المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌50 - باب فسخ الحج إلى العمرة - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌50 - باب فسخ الحج إلى العمرة

‌50 - باب فسخ الحج إلى العمرة

ذكر فيه غير ذلك من الأحكام ككيفية الدفع وتقديم بعض أعمال يوم النحر على بعض وكيفية رمي جمرة العقبة، وأن الحلق أفضل من التقصير ونفر الحائض بلا وداع وتخفيف المبيت عن أهل السقاية والجمع بمزدلفة فلو قال باب فسخ الحج إلى العمرة وغيره. كان أولى ثم ذكر في باب أحد عشر حديثاً:

[الحديث](1) الأول

259/ 1/ 50 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدى، غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وقدم على من اليمن، فقال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة. فيطوفوا، ثم يقصروا [وأن](2) يحلوا، إلَاّ من كان معه الهدى، فقالوا: ننطلق إلى منى، وذكر أحدنا يقطر [منياً](3). فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

زيادة من ن هـ.

ص: 308

"لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت" وحاضت عائشة، فنسكت المناسك كلها، غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجة وعمرة وانطلق بحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد (1) الحج" (2).

الكلام عليه من وجوه: وهو حديث عظيم يشتمل على فوائد جمة.

الأولى: في التعريف براويه وقد سلف في باب الجنابة واضحاً. وأما ما وقع فيه من الأسماء فعائشة سلف التعريف بها في الطهارة. وعبد الرحمن في باب السواك. وعلي في باب المذي.

وطلحة: أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإِسلام وأحد الستة [أصحاب](3) الشورى. والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق قال عليه الصلاة والسلام في حقه قبل أن يقتل " [طلحة] (4) ممن قضى نحبه. وما بدلوا تبديلا" أتاه سهم يوم الجمل لا يدري من رماه فكان أول قتيل. اتهم به مروان بن

(1) في ن هـ زيادة (أشهر).

(2)

البخاري في أطرافه (294)، ومسلم (1211)، وابن خزيمة (3907، 2936)، وابن ماجه (2963)، (3000)، وأبو داود (1782) في المناسك، باب. إفراد الحج، والبغوي (1913)، والبيهقي (4/ 355)(1/ 308)(5/ 3، 86)، وابن أبي شيبة (1/ 79)، والحميدي (206).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

في ن هـ ساقطة.

ص: 309

الحكم أصاب حلقه. فقال: وكان أمر الله قدراً مقدوراً. وقيل: أصاب رجله فقطع [عرق](1) النسا فنزف دمه فمات سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة وهو ابن أربع وستين وقيل: غير ذلك وقد بسطت ترجمته فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعها.

الثاني: أصل الإِهلال رفع الصوت ثم استعمل في التلبية استعمالاً شائعاً ويعبر به عن الإِحرام [إلَاّ](2) أن رفع الصوت بالتلبية مختصة بالرجال دون النساء فإن رفعت صوتها فالصحيح عند الشافعية لا يحرم.

الثالث: اختلف فيمن يطلق عليه صاحب أو صحابي على أقوال سلفت الإِشارة إليها في ديباجة الكتاب.

الرابع: قوله "بالحج" ظاهره يدل على الإِحرام وهي رواية جابر. قال القاضي عياض: وهذا ما يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج حيث أحرم به عليه الصلاة والسلام وأصحابه مفرداً ويؤيده توقفهم عن التحلل بالعمرة ما لم يتحلل حتى أغضبوه واعتذر إليهم بسبب سوق الهدي.

الخامس: قوله: "وليس مع أحد منهم هدى غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة" هذا الكلام كالمقدمة لما أمروا به من فسخ الحج إلى العمرة إذا لم يكن هدى وتقدم الكلام على الهدي في بابه واضحاً.

السادس: قولها: "وقدم علي من اليمن" جاء في رواية لمسلم

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

ص: 310

"أنه قدم من سِعايته" والسِعاية: بكسر السين تستعمل في مطلق الولاية ليس كما قال القاضي أنها تختص بالعمل على الصدقة حتى يرد استعماله بني هاشم على الصدقات.

السابع: علق أبو موسى رضي الله عنه إحرامه أيضاً بمثل إحرام النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الشيخان في صحيحهما (1) من حديثه وهذا النوع هو أحد وجوه الإِحرام الجائزة وهي خمسة: الإِفراد، والتمتع، والقران، والإِطلاق، والتعليق. فينعقد كإِحرامه.

واختلف أصحابنا فيما إذا علق على إحرام غيره في المستقبل أو على طلوع الشمس على وجهين، وميل الرافعي إلى الجواز.

قال القاضي عياض: أخذ الشافعي بظاهر الحديث وجوز الإِهلال بالنية [المبهمة](2)، قال: ثم له بعد أن ينقلها إلى ما شاء من حج أو عمرة، وله عنده أن ينتقل من نسك إلى نسك وخالفه سائر العلماء والأئمة لقوله عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات"(3). ولقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (4) ولقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} (5). ولأن هذا كان لهؤلاء خصوصاً إذ كان شُرع الحج بعد، وما يفعله الشارع لم يستقر ولم يكمل بعد، فلم يمكنها الإِقدام

(1) البخاري في أطراف (1559)، ومسلم (1221).

(2)

زيادة من إكمال المعلم (4/ 259) ولا بد منها.

(3)

سبق تخريجه في الحديث الأول.

(4)

سورة البقرة: آية 196.

(5)

سورة محمد: آية 33.

ص: 311

على أمر بغير تحقيق. قال القرطبي (1): ولا تتم حجة الشافعي لهذين الحديثين حتى يتبين أنهما حيث ابتدأ الإِحرام لم يعلما عين ما أحرم به صلى الله عليه وسلم إذ يجوز علمهما به فنقله إليهما ولفظهما محتمل.

قلت: الظاهر عدم علمهما به.

وفي كتاب "الذخيرة" في مذهبهم في كتاب الصلاة لو قال أحرمت بما أحرم به الإِمام، فقال أشهب: يجزئه، قال: وللشافعي قولان، قال: ويعتمد الجواز حديث علي، قال: وهو مشكل فإن الحج لا يفتقر إلى تعيين عند الإِطلاق لأنه منصرف إلى حجة الإِسلام إجماعاً بخلاف الصلاة.

وقال الشيخ تقي الدين (2): من الناس من عَدَّى هذا إلى صورة أُخرى أجاز فيها التعليق، ومنعه غيره، قال: ومن أبى ذلك يقول الحج مخصوص بأحكام ليست في غيره. ويجعل محل النص منها.

[السابع](3): أمر صلى الله عليه وسلم علياً بالبقاء على إحرامه لأنه ساق الهدى كما ساقه عليه الصلاة والسلام بخلاف أبي موسى فإنه عليه الصلاة والسلام أمره بالتحلل في الحديث الذي أسلفناه لأنه لم يسق الهدي وصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يكن معه هدي بقوله: "لولا أن معي الهدي لأحللت" فلهذا اختلف أمر إحرامهما فاعتمده ولا تلتفت إلى غيره مما أول.

(1) المفهم (3/ 346).

(2)

إحكام الأحكام (3/ 566).

(3)

في ن هـ (الثامن).

ص: 312

[الثامن](1): قوله: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة" فيه عموم لجميع الصحابة وهو مخصوص بأصحابه الذين لم يكن معهم هدي وهو مبين في حديث أخر كما سبق في الحديث الثاني من باب التمتع (2) وتقدم هناك اختلاف العلماء هل كان [ذلك](3) خاصاً للصحابة تلك السنة أم هو باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ فراجعه من ثم، والمراد بجعلها عمرة أن يعملوا أعمالها من غير استئناف إحرام ولهذا عقبها بالفاء في قوله:"فيطوفوا" وهذا الأمر ظاهر الروايات أنه أمر متحتم [و](4) علقه في بعضها "بالمحبة" والجمع بينهما بأنه خيرهم أولاً بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناساً بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ.

العاشر: قوله: "فيطوفوا" يريد واسعوا لما علم أنه لا بد من السعي في العمرة وإنما ترك ذلك للعلم به ويحتمل أن يكون عبر بالطواف عن مجموع الطواف والسعي فإن السعي يسمى طوافاً قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} إلى قوله: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} .

وقوله: "ثم يقصروا" لعل والله أعلم إنما أمرهم به دون الحلق لتأخيره إلى الحج كما سلف التنبيه عليه في الحديث الثاني من باب التمتع (5).

(1) في ن هـ التاسع.

(2)

ص 240.

(3)

في هـ ساقطة.

(4)

الأصل (من) وما أثبت من هـ.

(5)

ص 245، 246.

ص: 313

الحادي عشر: "منى" الأجود صرفها وتذكيرها كما سبق في الحديث الثالث من باب المرور بين يدي المصلى مع سبب تسميتها بذلك.

الثاني عشر: قوله: "فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر" فيه دلالة على استعمال المبالغة في الكلام فان المراد هنا لا حقيقة الإِمناء أو الإِنزال لأنهم إذا حلوا من العمرة وواقعوا النساء كان ذلك قريباً من إحرامهم بالحج لقرب الزمان من الإِحرام والمواقعة والإِنزال، فقيل: مبالغة "وذكر أحدنا يقطر" إشارة إلى اعتبار المعنى في الحج وهو الشعث وترك الترفه وطوله من الإِحرام يحصل هذا المقصود وقصره [يضعفه](1) بعدم الشعث ووجود الترفه وكأنهم استنكروا زوال المقصود وضعفه لقرب إحرامهم من تحللهم.

الثالث عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت" فيه جواز قول "لو" وإن كان ورد النهي عنها في الصحيح في قوله: "إن لو تفتح عمل الشيطان"(2) وقد

(1) في ن هـ (وضعفه).

(2)

أخرجه مسلم (2664)، وابن ماجه (79، 4168)، والسنة لابن أبي عاصم (356)، والبيهقي في السنن (10/ 89)، والأسماء والصفات له (1/ 263)، وأحمد (2/ 366، 370)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (623، 624)، ولفظه:"المؤمن القوي".

قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه-: والعبد إذا فاته المقدور له حالتان، حالة عجز وهي عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى "لو" ولا فائدة فيها، بل هي مفتاح اللوم والعجز والسخط والحزن، وهذا من عمل الشيطان، فنهاه =

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عن افتتاح عمله بهذا الافتتاح، وأمره بالحالة الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر لم يفته ولم يغلبه عليه أحد، فقال:"وإن أصابك" إلخ فأرشده إلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته، ونهاه عن قول "لو" وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان، لما فيها من صور التأسف على ما فات، والتحسر والحزن ولوم القدر، فيأثم بذلك، وذلك من عمل الشيطان وما ذاك لمجرد لفظ "لو" بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه. المنافية لكمال الإِيمان، الفاتحة لعمل الشيطان، وأرشده إلى الإِيمان بالقدر، والتفويض والتسليم للمشيئة فهذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد، وهو يتضمن إثبات القدر، وإثبات الكسب والقيام بالعبودية. اهـ.

قال في تيسير العزيز الحميد (601)، قال القاضي: قال بعض العلماء: هذا النهي إنما هو لمن قاله معتقداً ذلك حتماً، وأنه لو فعل ذلك لم يصبه قطعاً. فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى، وأنه لن يصبه إلَاّ ما شاء الله فليس من هذا، واستدل بقول أبي بكر الصديق في الغار، لو أن أحدهم رفع رأسه لرآنا. قال القاضي: وهذا ما لا حجة فيه، لأنها خبر عن مستقبل، وليس فيه دعوى لرد القدر بعد وقوعه، قال: وكذا جميع ما ذكره البخاري فيما يجوز من اللو كحديث "لولا حدثان قومك بالكفر، لأتممت البيت على قواعد إبراهيم"، "ولو كنت راجماً بغير بينة لرجمت هذه"، و"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" وشبه ذلك وكله مستقبل لا اعتراض فيه على قدر ولا كراهة فيه، لأنه إنما أخبر عن اعتقاده فيما كان يفعل لولا المانع وعما هو في قدرته فأما ما ذهب فليس في قدرته. فإن قيل: ما تصنعون بقوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي، ولجعلتها؟ قيل: هذا كقوله: "لولا حدثان قومك بالكفر" ونحوه مما هو خبر عن مستقبل لا اعتراض فيه على قدر، بل هو إخبار لهم أنه لو استقبل الإِحرام بالحج، ما ساق الهدي ولا أحرم =

ص: 315

جمع بينهما بأن قيل إن كراهة استعمالها مخصوص بالتلهف على أمور الدنيا إما طلباً، كما يقال: لو فعلت كذا لحصل لي كذا وهذا كقولك لو كان كذا وكذا لما وقع كذا وكذا، لما في ذلك من صورة عدم التوكل ونسبة الأفعال إلى القضاء والقدر فقط أما إذا استعملت في معنى القربات كما في هذا الحديث فلا كراهة ويلزم من ذلك أن يكون ما تمناه عليه الصلاة والسلام أفضل وهو التمتع لو وقع وهو الوجه الثالث عشر: والجواب: أن الشيء قد يكون أفضل لذاته وقد يكون أفضل لما يقترن به من مصلحة لا لذاته فالتمتع مقصود للترفه ويجبره بالدم ولكنه لما اقترن به قصد موافقة الصحابة في فسخ الحج إلى العمرة لما شق ذلك عليهم وهذا أمر زائد على مجرد التمتع، اقتضى ذلك أفضليته من هذا الوجه خاصة لا من حيث هو [هو](1) ولا يلزم من ذلك أن يكون التمتع بمجرده أفضل فاقتضى ترجيحه لذلك لا لذاته.

واعلم أن الشيخ تقي الدين (2) نقل هذا الاستدلال وهو أن التمتع أفضل عند بعضهم وقرره كما [سقناه](3) وفيه نظر لأن هذا غير

= بالعمرة بقوله لهم لما أمرهم توقفوا في أمره، فليس من المنهي عنه، بل هو إخبار لهم عما كان يفعل في المستقبل لو حصل، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما ينهى عن ذلك في معارضة القدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو يقع لوقع خلاف المقدور. اهـ.

(1)

في ن هـ ساقطة.

(2)

إحكام الأحكام (3/ 572).

(3)

في ن هـ (أسلفناه).

ص: 316

[المتمتع](1) المذكور بإزاء الإِفراد والقران فإنه فسخ الحج إلى العمرة ولا قائل بأفضليته بل الخلاف الآن في أصل جوازه كما سلف.

الرابع عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "لولا أن معي الهدي لأحللت". هذا معلل بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (2) فإن فسخ الحج إلى العمرة يقتضي التحلل بالحلق عند الفراغ من العمرة ولو تحلل به عند فراغه بها لحصل الحلق قبل بلوغ الهدى محله وفي معنى الحلق التقصير فيمتنع كما يمتنع الحلق قبل بلوغ الهدى محله وحينئذ يؤخذ من هذا التمسك بالقياس كما نبه عليه الشيخ تقي الدين مع أن النص لم يرد إلَاّ في الحلق. فلو وجب الاقتصار على النص لم يمكن التحلل من العمرة بالتقصير ويبقى النص معمولاً به في [منع](3) الحلق حتى يبلغ الهدى محله فحيث حَكَم بامتناع التحلل من العمرة وعلل بهذه العلة دل ذلك على أنه أجرى التقصير [مجرى](4) الحلق في امتناعه قبل بلوغ الهدى محله، مع أن النص لم يدل عليه بلفظه، وإنما ألحق به بالمعنى.

خامس عشر: وقوله: "وحاضت عائشة رضي الله عنها" كان ابتداء حيضها يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة سنة عشر

(1) في ن هـ (التمتع).

(2)

سورة البقرة: آية 196.

(3)

في ن هـ (معنى)، وما أثبت يوافق إحكام الأحكام (3/ 573).

(4)

زيادة من ن هـ.

ص: 317

عام حجة الوداع وطهرها كان يوم السبت في يوم النحر ذكره ابن حزم في كتابه "حجة الوداع"(1).

(1) حجة الوداع لابن حزم (314، 323).

قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في زاد المعاد (2/ 176) فصل: وأما موضع حيضها، فهو بسرف بلا ريب، وموضع طهرها قد اختلف فيه، فقيل: بعرفة هكذا روى مجاهد عنها وروى عروة عنها أنه أظلّها يوم عرفة وهي حائض ولا تنافي بينهما، والحديثان صحيحان، وقد حملهما ابن حزم على معنين، فطهر عرفة: هو الاغتسال للوقوف بها عنده، قال: لأنها قالت: تطهرت بعرفة، والتطهير غير الطهر، قال: وقد ذكر القاسم يوم طُهرها، أنه يوم النحر، وحديثه في "صحيح مسلم" قال: وقد اتفق القاسم وعروة على أنها كانت يومُ عرفة حائضاً، وهما أقرب الناس منها، وقد روى أبو داود: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي الحجة .... فذكرت الحديث، وفيه، فلما كانت ليلة البطحاء، طهرت عائشة وليلة البطحاء كانت بعد يوم النحر بأربع ليال، وهذا محال إلَاّ أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة، ليست من كلام عائشة، فسقط التعلق بها، لأنها ممن دون عائشة، وهي أعلم بنفسها. قال: وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا وهيب بن خالد، وحماد بن زيد، فلم يذكرا هذه اللفظة قلت: يتعين تقديم حديث حماد بن زيد ومن معه على حديث حماد بن سلمة لوجوه:

أحدها: أنه أحفظ وأثبت من حماد بن سلمة.

الثاني: أن حديثهم فيه إخبارها عن نفسها، وحديثه فيها الإِخبار عنها.

الثالث: أن الزهري روى عن عروة عنها الحديث، وفيه: فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، وهذه الغاية هي التي بينها مجاهد والقاسم عنها، =

ص: 318

السادس عشر: قوله: "فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت" فيه دلالة على امتناع الحائض من الطواف إما لذاته أو لملازمته دخول المسجد. بخلاف سائر أعمال الحج وأنه لا تشترط الطهارة في بقية أعماله.

السابع عشر (1): قوله: "غير أنها لم تطف بالبيت" يريد ولم تسع وتبين ذلك برواية أخرى صحيحة ذكر فيها "أنها بعد أن طهرت طافت وسعت" ويؤخذ من هذا أن السعي لا يصح إلَاّ بعد طواف صحيح فإنه لو صح لما لزم من تأخير الطواف بالبيت تأخير السعي، لأنها قد فعلت المناسك كلها غير الطواف [بالبيت](2)، فلولا اشتراط تقدم الطواف على السعي لفعلت في السعي ما فعلت في غيره. من المناسك. وهذا الحكم متفق عليه بين أصحاب الشافعي ومالك.

وزاد المالكية قولاً آخر: أن السعي لا بد أن يكون بعد طواف واجب. وإنما صححوه بعد طواف القدوم. لأنه عند القائل بصحة السعي بعده واجب لا مندوب [يخالف](3) في أمر "من" الشرطية المذكورة، ووجوب طواف القدوم.

ووقع في "الأساليب"(4) لإِمام الحرمين أن بعض أئمتنا، قال:

= لكن قال مجاهد عنها: فتطهرت بعرفة، والقاسم قال: يوم النحر. اهـ كلامه.

(1)

انظر: إحكام الأحكام (3/ 573).

(2)

زيادة من هـ.

(3)

في هـ (فخالف).

(4)

إمام الحرمين: هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف ضياء الدين أبو المعالي. والكتاب متعلق بالخلاف.

ص: 319

لو قدم السعي على الطواف اعتد به وهو غلط.

[السابع عشر](1): قولها: "ينطلقون بحجة وعمرة" فهذه العمرة التي فسخوا الحج إليها والحج الذي أنشاؤه من مكة.

وقولها: "وانطلق بحج" هذا يشعر بأنها لم تحصل لها العمرة إما لأنها لم تحلل بفسخ حجها الأول إلى العمرة، وإما لأنها فسخته ثم حاضت فيتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الحج فأحرمت به فصارت قارنه والأول ظاهر قولها:"وانطلق بحج" لكنه لما ثبت في روايات أخر صحيحة اقتضت أن عائشة اعتمرت حيث أمرها عليه الصلاة والسلام بترك عمرتها ونقض راسها وامتشاطها، وبالإِهلال بالحج لما حاضت لامتناع التحلل من العمرة بوجوه منها: الحيض، ومنها: مزاحمة وقت الحج، ومنها: إتمام أعمال العمرة وهو الطواف، ودخول المسجد، وحُمل أمره بترك العمرة على ترك المضي في أعمالها لا على رفضها بالخروج منها. ولم [يمكن] (2) رفض العمرة وأهلت بالحج مع بقاء العمرة فصارت قارنة فأشكل قولها:"ينطلقون بحجة وعمرة وانطلق بحج" إذ هي على التقدير التالي قد حصل لها حج وعمرة فهي قارنة فاحتاج العلماء إلى تأويل ذلك فقالوا: المراد ينطلقون بحج مفرد عن عمرة وعمرة مفردة عن حجه وانطلق بحج غير مفرد عن عمرة فأمرها عليه الصلاة والسلام بالعمرة ليحصل لها قصدها في عمرة

(1) في ن هـ (الثامن عشر). انظر: إحكام الأحكام (3/ 575).

(2)

في ن هـ (يكن).

ص: 320

مفردة عن حج، وحج مفرد عن عمرة، والجمع بين الروايات ألجأهم إلى ذلك وإن كان الظاهر خلافها، بالنسبة إلى هذا الحديث وفي جميعه دلالة على الرد [على](1) من يقول إن القران أفضل.

[الثامن عشر](2): قوله: "فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر" يعني أخا عائشة لأبويها وكان أكبر أولاد الصديق رضي الله عنه أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج وكان إحرامها بها ليلة الرابع عشر من ذي الحجة.

والتنعيم: مكان عند طرف الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال، وقيل: أربعة من مكة وهو عند مسجد عائشة، قال الفاكهي: هناك مسجدان يزعم بعض المكيين أن الأدنى إلى مكة مهل عائشة وبعضهم زعم أنه الأقصى.

قال المطرزي في المعرب (3): والتنعيم: مصدر نعمة إذا ترفه، قال: ومنه سمى التنعيم وهو موضع قريب من مكة، قال: والتركيب دال على اللين والطيب.

وقال غيره: سمى بذلك لأنه عن يمينه جبلاً، يقال له: نعيم وعن شماله جبل، يقال له: ناعم، والوادي نعمان، والعلة في الإِحرام بالعمرة من الحل قصد الجمع بين الحل والحرم فيها كما وقع في الحج من الجمع بينهما فإِن عرفة من الحل والوقوف بها ركن

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في ن هـ (التاسع عشر).

(3)

(2/ 313).

ص: 321

فإن لم يخرج إليه وأحرم بها من مكة أو من الحرم وأتى بأفعالها أجزأه في أظهر القولين للشافعي فإن خرج إلى الحل بعد إحرامه بها وقبل الطواف والسعي سقط الدم على أظهر الطريقين لأصحابه.

وقال مالك: لا يصح.

وشذ بعضهم: فشرط الخروج إلى التنعيم بعينه ولم يكتف بالخروج إلى مطلق الحل وليس بشيء بل المفهوم منه الخروج إلى مطلق الحل. وإنما أمر عائشة بالخروج مع أخيها للعمرة إلى التنعيم لقربه من الحرم فإنه أقرب جهات الحل من الحرم لا لعينه.

[التاسع عشر](1): في أحكام الحديث ملخصة على وجه الاختصار.

الأول: استحباب التلبية، ورفع الصوت بها.

الثاني: وجوب الإِحرام على من أراد الحج والعمرة أو هما.

الثالث: أن السُّنة سوق الهدي من الميقات.

الرابع: أن الأفضل الإِحرام بالحج مفرداً.

الخامس: جواز إدخال العمرة على الحج ويصير قارناً وقد سلف ما فيه من الخلاف.

السادس: أن من ساق الهدي لا يجوز له التحلل من العمرة.

السابع: مخالفة الجاهلية في جواز الاعتمار في أشهر الحج.

(1) في ن هـ (العشرون).

ص: 322

الثامن: أن العالم إذا حاول إحياء شرع أو سنة أن يتلطف في ذلك بالاستدراج دون البغتة.

التاسع: جواز ترك الأفضل لمصلحة أهم منه وهي مراعاة موافقة الأصحاب إذا لم يكن محذور.

العاشر: استعمال المبالغة للمقاصد الشرعية.

الحادي عشر: جواز ذكر العلل في الأحكام.

الثاني عشر: أن الحكم الخاص بزمن أو بشخص لعلة يصير عاماً وإن لم توجد العلة على قول من قال بأن النسخ ليس خاصاً بأولئك على ما تقدم.

الثالث عشر: الاعتذار لمخالفة العادة.

الرابع عشر: جواز تسمية السعي طوافاً.

الخامس عشر: أن من عقل شيئاً من معاني الأحكام أن يذكرها للعلماء بها ليقروه عليها أو يردوه عنها.

السادس عشر: جواز تمني الأمور الأخروية.

السابع عشر: جواز استعمال "لو" فيها من غير كراهة ولا يكون تركاً للتوكل ولا مخالفة للقضاء والقدر.

الثامن عشر: أن الحائض يصح منها جميع أفعال الحج غير الطواف بالبيت ومذهب الجمهور (1) أنه لا يجوز طواف المحدث

(1) وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة. انظر: القوانين الفقهية لابن جزي (116)، والمجموع (8/ 15، 17)، والمغني (4/ 390).

ص: 323

وصححه أبو حنيفة (1) وأحمد (2) في أحد قوليه ورأيا عليه الدم واعتذروا عن هذا الحديث بأنها إنما لم تطف بالبيت لأجل المسجد وهو عجيب (3).

(1) الهداية (1/ 165)، والمبسوط (4/ 38).

(2)

الإِنصاف (3/ 16).

(3)

انظر إلى: خلاف العلماء في الاستذكار (12/ 171، 174).

قال ابن تيمية -رحمنا الله وإياه- في مجموع الفتاوى (26/ 199) ثم تدبرت وتبين لي أن طهارة الحدث لا تشترط في الطواف، ولا تجب فيه بلا ريب، وقال أيضاً: ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى، فإن الدلالة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيه، وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه، وقال أيضاً (26/ 212) ولا يشترط للطواف شروط الصلاة، وهو قول أكثر السلف وهذا هو الصواب.

وقال أيضاً في (26/ 199، 212) والمشترطون في الطواف كشروط الصلاة ليس معهم حجة إلَاّ قوله صلى الله عليه وسلم "الطواف بالبيت صلاة" وهذا لو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم فيه حجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب على الطائفين طهارة ولا اجتناب نجاسة بل قال:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها بالتكبير، وتحليلها التسليم"، والطواف ليس كذلك، فلا يجب فيه ما يجب في الصلاة، ولا يحرم فيه ما يحرم في الصلاة، فبطل أن يكون مثلها.

وقد ذكروا من القياس أنها عبادة متعلقة بالبيت، فكانت الطهارة وغيرها شرطاً فيها كالصلاة، وهذا القياس فاسد، فإنه يقال: لا نسلم أن العلة في الأصل كونها متعلقة بالبيت، ولم يذكروا دليلاً على ذلك، والقياس الصحيح ما بين فيه أن المشترك بين الأصل، والفرع هو، علة الحكم =

ص: 324

التاسع عشر: أن المحرم لا يحل له الحلق أو التقصير حتى يشرع في أسباب التحلل بمحله.

العشرون: تحريم المسجد على الحائض والطواف وغيره من الصلاة والاعتكاف وسواء خافت تلويثه أم لا. نعم يجوز لها العبور إن أمنت التلويث.

الحادي والعشرون: جواز الخلوة بالمحارم.

الثاني والعشرون: أنه لا يجوز سفر المرأة إلَاّ مع محرم وإن

= أو دليل العلة والطهارة إنما وجبت لكونها صلاة سواء تعلقت بالبيت أم لم تتعلق، ألا ترى أنهم لما كانوا يصلون إلى الصخرة كانت الطهارة أيضاً شرطاً فيها، ولم تكن متعلقة بالبيت، كما هو الحال إذا صلَّى إلى غير القبلة في التطوع أثناء السفر، وكصلاة الخوف راكباً، فإن الطهارة شرطاً ليست متعلقة بالبيت، وأيضاً فالنظر إلى البيت عبادة متعلقة بالبيت، ولا يشترط لها الطهارة، ولا غيرها ثم هناك عبادة من شرطها المسجد، ولم تكن الطهارة شرطاً فيها كالاعتكاف، وقد قال تعالى:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} ، فليس إلحاق الطائف بالراكع الساجد بأولى من إلحاقة بالعاكف، بل العاكف أشبه، لأن المسجد شرط في الطواف والعكوف، وليس شرطاً في الصلاة.

فإن قيل: الطائف لا بدَّ أن يصلي ركعتين بعد الطواف، والصلاة لا تكون إلَاّ بطهارة، قيل: وجوب ركعتي الطواف فيه نزاع وإذا قدر وجوبهما لم تجب فيهما الموالاة، وليس اتصالهما بالطواف بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة، ومعلوم أنه لو خطب محدثاً، ثم توضأ وصلَّى الجمعة جاز، فلأن يطوف محدثاً ثم يتوضأ، ويصلى الركعتين جاز بطريق الأولى. اهـ.

ص: 325

قصر السفر وتقييد السفر بيوم أو ليلة أو بهما في بعض الأحاديث خرج على الغالب.

الثالث والعشرون: الجمع بين الحل والحرم في الإِحرام بالعمرة.

الرابع والعشرون: أن الأفضل أن يحرم بها من الحل.

الخامس والعشرون: أن من جهات الحل للإِحرام بها التنعيم وليس في الحديث دلالة على أنه أفضل الجهات للإِحرام بها وإن وقع في "التنبيه" أن الأفضل أن يحرم بها منه فقد غلطوه فيه وإنما الأفضل الجعرانة، ثم التنعيم، ثم الحديبية وإنما أمرها عليه الصلاة والسلام بالإِحرام من التنعيم لقربه من الحرم وكان الركب على رحيل.

السادس والعشرون: أن العمرة المستقلة لمن أفرد الحج وأراد فعلها لا تجوز إلَاّ بعد الفراغ من الحج.

واختلف العلماء في جواز فعلها في أيام التشريق لمن تعجل في يومين فحرمه مالك وطائفة.

وجوّزه [الإِمام](1) الشافعي وطائفة: [مع](2) الكراهة إما للخروج من خلاف العلماء وإما بخصوصية أيام التشريق وجواز الذبح والتضحية بها.

(1) في ن هـ زيادة (الإِمام).

أشار إلى الخلاف في الاستذكار (11/ 252، 253).

(2)

في ن هـ (لمنع).

ص: 326

السابع والعشرون: أن تعيين الإِحرام أفضل من إطلاقه وهو الأصح عند الشافعي ووجه أخذه من الحديث قولها: "أهل بالحج".

الثامن والعشرون: مشروعية حج الرجل بامرأته وهو إجماع وأجمعوا على أن له منعها من حج التطوع.

وأما حج الفرض فقال الجمهور: ليس له منعها وهو أحد قولي الشافعي وأصحهما عنده له المنع لأن حقه على الفور والحج على التراخي.

***

ص: 327