المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السابع 265/ 7/ 50 - عن عبد الله بن عمر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث السابع 265/ 7/ 50 - عن عبد الله بن عمر

‌الحديث السابع

265/ 7/ 50 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم ارحم المحلقين"[قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟](1) قال: "اللهم ارحم المحلقين"[قالوا يا رسول الله](2) والمقصرين؟ قال: "والمقصرين"(3).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا اللفظ الذي ساقه المصنف هو لفظ رواية الصحيحين، قال البخاري: وقال الليث حدثني نافع: "رحم الله المحلقين مرة أو مرتين"[قال](4) وقال: عبيد الله حدثني نافع "وقال في الرابعة والمقصرين".

(1) تقديم وتأخير بين الأصل ون هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

البخاري (1727)، ومسلم (1301)، وأبو داود (1979) في المناسك، باب: الحلق والتقصير، والترمذي (913)، وابن ماجه (3043)، والموطأ (1/ 395)، وأحمد (2/ 79)، والبغوي (1963)، والبيهقي (5/ 103)، وابن خزيمة (2929)، وابن الجارود (485)، ومالك (856).

(4)

زيادة من البخاري.

ص: 364

وأخرج مسلم هذه الرواية من هذا الوجه وكذا التي قبلها فعلى رواية المصنف يكون للمحلقين ثلثا الرحمة وللمقصرين الثلث وعلى رواية عبيد الله يكون لهم ثلاثة أرباع الرحمة وللمقصرين الربع.

ونظير هذا "من أحق الناس بصحبتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك" (1) وفي رواية (2) أنه قال ذلك ثلاثاً في الأم، فعلى الرواية الأولى يكون للأم ثلثا البر وعلى الثانية يكون لها ثلاثة أرباعه.

الثاني: هذا الدعاء كان منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على الصحيح المشهور كما قاله النووي في "شرح مسلم"(3).

وقيل: إنه كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق [فما](4) فعله أحد لطمعهم [دخول](5) مكة في ذلك الوقت.

وحكى عن ابن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6): اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً قيل:

(1) مسلم (2548)، وابن ماجه (3658، 2706)، والبغوي (3416)، والبيهقي في السنن (8/ 2)، وابن أبي شيبة (8/ 541)، وأحمد (2/ 391)، والبخاري في الأدب المفرد (5، 6).

(2)

البخاري (5971)، ومسلم (2548).

(3)

شرح مسلم (9/ 50).

(4)

في ن ب (كما).

(5)

في ن هـ (بدخول).

(6)

في الأصل زيادة (قال)، وساقطة من ن هـ.

ص: 365

يا رسول الله ما بال المقصرين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: لأنهم لم يشكوا" (1).

قال القرطبي (2): وحاصله أنه أمرهم يوم الحديبية بالحلاق، فما قام منهم أحد، لما وقع في أنفسهم من أمر الصلح، فلما حلق صلى الله عليه وسلم ودعا للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين واحدة، تبادروا إلى ذلك.

قال ابن عبد البر (3): وكونه في الحديبية [هو](4) المحفوظ.

قلتُ: وبه جزم من العلماء إمام الحرمين فذكره كذلك في "نهايته"، ونازع القاضي (5) ابن عبد البر في ذلك فقال: قد ذكر مسلم في الباب خلاف ما قالوه وإن كانت أحاديثه مجملة غير مفسرة موطن، ذلك لأنه ذكر من رواية أم الحصين أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة. وروى مسلم (6) قبل هذا عنها أنها قالت حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وقد جاء الأمر في حديثها مفسراً أنه في حجة الوداع فلا يبعد أنه عليه الصلاة والسلام قاله في الموضعين.

(1) أحمد (1/ 353)، والطحاوي (2/ 146)، وابن ماجه (3045). قال البوصيري في الزوائد (2/ 185): إسناده صحيح.

(2)

المفهم (3/ 404).

(3)

الاستذكار (13/ 104).

(4)

زيادة من ن هـ.

(5)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 402).

(6)

مسلم (1303).

ص: 366

قال الشيخ تقي الدين (1): وهو الأقرب وقد كان في كلا الوقتين توقف من الصحابة في الحلق أما في الحديبية فلأنهم عظم عليهم الرجوع قبل تمام مقصودهم من الدخول إلى مكة وكمال نسكهم، وأما في الحج فلأنه شق عليهم فسخ الحج إلى العمرة وكان من قصر منهم شعره اعتقد أنه أخف من الحلق إذ هو يدل على الكراهة للشيء أي أو أنه أقرب شبهاً منه صلى الله عليه وسلم من حيث أنه لم يحل فكرر عليه الصلاة والسلام الدعاء للمحلقين لأنهم بادروا إلى امتثال الأمر وأتموا فعل ما أمروا من الحلق وقد ورد التصريح بهذه العلة في الرواية السالفة حيث قال لأنهم لم يشكوا ورواه ابن ماجه (2) بسند جيد عن ابن عباس قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ظاهرت للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة؟ قال: لأنهم لم يشكوا".

الثالث: هذا الحديث مصرح بجواز الاقتصار على أحد الأمرين أما الحلق وإما التقصير ومصرح أيضاً بتفضيل الحلق وقد أجمع العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير في حق الرجال وعلى أن التقصير يجزي إلَاّ ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري: أنه كان يقول يلزمه الحلق في أول حجة ولا يجزئه التقصير وهذا إن صح عنه مردود بالنص وإجماع من قبله (3) وإنما كان الحلق أفضل لأمور:

(1) إحكام الأحكام (3/ 587).

(2)

ابن ماجه (3045)، وأحمد (1/ 353)، وأبو يعلى (5/ 106)، وانظر: هذا المبحث في فتح الباري (3/ 563).

(3)

انظر: فتح الباري (3/ 564).

ص: 367

أحدها: أنه أقرب إلى التواضع والخضوع بين يدي ذي الجلال وأبلغ في العبادة وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى.

الثانى: أن الشعر زينة والمحرم مأمور بتركها فإنه أشعث أغبر.

الثالث: أن المقصود من الإِحرام التجرد مطلقًا وفي حلق جميع الرأس ما يكمل هذا المقصود ولهذا ذهب بعض العلماء إلى استحباب حلق الرأس عند التوبة وما ذاك إلَّا لطلب تغيير الحالة التي كان قبلها (1).

الرابع: الحديث دال أيضًا على أن الحلق أو التقصير نسك يثاب فاعله وهو مذهب الشافعي في المشهور عنه وبه قال العلماء كافة.

وللشافعي قول ضعيف: إنه استباحة محظور كالطيب واللباس وليس بنسك وبه قال أبو ثور وأبو يوسف لأنه ورد بعد الحظر فحمل على الإِباحة كاللباس والطيب والحديث يرد عليهم من وجهين:

الأول: أنه متضمن ثواب كل واحد من الحلق أو التقصير ولو كان مباحًا لاستوى فعله وتركه.

الثاني: تفضيل الحلق على التقصير ولو كانا مباحين لما كان لأحدهما مزية على الآخر في نظر الشرع.

(1) كما ورد في الحديث "احلق عنك شعر الكفر واغتسل"، وفي لفظ "واختتن" أبو نعيم في أخبار أصفهان (2/ 38)، والكامل لابن عدي (1/ 224).

ص: 368

قال المازري المالكي (1): وقد استقر في الشرع تحريم السلام في أثناء الصلاة المفروضة، وأمر به في آخرها ولم يكن ذلك على أوجه، (2) الإِباحة بل حُمِل على الوجوب.

الخامس: يؤخذ من الحديث الدعاء بالرحمة لمن فعل ما شرع له وتكرار [الدعاء](3) لمن فعل الراجح من الفعلين الجائزين والتنبيه بالتكرار على ترجيح الراجح وسؤال الدعاء لمن فعل الجائز المرجوح.

خاتمة: ثبت في الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة (4) الدعاء للمحلقين بالمغفرة ثلاثًا، وللمقصرين مرة، مناسبة ذلك كل واحد من الحلق أو التقصير إزالة الشعث في الصورة وهما سببان لغفر الذنب بإزالته أو ستره.

فروع تتعلق بالحلق:

الأول: أقل ما يجزىء من الحلق أو التقصير عند الشافعي ثلاث شعرات.

وعند أبي حنيفة: ربع الرأس.

وعند أبي يوسف: نصفها.

وعند مالك وأحمد: أكثرها.

(1) المعلم (2/ 98).

(2)

غير موجودة في المرجع السابق.

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

البخاري (1728)، ومسلم (1302).

ص: 369

وعن مالك: رواية أنه كلها واقتصر عليها الفاكهي.

وأجمعوا: على أن الأفضل حلق جميعه.

ويستحب ألا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر فإن قصر دونها جاز لحصول اسم التقصير.

ومذهب مالك: أنه يفتقر إلى الأخذ من جميع الشعر كما يأخذ في الحلق جميعه.

الثاني: قد يتعين الحلق فيما إذا نذره وكذا فيما إذا لبد رأسه بالإِحرام على قول قديم للشافعي وهو مذهب مالك والجديد المنع.

وقال الفاكهي المالكي: إنه يتعين في كل موضع لا يمكن الإِتيان بالتقصير على وجهه وذلك في صور:

منها: من لبد رأسه.

ومنها: فيمن لا شعر على رأسه فإنه يمر الموسى عليها.

ومنها: فيمن له شعر لطيف لا يمكن تقصيره.

ومنها: ما إذا عقصه أو ظفره.

ونقل القرطبي في "مفهمه"(1) عن جمهور العلماء لزوم الحلق في ذلك أعني فيما إذا عقصه أو ظفره وفيما إذا لبد رأسه وادعى أن المخالف في ذلك أصحاب الشورى.

(1) المفهم (3/ 405).

ص: 370

الثالث: استحب مالك إذا حلق أن يأخذ من لحيته (1) وشاربه وأظفاره وأن ابن عمر كان يفعله وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر قال: وثبت أنه عليه الصلاة والسلام قلم أظفاره إذ ذاك.

الرابع: المشروع في حق النساء التقصير ويكره لها الحلق وقال القاضيان حسين وأبو الطيب يحرم عليهن.

قال الشافعي: واجب أن تجمع ضفائرها وتأخذ من أطرافهما قدر أنملة.

قال الماوردي (2): إلَاّ الذوائب فإنه يشينها.

وقال مالك: تأخذ قدر الأنملة، أو فوقه بقليل، أو دونه بقليل.

وقال: في الرجل ليس تقصيره أن يأخذ من أطراف شعره ولكن يجز ذلك جزاً وليس مثل المرأة فإن لم يجزه وأخذه فقد أخطأ ويجزيه.

قال القاضي أبو الوليد (3): يبلغ به الحد الذي يقرب من أصول الشعر.

(1) لا يجوز أن يأخذ من لحيته شيئاً لعموم الأدلة الدالة على تحريم حلق اللحى أو أخذ شيء منها وكل من فعل شيء من ذلك فله نصيب من مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله وخلفائه الراشدون وسائر أصحابه أجمعين -رضوان الله عليهم- أما الأظفار فتقليمها من سنن الفطرة ويتأكد تقليمها عند الحاجة إليها.

(2)

الحاوي الكبير (5/ 218).

(3)

المنتقى (3/ 29).

ص: 371

الخامس: يقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإِحراق والقص وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر.

السادس: اتفق العلماء على أن الأفضل في الحلق والتقصير أن يكون بعد رمي جمرة العقبة، وبعد ذبح الهدى إن كان معه، وقبل طواف الإِفاضة وسواء كان قارناً أو مفرداً وخالف ابن الجهم في القارن وقد تقدم الرد عليه في الباب في الحديث الخامس (1).

السابع: استحب بعض أصحابنا أن يمسك المحلوق ناصيته بيده ويكبر ثلاثاً ثم يقول: اللهم هذه ناصيتي فتقبل مني واغفر لي ذنوبي، اللهم اكتب لي بكل شعرة حسنة وامح عني بها سيئة وارفع لي بها درجة واغفر لي وللمحلقين والمقصرين يا واسع المغفرة أمين.

واستحب بعض الحنفية أن يقول عند الحلق: اللهم هذه ناصيتي بيدك فاجعل لي بكل شعرة نوراً يوم القيامة اللهم بارك لي في نفسي واغفر [لي](2) ذنبي وتقبل مني عملي برحمتك يا أرحم الراحمين.

واستحب بعض العلماء: إذا فرغ من الحلق أن يكبر ويقول الحمد لله الذي أعاننا على قضاء نسكنا، اللهم زدنا إيماناً، ويقيناً، وتوفيقاً، وعوناً، واغفر لنا، ولآبائنا، وأمهاتنا، والمسلمين أجمعين (3). [في حاشية الأصل. قد يتمسك بدعائه للمحلقين ثلاثاً،

(1) ص 344.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

من هنا بداية سقط في ن هـ.

ص: 372

وللمقصرين مرة بقول إيثار أهل الصلاح على غيرهم في إعطاء المال وهو رأي الفاروق منهم. وقال: لا اجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه ورأى الصديق التسوية بينهم ويقول إنما عملوا لله فاجرهم على الله وهذا المال عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر وليس ثمناً لأعماله] (1).

وقد ذكرت في "شرح المنهاج" فروعاً أُخر تتعلق بكيفية الحلق وآدابه فراجعها منه.

الثامن: المحصر في الحلق والتقصير كغيره في كون ذلك نسكاً له.

وقال أبو حنيفة (2) وصاحباه: ليس على المحصر شيء من ذلك ويرده فعله عليه الصلاة والسلام ذلك يوم الحديبية.

(1) زيادة من حاشية الأصل.

(2)

الاستذكار (13/ 108).

ص: 373