديث عائشة وتوقيته الجحفة لأهل المغرب رواه الشافعي مرسلاً (4) ويعضده الإِجماع على مقتضاه.
الخامس: "نجد" بفتح النون وهو ما بين جرش إلى سواد الكوفة، وحده من المغرب الحجاز.
والنجد: اسم للمكان المرتفع ويسمى المنخفض غوراً.
قال صاحب المطالع: ونجد كلها من عمل اليمامة.
السادس: "قرن المنازل": وهو بفتح القاف وسكون الراء، ويقال: له قرن الثعالب (5) وروى في الصحيح غير مضاف وهو
(1) هو أبو محمد قاسم بن ثابت بن عبد العزيز العوفي السرقسطي المتوفى سنة (302)، له كتاب في شرح غريبه اسمه "الدلائل" ترجمته في طبقات النحويين واللغويين للزبيدي (284)، ونفح الطيب (2/ 49)، وسير أعلام النبلاء (14/ 562) ضمن ترجمة والده.
(2)
زيادة (كذلك) من ن هـ.
(3)
النسائي (5/ 123).
(4)
مسند الشافعي (114).
(5)
في ن هـ زيادة (وهو معروف).
وكانت فيه وقعة لغطفان على بني عامر يقال له: (يوم أقرن). اهـ. لسان العرب (11/ 143).
موضع تلقاء مكة على يوم وليلة منها (1) من أقرب المواقيت إليها وفتح بعضهم راءه وهو خطأ كما قال القاضي (2).
وقال القرطبي: الإِسكان أعرف قالا وقال [الفاسي](3): من قاله بالإِسكان أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن فتح أراد الطريق (4)[تفرق منه فإنه موضع فيه طرق مختلفة](5).
وقال النووي (6): لا خلاف في إسكان الراء بين أهل العلم من أهل الحديث واللغة والتاريخ والأسماء وغيرهم، [وغلط] (7) الجوهري في "صحاحه" فيه غلطين فاحشين فقال القرن: موضع وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني بفتح راءه وزعم أن أويساً منسوب إليه، والصواب إسكان الراء فإن أويساً منسوب إلى قبيلة معروفة يقال لهم بنو قرن [لبطن](8) من مراد أي كما بين في الحديث
(1) في ن هـ زيادة (وهو).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 297).
(3)
وهو أيضاً في حاشية إحكام الأحكام (3/ 459)، أما في مشارق الأنوار (2/ 199)، ومعجم البلدان (4/ 332): القابسي، وأيضاً في المفهم (3/ 262).
(4)
في ن هـ (الذي لا).
(5)
العبارة في مشارق الأنوار: (التي تفترق منه فإنه موضع فيه طرق مفترقة)(2/ 199)، وأما في معجم البلدان (4/ 332):(الذي يفترق منه فإنه موضع منه طرق مختلفة مفترقة).
(6)
شرح مسلم (8/ 81).
(7)
في ن هـ (غلطوا). انظر: مختار الصحاح (224).
(8)
في ن هـ ساقطة.
الذي فيه ذكر طلب عمر [له](1).
قلت: فتلخص أن الصواب في المكان الإِسكان ولا خلاف في أن القبيلة التي يُنسب إليها أويس القرني بالفتح كما نبه الحفاظ كالدارقطني (2) والسمعاني (3) وابن حبيب (4) وغيرهم ومنهم الصاغاني (5)، حيث قال: الصواب في الميقات سكون الراء فأما أويس فهو منسوب إلى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد.
السابع: "اليمن" هو الإِقليم المعروف سمى يمناً لأنه عن يمين الحجر الأسود والشام عن شماله والحجر الأسود مستقبل مطلع الشمس.
قال صاحب المطالع: اليمن كلما كان عن يمين الكعبة من بلاد الغور واليمامة: مدينة اليمن على يومين من الطائف، وعلى أربعة من مكة ولها عمائر قاعدتها حجر اليمامة وهي من عداد أرض نجد، وتسمى العروض بفتح العين وقال السمعاني: في "أنسابه"(6) اليمني نسبة إلى اليمن وبلاد اليمن بلاد عريضة كبيرة وقد ورد في فضائلها أحاديث عديدة قد ذكرتها في "النزاع إلى الأوطان" وإنما
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
المؤتلف والمختلف (1921).
(3)
تهذيب الأنساب (3/ 29).
(4)
مختلف القبائل (365، 366).
(5)
ذكره ابن ناصر في توضيح المشتبه (7/ 189).
(6)
تهذيب الأنساب (3/ 417).
قيل لها اليمن لأنها يمين الأرض كما أن الشمال شمال الأرض وينسب إلى اليمن أيضاً يماني.
الثامن: "يلملم" بفتح الياء المثناة تحت واللامين والميم ساكنة منها ويقال: فيه ألملم بهمزة بدل الياء وهو الأصل فإن الياء بدل منها وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة قاله الرافعي وغيره، وقال البكري: على ليلتين.
وحكى ابن السيد أنه يقال: فيه يرمرم (1) برآين.
قال صاحب "الذخيرة": ويلملم أيضاً ميقات بعض أهل المغرب.
واعلم: أن المراد بأن يلملم ميقات أهل اليمن أنها ميقات تهامة خاصة فإن نجد اليمن ميقاتهم ميقات نجد الحجاز.
التاسع: "مكة" شرفها الله تعالى لها اثنان وعشرون اسماً ذكرتها موضحة في "لغات المنهاج" فراجعها منه.
الوجه الثالث: من الكلام على الحديث هذا التوقيت متفق عليه لأرباب هذه الأماكن والجمهور، ومنهم الأئمة الأربعة على وجوب الدم على مجاوزها (2) خلافاً لعطاء، والنخعي فإنهما قالا لا شيء على تاركها ووقع في "شرح الفاكهي" بدل "النخعي""الأصمعي" كذا رأيته في نسختين منه والذي في "شرح القاضي (3) عياض"
(1) معجم البلدان (5/ 433).
(2)
الاستذكار (11/ 83).
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 298).
و"النووي"(1) و"أحكام المحب الطبري": النخعي ليس إلَاّ.
وقال سعيد بن جبير: لا يصح حجه.
ودليل الجمهور مأخوذ من غير هذا الحديث إذ ليس في لفظه ما يشعر به.
وقول سعيد ابن جبير له إلمام بهذا الحديث من وجه وكان يحتاج إلى مقدمة أخرى من حديث آخر أو غيره، وقد روى مالك في "الموطأ" عن ابن عباس "من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً"(2).
فرع: لو أحرم ثم عاد إلى الميقات فالأصح عند الشافعية أنه إن كان قبل تلبسه بنسك فلا دم وإلَاّ فيجب وبه قال الأوزاعي وأبو يوسف.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا ينفعه رجوعه وعليه دم.
وقال زفر: عليه دم رجع أو لم يرجع (3).
فرع: من بلغ ميقاتاً غير مريد نسكاً ثم أراده فميقاته، [موضعه ولا يكلف الرجوع إلى الميقات على قول الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة](4) خلافاً لأحمد وإسحاق (5).
(1) شرح مسلم (9/ 82).
(2)
الموطأ (913)، وسنن البيهقي (5/ 30، 152).
(3)
انظر: للمسألة الاستذكار (11/ 84).
(4)
الزيادة من ن هـ.
(5)
الاستذكار (11/ 85، 86).
الوجه الرابع: قوله: "هن" يريد المواقيت.
وقوله: "لهن" يريد الأماكن المذكورة، وإن كان المراد أهلها فهو من واوي قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (1) وكان الأصل أن يقول: هن لهم لأن المراد الأهل وقد جاء ذلك في بعض روايات البخاري ومسلم وكذا رواه أبو داود وغيره.
قال القاضي (2): وهو الوجه لأنه ضمير أهل هذه المواضع المذكورة وكذا ذكره مسلم في رواية ابن أبي شيبة قال: ووجه الرواية المشهورة [أن الضمير في "لهن" عائد على الأماكن المذكورة أي المواقيت لأهلها](3) فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه [قلنا هذه القاعدة من النفائس](4).
الخامس: "هن" ضمير جماعة المؤنث العاقل في الأصل وقد يعاد على ما لا يعقل وأكثر ما يستعمله العرب فيما دون العشرة وما جاوزها استعملته بالهاء والألف قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (5) أي من الاثني ثم قال: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في هذه الأربعة وقيل: في الجميع حكاه القاضي وهو شاذ.
(1) سورة يوسف: آية 82.
(2)
إكمال إكمال المعلم (3/ 298).
(3)
في ن هـ ساقطة. انظر: شرح مسلم (9/ 83)، وذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 298).
(4)
زيادة من ن هـ.
(5)
سورة التوبة: آية 36.
السادس (1): قوله "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" مقتضاه أنه إذا مر بهن من ليس هن ميقاته أن يحرم منهن ولا يجاوزهن غير محرم كالشامي يمر بميقات المدني فيلزمه الإِحرام منه ولا يتجاوزه إلى الجحفة التي هي ميقاته وكذا الباقي وهذا لا خلاف فيه عند الشافعية.
وأما المالكية: فإنهم نصوا على أن له مجاوزته إلى الجحفة وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور ومن أطلق من مصنفي الشافعية أنه لا خلاف فيه فمراده مذهبه حكى بعضهم أن ابن الرفعة حكاه وجهاً عن الفوراني فليحرر [نبه عليه الشيخ تقي الدين وكأنه أراد ببعض المصنفين النووي (2) فإنه نقله غير واحد عنه](3) ولا شك أن قوله: "ولمن أتى عليهن" عام فيمن أتى عليهن سواء كان ميقات بلده أو غيره كأهل الشام والجحفة إذا مروا بين يدي هذه المواقيت ومن لم يمر بين يديها.
وقوله: "ولأهل الشام الجحفة" عام بالنسبة إلى من يمر بميقات آخر أيضاً فإن قلنا بالعموم الأول دخل تحته هذا الشامي الذي مر بذي الحليفة فيلزمه أن يحرم منها وإذا عملنا بالعموم الثاني وهو أن لأهل الشام الجحفة دخل تحته هذا المار أيضاً بذي الحليفة فيكون له التجاوز إليها فلكل واحد منها عموم من وجه فكما يحتمل
(1) الاستذكار (11/ 84).
(2)
انظر: شرح مسلم (9/ 83).
(3)
الزيادة من ن هـ.
أن يقال: [لمن أتى عليهن من غير أهلهن مخصوص بمن ليس ميقاته بين يديه](1) ولأهل الشام الجحفة مخصوص بمن لم يمر بشيء من هذه المواقيت.
فرع: يستثني الأجير يحرم من ميقات مستأجره لا ما مر به حكاه ابن الرفعة عن الفوراني بزيادة إنه يحرم أيضاً مما [بإزائه](2) الأبعد من مكة وأقره عليه.
السابع: قوله "ممن أراد الحج والعمرة" مقتضاه تخصيص هذا الحكم بالمريد لأحدهما أولهما وأنه إذا لم يرد واحد منهما لا يلزمه الإِحرام وله التجاوز غير محرم فيستدل به على أنه لا يلزمه الإِحرام لمجرد دخول مكة وهو الصحيح من قولي الشافعي فيمن قصد مكة لا لنسك لكن هذا الاستدلال أولاً يتعلق بأن المفهوم له عموم من حيث أن مفهومه أن لا يريد حجاً ولا عمرة ولا دخول مكة وأن لا يريدهما [وقد](3) يريد الدخول وفي عموم المفهوم نظر (4) في الأصول وعلى تقدير أن يكون له عموم فإذا دل الدليل على وجوب الإِحرام لدخولها وكان ظاهر الدلالة لفظاً قدم على هذا المفهوم لأن
(1) الزيادة من ن هـ وإحكام الأحكام.
(2)
في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
قال الغزالي في المستصفى (2/ 70): المفهوم لا عموم له، لأن العموم لفظٌ تتشابه دلالته إلى مسمياته، ودلالة المفهوم ليست لفظية، فلا يكون لها عموم. اهـ. وقد ناقش الرازي كلامه في المحصول (1/ 2/ 654) ورجح أن للمفهوم عموم.
المقصود بالكلام حكم الإِحرام بالنسبة إلى هذه الأماكن ولم يقصد به بيان حكم الداخل إلى مكة والعموم إذا لم يقصد فدلالته ليست بتلك القوية إذا ظهر من السياق المقصود من اللفظ.
الثامن: قوله: "ممن أراد الحج والعمرة" استنبط منه بعضهم أن الحج على التراخي لقوله: "ممن أراد" لأن من مر بهذه المواقيت لا يريد حجاً ولا عمرة يدخل تحته من لم يحج فيقتضي اللفظ أنه لا يلزمه الإِحرام من حيث المفهوم ولو وجب على الفور للزمه أراد الحج أو لم يرده وفيه من الكلام ما سلف في الوجه السابع، وقد قدمنا الخلاف في وجوبه على الفور أو التراخي أول الباب.
ومن قال بالفورية قال: معنى الإِرادة هنا النية لا التخيير وأنها [قد تأتي](1) للوجوب.
واستدل من قال بالتراخي: بأن فريضة الحج كانت سنة خمس أو ست أو ثمان من الهجرة على أقوال في ذلك ولم يحج صلى الله عليه وسلم إلَاّ في سنة عشر فلو كان واجباً على الفور لم يؤخره وأبعد من قال إنه فرض سنة عشر حكاه القرطبي وحكى قولاً آخر: أنه فرض سنة سبع ونقل أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (2) نزلت سنة ثلاث عام أحُد وقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (3) مكية.
التاسع: قوله: "ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ" مقتضاه
(1) في الأصل ساقطة، والإِضافة من ن هـ.
(2)
سورة آل عمران: آية 97.
(3)
سورة الحج: آية 27.
أن من منزله ببن مكة والميقات إذا أنشأ السفر للحج أو للعمرة فميقاته منزله ولا يلزمه المسير إلى الميقات المنصوص عليه من هذه المواقيت.
ونقل القاضي [عياض](1) عن مجاهد أن ميقاته مكة قال والجمهور: على أن ميقاته موضعه فإن لم يحرم منه كتارك ميقاته.
العاشر: قوله: "حتى أهل مكة من مكة" مقتضاه أن أهل مكة يحرمون منها وهو مخصوص بالإِحرام بالحج وميقاته نفس مكة على الصحيح عند الشافعية.
وقيل: كل الحرم وظاهر الحديث يخالفه والأفضل أن يحرم من باب داره.
وقيل: من المسجد تحت الميزاب.
وعبارة ابن الحاجب من المالكية: في تعيين المسجد الحرام قولان.
قال بعض شيوخ المالكية: ممن [أدركناه](2) وأظن هذا على الأولوية لا على الوجوب إذ لا دليل عليه.
أما الإِحرام بالعمرة فإنه من أدنى الحل كما فعل عليه الصلاة والسلام بعائشة رضي الله عنها ليلة النفر فإنه بعثها مع أخيها
(1) الزيادة من ن هـ. انظر: الاستذكار (11/ 87)، وذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 298)، وشرح مسلم (9/ 83).
(2)
في الأصل ون ب (أدركته)، وما أثبت من ن هـ.
عبد الرحمن ليحرما من التنعيم ويدخل في أهل مكة من بمكة ممن ليس من أهلها.
الحادي عشر: في الحديث دلالة على فضيلة مكة والحرم والحج والعمرة من حيث شرعت هذه المواقيت والإِحرام: لمن أراد دخولها تشريفاً وتعظيماً أو تلبس بهما أو بأحدهما.
الثاني عشر: لم يذكر في هذا الحديث ميقات أهل المشرق وميقاتهم ذات عرق كما رواه النسائي (1) من حديث عائشة، ورواه مسلم (2) من حديث أبي الزبير عن جابر لكنه لم يجزم برفعه وتضعيف الدارقطني (3) له بأن العراق لم تكن فتحت في زمنه عليه الصلاة والسلام عجيب منتقض بتوقيته عليه الصلاة والسلام لأهل الشام الجحفة ولم تكن فتحت بل حكى ابن بزيزة إجماع النقلة على أنها كانت دار كفر وكذا مصر لم تكن فتحت كما أسلفنا وأن هذا من أعلام نبوته -عليه أفضل الصلاة والسلام- وأخبر صلى الله عليه وسلم بفتحها.
نعم اختلف العلماء هل هذا الميقات بنص منه صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد عمر (4) كما بينه البخاري في صحيحه (5) كذا نقله عن تصحيح
(1) النسائي (5/ 123).
(2)
مسلم (1183)، وانظر: كلام ابن حجر في الفتح (4/ 389، 390).
(3)
الإِلزامات والتتبع (477، 555)، والفتح (4/ 390).
(4)
في ن هـ زيادة: (وهو وجهان لأصحاب الشافعي أصحهما وهو المنصوص في الأم أنه باجتهاد عمر).
(5)
الفتح (4/ 389)، والاستذكار (11/ 76، 79).
أصحابنا وعن نص الشافعي "الأم"(1) والنووي في "شرح مسلم"(2) وخالف في "الروضة" تبعاً للرافعي أن ميل الأكثرين إلى أنه منصوص عليه كالمواقيت الأربعة.
وقال الرافعي في "الشرح الصغير" إنه الأرجح نعم خالف في "شرح المسند" فقال: إن مذهب الشافعي أنه باجتهاد عمر ولم يحك فيه خلافاً.
فرع: الأفضل لأهل المشرق أن يهلوا من العقيق وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق بالقرب منها وقد ورد في حديث أنه ميقاتهم في حديث فيه مقال (3) ولو صح لوجب فالجمع بينهما للاحتياط أولى لأن من أحرم منه كان محرماً منها ولا عكس وروى
(1)(2/ 138).
(2)
(9/ 86).
(3)
الحديث أخرجه أبو داود (1665) في المناسك، باب: في المواقيت، والترمذي (832) من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم "وقت لأهل المشرق العقيق"، فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها: أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق، ومنها: أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات أهل البصرة، وفتح ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف، ومنها: أن ذات عرق كانت أولاً في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد. ويتعين الإِحرام من العقيق ولم يقل به أحد، وإنما قالوا يستحب احتياطاً. اهـ. من الفتح (4/ 390). انظر: كلام الخطابي وابن القيم -رحمنا الله وإياهم- على الحديث، في معالم السنن (2/ 283).
عن بعض السلف أنهم يهلوا من الربذة [حكاه القرطبي](1).
الثالث عشر: في الحديث دلالة أيضاً على جواز إطلاق الميقات على الأمكنة وإن كان أصله في الأزمنة ولهذا قال الفقهاء: للحج والعمرة ميقاتان زماني ومكاني وبينوا كل واحد منهما.
الرابع عشر: نقل القاضي عن [بعض](2) علمائهم أن في المواقيت حجة لنا أن أقل ما يقصر فيه الصلاة ويسمى سفراً مسافة يوم وليلة لأنه أقل مقادير المواقيت [لأهل الآفاق المسافرين حتى يمر لهم سفر وهم محرمون لأن قرن أقرب المواقيت](3) من مكة وهو على يوم وليلة منها.
الخامس عشر: قال أيضاً في الحديث رِفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته لأنه جعل المواقيت لأهل الآفاق بالقرب ولأهل المدينة أبعد منهم لما كانوا أقرب من أهل الآفاق إلى مكة. فلا تلحقهم من مشقة [طول](4) السفر ما يلحق غيرهم فلهذا بعدها وقرب تلك.
وقال ابن حزم: إنما جعل ذلك لتعظيم أجره عليه الصلاة والسلام.
…
(1) في ن هـ ساقطة.
قال في الفتح (4/ 390): وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه كان يحرم من الربذة وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجزري. اهـ.
(2)
الزيادة من ن هـ. انظر: إكمال إكمال المعلم (3/ 300).
(3)
الزيادة من ن هـ.
(4)
الزيادة من ن هـ.